التغلب على التحالف الغربي وكسر الردع الإسرائيلي .. اليمن يراكم انتصارات الفتح الموعود
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
و بالإضافة إلى إحباط محاولة التصعيد السعودية المساندة لـ"إسرائيل"، أثبتت صنعاء قدرة استثنائية كبيرة على فرض ومراكمة معادلات ردع واسعة ومتزامنة ترسخ موقعها الجديد كلاعب إقليمي كبير، ووازن يمسك بالعديد من الخيوط الرئيسية التي تشكل مستقبل المنطقة، الأمر الذي لم يعد حتى الأعداء قادرون على التغطية عليه، في ظل تتابع إخفاقاتهم الفاضحة في كبح جماح الجبهة اليمنية التي لا يمكن وضع حدود لتوسع تأثيراتها.
لقد مثل توصل صنعاء مؤخرا إلى اتفاق مع النظام السعودي من أجل إلغاء قرارات التصعيد الاقتصادية ضد البنوك التجارية، وإعادة فتح مطار صنعاء مع إضافة وجهات ورحلات جديدة، انتصارا كبيرا ومحطة مهمة للغاية في مسار الإنجازات التراكمية للجبهة اليمنية المساندة لغزة، فالتصعيد الاقتصادي والإنساني لم يكن منفصلا عن الصراع مع العدو الصهيوني، بل كان في الأساس بمثابة هجوم من الجبهة الصهيونية على اليمن لكبح استمراريتها وتفخيخ مسار تقدمها بخلق مشكلة داخلية كبيرة، ويمكن القول إن العدو الصهيوني والولايات المتحدة كانا يعولان كثيرا على نتائج ذلك التصعيد، ولهذا فإن إفشاله يمثل إخفاقا مدويا لا يقل أهمية عن الإخفاق العسكري في البحر الأحمر.
ومما يجعل هذا الاتفاق إنجازاً استراتيجياً مهماً هو أنه بني على معادلة ردع هامة استطاعت صنعاء أن تراكم معطياتها وتثبتها طيلة سنوات العدوان، ثم عززتها بإعلان الاستعداد للعودة إلى مواجهة النظام السعودي عسكرياً بالتزامن مع مواجهة العدو الصهيوني والأمريكيين والبريطانيين، وبالتالي فإن الاستجابة السعودية لإنذارات القيادة والشعب كانت تتويجاً هاماً لهذه المعادلة الرادعة التي عنوانها "العين بالعين" مهما كانت الظروف وتعددت الجبهات المشتعلة.
وقد أكدت وكالة "بلومبرغ" هذا الأسبوع هذه الحقيقة، حيث نقلت عن مصادر مطلعة قولها إن النظام السعودي قام بإلغاء قرارات التصعيد الاقتصادي بدافع "خشيته" من الرد اليمني الذي حرص قائد الثورة بنفسه على تأكيد حتميته، ونطاق تأثيراته الاقتصادية الواسعة بشكل صريح، وهو ما يعني أن اليمن قد استطاع أن يخلق لدى النظام السعودي إدراكاً واضحاً ومسبقاً بالعواقب الحتمية بالشكل الذي أجبره على إنهاء التصعيد قبل المخاطرة بتنفيذه، وهو التعريف الأوضح للردع.
وقد جاء ردع النظام السعودي عن التصعيد متوازياً مع تثبيت معادلات ردع أوسع لا شك أنه كان لها دور في توضيح الصورة أمام الرياض، فالمعركة التأريخية التي تخوضها صنعاء على مسرح بحري ممتد من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي قد تحولت إلى شاهد حي على أن اليمن صار محترفاً بشكل استثنائي في تثبيت معادلات لا يمكن زعزعتها بأي قوة، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على قائمة الاعترافات الطويلة للضباط الأمريكيين والبريطانيين الذي عملوا في البحر الأحمر خلال الأشهر الماضية، للتأكد من أن اليمن لا يمكن ردعه، و يكفي النظر إلى هروب حاملة الطائرات الأمريكية "ايزنهارو" وابتعاد بديلتها "روزفلت" عن منطقة العمليات اليمنية، للتأكد من أن اليمن هو من أصبح يفرض واقع الردع حتى على القوى التي تعتبر "عظمى" على مستوى العالم.
وقد جاء الاعتراف بذلك مؤخراً من الجبهة الصهيونية نفسها على لسان وزير خارجيتها الذي أكد أن الغارات على اليمن لن تردع اليمنيين، وهو اعتراف نابع من قناعة منتشرة على نطاق واسع داخل الكيان الصهيوني نفسه، حيث قال أحد المحللين الصهاينة في تصريحات نشرتها القناة العبرية الثانية عشرة قبل أيام إن "إسرائيل" لا تعتبر سوى حلقة في سلسلة مواجهات يخوضها اليمنيون على أكثر من جبهة، وبالتالي فإن خيار القصف الجوي لا يمكن أن يحقق أي ردع، فيما اعتبر محللون آخرون أن اليمن "عدو خطير للغاية" و"عنيد ومصمم" و"تصعب السيطرة عليه".
وبالمحصلة، استطاعت صنعاء خلال عشرة أشهر أن تثبت قدراتها على تحقيق الردع وتثبيته في ثلاث جبهات رئيسية (تشكل في الواقع معسكراً واحداً) وهي الجبهة السعودية، والجبهة الأمريكية البريطانية، والجبهة الصهيونية، حيث حاولت هذه الجبهات الثلاث أن توجه أقصى جهودها لفرض شيء واحد على اليمن: هو وقف العمليات المساندة لغزة، لكن النتيجة كانت هي اعتراف الجبهات الثلاث بالفشل، وفي المقابل أضاف اليمن معادلات ومكاسب جديدة وانتزع المزيد من حقوقه، ولا يزال يتأهب لمراحل تصعيد ستثبت واقع الردع بشكل أكبر، وتضع كل الجبهات المعادية أمام حقيقة أن صعود اليمن كلاعب إقليمي رئيسي أصبح أمراً واقعاً لا يمكن إلغاؤه.
*المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: النظام السعودی أن الیمن لا یمکن
إقرأ أيضاً:
ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
أصبح الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على إيران أحد أبرز الضربات العابرة للحدود في تاريخ المنطقة الحديث. فالعملية، التي تجاوزت كونها استهدافًا لمنصات صواريخ أو منشآت نووية، شملت اغتيالات بارزة وهجمات إلكترونية معقدة. من أبرز تطوراتها اغتيال عدد من كبار القادة الإيرانيين، بينهم اللواء محمد باقري، وفي الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده.
هذه الاغتيالات تشكل أقسى ضربة تتعرض لها القيادة العسكرية الإيرانية منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ومع ذلك، فإن الهجوم يتجاوز كونه عملية عسكرية بحتة؛ فهو تجسيد لعقيدة سياسية بُنِيَت على مدى عقود.
رغم التصريحات الإسرائيلية التي تصف العملية بأنها إجراء استباقي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن المنطق الإستراتيجي العميق يبدو أكثر وضوحًا: زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية وصولًا إلى انهيارها.
فلطالما اعتبر بعض الإستراتيجيين الإسرائيليين والأميركيين أن الحل الوحيد لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية يكمن في تغيير النظام. وهذه الحملة تندرج في هذا التوجه القديم، لا فقط عبر الوسائل العسكرية، بل من خلال ضغوط نفسية وسياسية واجتماعية داخل إيران.
تُظهر التطورات الأخيرة أن العملية ربما صُمِمَت لإشعال شرارة انتفاضة داخلية. فالخطة مألوفة: اغتيال القادة، حرب نفسية، حملات تضليل، واستهداف رمزي لمؤسسات الدولة.
في طهران، أفادت التقارير بأن الهجمات الإلكترونية المدعومة إسرائيليًا والغارات الدقيقة أصابت مباني حكومية ووزارات، وعطلت مؤقتًا البث التلفزيوني الوطني؛ أحد أركان البنية الإعلامية للجمهورية الإسلامية.
في المقابل، تعكس التصريحات السياسية الإسرائيلية هذا المسار. ففي لقاءات مغلقة وتصريحات صحفية محددة، أقر المسؤولون بأن المنشآت النووية الإيرانية المحصنة عميقًا- بعضها مدفون لأكثر من 500 متر تحت جبال زاغروس والبرز- لا يمكن تدميرها دون تدخل أميركي مباشر باستخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات، التي لا تستطيع حملها سوى قاذفات B-2 أو B-52 الأميركية. وغياب هذه الإمكانات جعل القادة الإسرائيليين يقتنعون بأن وقف البرنامج النووي الإيراني لن يتحقق إلا بتغيير النظام.
إعلانهذا السياق يمنح الأفعال العسكرية والسياسية الإسرائيلية بعدًا جديدًا. فبعد الهجمات، كثفت إسرائيل رسائلها الموجهة إلى الشعب الإيراني، ووصفت الحرس الثوري ليس كمدافع عن الوطن، بل كأداة قمع ضد الشعب.
وكانت الرسالة: "هذه ليست حرب إيران، بل حرب النظام." وقد ردد شخصيات من المعارضة الإيرانية في الخارج- كرضا بهلوي نجل شاه إيران السابق، ولاعب كرة القدم السابق علي كريمي- هذا الخطاب، مؤيدين الهجمات، وداعين إلى إسقاط النظام.
لكن يبدو أن الإستراتيجية حققت عكس ما كانت ترجوه. فعوضًا عن إشعال ثورة جماهيرية أو تفكيك الوحدة الوطنية، عززت الهجمات شعورًا عامًا بالتماسك الوطني عبر مختلف التيارات. حتى بعض المنتقدين التقليديين للنظام عبّروا عن غضبهم مما اعتبروه اعتداءً أجنبيًا على السيادة الوطنية. وتجددت في الوعي الجماعي ذكريات التدخلات الخارجية- من انقلاب 1953 بدعم الـCIA، إلى حرب العراق- مفجّرة ردة فعل دفاعية متأصلة.
حتى بين نشطاء حركة "المرأة، الحياة، الحرية"- التي أشعلت احتجاجات وطنية إثر مقتل مهسا أميني عام 2022 أثناء احتجازها- برز تردد واضح في دعم أي تدخل عسكري أجنبي. ومع انتشار صور المباني المدمرة وجثث الجنود الإيرانيين، تراجعت مطالب التغيير السياسي لصالح خطاب الدفاع عن الوطن.
وبرزت شخصيات عامة ومعارضون سابقون للجمهورية الإسلامية يدافعون عن إيران ويُدينون الهجمات الإسرائيلية. فقد صرح أسطورة كرة القدم علي دائي: "أفضل الموت على أن أكون خائنًا"، رافضًا أي تعاون مع الهجوم الأجنبي. أما القاضي السابق والمعتقل السياسي محسن برهاني فكتب: "أُقبّل أيادي جميع المدافعين عن الوطن"، في إشارة إلى الحرس الثوري وبقية القوات المسلحة.
ما بدأ كضربة عسكرية محسوبة ضد أهداف محددة، قد ينتهي بتعزيز النظام لا بإضعافه؛ عبر حشد وحدة وطنية وتكميم الأصوات المعارضة. فمحاولة صنع ثورة من الخارج قد لا تفشل فقط، بل قد تنقلب ضد من خطط لها.
وإذا كان الهدف النهائي لإسرائيل هو تحفيز انهيار النظام، فقد تكون قد قللت من شأن الصلابة التاريخية للنظام السياسي الإيراني، ومن قوة التماسك الذي يولده الألم الوطني.
وبينما تسقط القنابل ويُقتل القادة، يبدو أن النسيج الاجتماعي الإيراني لا يتفكك، بل يعيد نسج نفسه من جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline