الجديد برس:

في غياب خطة فعلية للتعاطي مع الإخفاق في اليمن، لم تجد واشنطن أمامها سوى استخدام الأوراق الداخلية، ولا سيما الورقة الاقتصادية، في محاولة لليّ ذراع حركة «أنصار الله» وإجبارها على وقف الهجمات في البحريْن الأحمر والعربي، ورفع الحصار الجزئي عن إسرائيل.

وفي سبيل ذلك، تُعتبر السعودية، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، المفتاح الأساسي للولوج إلى الوكلاء المحليين في اليمن، والذين لا يخطون حتى التابعون منهم للإمارات، خطوة واحدة من دون موافقة الرياض.

ولعلّ انشغال صنعاء بجبهة إسناد فلسطين، شكّل إغراء لكل من واشنطن والرياض بأن الأولى غير قادرة حالياً على فتح جبهات أخرى في اليمن والإقليم، أو أنها ليست في وارد العودة للدفاع عن حقوقها المشروعة في سياق صدّ العدوان الذي استمر تسع سنوات.

غير أن خطاب قائد «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، في رأس السنة الهجرية، جاء حاسماً وملزماً وشديد الوضوح، لجهة رفض استمرار الحصار على اليمن أو القبول بتجويع اليمنيين. هكذا، أعاد الحوثي قذف كرة اللهب إلى الجانب الأمريكي، الذي سيكون عليه تحمّل تبعات توريط حليفته الموثوقة في الخليج، السعودية، بدلاً من الانجرار إلى خطته إشعال الحرب الأهلية في اليمن.

وهي تبعات لن تكون يسيرة؛ إذ إن المملكة، إلى جانب كونها دولة إقليمية، تُصنّف على أنها ذات تأثير اقتصادي دولي، كونها الأولى عالمياً في تصدير النفط؛ وللحفاظ على مركز الصدارة ذاك، هي تحتاج إلى مظلة للحماية الأمنية. وهنا، لا ينبغي إغفال موقع اليمن الجيوسياسي، وامتلاكه مزايا السيطرة على المعابر البحرية وطرق التجارة والشحن العالمية، والتي إذا قرّر استغلالها، فلن تنحصر فاعليته في الحد من بيع النفط السعودي، بل إن العالم الصناعي برمّته سوف يتأثر بخطواته.

ومما قد يدفع «أنصار الله» إلى تلك الخطوات، هو أن السعودية، وبدفع من الولايات المتحدة، وبهدف حماية الأصول الإسرائيلية، فعلت ما لم تفعله أثناء حربها على اليمن؛ إذ نفّذت بواسطة وكلائها إجراءات اقتصادية تحرم اليمنيين عبرها من الاستفادة من البنوك، الأمر الذي اعتبرته صنعاء اعتداء، وحذّرتها من مغبة الاستمرار فيه.

وتأتي هذه الإجراءات المزكّاة سعودياً، لتكمل ما قالت صحيفة «إسرائيل هيوم» إنه محاربة الولايات المتحدة وأوروبا بالإنابة عن إسرائيل، ومحاولتهما إنقاذها من المشكلات الاستراتيجية. وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن الباحث في «معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، يوئيل جوزانسكي، تأكيده «وجوب عدم الاستخفاف بالتهديد اليمني»، مع تحذيره من اندلاع حرب شاملة مع اليمن.

وبعد عودة حاملة الطائرات «آيزنهاور» إلى الولايات المتحدة من البحر الأحمر، كثُرت الدعوات من كبار الضباط السابقين ووسائل إعلام أمريكية، للبيت الأبيض، إلى انتهاج سلوك آخر لهزم اليمن، حيث أشار هؤلاء إلى أن الإشكالية التي تعاني منها إدارة جو بايدن منذ أشهر لا تزال مستمرة، وصناعة الشحن العالمية تعاني، فيما تتعرّض السفن العسكرية والتجارية على حد سواء لهجمات مسلحة متكرّرة في البحر الأحمر وما حوله. ويقر الإعلام الأمريكي بأن خطة الإدارة الأمريكية التدريجية لحماية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أمناً، لم تنجح، بل بدأت تأتي بنتائج عكسية من حيث رفع كلفة النقل والاضطرار لفرض رسوم غير ضرورية على السلع.

والمفارقة أن كثيراً من المعلّقين والمهتمين بشأن ما يحدث في البحر الأحمر، يجهلون ما تقوم به قواهم العسكرية وما تتعرّض له، فيما القيادات العسكرية نفسها تقف مندهشة إزاء التطوّر العسكري اليمني في السلاح والتكتيكات. فقائد المجموعة الهجومية الأمريكية في منطقة «القيادة المركزية»، الأدميرال كيوان حكيم، يؤكد، لصحيفة «ستارز آند سترايبس» التابعة للجيش الأمريكي، أن «تجارب البحارة الذين قضوا أشهراً في مواجهة التهديدات في البحر الأحمر على مستويات عملياتية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، سوف تكون دروساً للجيل القادم من البحارة».

وعليه، فإن القادة العسكريين، وخصوصاً الذين خدموا في السفن العسكرية في البحريْن الأحمر والعربي، هم الأكثر واقعية ومعرفة بالتعقيدات التي يواجهونها، ويبذلون كل ما في وسعهم في تبادل الخبرات والأفكار مع مستويات عسكرية مختلفة للتغلّب عليها، ولكن من دون الوصول إلى نتيجة تُذكر.

إذا قرّر اليمن استغلال موقعه، فلن تنحصر فاعليته في الحد من بيع النفط السعودي، بل إن العالم الصناعي برمّته سوف يتأثر

وبسبب المستجدات غير المتوقّعة، وعدم امتلاك واشنطن بدائل واقعية وخططاً طارئة لمعالجة فشل أسطولها في البحريْن الأحمر والعربي، يملأ كبار الضباط السابقين والخبراء الاستراتيجيون والمراكز البحثية، الفراغ، بصياغة خطط افتراضية وخلاصات وتوصيات بشأن كيفية تحقيق الأهداف في الممرّات البحرية وطرق الشحن في البحريْن الأحمر والعربي.

ولكن الصياغات المذكورة ترتكز على افتراض القوة المطلقة للولايات المتحدة، ولا تضع في حساباتها العوامل المستجدّة على الأرض، والمربكة للقوى العسكرية الأمريكية، ويبدو أن من يعدّونها يجهلون تأثير الموقع الجغرافي لليمن، والاستثمار العسكري فيه بالحد الأقصى، بما يبطل مفاعيل القوة الضاربة.

ويضاف إلى ما تقدّم، أن الإدارة منشغلة، حالياً، بالانتخابات الرئاسية، وهي فترة تضعف فيها قدرتها على اتخاذ قرارات كبيرة من قبيل شن الحروب. وفي الحالة اليمنية، فإن أفضل الخيارات بالنسبة إليها، إبقاء الوضع على ما هو عليه راهناً، حتى لو أدى ذلك إلى استنزاف الأسطول والبحارة، وتضرّر الردع على نطاق كبير.

أما التوصيات المرفوعة إليها، فهي أفكار متطرفة وغير واقعية، وبحاجة إلى سنوات طويلة حتى يمكن البدء بتطبيقها، ومعظمها يحاكي الخطط التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة. وهذا إن دل على شيء، إنما يدلّ على جهل مركّب بطبيعة المعركة، والاختلاف الكبير من حيث الجغرافيا والقدرات العسكرية بين الجانبين اليمني والفلسطيني.

*جريدة الأخبار اللبنانية

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: الولایات المتحدة البحر الأحمر أنصار الله فی الیمن فی البحر

إقرأ أيضاً:

علم الأردن… رمزية الألوان ودلالات الهوية الوطنية

صراحة نيوز ـ يُعد علم المملكة الأردنية الهاشمية من أبرز الرموز الوطنية التي تجسد التاريخ، والهوية، والنضال العربي. يتكون العلم من ثلاثة مستطيلات أفقية متساوية، تُمثل الألوان: الأسود، والأبيض، والأخضر، ويقطعها مثلث أحمر من جهة السارية، يحمل في وسطه نجمة بيضاء سباعية.

الألوان ومعانيها:

الأسود: يُمثل راية الدولة العباسية، ويعبّر عن قوة الدولة الإسلامية في عهدها.

الأبيض: يرمز إلى الدولة الأموية، ودلالة على النقاء والسلام.

الأخضر: يُجسد راية الدولة الفاطمية، ويرتبط أيضاً بالخير والخصوبة.

الأحمر: لون المثلث، وهو لون راية الثورة العربية الكبرى، التي انطلقت عام 1916 ضد الحكم العثماني، ويعبّر عن التضحيات والدماء الزكية في سبيل الحرية.

النجمة السباعية: تقع في قلب المثلث الأحمر، وهي نجمة بيضاء بسبعة رؤوس، ترمز إلى السبع المثاني في القرآن الكريم، وتعبّر عن الوحدة، والهدف المشترك، ومبادئ الثورة العربية الكبرى.

علم الأردن ليس مجرد قطعة قماش ترفرف في السماء، بل يحمل في طياته تاريخاً من الكفاح والكرامة، ويُجسد وحدة الشعب الأردني تحت قيادة هاشمية، بقيت دوماً نصيرة للحق العربي وقيم العدالة والحرية.

مقالات مشابهة

  • نائب الرئيس الأمريكي يعترف بتراجع الهيمنة الأمريكية: تدخلنا في اليمن كان “دبلوماسيًا” ولا قدرة لنا على خوض حرب
  • “تريو آيل” بتصاميم “ميسوني”… سكن راقٍ بمستوى غير مسبوق
  • علم الأردن… رمزية الألوان ودلالات الهوية الوطنية
  • شراكة استراتيجية بين أورنج الأردن والمؤسسة الاستهلاكية العسكرية لخدمة “رفاق السلاح”
  • “مسام” ينتزع 1.095 لغمًا في اليمن خلال أسبوع
  • الحبس لعصابة حاولت تمرير 46 كلغ “كوكايين” نحو الولايات الشمالية
  • “حماية أميركا” .. ترمب يعلن بناء الولايات المتحدة درعا صاروخية باسم «القبة الذهبية»
  • الإمارات: استهداف السفن في البحر الأحمر دليل على حدوث اضطرابات في الشرايين البحرية
  • خدعت أمهات وربّت المخطوفين كأبنائها… السعودية تُنهي أسطورة “خاطفة الدمام”
  • وزير الخارجية الأمريكي: الولايات المتحدة لم تعد قادرة على حل جميع مشاكل العالم