السوريون من ظلال الاستبداد إلى فضاءات التألق العالمي.. جرد حساب فكري
تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT
شقّ عشرات آلاف اللاجئين السوريين طريقهم في دروب الهجرة الصعبة، وحققوا نجاحات لافتة، وتركوا بصماتٍ في كل مكان وصلت إليه أقدامهم، وشكلوا مصدراً للإلهام، والتحفيز، والإبداع الخَلّاق، حين أُتيحت لهم الفرص في دول اللجوء في تركيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية، والخليج العربي، ومصر، وبلدان أخرى، فكانت ثقتهم بالله تعالى، والإصرار على النجاح، والخلاص من الاستعباد والطغيان، وإيمانهم بأن "غداً أفضل" الحافز الأكبر لهم في غُربتهم، وأوطانهم الجديدة.
السوريون.. آثارهم تُنبئك عن أخبارهم
اختراعات عظيمة، وأسماء بارزة، حفظها العالم عن ظهر قلب، تَصدرهم المخترع ستيف بول جونز مؤسس شركة آبل العملاقة، وهو ابن عبد الفتاح الجندلي؛ سوري الأصل، وأمريكي المواطنة. والمخرج السينمائي العالمي الأستاذ مصطفى العقاد، وهو صاحب فيلمي "الرسالة" و"أسد الصحراء"، ورائد الفضاء اللواء محمد فارس، وهو من أول رواد الفضاء العرب، والذي كان ضمن برنامج الفضاء السوفياتي في مركبة سويوز M3 للمحطة الفضائية مير في أواخر القرن الماضي، والخبير الاقتصادي والوزير محمد الشعار رائد الأعمال الذي أسس العديد من الشركات الناشئة في مجالات التقانة والاتصالات في أمريكا وسنغافورة وبريطانيا، وهو رئيس الجمعية الأمريكية السورية لرجال الأعمال، وبرز اسمه في جامعة جورج تاون ضمن الـ 500 شخصية مسلمة الأكثر تأثيراً في العالم. وعَرف العالم المخترع والمهندس السوري أكرم العادل الذي طوّر أطرافاً صناعية ذكية، تستخدم تقنيات الاستشعار الإلكتروني لتحسين حركة المستخدمين، واستقلاليته. وعمرو اللبابيدي، وهو طبيب سوري متخصص في جراحة القلب، والذي ابتكر تقنيات عالية في عمليات القلب المفتوح، حتى تقلل من فترة التعافي، وتزيد معدلات الإنتاج. والمهندس الزراعي عبد الله حبيب، والذي طوّر نظاماً ذكياً للري، يستخدم تقنيات الاستشعار، والتحكم عن بُعد لتوفير المياه، وتطوير كفاءة الري في المناطق الجافة.
وهناك المهندسة والمخترعة السورية سيرين حمشو ابنة المهندس الشهير عمر حمشو، من مدينة حماة، ومتخصصة في مجال الطاقات المتجددة، وحاصلة على براءة اختراع دولية لتصميمها نظام عنفات هوائية عام 2015، وصنفتها شبكة الـBBC ضمن أفضل 100 امرأة حول العالم. واِشتهر المهندس عمر الهاشمي، والذي طوّر تقنيات جديدة في مجال الطاقة الشمسية لتحسين كفاءة الخلايا الشمسية، وجعلها أكثر فاعلية من حيث التكلفة.
وخالد الصغير، وهو مهندس برمجيات، ومطور تقنيات ذكية لإدارة الأعمال، وتحليل البيانات الكبيرة، وفي مجال الأمان الإلكتروني عُرف ياسر القاضي، وهو خبير في أمن المعلومات، وساهم بتطوير أنظمة حماية متقدمة تستخدم التشفير، والذكاء الصناعي لحماية البيانات الشخصية والمؤسساتية الرسمية والخاصة من الهجمات السيبرانية.
وفي مجال الروبوتات، اشتهر المهندس السوري مازن الحايك كمهندس روبوتات، وقد طوّر روبوتات صناعية تستخدم في خطوط الإنتاج لتحسين الكفاءة، وتقليل الأخطاء البشرية في الصناعات التحويلية.
ومن الأسماء ذائعة الصيت من المخترعين السوريين اسم المهندسة ليلى حمدان، والتي اشتهرت كعالمة في مجال التقانة الحيوية، وابتكرت تقنيات جديدة في مجال العلاج الجيني، والبروتينات العلاجية لعلاج الأمراض الوراثية والمزمنة.
وبرز اسم عصام حجي، وهو عالم في وكالة ناسا للفضاء، وله بحوث تتعلق بكوكب المريخ، والبحث عن المياه خارج الأرض، وكما نبغ اسم علي الأتاسي، وهو مهندس ومخترع، وله عدة براءات اختراع في مجالات الهندسة الميكانيكية والروبوتات.
أفكار وإبداعات سورية في المهجر
شغل نبوغ الطفل السوري حسين بسو الصحافة الألمانية بتألقه وعبقريته في لعبة الشطرنج، وأصبح ضمن فريق ألمانيا للرجال في لعبة الشطرنج، وبطل ألمانيا فيها، وهو بعمر 9 سنوات فقط. ولقد حاز الميدالية البرونزية في البطولة العالمية للشباب، واحتل المرتبة الثانية في التصنيف العالمي لمن دون سن 12 عاماً.
كما حاز الشاب السوري نسيم خليل على براءة اختراع "فرشة ذكية" في ألمانيا أسماها "هايبنوس"، تساعد على علاج مرضى آلام الظهر وأمراض ارتجاع المريء، وتمكّن نسيم من الحصول على براءة اختراع رسمية من الحكومة الألمانية. وقال حينها: "أمامي الكثير، بيد أنني واثق من نجاح هذه الفكرة مستقبلاً، وسوف تُحدث ثورة في مجال صناعة الأفرش، وأريد أن يرى الألمان أنه لا تنقصنا الكفاءات، وأننا نستطيع أن نقدم لألمانيا التي احتضنتنا أفكاراً مميزة تدفعها إلى الأمام".
وتألقت الطبيبة السورية لين كلايف في دراستها الطب في جامعة شيفيلد، وتخرجت عام 2019م، وتستعد حالياً لتدريبها النهائي بعد دراستها الإنجليزية؛ لتصبح مترجمة لمنظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبعد ذلك، أصبحت طبيبة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية الـNHS، واستطاعت كلاين وفق ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط، بأن تتزوج وتُنجب، وتتخرج طبيبة، وحصلت على جائزة ملكة جمال المتزوجات بعد سبع سنوات من قدومها إلى بريطانيا في أغسطس 2020م، حيث جاءت مع أهلها لاجئة عام 2013م؛ بحقيبة ملابس حملتها على ظهرها، ولتبدأ قصتها من مقاطعة يوركشير في شمال إنكلترا.
واخترعت السورية ابنة حلب الشهباء شوشي باكاريان جهازاً للطاقة المتجددة في كندا، وقد درست في كلية هندسة الطيران في جامعة كونكورديا بعد أن حصلت على قرار اللجوء في كندا بداية عام 2016، وقامت برعايتها جمعية غير ربحية تدعم الشباب في مجال الطيران "ستراتوس أفييشن Stratos Aviation". وقد اخترعت جهاز الطاقة المتجددة "فينتوس" الذي صُمم للطائرات الصغيرة من عائلة "سيسنا"، والذي يوفر تياراً داخلياً بقوة 5 ڤولت لشحن الهواتف الخلوية، والأجهزة اللوحية، ووحدات النظام العالمي لتحديد المواقع وغيرها من أدوات الملاحة، بالإضافة لتبريد المقصورة بمقدار 3-5 درجات مئوية باستخدام الطاقة المتجددة والهواء.
وكرّمت إحدى المدارس الألمانية الطالبة الدمشقية هدى الخولاني على تكريم بعد أن حصلت على درجة تفوق في اللغة الألمانية، وتفوقت على زملائها الألمان أنفسهم في أقل من ثلاث سنوات. وبرز اسم اللاجئ السوري محمد الجندي بفوزه بجائزة السلام الدولية، وجائزة "MTV EMA generation change"، فهو لجأ من سورية إلى مخيمات لبنان بعمر 17 عاماً، وعمل كل ما في وسعه لكي يحصل الأطفال اللاجئين على التعليم، وقام بنفسه بتعليمهم دون أي مقابل ما جعله يتصدر قوائم مواقع الأمم المتحدة.
إن النجاحات الباهرة التي حققها السوريون في المهجر، لهي دلالة على مدى رقي الشعب السوري، وقدرته على التفاعل البنّاء، وكما لاحظنا، بأنهم حصدوا المراتب الأولى في المدارس والجامعات، وفي حقول الحياة العامة في تركيا وألمانيا وهولندا وبريطانيا وغيرها، وينشئون مشاريع ريادية إبداعية من مختبرات علمية، وشركات للتصنيع، ومطاعم ومخابز، ومهن حرة، تخدم مجتمعاتهم، والمجتمعات المضيفة لهم أيضاً.وتمكن السوري عبدول سايمو من تحقيق نجاح كبير في مشروعه لأول مصنع جبنة سورية على الأراضي الألمانية بالتعاون مع إحدى الأسر الألمانية. ويستخلص مصنع جبنة "شام سار" من 1000 لتر من الحليب حوالي 180 إلى 200 كغ من الجبنة يومياً. ونالت الجبنة التي يصنعها إعجاب عشرات المحلات العربية والتركية، فضلاً عن تجار الجُملة في ألمانيا وهولندا والسويد والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورغ من أكبر زبائن مصنع "شام سار".
كما هنأ عمدة لندن اللاجئ السوري تريج بريمو بعد أن لقي اهتمامًا عامًا وإعلاميًا من بريطانيا بعد "رحلة نضال" استمرت 10 أعوام عانى خلالها اللاجئ السوري من نزاعات هاربة، ووصل إلى أربعة دول، وفق ما ذكرته صحيفة A البريطانية. وقال العمدة: "تهانينا لللاجئ السوري تيريج بريمو، يفخر سكان لندن بالتخرج كطبيب من مدينتنا". وقد التحق بجامعة سانت جورج في لندن. وقال بريمو للصحيفة البريطانية "أعرف الآن ما هو الألم، أنا مستعد للعب دوري كطبيب، ومستعد لرعاية الآخرين من كل قلبي".
كما سطع نجم الملاكم الألماني من أصل سوري، مانويل شار، يفوز ببطولة العالم للوزن الثقيل، وقد تغنت الصحافة الألمانية بـ "شار" البالغ من العمر 33 عامًا، الذي فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل، (أكثر من 85 كغ) بسبب أن ألمانيا فازت باللقب للمرة الأولى منذ أن فقد أسطورتها ماكس شميلينج لقب العالم عام 1932م.
وقد دوَّن تامر غزال، وهو عضو إدارة مجلس الخضر في ألمانيا: تعد الجالية السورية المكونة من 2.5 مليون سوري في ألمانيا من الدعائم المرتكزة فيها، وعلى الرغم من الاختلاف في الثقافة والتقاليد، ولكن المثير للاهتمام نهوض السوريين وتفاعلهم بشكل مستمر... وما يسعدني هو نجاح هذه الجالية الباهر والمخيف بسرعته عن باقي الجاليات هنا، وبدون أدنى شك، فقد أصبحت الجالية السورية في المركز الأول بالمجال الطبي من خلال أعلى نسبة أطباء في ألمانيا". وبحسب إحصائية لنقابة الأطباء الألمانية عام 2020، فقد احتل الأطباء السوريون المركز الأول بين الأطباء الأجانب العاملين بألمانيا، بـ5289 طبيباً عاماً.
هذه بعض النماذج والأمثلة القليلة من آلاف التجارب والإبداعات، التي ولدت في ظلال المعاناة السورية، وحتى في سورية، ورغم الواقع التعليمي المتردي الذي سببته الحرب، يكافح السوريون لأجل مستقبلهم، فالسوريون في سورية تمترسوا في معاهد المساجد التربوية، ومراكز التكوين المهني، وصفوف المدارس رغم تسرب الآلاف منهم، وبرزت مواهب سيكون لها تأثيرها الإيجابي، وذلك بناء على الملكات النّقدية التي اِكتسبوها، والمعارف والخبرات التي تزودوا بها.
إن النجاحات الباهرة التي حققها السوريون في المهجر، لهي دلالة على مدى رقي الشعب السوري، وقدرته على التفاعل البنّاء، وكما لاحظنا، بأنهم حصدوا المراتب الأولى في المدارس والجامعات، وفي حقول الحياة العامة في تركيا وألمانيا وهولندا وبريطانيا وغيرها، وينشئون مشاريع ريادية إبداعية من مختبرات علمية، وشركات للتصنيع، ومطاعم ومخابز، ومهن حرة، تخدم مجتمعاتهم، والمجتمعات المضيفة لهم أيضاً.
ولو درسنا واقع اللجوء السوري في تركيا بشكل عام، فلن تجد فضلاً لتركي على سوري، بل ستجد المصانع والمزارع والمتاجر والجامعات التركية، استفادت من العقول والطاقات الشبابية السورية في إنعاش الاقتصاد، وتحريك السوق والجامعات، وتحفيز طلاب عرب وأجانب للوفود إلى تركيا. وقد اشتكى كثيرٌ من أصحاب المهن حين زادت المضايقات على اللاجئ السوري، والتي اضطرته إلى العودة إلى سوريا أو الهجرة إلى الغرب، في مقابل رفض المواطن التركي العمل بنفس القيمة المالية، والمجهود، والإنتاجية، والكفاءة.
فهل يتحمل الشعب السوري خطيئة نظام مستبد أفسد البلاد والعباد والحرث، ونشر الرعب والإرهاب والمخدرات في كثير من دول العالم؟ وهل السوريون حقاً عالة على المجتمعات التي استضافتهم؟
في واقع الحال، إن الشعب السوري هو جزء من المنظومة الحضارية التي تتكامل، وتشترك فيها الشعوب والثقافات المختلفة، وهذه دورة التاريخ، وسنة الله في الأفراد والحضارات، ولن يكون الشعب السوري خارجها، وخاب أمل من ظن أن هذا الإنسان السوري سيعيش في أيّ بلد مواطناً من "الدرجة الثانية" أو "بلا كرامة"، فالسوريون بعمومهم، يريدون العيش باحترام وحرية وأمان وسلام، حتى يكونوا فاعلين ومبدعين، وقادرين على البناء والعطاء أكثر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير سوريا سوريا لاجئون رأي انجازات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب السوری فی ألمانیا فی ترکیا فی مجال التی ا
إقرأ أيضاً:
الكيزان وكباشي والبرهان تحت ظلال الفكر العابر والمؤقت
أحداث العالم الآن متسارعة لأنه يدخل في حلقة جديدة من التغيّر في المفاهيم و هذا شأن العالم في تقلباته و يحتاج فهمه للفلاسفة و الحكماء و الأنبياء كما يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في لحظات إنقلاب الزمان و بالنسبة للفلاسفة و علماء الإجتماع و الإقتصاديين و الأنثروبولوجيين أن التغيير الهائل في المفاهيم له دالة يسهل قراءتها في إتصالها و إنفصالها و من وقت لآخر يظهر في حينها من يراقبها في مراقبته لظاهرة المجتمع البشري و كيفية فعله الإنساني التلقائي بعيدا عن أوهام من يظن في فاعلية الإرادة الإلهية.
و الشاهد أن البشرية لم تفارق الجهل و المرض و الفقر و الحروب إلا بعد مفارقتها لفكر رجال الدين من كل شاكلة و لون و أصبحت المجتمعات البشرية لا تحتاج لأوامر من خارجها كالشرائع و الأديان في زمن نضجت فيه تجربة الإنسان في معانقته لضمير الوجود و قد أصبحت البشرية تعيش في رحاب مجد العقلانية و إبداع العقل البشري نتاج القطيعة مع التراث الديني المؤدلج و أصبح الدين أفق الرجاء شأن فردي بين الفرد و ربه أما علاقة الفرد في صراعه مع مجتمعه فتحكمها معادلة الحرية و العدالة و في حدود عقلنا البشري و تجربة الإنسان الذي يفترض في الفرد عقلانيته و أخلاقه.
و هذا في ظله يصبح مفهوم الدين أفقي و ليس عمودي كما يظن أتباع وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون في السودان و هم أتباع المرشد الكيزاني و الامام الانصاري و أتباع الختم. و مسألة مفهوم الدين الأفقي نجدها في فلسفة عمانويل كانط و كيفية تخلصه من تزمته الديني قبل أن يتطلع على أفكار كل من ديفيد هيوم و أفكار ادم إسمث في نظرية المشاعر الأخلاقية و عليه نجد أن في أنثروبولوجيا الليبرالية لكانط يصبح الفكر الليبرالي ليس أساس لنظم حكم فحسب بل يصبح فلسفة لكيفية تجسيد فكرة العيش المشترك و بالتالي تصبح الليبرالية بديلا للفكر الديني.
و بعد كانط نجد كل هذه الأفكار في جهود توكفيل و كيف طوّر فكره في علاقة الرأسمالية و الديمقراطية كعلاقة طردية و عكسية العلاقة بين الشيوعية و الديمقراطية و بعد توكفيل بقرن كامل نجد فكر ريموند أرون و هو ينتصر لفكر توكفيل في رفضه لحتميات و يقينيات و وثوقيات كل من الماركسية و فكر أوجست كونت كتجسيد لفكر الوضعية المنطقية و إنتصار ريموند أرون لفكر توكفيل الذي إنطلق من علاقة الرأسمالية بالديمقراطية كعلاقة طردية و رفضه لفكرة ماركس الرافض لنمط الإنتاج الرأسمالي.
ما أود قوله و توضيحه في هذا المقال أن النخب السودانية و على مدى القرن الأخير لم تكن تدري أن هناك فلسفة تاريخ حديثة قد بداءت تطل أشعتها بعد نهاية فلسفة التاريخ التقليدية و فيها و بها لم تعد الميتافيزيقا أفق للفلسفة و بالتالي قد أصبحت فكرة الشرط الإنساني هي العمود الفقري لكل من الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية و أصبح القرار و الإختيار للنظام الليبرالي و هو المحقق لمعادلة الحرية و العدالة ممر إلزامي لمن يريد العبور من فلسفة التاريخ التقليدية الى رحاب فلسفة التاريخ الحديثة التي لم يعد فيها للتراث الديني المؤدلج أي فرصة بجانب الفعل الإنساني.
و من هنا يمكن للقارئ المدرب أن ير فشل النخب السودانية في فهم فلسفة التاريخ الحديثة في القرن الأخير من مسيرة البشرية و يمكننا أن نفرّق بين النخب السودانية و بين النخب الهندية مثلا نجد أن قرار نهرو و إختياره لهند ديمقراطية و علمانية في مقابل تخبط النخب السودانية و عدم مقدرتهم على فهم فكرة الشرط الإنساني و في ظلها لم تعد الميتافيزيقا أفق للفلسفة و نجدها واضحة و جلية في بحث عبد الخالق محجوب لدور للدين في السياسة و تبعه محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية و أوصله لعلمانية محابية للأديان و نجدها في المساومة التاريخية للشفيع خضر بين يسار سوداني رث و يمين سوداني غارق و غائص في وحل الفكر الديني و نجدها في مؤالفة النور حمد بين العلمانية و الدين و نجدها في فكر كل من كمال الجزولي و الحاج وراق في إخلاصهم لتخليد فكر الامام الصادق المهدي و فكر الصادق المهدي من أشرس الأفكار في مناهضة الحداثة و من هنا ينهض سؤالنا لهم أي المذكورين أي لماذا لم يدرك عبد الخالق محجوب و نقد و كمال الجزولي و الحاج وراق و الشفيع خضر و النور حمد أن الميتافيزيقا لم تعد أفق للفلسفة؟
و من هنا يتضح للقارئ أن النخب السودانية لم تكن على علاقة بفلسفة التاريخ الحديثة على مدى القرن الأخير و عليه أن أغلب النخب السودانية لم تدرك أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني المؤدلج و أن الديمقراطية نصابها فصل الدين عن الدولة و أن الترقيع و التوفيق الكاذب فيما يتعلق بوحل الفكر الديني لا يمكن أن يكون بديلا لفكرة الشرط الإنساني و فكرة القرار و الإختيار للديمقراطية كبديل لفكر التراث الديني المؤدلج.
لذلك يمكننا القول أن الحرب العبثية بين الجيش الكيزاني و صنيعته الدعم السريع هي نتيجة لغياب الفكر و المفكريين في السودان على مدى القرن الأخير و دورهم في رصد التغيير الهائل في المفاهيم و من علامات التغيير الهائل في المفاهيم أن مفهوم الدين قد أصبح تاريخي في ظل إنسانية تاريخية.
و مسألة تطوّر الفكر مسألة تحتاج لجهود مراكز بحوث و تحتاج لجهود فكرية من علماء الإجتماع و الإقتصاديين و الفلاسفة مثلا ريموند أرون في فرنسا قد لاحظ أن أساتذته ظلوا محبوسين في ظل أفكار الوضعية المنطقية أي أفكار كل من ماركس و أوجست كونت و لم يستكن ريموند أرون فقد أعلن إختلافه معهم و بداء يطوّر فكره و جاء بفكرة فلسفة التاريخ الحديثة و هذا لم نجده في ساحة النخب السودانية بل نجدهم يدافعون عن بعضهم البعض.
مثلا كمال الجزولي الشيوعي يدافع و يحاول تخليد فكر الصادق المهدي لذلك يجب ألا يستنكر القارئ رفض مريم الصادق المهدي للعلمانية في حوارها مع عزام لأنها تعرف أن الشفيع خضر ينادي بمساومة تاريخية بين اليسار السوداني و اليمين الديني في السودان و النور حمد بمؤالفته بين العلمانية و الدين و عبد الخالق محجوب يبحث لدور للدين في السياسة و نقد ينادي بعلمانية محابية للأديان و جميعهم ليس لهم شجاعة ريموند أرون عندما أعلن قطيعته مع أفكار أساتذته رغم هيمنة أفكار الوضعية المنطقية في أفكار كل من ماركس و أوجست كونت و تأكد بأن النيوكانطية في إعتمادها على النزعة الإنسانية قد أكدت على أن الميتافيزيقا لم تعد أفق للتفلسف.
الجيد في الأمر رغم كساد النخب السودانية الفكري إلا أن البشرية بعد الثورة الصناعية قد أصبحت تسير وفقا لتاريخ واحد و هو تاريخ مجتمع ما بعد الثورة الصناعية حتى لمجتمع كاسد فيما يتعلق بالإقتصاد الصناعي كحال مجتمعنا السوداني التقليدي إلا أنه قد أصبح مرتبط بحال مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و بالتالي لم يعد السودان كجزيرة معزولة عن العالم بل يتأثر بمناشط العالم الإقتصادية رغم أن الإقتصاد السوداني في مستوى إقتصاد المعيشة و لم يعرف الطريق الى إقتصاد التنمية و عليه يمكننا القول بأن مسألة التحول الديمقراطي قد أصبح ممر إلزامي في ظل تسارع الأحداث في عالم قد أصبح تاريخه واحد منذ قيام الثورة الصناعية.
و لذلك يمكنك القول أن ثورة ديسمبر بشعارها حرية سلام و عدالة هي الخطوة الأولى في مسيرة المليون خطوة من أجل اللحاق بمواكب البشرية و قد حققت إزدهارها المادي و أي عرقلة من قبل الكيزان و جيشهم الكيزاني بقيادة البرهان ما هي إلا فرفرة مذبوح و كل جهودهم لإرجاع عقارب الساعة للوراء وهم زائل لا محالة و لا يذكرك إلأ بظهور الفاشية و النازية و الشيوعية كفكر مؤقت و عابر في عرقلته لبداية خطوات فلسفة التاريخ الحديثة لذلك قلنا في عنوان المقال أن كباشي و البرهان و الكيزان هم بقايا ظلال الفكر العابر و المؤقت أي الفكر الذي ما زال يعتقد بأن الميتافيزيقا يمكن أن تكون أفق للفلسفة و هيهات.
و لكن المحزن أن الكيزان و كباشي و البرهان في تجسيدهم للفكر العابر و المؤقت الآن يلعبون دور عرقلة النازية و الفاشية لبداية فلسفة التاريخ الحديثة و قد طالت فترة الفكر العابر و المؤقت و غطى مدى زماني إمتد في زمن ما بين الحربين العالمتين و بعدها قد إختفت الفاشية و النازية و الشيوعية و سيختفي الكيزان و كباشي و البرهان و هذا يحتاج لجهود فكرية من النخب تستخدم فيها فكرة المعجل أو المسرع في أدب النظريات الإقتصادية من أجل أن ينقطع الطريق على فكر كباشي و الكيزان و البرهان كفكر عابر و مؤقت.
و نقولها للنخب السودانية أن تخطي أفكار فلسفة التاريخ التقليدية و ميلاد فكر فلسفة التاريخ الحديثة قد إحتاج لثلاثة عقود لذلك قليلون من الفلاسفة و علماء الإجتماع و الإقتصاديين و المؤرخيين غير التقليدين من كان مدرك لبداية فلسفة التاريخ الحديثة و سعى بجهوده الفكرية لكي يوضح ملامحها و نذكر منهم ماكس فيبر و ريموند أرون و جون ماينرد كينز لذلك بعد ظهور فلسفة التاريخ الحديثة لم تكون مباغتة لهم بل كانت روح أحلامهم و قد تنباءوا بها.
و من هنا نقول للنخب السودانية دوركم الآن هو دور من يعرف أن بعد ثلاثة عقود ينبغي أن يكون الشعب السوداني جزء فاعل في مجتمع ما بعد الثورة الصناعية لذلك لا يمكن أن يكون الفاعل السياسي الآن من يلعب في ساحة الفكر بالفكر العابر و المؤقت أمثال الكيزان و كباشي و البرهان و هذا يتطلب ظهور شخصية تاريخية تعرف فكرة الشرط الإنساني و يكون قرارها و إختيارها لسودان علماني و ديمقراطي كإختيار نهرو لهند علمانية و ديمقراطية.
نقول مثل القول و ندرك أن أغلب النخب السودانية أسيرة ثقافة عربية إسلامية تقليدية تعيش قطيعتين كما يقول محمد أركون قطيعتها مع نزعتها الإنسانية في فكر ابن مسكوية و التوحيدي و قطيعتها الثانية مع الحداثة لذلك يتطلب من النخب السودانية إعمال القطيعة مع التراث الديني المؤدلج لحضارة إسلامية عربية تقليدية تعتبر اليوم من أشرس المناهضيين للحداثة و نذّكر النخب السودانية بأن ولي العهد السعودي بمشروعه 2030 و إبعاده لرجال الدين و قد قالها بأن بفكرهم به و معه لا يمكن تحقيق تنمية إقتصادية و تنمية إجتماعية و قول و فعل ولي العهد السعودي ما هو إلا بداية طريق السعودية لطريق فلسفة التاريخ الحديثة و توضيح ذلك يحتاج لمقال منفصل يوضح بأن السعودية قد فارقت فكر الصحوة الإسلامية كفكر عابر و مؤقت.
و بالتالي على المدى المنظور ينتظر السعودية إصلاح سياسي و عليه ربما يكون ولي العهد السعودي أقرب للحكمة من عبد الفتاح السيسي و هو يسير في طريق تأسيس نظام حكم تسلطي في مصر و هيهات لأن أحداث العالم متسارعة و ستدخل مصر في إختناقات إقتصادية متسارعة ستقطع الطريق أمام أي تأسيس لنظام حكم تسلطي في مصر رغم عجز النخب المصرية في أن تعبر بمصر الى حيز المجتمعات الصناعية.
و عليه يكون تنبيهنا للنخب السودانية أن فكر الكيزان فكر عابر و مؤقت و لا يختلف عن النازية و الفاشية و الشيوعية و قد إختفى الفكر النازي و الفاشي و الشيوعي من مسرح الوجود و بالتأكيد سيلحقه الفكر الكيزاني الكاسد و لكم في جهود ولي العهد السعودي و إبعاده لرجال الدين في السعودية عظة لذلك نقول لكل من يظن بأن للكيزان دور في مستقبل السودان نقول له أنك ليس على موعد مع فلسفة التاريخ الحديثة التي تبعد الكيزان و ليس لك موعد مع الحضارات في ظل مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و هي تعيش مفهوم الدولة الحديثة و ممارسة السلطة وفقا لمعادلة الحرية و العدالة و هي تنتصر للفرد و العقل و الحرية و أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني أي دين نقول أن الديمقراطية الليبرالية تنتصر للفرد و ليس للقبيلة أو الملة كما يعتقد الكوز و هو عايش في فكره العابر و المؤقت.
taheromer86@yahoo.com