أنقرة- وقّع الصومال الأسبوع الماضي اتفاقا إستراتيجيا مع شركة أوياك التركية لإعادة هيكلة قطاع الصيد البحري في الدولة الأفريقية وتحويل موارده البحرية غير المستغلة إلى رافد اقتصادي، في أحدث إجراء من شأنه تعزيز النفوذ التركي في القارة السمراء من خلال أدوات الاقتصاد الأزرق.

والاقتصاد الأزرق (Blue Economy) مفهوم اقتصادي يركز على الاستغلال المستدام للمحيطات والبحار والموارد المائية عمومًا لتحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين سبل العيش، وتوفير فرص العمل، مع الحفاظ على صحة النظم البيئية البحرية والساحلية.

وهذا الاتفاق يهدف إلى إعادة هيكلة قطاع الصيد البحري الصومالي وتحويل موارده البحرية غير المستغلة إلى رافد اقتصادي.

ويفتح هذا التعاون آفاقا جديدة لتوظيف الخبرة التركية في البنية التحتية البحرية وتكنولوجيا الاستزراع السمكي، في وقت يتزايد فيه التنافس الدولي على الموارد الطبيعية في سواحل القرن الأفريقي.

سفير تركيا لدى الصومال ألبير أكتاش بجانب وزير الصيد البحري والاقتصاد الأزرق في الصومال أحمد حسن آدم (السفارة التركية في مقديشو) تفاصيل الاتفاق

يغطي الاتفاق استثمارات واسعة في تطوير البنية التحتية البحرية، تشمل تحديث الموانئ، وإنشاء محطات تبريد حديثة، وتعزيز القدرات اللوجستية، بما يرفع من كفاءة سلاسل الإمداد ويعزز جاهزية القطاع للانخراط في الأسواق الدولية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الصومالية.

ينص الاتفاق كذلك على إدخال تقنيات صيد متطورة وتدريب الكوادر المحلية لرفع الطاقة الإنتاجية من الأسماك وتحسين جودتها وفق أعلى معايير التصدير، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي من جهة، وتوليد صادرات بحرية كرافد أساسي للعملة الصعبة من جهة أخرى.

يمثل الجانب الصناعي محورا أساسيا في هذه الشراكة، إذ تخطط أنقرة لإنشاء معامل تجهيز وتصنيع متخصصة في معالجة وتعليب المنتجات البحرية، بما يضاعف القيمة المضافة للمنتج النهائي، ويوفر آلاف فرص العمل، خاصة في أوساط الشباب الصومالي الباحث عن فرص اقتصادية مستقرة.

إعلان

أما بيئيا، فقد وضعت الاتفاقية مكافحة الصيد الجائر وغير القانوني في صلب أولوياتها، من خلال تعزيز أنظمة الرقابة البحرية وتطوير منظومات التتبع والمراقبة بالتعاون مع شركاء دوليين، بما يضمن استدامة المخزون السمكي وحماية الثروة البحرية من الاستنزاف.

وحسب وزارة الثروة السمكية الصومالية، فإن الاتفاق يمثل "عصرا جديدا" في إدارة موارد الصيد البحري في البلاد، ويؤسس لمرحلة من التنمية الزرقاء المستدامة التي تنقل الصومال إلى موقع متقدم ضمن خارطة الاقتصاد الأزرق في أفريقيا، في وقت تسعى فيه أنقرة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في واحدة من أكثر المناطق حساسية وإستراتيجية في القرن الأفريقي.

إستراتيجية توسع

يحتل الاقتصاد الأزرق موقعا محوريا في الرؤية التنموية المستدامة التي تتبناها تركيا، بوصفه أحد أبرز روافد تعزيز النمو وتنويع مصادر الدخل الوطني.

وبفضل امتدادها البحري الواسع على طول نحو 8600 كيلومتر من السواحل الممتدة عبر البحر المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود وضمها 28 مدينة ساحلية يسكنها زهاء 47 مليون نسمة، تملك تركيا قاعدة طبيعية ضخمة تتيح لها توسيع أنشطتها الاقتصادية البحرية، فيما يعرف عالميا بالاقتصاد الأزرق.

وتقدر الدراسات البيئية والاقتصادية أن حجم الأنشطة البحرية العالمية يقترب من 1.5 تريليون دولار سنويا، وهو ما يدفع أنقرة لتكثيف حضورها في هذا القطاع عبر "خطة 2053 للتنمية المستدامة في الاقتصاد الأزرق"، التي تتضمن إجراءات طموحة لرفع كفاءة الإنتاج البحري وضمان استدامة النظم البيئية.

وتنعكس نتائج هذه الإستراتيجية بوضوح في الأرقام المسجلة حديثا، فقد شهد قطاع تربية الأحياء المائية في تركيا نموا سريعا، حيث بلغ حجم الإنتاج نحو 472 ألف طن في عام 2021، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة عالميا بعد الصين والهند.

وفي الجانب التجاري، سجلت صادرات المنتجات السمكية التركية إيرادات تقارب 1.65 مليار دولار في عام 2022، ما يبرز أهمية هذا القطاع كرافد متنام في ميزان الصادرات التركية.

وفي موازاة التطور الإنتاجي، برزت شركات تركية في مجال بناء السفن والمعدات البحرية، من بينها شركة "ميماريني"، التي أنتجت منذ 2018 نحو 35 سفينة صيد متخصصة، تم تصدير 11 منها إلى أسواق موريتانيا والمغرب، ما يعكس عمق التكامل بين الصناعة البحرية والتوسع في أسواق القارة الأفريقية.

وفي هذا الإطار، أبدت جهات رسمية تركية وشركات استثمارية اهتماما متزايدا بالفرص الكامنة في السواحل الأفريقية الغنية، خاصة في موريتانيا التي تحظى باحتياطيات سمكية واعدة، بحسب بيانات وزارة الخارجية التركية.

ويرى المحلل السياسي مراد تورال أن من الصعب فصل التوسع التركي في مشاريع الاقتصاد الأزرق في أفريقيا عن السياق الجيوسياسي الأوسع الذي تتبناه أنقرة منذ أكثر من عقد لتعزيز حضورها في مناطق يصفها بـ"فراغات إستراتيجية" في الخارطة الدولية، وفي مقدمتها منطقة القرن الأفريقي.

ويشير تورال في تعليق للجزيرة نت إلى أن الاتفاقات الاقتصادية، كمشروع التعاون مع الصومال، تطرح رسميا تحت مظلة التنمية والتعاون الاقتصادي المستدام، وهو مسار مشروع بالنظر إلى ما تملكه تركيا من خبرات ما يؤهلها لأن تقدم نفسها شريكا اقتصاديا وتقنيا فاعلا في أسواق ناشئة، لكنه يشير في المقابل إلى أن هذه التحركات الاقتصادية لا تنفصل في جوهرها عن اعتبارات النفوذ الإستراتيجي الأوسع.

إعلان

ويؤكد تورال أن موقع القرن الأفريقي على خطوط التجارة البحرية الدولية، مع ما يملكه من ثروات طبيعية غير مستغلة، جعله ساحة تنافس متزايد بين قوى دولية وإقليمية كبرى من بينها الصين ودول الخليج وروسيا وبعض القوى الأوروبية.

في هذا السياق، يرى تورال أن تعاظم الحضور التركي في البنية التحتية البحرية، يعزز من قدرة أنقرة مستقبلا على لعب دور فاعل في أمن البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويدمج مصالحها الاقتصادية في معادلة نفوذ جيوسياسي متنامية.

الصومال لديه ثروة بحرية كبيرة (وكالة الأناضول) أسواق واعدة

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي عمر أكوتش أن المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها تركيا من دخولها أسواق الصيد البحري الأفريقية تتوزع على أكثر من مستوى زمني واستثماري، فعلى المدى القريب، تتيح هذه الأسواق فرصا مباشرة أمام الشركات التركية المتخصصة في مجالات بناء السفن، وتصنيع معدات الصيد، وتطوير البنية التحتية للموانئ، بالإضافة إلى تقنيات تجهيز ومعالجة المنتجات البحرية، وهي قطاعات راكمت فيها تركيا خبرات عملية متقدمة خلال العقدين الأخيرين.

ويشير أكوتش في حديث للجزيرة نت إلى أن هذه الشراكات تفتح أمام الشركات التركية آفاقا جديدة لتوسيع صادراتها من التقنيات والخدمات المرتبطة بالاستزراع المائي وسلاسل التبريد الحديثة، بما يسمح بتنويع أسواق التصدير بعيداً عن الأسواق التقليدية في أوروبا وآسيا.

أما على المدى المتوسط والطويل، فيؤكد أن إنشاء مصانع متكاملة لمعالجة وتجهيز الأسماك، والمساهمة في تطوير سلاسل الإنتاج المحلي في بلدان مثل الصومال وموريتانيا، من شأنه أن يمنح الشركات التركية موطئ قدم مستداما في سلاسل القيمة البحرية العالمية، ويؤهل هذه الأسواق لتكون مراكز إمداد إقليمية جديدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاقتصاد الأزرق البنیة التحتیة القرن الأفریقی الصید البحری

إقرأ أيضاً:

أحمد مراد يكشف عن كواليس جديدة لـ «الفيل الأزرق 2»

كشف الكاتب أحمد مراد، عن كواليس جديدة لفيلم «الفيل الأزرق 2» من بطولة الفنان كريم عبد العزيز والفنانة هند صبري خلال الساعات القليلة الماضية، والذي شهد انطلاقته بدور العرض السينمائية في 2019.

وشارك أحمد مراد، عبر حسابه الرسمي بموقع تداول الصور والفيديوهات «إنستجرام» كواليس جديدة من فيلم «الفيل الأزرق 2»، معلقا عليها قائلا: «من كواليس الفيل الأزرق 2، في الصورة دي أنا جوه غرفة العزل مع لوليا… الدور اللي أدته الفنانة هند صبري ببراعة».

View this post on Instagram

A post shared by Ahmed Mourad (@ahmedmouradofficial)

أضاف أحمد مراد: «الشر الرجالي غالبًا مباشر، صريح، خشن، لكن لما يلبس وش أنثى بيبقى أضعاف: أذكى، أهدأ، وأقدر على التسلل جوا النفس لحد ما تفتح له الباب بنفسك من غير ما تحس، غرفة العزل مرآة. المكان اللي بتقعد فيه لوحدك وتواجه نفسك من غير أقنعة، من غير أصوات تشوّش، من غير جمهور تصدّق صورته عنك».

وتابع: «الانفراد بالنفس يا إما يطلّع أسوأ ما فيك، يا إما أحسن ما فيك، بتشوف الوحش اللي جواك أو الملاك اللي كنت ناسيه، كل مرة أرجع للصورة دي، أفكر إن أحيانًا أخطر المعارك مش اللي بنخوضها ضد غيرنا، دي اللي بتحصل جوانا، لا تخافوا ولكن احذروا».

أخر أعمال أحمد مراد

والجدير بالذكر، أن أحمد مراد، يعيش حالة من النشاط الفني في الوقت الحالي، حيث يستعد لعرض أحدث أعماله في السينما بفيلم «الست» الذي يجسد السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم، وتقود بطولته الفنانة منى زكي.

اقرأ أيضا:

«الوعود».. جنات تطرح أحدث أعمالها الغنائية من فيلم «أوسكار - عودة الماموث»

«بخط يده».. ماذا كتب رئيس الوزراء في رسالته لـ مجموعة العربي؟

الزمالك يعلن تعاقده مع الكرواتي زيلكو بابيتش لتدريب فريق اليد

مقالات مشابهة

  • اجتماع أمني رفيع المستوى بين تركيا وسوريا في أنقرة
  • جامعة السلطان قابوس تعزز حضورها الدولي في "إكسبو أوساكا"
  • أنقرة تستضيف اجتماعا أمنيا تركيا سوريا
  • وفد سوري رفيع في أنقرة بعد يوم واحد من وصفها قسد بالإرهابية
  • وزارة الماء:تركيا تحارب العراق مائيا والاجتماعات معها بلا فائدة
  • أحمد مراد يكشف عن كواليس جديدة لـ «الفيل الأزرق 2»
  • وزير خارجية العراق: أسجل إعجابي بدور تركيا في وقف الحرب على غزة
  • «أبوظبي البحرية» تختتم فعاليات مؤتمر «التقنيات الكمّية في القطاع البحري»
  • التنقيب البحري يهدد أسماك القرش والأنواع البحرية النادرة في أعماق المحيط
  • الإمارات تعزّز حضورها الدولي في حوار «التعافي المرن» باليابان