شروط التوبة الصادقة .. احذر فليست دموعا وندما فقط
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
التوبة الصادقة هي أمر منشود في ذاته، فليس للمسلم أن يتحرر من ذنوبه إلا بالتوبة الصادقة، لكم ما هي التوبة الصادقة، وما هي علامات التوبة الصادقة، وما هو الفرق بين التوبة والتوبة النصوح، هذا ما نجيب عنه في التقرير التالي.
التوبة هي أمر واجب على كل مسلم ومسلمة من كل ذنب ومعصية لله عز وجل، لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وشروط التوبة ثلاثة هي: «الندم على الذنب، الإقلاع عن المعصية، والعزم على عدم العود إليها، ويضاف إليها شرطاً رابعاً إن تعلق بحقوق العباد، وهو إرجاع الحق إلى صاحبه، فمن سرق أو غصب مالاً فعليه أن يرده أو يتحلل من أصحابه.
وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم التائبين ببشرى عظيمة، فقد أخرج ابن ماجه عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ).
وتكرار الوقوع في المعصية لا يمنع من التوبة منها، وأن التوبة هي العزم على عدم العود للمعصية وليس عدم الوقوع فيها، فإذا رجع المرء للوقوع في نفس الذنب لم تهدم توبته السابقة، لكن عليه بتجديد التوبة.
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -أَوْ أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ -أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ).
والتوبة لا تقتصر على من قل ذنبه، قال النووي رحمه الله: "لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته" [شرح النووي على مسلم 17/ 75]، وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: "فلو فعل الإنسان مثل هذا في اليوم مراراً وتاب التوبة بشروطها فإن الله يغفر له" [شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد، ص138].
وفي شأن التوبة الصادقة، أكد الدكتور رمضان عبدالرازق عضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر، إن الصورة الحقيقة للتوبة، ليست دمعتين فحسب بل تتطلب أمور ثلاث، فقال: «ناس فاكرة أعيط وبعدها يرجع تاني، هناك سورة التوبة، من وسط 114 سورة في القرآن هناك سورة واحدة تسمى التوبة بدأت بالبسملة، لأن بسم الله الرحمن الرحيم فيها توبة ورحمة»، مضيفاً: «أكثر سورة فيها دعوة للتوبة، فدعا الله فيها المشركين وليس المسلمين وحدهم، لذا ففيها التوبة مهرجان، وهي أيضا سورة غاضبة جدا».
وشدد على أن التوبة لها أسرى وقتلى، فهي تقتل شيطانك، وتتطلب منك المجاهدة، والصحبة الجيدة، وترك البيئة التي تعينك على الذنب.
قال الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن التوبة من الذنب واجبة شرعًا على الفور، ولا يجوز تأخيرها، موضحاً في إجابته عن سؤال «هل يوجد شروط للتوبة النصوح؟»، أن من تاب تاب الله عليه فالندم على ما فات وصدق التوجه لله تعالى بالاستغفار وبعد ذلك عليه أن ينسى ما حدث منه لأنه إن استمر في التفكير بأنه فعل كذا وكذا سيكون هذا مدخل من مداخل الشيطان يوسوس له أن الله سبحانه وتعالى لن يتقبل منه والحال غير ذلك تمامًا فالله سبحانه وتعالى يتقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات لقوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا}.
وبيًن أنه إذا كان هذا الذنب قد تعلق بحق عيني لأحد من الناس فإنه من الواجب أن ترد هذه الحقوق لأصحابها كأن يكون سرق شيئا أو أكل ميراث أحد الورثة فإنه يتعين عليه فى هذه الحالة أن يرد هذا الحق العيني إلى صاحبه، أما إذا كان الأمر لم يتعلق بالحقوق العينية فندم على ما فعل واستغفر الله سبحانه وتعالى، قائلًا: "يجب أن نرشده لعمل ما يمحو الله به سيئاته فإن الحسنات يذهبن السيئات".
كشف الدكتور علي جمعة، عضو كبار هيئة العلماء، عن وقت لا تقبل فيه التوبة، حيث يجب على كل إنسان أن يتوب ويستغفر لله كل يوم، ويعزم على ألا يعود إلى ذنوبه، مستدلاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
وقال إن الله تعالى حدد وقتين تقفل فيهما باب التوبة هما، الأول أن يغرغر الإنسان ومعنى يغرغر الإنسان، أى أن تصل روحه إلى الحلقوم، والثاني: عند خروج الشمس من المغرب، فعَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمرَ بن الخطَّاب رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: «إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَالَم يُغرْغرِ» رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ.
كما أنه من فضل الله تعالى وكرمه بعباده أنه يقبل التوبة منهم إذا تابوا إليه من المعاصي والذنوب التي اقترفوها، ويظل قبول التوبة واردًا حتى يدرك الإنسان العاصي الموت وتبلغ الروح الحلقوم، حينئذ لم تعد التوبة مقبولة، وهذا هو المقصود بالغرغرة الواردة في الحديث المسؤول عنه. وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى أيضًا بقوله: «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ» [النساء:18]. وعلى هذا فإن المقصود بالغرغرة بلوغ الروح الحلقوم.
دعاء التوبة من الذنوبربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا آتنا ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.
ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأجعلنا للمتقين أمامًا، رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاءنا.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه أن الله لا يخلف الميعاد.
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإنى من المسلمين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ن الله ى الله الله ع
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد النبوي: لو أجاب الله طلبات المشركين لزادوا استكبارًا وعنادًا
أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم المسلمين بتقوى الله حق التقوى ومراقبته في السر والنجوى، وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن من أعظم نعم الله إرسال الرسل فهم سبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ولا يعرف الطيب من الخبيث إلا من جهتهم ولا ينال رضا الله إلا على أيديهم، موضحًا أن الضرورة إليهم أعظم من حاجة البدن إلى الروح، مشيرًا إلى بقاء أهل الأرض لا يكون إلا بآثار الرسالة الموجودة فيهم.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي، خلال خطبة الجمعة اليوم، أن الله تعالى أيد رسله بآيات وبراهين تدل على صدق رسالتهم قال تعالى:(أَلَمۡ يَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٰهِيمَ وَأَصۡحَٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ)، مبينًا أن الآيات الدالة على نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- كثيرة ومتنوعة وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء، قال عز من قائل:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ).
وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي أنه بعد ظهور نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- كثرت طلبات المشركين وتنوعت اعتراضاتهم فاقترحوا عليه آياتٍ يأتيهم بها تكبرًا وعنادًا وقالوا لو أنزل علينا كتاب لأخلصنا العبادة لله قال تعالى:(وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ لَوۡ أَنَّ عِندَنَا ذِكۡرٗا مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ فَكَفَرُواْ بِهِۦۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ).
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي، أن المشركين بعد نزول القرآن ورؤيتهم ما فيه من المعجزات قالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل عظيم من أهل مكة والطائف قال تعالى:(وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ).
وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن المشركين لما عجزوا عن تحدي الله بأن يأتوا بمثل هذا القرآن أو ببعضه طلبوا من النبي- صلى الله عليه وسلم- استبدال القرآن بغيره قال تعالى:(وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَيۡرِ هَٰذَآ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَآيِٕ نَفۡسِيٓۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۖ ).
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله تعالى لو أجاب المشركين بما طلبوا لطلبوا المزيد استكبارًا وعنادًا، مبينًا أنهم من عتوهم إذا تأخرت الاستجابة لمطلبهم في آيةٍ من الآيات استهزأوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأن ينشأ آيةً من عنده قال تعالى:(وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ).
وتابع : إن الله تعالى بيّن أنه القادر على إنزال الآيات ولا شأن لرسله ولا لأحد من خلقه فيها قال جل من قائل:(وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ).
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أنه لجهل المشركين بحكمة الله لم يحقق الله لهم ما يقترحونه ولأن ما طلبوه من الآيات لا يوجب إيمانًا فقد سألها الأولون وأُعْطُوْهَا ولم يؤمنوا فكان هلاكهم واستئصالهم قال الله تعالى عنهم:(بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ)، مشيرًا إلى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يضيق صدره بما يقولون قال تعالى: (وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ).
وأوضح أن الله لم يجر العادة بإظهار الآيات إلا للأمة التي حتم بعذابها واستئصالها محذرًا من الاستهانة بجناب الربوبية أو الرسالة فمن لم يعظمهما هلك وأن الإسلام مبنيٌ على أصلين تحقيق شهادة أنّ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فباتباع محمد- صلى الله عليه وسلم- يكون توحيد الله وهو من خير البرية.