تُبحر الأمة الإيرانية في مستقبلها وسط مُنعطف زمني حرج  يقدم فرصًا وتحديات، ويثير اهتمامًا كبيرًا على الصعيدين المحلي والدولي، ويؤثر  علي المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إيران، فضلًا عن علاقاتها الخارجية.


يدعو الإصلاحيون إلى المزيد من الحريات السياسية، والتحديث الاقتصادي، وتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي، على النقيض من العناصر المحافظة التي تهيمن على السياسة الإيرانية.

ويمثل الرئيس الإصلاحي الجديد، الذي أكدت حملته الانتخابية على هذه القيم…دفعة متجددة نحو الإصلاح في بلد يشهد اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة.

التداعيات السياسية

قد يؤدي انتخاب رئيس إصلاحي إلى تغييرات جوهرية في المشهد السياسي الإيراني، ويدافع الإصلاحيون عادة عن قدر أكبر من الانفتاح السياسي والحريات المدنية، وقد يعني هذا تخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير والصحافة، وتعزيز بيئة سياسية أكثر انفتاحًا وتشاركية.

ستكون مثل هذه التغييرات مهمة في بلد غالبًا ما تُقابل فيه المعارضة السياسية بتداعيات خطيرة!!

ومع ذلك، سيواجه الرئيس الإصلاحي معارضة كبيرة من الفصائل المحافظة الراسخة في المؤسسات القوية مثل مجلس صيانة الدستور، والحرس الثوري، ومكتب المرشد الأعلى، لقد قاومت هذه الكيانات تاريخيًا الإصلاحات التي يمكن أن تضعف سيطرتها.

و ستعتمد قدرة الرئيس، على تنفيذ تغييرات سياسية ذات معنى على التعامل مع هيكل السلطة المعقد، وبناء التحالفات داخل مشهد سياسي مجزأ.

علاوة على ذلك، فإن أي محاولة لإجراء إصلاح كبير من المرجح أن تثير ردود فعل من جانب المتشددين الذين يخشون فقدان قبضتهم على السلطة.

وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوتر السياسي وعدم الاستقرار، وسيحتاج الرئيس إلى تحقيق توازن دقيق بين الضغط من أجل الإصلاحات والحفاظ على الدعم الكافي للحكم بفعالية.

الآفاق الاقتصادية

أصيب الاقتصاد الإيراني بالشلل بسبب مزيج من سوء الإدارة المحلية والعقوبات الدولية، لا سيما تلك التي أعادت الولايات المتحدة فرضها بعد انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2018، وارتفاع التضخم والبطالة، وانخفاض مستوى المعيشة.

خلقت المعيشة استياء واسع النطاق بين الشعب الإيراني!!

ومن المرجح أن يعطي الرئيس الإصلاحي الأولوية للإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى معالجة هذه القضايا، ومن المتوقع أن تواصل الإدارة الإصلاحية الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي، حيث أن رفع العقوبات من شأنه أن يوفر دفعة تشتد الحاجة إليها للاقتصاد.

ومن الممكن أن تؤدي المفاوضات الناجحة في الخارج، إلي زيادة صادرات النفط، وتوفير بيئة اقتصادية أكثر استقرارا.

الإصلاحات الاجتماعية

قد تركز الأجندة الإصلاحية للرئيس الجديد على تحسين حقوق الإنسان وتوسيع الحريات الفردية،  تتمتع إيران بسكان من الشباب والمتعلمين بشكل متزايد ويشعرون بالإحباط بسبب القيود الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية، وأحد المجالات ذات الأهمية الخاصة هو حقوق المرأة.

على الرغم من التقدم الكبير في التعليم والمشاركة في القوى العاملة، لا تزال المرأة الإيرانية تواجه تمييزًا قانونيًا واجتماعيًا كبيرًا، وقد يدفع الرئيس الإصلاحي نحو إجراء إصلاحات قانونية لتعزيز حقوق المرأة، رغم أن هذا سيواجه بلا شك مقاومة من العناصر المحافظة.

هناك قضية اجتماعية حاسمة أخرى وهي معاملة الأقليات العرقية والدينية.
العلاقات الخارجية

وعلى الساحة الدولية، قد يؤدي انتخاب رئيس إصلاحي إلى تحول في سياسة إيران الخارجية، ويفضل الإصلاحيون عمومًا تحسين العلاقات مع الغرب والجيران الإقليميين، ومن المرجح أن يتبع الرئيس نهجًا أكثر تصالحية وتعاونًا في الدبلوماسية، ويسعى إلى الحد من التوترات وحل النزاعات من خلال التفاوض بدلًا من المواجهة.

وستكون إعادة التعامل مع خطة العمل الشاملة المشتركة وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والدول الأوروبية من الأولويات… وهذا يمكن أن يمهد الطريق لرفع العقوبات الاقتصادية، وتطبيع العلاقات التجارية، وجذب الاستثمار الأجنبي.

وفي الشرق الأوسط، قد يسعى الرئيس، إلى وقف تصعيد الصراعات وبناء علاقات أكثر استقرارًا وبناءة مع الدول المجاورة، كان تورط إيران في الصراعات الإقليمية، كما هو الحال في سوريا واليمن، مصدرًا لانتقادات دولية كبيرة وضغوطًا اقتصادية.

ومن الممكن أن تساعد السياسة الخارجية الأكثر اعتدالًا في تقليل هذه الضغوط وتعزيز مكانة إيران في المنطقة.

التحديات والقيود

وسيكون أحد التحديات الرئيسية هو إدارة توقعات الشعب الإيراني، إن الرغبة في إحداث تغيير سريع وجوهري قوية، لكن الرئيس سيحتاج إلى التخفيف من هذه التوقعات مع واقع المشهد السياسي والاقتصادي المُعقد في إيران.

وقد يكون تحقيق التقدم التدريجي أكثر قابلية للتحقيق من الإصلاحات الشاملة، ولكن هذا قد يؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل بين السكان،وسيحتاج الرئيس أيضًا إلى إيجاد توازن دقيق بين متابعة الإصلاحات والحفاظ على الاستقرار.

يعتبر انتخاب رئيس إصلاحي جديد في إيران، فرصًا وتحديات في الوقت نفسه، ومع ذلك، فإن تحقيق تلك الأهداف سيتطلب الإبحار في بيئة سياسية معقدة ومعادية في كثير من الأحيان، ومعالجة القضايا الاقتصادية العميقة، وإدارة التوترات الجيوسياسية.

وسوف يعتمد نجاح الرئيس على مزيج من القيادة الفعالة، والدبلوماسية الاستراتيجية، والقدرة على بناء دعم واسع النطاق للأجندة الإصلاحية.

ورغم أن الطريق أمامنا محفوف بالصعوبات، فإن إمكانية حدوث تغيير حقيقي توفر بصيص أمل في مستقبل أفضل لإيران وشعبها.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 اخبار فلسطين غزة الشرق الأوسط الخليج العربي ايران الرئيس الايراني دونالد ترامب جو بايدن مسعود بزشكيان أخبار مصر الملف النووي حقوق الإنسان الرئیس الإصلاحی

إقرأ أيضاً:

قراءة في زيارة الرئيس إلى موسكو

جاءت زيارة فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى العاصمة الروسية موسكو لتُشكّل منعطفًا مهمًا في مسار العلاقات اليمنية الروسية التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ منذ أكثر من مائة عام وتحديدًا منذ بدايات القرن العشرين.

هذه الزيارة الرسمية التي تمت بدعوة من القيادة الروسية تؤكد بلاشك عمق العلاقات التاريخية والسياسية والاقتصادية بين البلدين وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاستراتيجي في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة والتحديات التي تواجه اليمن في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه.

وفي سلسلة من اللقاءات المثمرة ناقش الرئيس العليمي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين والمسؤولين الروس العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الملف اليمني ومستقبل السلام في البلاد إضافة إلى التعاون الاقتصادي والاستثماري والأمني.

وقد أكد الجانب الروسي دعم موسكو الكامل لوحدة اليمن وسيادته ولجهود مجلس القيادة الرئاسي في إحلال السلام والاستقرار وحرصه على دور روسي متوازن في دعم العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة. وهذا ما عُدّ بمثابة تأكيد على الموقف التاريخي الروسي الثابت تجاه القضايا العربية واليمنية.

تُعد العلاقات اليمنية الروسية من أقدم العلاقات اليمنية مع دول العالم فقد بدأت ملامحها الأولى في القرن التاسع عشر، وتطورت بشكل ملحوظ بعد الثورة اليمنية عام 1962 حيث كانت روسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) من أوائل الدول التي دعمت اليمن في بناء مؤسساته وتحديث جيشه وبنيته التحتية.

واليوم وبعد مرور أكثر من قرن على هذه العلاقة تجددت الروابط التاريخية برؤية معاصرة تستوعب التغيرات الجديدة وتبحث عن المصالح المشتركة بما يخدم الشعب اليمني ويُسهم في استقرار المنطقة.

ومن أبرز محاور الزيارة حسب ما نشر بحث إمكانية استئناف التعاون في مجالات النفط، والغاز، والطاقة والتعليم، والتبادل التجاري بالإضافة إلى إعادة النظر في برامج المنح الدراسية للطلاب اليمنيين في الجامعات الروسية في خطوة من شأنها رفد اليمن بكفاءات علمية مؤهلة.

كما نوقشت فرص جذب الاستثمارات الروسية إلى القطاعات الحيوية في اليمن، لا سيما في المناطق المحررة مما قد يُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل والتخفيف من معاناة المواطنين.

في اعتقادي انه في ظل التحولات الدولية واحتدام التنافس بين القوى الكبرى فهذه الزيارة تعكس توجهًا حكيمًا نحو تنويع الشراكات الدولية وبناء علاقات متوازنة تراعي المصالح الوطنية لليمن وتستفيد من الخبرات المتقدمة للقوى العالمية مثل روسيا.

كما تؤكد أيضا أن اليمن لا يزال فاعلًا على الساحة الدولية ويسعى لاستعادة موقعه الطبيعي عبر سياسة خارجية مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون البناء وإن كانت اليمن تمر في حالة استثنائية منذ مايريوا على عقد من الزمن.

وختاما فإن زيارة فخامة الرئيس ومعه وزير الخارجية د.شائع الزنداني إلى روسيا تمثل محطة فارقة في تاريخ العلاقات الثنائية، وفرصة لإعادة تفعيل الشراكة مع دولة كبرى كانت وما زالت حاضرة في تاريخ اليمن الحديث كون هذه الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون وتبعث برسالة قوية مفادها أن اليمن يسعى للسلام والتنمية بدعم من أصدقائه الحقيقيين حول العالم.

د.علي الصباحي - إعلامي وكاتب يمني

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية السوري يستقبل نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مطار دمشق الدولي بعد تغيّر المشهد السياسي في سوريا
  • «فخور إني من ولادك».. ياسر جلال يحيي ذكرى وفاة الفنان حسن حسني
  • بعد الإفراج عنه.. أول تصريحات للمرشح السياسي المفرج عنه أحمد الطنطاوي
  • قراءة في زيارة الرئيس إلى موسكو
  • الرئيس اليمني في معهد الاستشراق : التمدد الإيراني تهديد للتوازن والسلم والامن الدوليين
  • الأهلي يوقع عقوبة مالية على ياسر إبراهيم.. أحمد حسن يفجر مفاجأة
  • ياسر جلال يتصدر «التريند» عقب احتفاله بتخرج ابنته من الثانوية العامة
  • توقيع غرامة مالية على ياسر إبراهيم .. اعرف السبب
  • الرئيس العليمي يحذر من موسكو من خطر التمدد الإيراني ويصحح سرديات مغلوطة بشأن الحوثيين
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (…. بس)