حول خطاب لافروف الأخير بمجلس الأمن
تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT
يوم الثلاثاء الماضي الموافق السادس عشر من شهر يوليو الجاري، وخلال المناقشات المتنوعة على مستوى وزراء الخارجية بمجلس الأمن الدولي، افتتح وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» جلسةَ مجلس الأمن حول موضوع «التعاون متعدد الأطراف لصالح إنشاء نظام عالمي جديد أكثر عدلًا وديمقراطيةً واستدامةً». كشف لافروف في كلمته للعالم مسئوليةَ أمريكا عن عدم الاستقرار بالعالم باعتبارها السببَ الرئيسي وراء الكثير من الأزمات والحروب الدولية، بل وإنها هي المتسببة في الكثير من التوترات الدولية في أكثر من بقعة من بلاد العالم ومنها حرب العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وإشعال الحرب الروسية الأوكرانية بمساندة وتجييش الغرب ضد روسيا بعد نجاح الاثنين معًا في إحداث الفُرقة بين روسيا وأوكرانيا، بل وشيطنة العالم من أجل الهيمنة عليه من خلال سيطرتها على مجلس الأمن، ومنعها تنفيذ قرارات وتوصيات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتسبب في إحداث خلل في منظومة العدل العالمي.
ويوم الأربعاء الماضي الموافق السابع عشر من شهر يوليو الجاري ترأس لافروف اجتماعًا سريًّا في مجلس الأمن، لبحث الوضع في الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية، وخلال كلمته العقلانية المطولة، دعا العالم للاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، بل وإقامة الدولة الفلسطينية.. داعيًا إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة (القرار رقم 242، القرار رقم 338، القرار رقم 478، والقرار497 المتعلق بالوضع النهائي للقدس ومرتفعات الجولان السورية). وخلال هذا الخطاب غير المسبوق، حمَّل لافروف أمريكا والدول الاستعمارية مسئولية ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من حروب وأزمات وصراعات، وبخاصة الدول العربية التي تعاني من ويلات التدخلات الأمريكية، واحتلال إسرائيل للأراضي العربية، ومعاناة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة الجماعية منذ أكثر من قرن. وانطلاقًا من وعي لافروف الذي يمثل الدولة الروسية بمعاناة تلك المنطقة، ركَّز خلال كلمته على تنبيه العالم لما تفعله أمريكا والدول الغربية بالقضية الفلسطينية، ومسئولية تلك الدول عمَّا يحدث من حرب وحشية وإبادة جماعية على قطاع غزة والضفة الغربية، ناهيك عن بناء المزيد من المستوطنات، والعمل على تهويد الأراضي الفلسطينية. وأشار إلى صدور أربعة قرارات دولية من مجلس الأمن تطالب جميعها بوقف الحرب على قطاع غزة دون أن يحرك العالم ساكنًا بسبب عدم قدرة مجلس الأمن على تنفيذ تلك القرارات نظرًا لاعتراض أمريكا ومحاباتها لإسرائيل، ومدِّها بالأسلحة المحظورة وغيرها من المساعدات، لتظل في النهاية تلك القرارات حبرًا على ورق، لمجرد عدم استخدام الإدارة الأمريكية أوراقها في الضغط على إسرائيل لوقف تلك الحرب كما يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية، تلك الحرب التي تقف أمريكا وراءها وترفض الحل السلمي لوقف تلك الحرب.. داعيًا في خطابه العالم للتضامن من أجل رفع الظلم عن شعب فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية على أسس الشرعية والقوانين الدولية.
لقد عرَّى لافروف خلال خطابيه بمجلس الأمن أمريكا والدول الغربية، ومن ذلك أن وجَّه سؤالًا لممثل الولايات المتحدة بمجلس الأمن عن دور أمريكا الفعلي تجاه تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، دون أن يحصل على جواب مقنع منه، وفي الوقت نفسه فقد وصف كلمة المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة «ليندا توماس جرينفيلد» بالخطاب المتلون. فمتى سيتحرك العالم لنشر السلام والاستقرار بين شعوب العالم، ومنها إنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية التي يتعرض لها؟
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: بمجلس الأمن مجلس الأمن قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
المنوفي الذي هزم أمريكا وإسرائيل
لم يكن أنور السادات مجرد رئيس جلس على مقعد الحكم بعد ناصر، بل كان عبقرية سياسية نادرة أدركت أن معارك الأوطان لا تُدار بالشعارات بل بحسابات العقل واتخاذ القرار في التوقيت الصحيح، خاصة بعد هزيمة ومعنويات في الأرض، قرأ السادات خريطة المنطقة بعيون تختلف عن الجميع وحسم قراره، فجاء قرار الحرب في السادس من أكتوبر ليغير الموازين ويعيد لمصر مكانتها بذكاء نادر وانتصار دبلوماسي غيّر وجه الشرق الأوسط لعقود.
تحرك السادات برؤية لم يفهمها كثيرون، فهو لم يرد حربا تُنهك مصر، بل حربا تُعيد إليها إرادتها، أعاد بناء الجيش في صمت، وحوّل الهزيمة إلى درس واليأس إلى طاقة، وفي الوقت الذي انشغل فيه خصومه بالخطابات كان هو يرسم خطوط المعركة في ذهنه، ويضع توقيتها بدقة رجل يعرف أن النصر لا يأتي صدفة، بل يُصنع بتوقيت محسوب.
في السادس من أكتوبر 1973 نطق القرار التاريخي ودوّت صيحة الله أكبر على ضفة القناة لتبدأ ملحمة العبور التي أدهشت العالم، لم يكن النصر مفاجأة للسادات بل ثمرة تخطيط دقيق بين العقل والسياسة والسلاح، أدرك أن النصر العسكري لا يكتمل إلا بانتصار سياسي، فانتقل من خنادق القتال إلى ساحات التفاوض، واضعًا نصب عينيه استعادة الأرض وتحقيق السلام بشروط المنتصر لا المهزوم.
لم يكن السلام عند السادات ضعفا بل امتدادا لشجاعة الحرب، واجه الجميع بقرار الذهاب إلى القدس وهو يعلم أنه يغامر بكل شيء في سبيل أن يحمي كل شيء، أراد أن يخرج بمصر من دائرة الدم إلى دائرة التنمية وأن يحول النصر إلى طاقة بناء لا استنزاف. عبقرية السادات لم تكن في قراراته فقط بل في توقيته، في قدرته على قراءة المستقبل، وفي شجاعته على مخالفة المألوف.
رحل السادات لكن بقي اسمه محفورا في ذاكرة الأمة كقائد آمن بأن الحرب وسيلة للسلام، لا غاية في ذاتها، وبأن مصر تستحق أن تكون في مقدمة الأمم لا في ذيلها، ذلك هو السادات بطل الحرب والسلام وابن المنوفية الهمام.