يعمد الكتاب والمبدعون في لعبة التجنيس على تضمين أغلفة كتبهم جنس الأدب الذي يكتبون فيه أو بعض الإشارات التي تحيل إلى جنس المؤلف رواية أو إضمامة قصصية أو شعرية أو دراسة نقدية وغيرها، فالتجنيس بمثابة ميثاق أخلاقي بين الكاتب والقارئ/ والمتلقي، وفي بعض الأحيان تكون التحديدات التجنيسية خادعة، بمعنى أنها لا تكشف عن محتوى العمل الأدبي أو لا تدل عليه، وعليه فإن الدخول في مسألة تجنيس الأعمال الأدبية هو أشبه بالدخول في متاهة لا قرار لها.

في هذا السياق، يأتي العمل السردي "المموه" للقاص والروائي العماني محمود الرحبي، فهو يلتحم مع جنس الرواية وينفصل عنها في الآن نفسه.. ذلك أن الغلاف يكشف على أن جنس المؤلف هو رواية، أما بقراءة العمل، فإن طول الكتاب وطريقة كتابته وخصائصه الداخلية تتفق مع (النوفيلا) وطبائعها الفنية والسردية التي تقع في منطقة وسطى بين القصة القصيرة والرواية، وتمثل نوعا أدبيا ثالثا يختلف عن النوعين المجاورين.

وهذا ما تؤكده مستندات هذه (الرواية)، فهي تبلغ 55 صفحة من الحجم المتوسط، وتتضمن 27 فصلا قصيرا، إضافة إلى بنيتها الداخلية التي تهيمن عليها الجمل القصيرة وبلاغة التكثيف والاجتزاء والابتعاد قدر الإمكان عن الإطناب والتفصيل الممل، وكلها إشارات تدل على أننا أمام رواية قصيرة يغلب عليها الطابع الشذري شكلا ومضمونا.

لنقل إن التركيب السردي لهذه (الرواية) خاضع لتقنيات القصة القصيرة التي برع فيها محمود الرحبي سنوات طويلة، وبالتالي، فهو لم يستطع التحرر من لغة السرد الدقيق والانسجام والتماسك والنفس القصصي، وهي كلها علامات تدل على إتقان فن السرد و"القدرة الإيحائية والتصويرية العالية والوصف الحاذق والسرد الحدثي الثري، مع الاقتصاد اللفظي الشديد، والاقتصار على التراكيب الذكية، والجمل القصيرة المتماسكة".

لذلك، فإن (رواية) المموه لا تعدو أن تكون قصة طويلة مفعمة بروح الرواية، وأكبر دليل على ذلك حجمها، إضافة إلى طريقة كتابتها بالاعتماد على المشهدية والأسلوب المختزل الكثيف والتشذير والاقتصاد في اللغة وغيرها من تراكيب الحدث السردي.

السرد العربي القصير

بيد أن هذه الرؤية في الكتابة، ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لمسار الكتابة الروائية العربية التي أخذت من السرد القصير أفقا لها، وحققت شهرة واسعة في الوسط الثقافي والأدبي العربي، ويكفي أن نستدل في هذا السياق، بـ3 روايات: "رجال تحت الشمس" للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، و"اللجنة" للروائي المصري صنع الله إبراهيم، و"محاولة عيش" للروائي والقاص المغربي محمد زفزاف.

وعليه، فإن حضور الرواية وجودتها لا يتعلق بحجمها و(بدانتها) بتعبير الناقد المغربي سعيد يقطين، بل بقوتها التخيلية والتركيبية والدلالية، ومدى تفاعل القارئ مع انزياحاتها ومجازاتها، ونعتقد أن هذه الرواية، استطاعت أن تمثل أسلوب حياة المجتمع العماني المعاصر وما شهده من تحولات.

هذا التمثيل يبرز وعي الكاتب على قدرة السرد على تفكيك قيم المجتمع من خلال ربط المتخيل الروائي بالحقائق المحلية الملموسة وتموجات التاريخ والمجتمع، وهذا ليس بشيء غريب "لا سيما أن الرواية تتعين، من بين الأجناس الأدبية، أكثر مرونة ودينامية بسبب عدم قيامها على معايير فنية محددة، وقدرتها على استيعاب التحولات التي تشهدها الذهنيات والمجتمعات".

والناظر إلى سردية (المموه) سيلمس هذا الاشتغال على رؤية سردية جديدة أكسبتها التجارب السابقة وعيا مضاعفا لفعل الكتابة وأفقا حاملا لهوية النص الذي يبدعه محمود الرحبي، "ومن هذه الزاوية، نعتقد أن تمرس كاتبنا بالقصة، وإمساكه بمقتضياتها السردية والأسلوبية، وهي نص قصير ومركز قياسا إلى الرواية، قد أتاح له المهارة الفنية اللازمة كي ينحت اسمه عن جدارة في عالم الرواية".

وضمن هذا السياق المجدد لأسئلة الكتابة السردية، يمكننا اعتبار هذا النص الروائي فضاء جديدا لصوغ الحدث السردي وبناء المعرفة بالآخر واكتشاف الواقع والتعبير عنه بطرائق جديدة وفق مقتضياته السردية والتخيلية، لذلك، فإن كل ما يتجلى فيه (أي النص الروائي) من مستويات السرد يمثل انعطافة نوعية في مسار الكتابة لدى محمود الرحبي، لا على مستوى اللغة أو على مستوى بنية الشكل الروائي، أو على مستوى تمثيل السرد لتبدلات المجتمع العماني ومفارقاته.

وهكذا، فإن القارئ يلمس حرفية هذا الروائي من خلال كتابته نصا واعدا غير متشعب، خاضع لبلاغة الإيجاز والإيحاء ودقة التصوير والقدرة على النفاذ إلى نفسية الشخوص، فتحولهم من شخصيات ساكنة إلى شخصيات أكثر حركة ودينامية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

“الإعلامي الحكومي” بغزة يفند رواية العدو الإسرائيلي الكاذبة حول وجود نفق أسفل المستشفى الأوروبي

الثورة نت/..
وصف المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، رواية العدو الإسرائيلي بوجود نفق للمقاومة الفلسطينية أسفل المستشفى الأوروبي جنوبي القطاع، بـ”رواية مفبركة، ساقطة ومليئة بالثغرات والإدعاءات الملفقة.

وقال المكتب، في بيان  إن “العدو الإسرائيلي يواصل حملته الممنهجة لتضليل الرأي العام وتبرير جرائمه ضد المرافق الصحية، عبر ترويج أكاذيب ساذجة ومكشوفة، آخرها ادعاؤه بوجود “نفق للمقاومة” أسفل المستشفى الأوروبي جنوب قطاع غزة”.

وأضاف: “هذه الرواية مفبركة، ساقطة، ومليئة بالثغرات والادعاءات الملفّقة، ولا تصمد أمام الحد الأدنى من التمحيص والمنطق”.

وفنّد المكتب الفيديو الذي نشره جيش العدو، مؤكداً أنه ركيك ومصنوع بأسلوب ساذج؛ يظهر فيه أنبوبة حديدية ضيقة لا يتسع قطرها حتى لمرور شخص، ولا تحتوي على سلالم أو تجهيزات، ولا تصلح بأي حال لتكون نفقاً.

وتابع: “المنطقة التي أظهرها الفيديو المفبرك هي منطقة تصريف أمطار، وتشير المعاينة إلى أن العدو هو من قام بحفر الموقع ووضع الأنبوب ثم التقط مشهداً تمثيلياً قرب قسم الطوارئ في المستشفى، وهو قسم مكتظ بالمرضى والزوار، ما يجعل زعمه أكثر سخفاً”.

وأشار “الإعلامي الحكومي” إلى أن هذه المرة “ليست الأولى التي يختلق فيها العدو روايات زائفة حول المستشفيات؛ فقد سبقتها محاولات فاشلة لتلفيق أكاذيب بشأن مستشفيات الشفاء وناصر وحمد، ففي مجمع الشفاء لم يعثر سوى على بئر مياه قديم، وحاول عبثاً تصويره كنفق، لكنه فشل فشلاً ذريعاً. وفي مستشفى حمد، روّج لغرفة مياه على أنها نفق، لكن الحقيقة سرعان ما تكشفت، وانفضح زيفه”.

وأضاف: “أما في مستشفى ناصر، فعجز العدو تماماً عن فبركة أي رواية تُبرر جريمته. ولم يتوقف الأمر عند هذه المستشفيات، بل امتد إلى منشآت طبية أخرى قام بتخريبها وتدميرها، بحثاً عن أي ذريعة، دون أن ينجح في إقناع أحد”.

وقال المكتب: “الأكثر خطورة هو أن العدو نفسه أعلن سابقاً نيته إسقاط المنظومة الصحية في قطاع غزة، وأقر باستخدام قنابل خارقة للتحصينات تزن أكثر من 40 طناً لتدمير البنية التحتية للمستشفى الأوروبي، فكيف تُعرض جثامين سليمة وغير محترقة في موقع يزعم العدو إنه قصفه بهذه الشراسة؟ هذا وحده يكشف الكذب والتمثيل”.

وأوضح أنه “حتى في تفاصيل الفيديو، يمكن رصد فبركة واضحة: في الثانية 14 ينتقل المشهد فجأة إلى لقطة أخرى مختلفة تماماً في الثانية 15، مما يدل على قصٍّ ولصقٍ غير احترافي. وعندما طلب صحفيون أجانب النسخة الكاملة للفيديو، رفض العدو ذلك، ما يدل على خوفه من افتضاح التلاعب”.

وأشار إلى أن العدو الإسرائيلي نفسه صرّح في مناسبات سابقة أنه استهدف مقاومين على بُعد أكثر من نصف كيلومتر من المستشفى الأوروبي، وهذه مسافة بعيدة تماماً عن حرم المستشفى، متسائلاً: “فهل يُعقل أن يكون نفقٌ في قلب مؤسسة صحية يعجّ بالحركة اليومية دون أن يلحظه أحد؟”.

ووجه المكتب الإعلامي الحكومي نداءً لأبناء الشعب الفلسطيني العظيم قائلاً: “لا تنخدعوا بروايات العدو المفبركة، ولا تنجرّوا خلف الشائعات التي يروجها بعض الإعلاميين السطحيين الذين يعتدّون ويستندون بمقاطع العدو “الإسرائيلي” ويهاجمون مقاومتنا الباسلة. الحذر مطلوب، والوعي هو خط الدفاع الأول”.

وختم المكتب بيانه بالتأكيد على أن “هذه الأكاذيب لن تُخفي جريمة العدو الكبرى: استهداف المنظومة الصحية وارتكاب جرائم حرب ممنهجة بحق المدنيين والمرافق المدنية والحيوية”.

مقالات مشابهة

  • “الإعلامي الحكومي” بغزة يفند رواية العدو الإسرائيلي الكاذبة حول وجود نفق أسفل المستشفى الأوروبي
  • الخلايلة ينفي رواية (خذ تكسي وروح)
  • ختام النسخة الثانية من بطولة "كايت مانيا" الدولية للكايت سيرف براس سوما بالغردقه
  • محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا كبيرا يساعدني على الكتابة
  • جولة بصومعة محمد سلماوي.. والكاتب: لا أستطيع الكتابة إلا في هدوء
  • اختيار أفضل 4 منها بواسطة الجمهور عبر يوتيوب.. «الجزيرة»: 10 أفلام مرشحة للفوز في وثائقية الفيلم القصير 2025
  • عون: إسرائيل استخدمت دماء الأبرياء صندوق بريد رسالة لأميركا
  • امرأة تعيد تشكيل ذاتها في رواية عن الفقد والتحقق
  • القسام تكشف تفاصيل مثيرة لكمين جباليا.. نسفت رواية الاحتلال
  • عاجل | الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء مبان في الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية تمهيدا للقصف