علاقة الدولة بالاقتصاد وإشكالية التحول من النمطية الى التنظيم
تاريخ النشر: 23rd, May 2025 GMT
في قلب كل دولة هنالك ثمة اقتصاد نابض، ينظم إيقاع حياتها، والعراق ليس استثناءً من هذه القاعدة. فالدولة الحديثة لم تعد مجرد كيان سياسي يحافظ على الأمن والنظام العام، بل تحولت إلى فاعل رئيس في تشكيل الاقتصاد وتحقيق توازنه واستقراره.
للأسف تتخذ هذه العلاقة أبعاداً أكثر تعقيداً، حيث يصبح الاقتصاد أحياناً ساحة للصراع السياسي، وأحياناً أخرى أداةً للهيمنة والتحكم.
فمنذ تأسيس الدولة العراقية، ظل الاقتصاد رهينة للتقلبات السياسية، بدءاً من مرحلة التصنيع في منتصف القرن العشرين، ومروراً بالحصار الاقتصادي في تسعينياته، ووصولاً إلى مرحلة ما بعد 2003 التي شهدت تحولاً جذرياً في بنية الاقتصاد والسياسة معاً. فالدولة التي يفترض أن تكون راعية للتوازن الاقتصادي وتخصيص الموارد، أصبحت سبباً في اضعاف السوق وتعميق الاختلالات. ان ما تشهده الساحة الاقتصادية من الهيمنة للسياسة المالية الحكومية، وتهميش القطاعات الإنتاجية لصالح اقتصاد ريعي تسهم عائدات النفط بنسبة 95%من الناتج المحلي الإجمالي امر يثير القلق على مستوى السياسة الاقتصادية الكلية وعلاقة الدولة بالاقتصاد وما ينبغي ان تكون عليه .
لذا لا يمكن قراءة تاريخ العراق المعاصر بمعزل عن تشابك الاقتصاد مع هياكل السلطة، فهما وجهان لعملة واحدة تم نحتها بيد القوة والضعف معاً. فالدولة التي يفترض أن تكون إطاراً لتنظيم الحياة الاقتصادية، أصبحت في الحالة العراقية مزاحمة لها ومقيدة لنشاطها، اذ تتحكم بمفاصلها وتوجه مسارها خارج حدود الايراد والكلفة وفي اغلب الأحيان خارج شروط الاقتصاد.
ولعل هذه العلاقة"المرضية" ليست قدراً نهائياً، بل هي محطة في رحلة طويلة من البحث عن هوية اقتصادية تتحرر من سطوة السياسة دون أن تنفصل عنها ففي دول أخرى، غير بعيدة عنا نجحت الدولة في أن تكون أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية عبر سياسات ضريبية عادلة، واستثمارات ذكية في البنية التحتية، وتمكين القطاع الخاص دون التخلي عن دورها الرقابي. الا اننا في العراق، نشهد غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة حول الدولة من حاضنة للتنمية إلى عامل معيق لها، حيث تتضخم البيروقراطية وتتفشى المحسوبية، بينما تتراجع الخدمات الأساسية وتنكمش فرص العمل.
وفي ظل سيادة النمطية الريعية للتشغيل في القطاع الحكومي أفرز هذا النموذج الاقتصادي ثقافة استهلاكية تستحق الدراسة، حيث تحول المواطن من منتج إلى متلقٍ للريع النفطي عبر الوظيفة العامة أو الدعم الحكومي. وأدى ذلك إلى تشوه عميق في العلاقة بين الفرد والدولة، فلم تعد الأخيرة تمثل سلطة تنظيمية بقدر ما أصبحت "معيلاً" ينتظر منه توزيع الأرزاق. وهكذا سرق المجتمع من طاقته الإنتاجية، بينما سرق الاقتصاد من حيويته التنافسية.
لا مناص من رؤية تتأطر حول تغيير دور الدولة من "تاجر" يوزع الريع النفطي إلى "مهندس" يبني اقتصاداً متنوعاً، فلو عملنا على تنمية برامج اقتصادية اجتماعية ناهضة تهدف الى تغيير نمطية الفردمن متلق للمساعدات المالية إلى فاعل في عمليات الإنتاج والتصدير، لأمكن كسر هذه الحلقة المفرغة. اذ تثبت لنا التجارب العالمية أن الدول التي تنجح في الجمع بين السوق العادلة والضمان الاجتماعي هي الأكثر استقراراً وازدهاراً.
ومع استمرار اختلال هيكله فان الاقتصاد العراقي اليوم على مفترق طرق: إما أن تستمر الدولة في دورها التقليدي كمسيطر على الثروة وموزع لها بشكل غير عادل، وهو ما يهدد باستمرار الازمات، أو أن تتحول إلى منظم للاقتصاد وحامٍ لمصالح الأغلبية عبر تنظيم وتهيئة الشروط الأساسية لنمو السوق والإنتاج والتنويع، وهو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار والرخاء.
يبقى السؤال قائما: هل ان الإرادة السياسية قادرة على خوض هذه المعركة المصيرية؟ أتوقع ان التاريخ الاقتصادي وحده سيجيب .
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار
إقرأ أيضاً:
حجيرة : الولايات المتحدة الأمريكية أول وجهة للزليج المغربي والصادرات المغربية أصبحت مؤمٓنٓة نحو أفريقيا
زنقة 20. الرباط
أفاد كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، عمر حجيرة، اليوم الثلاثاء بمجلس المستشارين، بأن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل الوجهة الأولى لصادرات الصناعة التقليدية المغربية بحصة تمثل 44في المائة، كما تعد أول مستورد للزليج “البلدي” المغربي.
وأبرز السيد حجيرة، في معرض رده على سؤالين شفهيين حول “تعزيز صادرات الصناعة التقليدية “، خلال جلسة الأسئلة الشفوية، أن فرنسا تعد ثاني وجهة بعد الولايات المتحدة الامريكية بـ14في المائة، تليها إسبانيا بـ7في المائة، فالدول العربية بـ8في المائة، ثم دول أوروبية أخرى بـ16في المائة.
وفي ما يتعلق بأصناف المنتوجات، أشار السيد حجيرة إلى أن الفخار والأحجار تمثل 36 في المائة من صادرات القطاع، تليها الزرابي بنسبة 20في المائة، ثم الألبسة التقليدية بـ11في المائة، مشيرا إلى أن مدن مراكش والدار البيضاء وفاس تأتي في صدارة المدن الم صد رة.
وتوقف كاتب الدولة، في معرض جوابه، عند الجولة التشاورية التي أطلقتها الحكومة، وشملت 12 جهة، حيث تم الاستماع لعدد من الفاعلين والمتدخلين في قطاع التصدير، “وهو ما مك ن من الوقوف على الإمكانات الكبيرة للصناعة التقليدية في تعزيز موقع المغرب على مستوى التجارة الخارجية”.
كما أشار إلى التحديات التي تعيق تطور الصادرات في هذا المجال، من بينها صعوبة الولوج إلى الأسواق، وضعف الترويج، وغياب المعايير التصديرية لدى بعض الحرفيين، فضلا عن ضرورة تسهيل التزود بالمواد الأولية.
وفي هذا الإطار، أعلن المسؤول الحكومي عن إعداد برنامج للتجارة الخارجية سيعرض الأسبوع المقبل، مشيرا إلى توقيع اتفاقية شراكة مع كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية، من شأنها تطوير أرقام صادرات القطاع والتي تبلغ قيمتها 1.1 مليار درهم.
واعتبر السيد حجيرة أن هذا الرقم “لا يعكس المكانة التي تستحقها الصناعة التقليدية المغربية”، مشيرا إلى أن عدد الصناع التقليديين يتجاوز 2.6 مليون شخص، ممن أصبحوا يتوفرون على مهارات ذات صيت دولي.