سودانايل:
2025-10-14@11:48:22 GMT

عن ضوع عبد الله جلاب الفكري

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

عن ضوع عبد الله جلاب الفكري
غادرنا إلى الرحاب أخي الدكتور عبد الله أحمد جلاب. وكنت عرضت لكتابه "الجمهورية الإسلاموية الأولى" (آشقيت 2007) وهو باكورة ثلاثيته عن دولة الإنقاذ. وعرب العرض صديقنا المشترك المرحوم محمد عبد الله عجيمي غفر الله له. وأنشرها هنا ضوعاً لعطر جلاب الفكري فينا ولأن أفكاره مما مست الحاجة إليه في خطابنا العاقب لسقوط الإنقاذ (والسابق) الذي بدا لي دائماً كأنه لم يقرأ الإنقاذ كما أراد جلاب.


الإنقاذ الإسلامية: رباط، جامعة، ورأسمالية
عبد الله علي إبراهيم

اذكر انني قرأت في ستينيات القرن الماضي لرجل حكيم قال إننا نظل نقوم بالثورات الفاشلة بسبب الكتب الرديئة التي نقرأها عن الثورة والعصيان. وفي الذكرى العشرين الوشيكة لما يسميه عبد الله جلاب " الجمهورية الإسلاموية " (1989- ) (في مختلف مراحلها) في السودان، التي تنبأ اعداؤها المتعجلون بسقوطها ذائبة تحت وطأة أول خريف لها في السلطة، يجد المرء نفسه ميالا لأن يعزو تماسكها وبقاءها للكتب السيئة الكثيرة التي كتبت عنها. كانت هذه الكتب، في جانب كبير منها، تأبينا سابقاً لأوانه لحركة ودولة ترفضان أن تموتا.
لقد كتب جلاب كتاباً مختلفا عن عناد تلك الدولة الإسلامويه وتصميمها على البقاء. وهو يحاول في كتابه ان يفسر ديناميكية الدولة أكثر مما يحاول الحكم عليها. ومع ذلك فقد اعجبت بالأدوات التي استخدمها في سرد الحكاية بأكثر من البحث شديد الموثوقية الذي انتهى الى كتابته. وعلى خلاف الباحثين الآخرين في شأن هذه الدولة، الذين يتعاملون معها وكأنها أمر شاذ عن القاعدة يصلح للإدانة لا التفكر فيه على هدي نظري، فان جلاب يروي قصتها وكأن النظرية الغربية امر لا مندوحة عنه لفهم هذه المؤسسة شبه المنبوذة والتعامل معها. انه يطوح بشبكته بعيداً باحثاً عن مرفأ لها (وعرضنا في النص الإنجليزي المفاهيم الغربية العديدة التي استعان بها جلاب لفهم دولة الترابي الإسلاموية. ولن نثقل على قارئ الصحيفة السيارة بها وسيجدها القارئ المستزيد في النص الإنجليزي من هذا العرض). وكنت اتمنى لو ان جلاب تأمل هذه المفاهيم بعمق أكثر لإضاءة أفضل لديناميكية الدولة الإسلاموية.
يروي جلاب أيضاً قصة الدولة الإسلاموية في السودان وكأن الشيوعية في السودان (الواقع الذي نال، بدون جدال، أقل حظ من الدراسة في النصف الثاني من القرن الماضي) امر لا مناص من التعرض له لفهم دولة الترابي الإسلاموية. لقد ظهرت الحركة الاسلامية وسط منافسة قاسيه لكسب قلوب وعقول السودانيين مع حزب شيوعي نشط وحيوي ذي قواعد متجذره. وكان بإمكان هذه الحركة أن تتجاهل الحزب الماركسي استناداً على أنه غريب المنشأ لا خطر منه. فلو أغراها هذا التجاهل كانت ركبت مركباً مغامراً من اهمال هذا الحزب المنافس وتجرعت غصص الفشل. إن عرض جلاب المحكم البارع لثورة اكتوبر 1964 يكشف تنافسهما، الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، على وجدان الناس في احدى قمم الصراع السياسي – الثقافي في السودان. المهم ان سعي الحركة الاسلامية لنشر ايديولوجيتها لتحقيق أسلمة الدولة قد بدأت في المركز وفي مواجهة طويلة صعبة مع الحزب الشيوعي والقوى المسماة "حديثة" في المدن والمناطق الحضرية الشمالية في خمسينات وستينات وجزء من سبعينات القرن الماضي.
وفيما بعد هُمِشت هذه العملية لأسلمة الدولة (انتقلت من المركز الى الاطراف). في كلمات اخرى، طفحت الى الهامش دون تدبير مسبق. وكان الترابي، كما يوحي بذلك جلاب، يراقب الشيوعيين عن كثب ويتبنى أساليبهم في العمل.
فوق ذلك تناول جلاب الدولة الإسلاموية وكأن الكتابات بالعربية عنها في السودان مرجع لا غنى عنه. فالكتاب الذين يحملون أفكاراً ووجهات نظر حول التجربة الإسلاموية يحتلون موقعاً متقدماً في كتاب جلاب: الطيب زين العابدين، حيدر طه، عبد الوهاب الافندي، التجاني عبد القادر، امين حسن عمر، محمد سعيد القدال، محمود قلندر، حسن مكي، عصام ميرغني، حيدر إبراهيم، ومحي الدين عبد الرحيم. وقوة حبكة قصة جلاب عن الدولة الإسلامويه الأولى تعود، في جزء كبير منها، الى قراءاته المتنوعة هذه في أدبنا السياسي السوداني المحلي.
جلاب، لمن لا يعرفونه، شاعر. وشاعريته هنا كانت اداة ملائمة لإيجاز قصة الدولة الإسلاموية ببلاغة. ولقد اعجبتني كثيرا طريقة تصويره لنشاط الحركة الإسلامية خلال عهد الرئيس نميري (1978-1985). فقال إنها تمثلت في ثلاث هجرات: الهجرة الاولى الى " المعسكر "(camp) اي فترة إقامة الاسلاميين مع قوات المعارضة الاخرى في ليبيا لمواجهة النظام عسكريا، وتمثل ذلك في المحاولة الفاشلة لغزو السودان عام 1976. الهجرة الثانية كانت الى " الحرم الجامعي " (campus) حيث أصبح ذلك الحرم بمثابة المحرك "الموتور" للحركة الإسلامية. الهجرة الثالثة كانت الى ما يطلق عليه جلاب " أرض الوفره " (land of plenty). وكنت أود، من أجل المحافظة على الايقاع، لو أنه سماها "أرض الشركات والهيئات"(capitalism أو corporation)، وهو المصطلح الذي لجأ لاستخدامه في النهاية في الاشارة الى انغماس الحركة في الرأسمالية من خلال النظام المصرفي الاسلامي الذي استحدثته.
إذا كان هناك ما تحثنا هذه القصة جيدة الحبكة على فعله فهو ان نعيد النظر في صورة الترابي التي درجنا عليها وهي أنه شبيه بقائد عصابة للمافيا. إن الضوء الذي يسلطه جلاب على كيفية عمل دولته لا يثبت هذه الصورة التي يلوح بها خصومه على الدوام. لقد أراد الترابي التمكن من الأمر بغير منافس، ولكنه اصطدم بأعراف المهن الحاذق في البيروقراطية والجيش والاعلام التي لم تستسلم له، واعتصمت بمهنيتها الجريحة. فالترابي في وصف جلاب رجل سعى للاستئثار بالحكم والانفراد به. ولكن فأل الله ولا فأله. فحتى الجهاز البيروقراطي الذي خلخله النظام حتى النخاع لم يستسلم بسهولة. وعمليات التطهير المتلاحقة التي تعرض لها برهنت على ان قوة المؤسسات " تكمن في نزاهتها وتجردها ومهنيتها وتضامنها الجماعي " (ص111). فحتى البيروقراطيين الإسلاميين الذين تم انتقاؤهم بعناية فائقة استسلموا "لعقلنة وترشيد بيروقراطية الدولة "، (ناءوا) بأنفسهم عن تصرفات الحزب الحاكم العدائية وتصوراته الخاطئة (143). لقد انهزم الترابي على أيدي أولئك الإسلاميين الذين استأنستهم البيروقراطية بتوجهها الذرائعي النفعي. والمرونة التي تميزت بها هذه البيروقراطية قد تربت على حليب التقاليد النقابية الحية للمؤسسة. ان التقاليد السياسية في معارضة انظمة الحكم العسكرية (1964 و1985)، والتي يسميها جلاب "دين السودانيين المدني (134) " قد نفثت تعويذتها القاتلة في النظام الإسلاموي، رغم عناده في التشبث بالسلطة. ومع ذلك فان أكثر طول إقامة هذا النظام بيننا وغلظتها هي هدية خالصة من معارضيه الأشقياء العجولين.
كان الجيش بدوره كارها لإملاءات الترابي وبرما بهاً. وقد نجا من مشروعه الذي كان يهدف الى حله بحجة ردم الهوة بين المدنيين والعسكريين (ص 117). وفي نوبة غضب وبخ الترابي الجيش على تقاعسه عن عبور الحدود الى داخل إرتريا وعلقهم به علقة ساخنة لا تنسى. اما رجال الدين، من الناحية الاخرى، فلم يكونوا يحبونه لأنه حرمهم من تكوين مجلس للفقه يمكنهم من السيطرة على المناقشات والخوض في المسائل المتعلقة بالدين. وليس من المستغرب أن الدكتور أحمد علي الامام، مستشار الرئيس لشئون التأصيل، قد برز كواحد من الموقعين على مذكرة العشرة (ديسمبر 1999) التي كانت الإشارة الى سقوط الترابي. ولم يكن الترابي يثق حتى في البشير وهو من يزعم أنه انتقاه بنفسه للرئاسة. ويصف جلاب علاقتهما بأنها "صراع على السلطة " (ص 130) ظل يختمر عبر السنين. ويكفي أن نذكر أن البشير قد أحبط رغبة الترابي في ان يصبح نائبا له عقب حادثة الطائرة التي قُتل فيها النائب السابق الزبير محمد صالح. ولقد غمر السودانيين الحزن عندما انكشفت رغائب الترابي تلك إذ ما كانوا يصدقون أن رجلاَ في قامته ومنزلته يمكن ان يطأطئ رأسه بهذه الدرجة في دهاليز السلطة. فالترابي ليس "وحش شاشة" السياسية بلا منازع كما يصوره خصومه. لقد رعى بقيده رغماً عنه.
ومن جانب آخر فالصحافة، وهي ميدان تجربة جلاب الطويلة وحقل درجته العلمية، كانت صريحة في التعبير عن عدم إيمانها بالحكمة الرامية الى تشكيل العقول (144) وإعادة صياغتها بطلب من نظام الترابي. ومن هنا كان الكتاب والقراء السودانيون بارعين في خلق "بديلهم الاعلامي" (ص 144). فمناسبات الزواج والسهرات اصبحت تعج بالمناقشات السياسية وبذلك انكسر حاجز ثقافة الخوف. واضافة الى ذلك جاءت العولمة لتوفر للناس بدائل فتحولوا الى قنوات تلفزة ومحطات راديو أخرى ليس بحثاً عن الأخبار فقط، بل من اجل الترفيه أيضاً. هذا العزوف عن أجهزة الدولة الاعلامية نابع من تقليد قديم في استقاء الاخبار من "هنا لندن "، اذاعة البي بي سي، كمصدر موثوق به.
الصحافة المكتوبة، التي يقول جلاب أنها لم تستسلم للنظام، نجت من هجمة نظام الترابي إما بالصدور من خارج البلاد أو بفتح صفحاتها لصحفيين متمرسين برعوا في استخدام هامش الحرية المتاح، مهما كان ضيقاً وغير ثابت، لخدمة قضية الحرية. ونجحت الضغوط من أجل صحافة مكتوبة مستقله فسمح بها النظام في اواخر تسعينات القرن الماضي. وانفتح عش الدبابير مجرد ما أعاد هؤلاء الكتاب المشغولون بالشأن العام فتح الحوار الوطني حول مستقبل البلاد والذي انقطع بسبب انقلاب 1989.ويستنتج جلاب، وهو على صواب، أن دولة الترابي الإسلاموية الاولى لم تفشل فقط في تشكيل عقول ومفاهيم الناس، بل انها تحللت وماتت موتاً بطيئاً بفضل هؤلاء الصحفيين الذين لم يهابوا قول الحقيقة للسلطة على صفحات صحفهم التي استردت حريتها واستقلالها. ان فكرة المعارضة والانشقاق في صفوف الحركة الاسلامية نفسها قد ترعرعت بفضل هذه المنافذ التي اُستعيدت. وينحني جلاب إجلالاً لدور الصحافة المكتوبة التي تستحق "من موجبات الثناء فوق ما يعرف أكثر الناس" (ص 147).
يصف جلاب دولة ما بعد الترابي، وهو محق في وصفه، بأنها " اشبه بدولة النميري العسكرية " (ص 131). ولا جديد في هذا. فقد كان هذا طابع دولة الترابي أيضاً. ولكن الترابي وناقديه وحدهم الذين لم يروا ذلك لتركيزهم على دينية الدولة لا ديكتاتوريها. وبإبعاد الترابي عن السلطة لم تفعل الدولة سوى أن نضت عنها ايديولوجية فقدت سوقها السياسية: الاسلام. والعسكريون تحت حكم نميري فعلوا نفس الشيء بالنسبة للاشتراكية، تماما كما قال ملي روبرت عن الجزائر: " إذا كانت الامم لديها جيوش فجيش السودان لديه أمه ". إن نصف قرن من ممارسة السياسة بوسائل اخرى جعل العسكريين يتمترسون في السلطة حتى أصبح الضباط رجال دولة أكثر منهم مقاتلين. لقد كانوا كرجال دولة (لا عقائد) في فورة "تبضع" بحثا عن ايديولوجيات تصلح كي يموت من اجلها الجنود طالما ان النازع الوطني المجرد لم يعد يلهم أو يحرك الكوامن. والايديولوجية التي عثروا، سواء في ذلك اشتراكية نميري أو إسلامية البشير، هي "سكرة السلطة ". وإذا ما اشتد الضغط على هؤلاء العسكريين ليختاروا السلطة أو سكرتها فإنهم سيختارون السلطة ويتخلون عن السكرة أي الإيدلوجية. وهذا أصل في تجنب النظام الراهن الخوض الكثير في إسلامية الدولة.
انني اتعاطف مع جلاب تماما في اشارته الى مأزق الاسلام الذي نتج عن زعيق الدولة الإسلاموية الاولى وغضبها الضاري. وما كان السقوط الوشيك للإسلاميين الممسكين بالسلطة وقتها ولا احلام معارضيهم بإبعادهم عنها، حسب قول جلاب، "قد ألهم تحليلا متعمقا لدور الاسلام في موت الجمهورية الاولى". التفكير المتعمق لم يكن في يوم من الايام ميزة لمنتقدي الترابي. ولقد غادر الرجل المبنى وتركنا مع ما أطلقت عليه مرة اسم " اسلام ما بعد الترابي ". ولا أحد منا يبدو قد استعد لفهمه أو منازلته.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القرن الماضی دولة الترابی فی السودان عبد الله

إقرأ أيضاً:

رحيل عبدالله نصيف.. رجل الدولة والعمل الخيري

عبدالعزيز بن عبدالله حنفي

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) الآية (27) الفجر.

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقّينا صباح الأحد، العشرين من شهر ربيع الثاني لعام 1447هـ، نبأ وفاة والدنا الكبير معالي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عمر نصيف (يرحمه الله).

الدكتور عبدالله نصيف (يرحمه الله)، من الأعلام المعروفين، كان له دور كبير في الحياة التعليمية والاجتماعية في بلادنا. فهو رجل بأمة، ينتمي إلى أسرة من أعرق البيوت التعليمية في المملكة، ساهمت مساهمة فعالة في التنمية والتطوير والارتقاء بالوطن في المجالين الإنساني والتعليمي. ولعب (يرحمه الله) دوراً بارزاً في حياة مدينة جدة الثقافيّة والمجتمعيّة، وهو من الشخصيات الفريدة والبارزة في المنطقة الغربية، ويتمتع باحترام وتقدير رسمي وشعبي. كما أنه من مؤسسي جمعية “خيركم” لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه بجدة، وكان يتحلى بأجمل الصفات ومكارم الأخلاق، طيبًا سخياً بلا حدود، عُرف بخلقه ورفعة شأنه وسلوكه الإنساني النبيل، اجتماعي من الطراز الأول، من أهل الوفاء، وصّال للرحم، وكان ملاذاً للمتخاصمين يصلح بين الناس.

وُلد الدكتور نصيف (يرحمه الله) في مدينة جدة عام 1939م، وتلقّى تعليمه الأولي فيها قبل أن يلتحق بجامعة الملك سعود في الرياض، حيث نال درجة البكالوريوس في علوم الجيولوجيا، ثم واصل دراساته العليا في الخارج حتى حصل على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ليدز في بريطانيا، ليعود بعدها أستاذاً جامعياً وباحثاً بارزاً في مجال علوم الأرض.

تقلد العديد من المناصب، منها: أستاذاً في جامعة الرياض (سعود) عام 1391هـ، ورئيساً لقسم الجيولوجيا في جامعة الملك عبد العزيز عام 1393هـ، ثم أميناً عاماً ووكيلاً لجامعة الملك عبد العزيز عام 1393هـ، ثم مديراً لجامعة الملك عبد العزيز عام 1400هـ. وكان نائباً لرئيس لجنة الحوار الوطني السعودي، وأميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي عام 1403هـ، ثم نائباً لرئيس مجلس الشورى السعودي عام 1413هـ، ورئيساً لمجلس هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية عام 1420هـ، ورئيساً لمؤتمر العالم الإسلامي، والأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ورئيس الاتحاد العالمي للكشافة المسلم، وعضو المجلس التنفيذي لمؤتمر العالم الإسلامي، ونائباً لرئيس مجلس إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة مكة المكرمة.

نال العديد من الجوائز والأوسمة، منها: جائزة الملك فيصل الدولية لخدمة الإسلام عام 1411هـ، ووسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في عام 1424هـ، وجائزة صانع السلام العربي.

لدى الدكتور عبدالله نصيف (يرحمه الله) العديد من المؤلفات، منها:

دراسات بترولية لصخور طريق قفط: البصرة بالصحراء الشرقية (بالاشتراك) 1980.

الدرع الجرانيتي العربي (بالاشتراك).

الصخور الجرانيتية والميتامورفية في منطقة الطائف بغرب المملكة العربية السعودية.

العلوم الاجتماعية والطبيعية (بالاشتراك).

الإسلام والشيوعية.

العلوم والشريعة والتعليم (بالإنجليزية).

انبثاق التضامن الإسلامي.

للدكتور نصيف (يرحمه الله) أحديته المشهورة، والتي تأسست عام 1422هـ، وتُقام كل يوم أحد بين المغرب والعشاء في منزله.

كما أن للدكتور نصيف (يرحمه الله) إسهامات في تطوير البرامج العلمية:
تدرّج الدكتور نصيف في العمل الأكاديمي حتى تولّى رئاسة جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وأسهم خلال فترة رئاسته في تطوير برامجها العلمية وتوسيع كلياتها وأقسامها البحثية، كما عمل على ربط الجامعة بالمجتمع من خلال مبادرات علمية وثقافية رائدة.

تقلد الدكتور نصيف (يرحمه الله) العديد من المناصب، وعُرف بجهوده الكبيرة في رابطة العالم الإسلامي، إذ شغل منصب الأمين العام للرابطة، وأسهم في تمثيل المملكة في عدد من المؤتمرات والمنتديات الدولية، مدافعاً عن القضايا الإسلامية وداعياً إلى الحوار والتفاهم بين الشعوب والأديان. كما تولّى منصب نائب رئيس مجلس الشورى، وكان مثالاً في الحكمة والرؤية الواسعة وخدمة المصلحة الوطنية.

ترك الدكتور نصيف (يرحمه الله) إرثاً علمياً وفكرياً كبيراً من المؤلفات والمحاضرات والمشاركات في المؤتمرات داخل المملكة وخارجها، وتميّز بأسلوبه الوسطي المتزن ودعوته المستمرة إلى الاعتدال والتعايش، مما جعله يحظى بتقدير واسع من العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي.

لا يتوقف الحديث عن الدكتور نصيف (يرحمه الله)، الرجل الذي كان من خيرة من عرفنا ديناً وخلقاً ولطفاً وسخاءً، ذو وجه مشرق، كثير العمل قليل الكلام، صاحب أيادي بيضاء، كان محباً للجميع، ويحظى بمحبة الجميع. فقد كانت جنازته مشهودة، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: “بيننا وبينكم يوم الجنائز”، حيث دُفن في مقبرة الأسد بجدة، وشهد جنازته خلق كثير ممن عرفه وممن لم يعرفه ولكن سمع عنه.

إن هذه السطور لا تفي الدكتور نصيف (يرحمه الله) حقه، فقد كان رجل بأمة، قامة كبيرة وهامة عظيمة، تعلمت منه الكثير، وزادت العلاقة معه بعد أن تفرغ للأعمال الخيرية والإنسانية.

لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”، ونحسبه أنه خلف هذه الأعمال كلها، فآثاره باقية وأجره إن شاء الله مستمر. فالناس منهم من تغلق ملفات حياتهم بموتهم، ومنهم من يستمر عملهم بعد رحيلهم، وهذا ينطبق على الدكتور نصيف (يرحمه الله).

سيرته (يرحمه الله) لا يمكن اختزالها في المناصب، لأن ما بقي منها بعد رحيله ليس الألقاب، ولكن الأثر الإنساني الراقي الذي تركه في قلوب الناس لمن عرفه خاصة، ولمن سمع عنه. وأعماله الإنسانية كانت من خلال رحلاته الدعوية للأقليات المسلمة، وتقديم المساعدات لهم من خلال هيئة الإغاثة الإسلامية التابعة لرابطة العالم الإسلامي، والإصلاح بين الناس.

من ما تعلمت من الدكتور نصيف (يرحمه الله): إنكار الذات، فلم أسمعه يقول في أعماله “أنا”، بل دائماً يقول “نحن”، وهذا إنكار للذات، لذلك كان شديد الحرص على أن يكون العمل الخيري عملاً مؤسسياً سواءً داخل المملكة أو خارجها، لكي يُدون ويستمر أجره بعد وفاته (يرحمه الله).

أوجه نداء من خلال “البلاد” إلى معالي أمين محافظة جدة بأن يتم تسمية أحد شوارع جدة باسم الدكتور عبدالله نصيف، تخليداً لذكره وأعماله وإنجازاته الجليلة.

نعزي أنفسنا في فقد والدنا الدكتور عبدالله بن عمر نصيف (يرحمه الله)، فهو رجل بأمة، وندعو الله العلي القدير أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته مع الشهداء في أعلى عليين، وأن يبارك في أبنائه ويجعلهم خير خلف لخير سلف، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبالله التوفيق،،،

رئيس مجلس إدارة جمعية خيركم لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه بمنطقة مكة المكرمة

رئيس مجلس إدارة الجمعيات الأهلية بمنطقة مكة المكرمة

مقالات مشابهة

  • الرئيس «راجولينا» يهرب من القصر.. ما الذي يجري في مدغشقر؟
  • المفتي: تجديد الخطاب الديني وبناء الوعي حجر الزاوية في تحقيق الأمن الفكري
  • رئيس الدولة يوجه بإقامة صلاة الاستسقاء يوم الجمعة المقبل
  • رحلة العقل والروح.. المفكر الذي تحدى الظنون واكتشف الإسلام (2 من 3)
  • يد الله كانت معنا اليوم.. نشأت الديهي يهنيء الرئيس السيسي بتوقيع اتفاق السلام
  • رحيل عبدالله نصيف.. رجل الدولة والعمل الخيري
  • إقبال على أمن الدولة
  • عندما تنتصر الإرادة تُستعاد السيادة
  • فتاوى وأحكام| هل وفاة الجنين تشفع لوالديه؟.. ما حكم ترك المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟.. كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟
  • كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟..الإفتاء تجيب