Your browser does not support the audio element.
رغم أن القضية الفلسطينية في أساسها قضية عربية إسلامية مرتبطة في كثير من أجزائها بالجوانب الدينية والعقدية، إلا أنها مع الزمن خرجت من إطارها الجغرافي العربي لتكون قضية دولية تُبحث، ولو على استحياء، في المنظمات العالمية. لكن القضية بعد السابع من أكتوبر 2023 أخذت بعدا إنسانيا فوق الجغرافيا وفوق الأطروحات الدينية أو المناظير العقدية التي يُنظر من خلالها إلى القضية.
لا يمكن اليوم فصل ما يحدث في قطاع غزة عن إنسانية الإنسان أينما كان موقعه من الجغرافيا أو أيا ما كان اعتقاده الديني. إن مشهد قتل الأطفال والنساء والمدنيين بالجملة في قطاع غزة مشهد تُعنى به الإنسانية بامتياز، ومساءلة هذا الفعل لا بد أن تكون إنسانية قبل أن تكون سياسية، وهذا يعني أن الجميع مسؤول عن هذه المساءلة وعن تطبيق القانون إن كنا نؤمن أنه وُضع لحماية الإنسانية بشكل فردي أو جماعي؛ فالجُرم الذي نشاهده لا يقع على الفلسطينيين في قطاع غزة فقط، إنما يقع على إنسانيتنا جميعًا، إنسانيتنا في سلطنة عُمان أو في أمريكا أو في بريطانيا أو في السويد أو الصين أو أستراليا أو غيرها من البلدان، وحتى في إسرائيل نفسها، فليس كل سكان الأراضي المحتلة سعداء بما تفعله آلة القتل الخاصة بجيش الاحتلال بما في ذلك «اليهود» أنفسهم الذين يطالب بعضهم بوقف هذه الحرب.
إن قتل الأطفال الخدّج في المستشفيات، وقتل المدنيين في الشوارع وتجويع الشيوخ والنساء بالطريقة التي يشاهدها الجميع في شمال غزة وجنوبها، وقنص الأمهات والآباء الذين خرجوا للبحث عن أي طعام يبقيهم وأطفالهم يومًا آخر على قيد الحياة، كل تلك الأفعال منافية للإنسانية قبل أن تكون منافية لقواعد الحرب وسلوكياتها، أو هو- بمعنى أكثر دقة- وصمة عار في جبين الإنسانية، وهذا السياق أكبر وأهم من أن نقول: إنه تجاوز لقواعد القانون الدولي أو لقواعد الاشتباك في الحروب، وهذا أدعى لأن تنتفض من أجله الإنسانية جمعاء لأنه يضرب في جوهرها وفي كينونتها ووجودها ومنجزها.
إن إسرائيل بهذا المعنى وبهذه الصورة التي بات يعرفها الجميع اليوم تضرب كل قيم الإنسانية، وتقوضها، وتحاربها، بل وتغتالها بدم بارد أمام الجميع، وفي تحدٍ للجميع وليس للفلسطينيين والعرب وحدهم. وردة الفعل على هذه الجرائم لا بد أن تكون إنسانية ومن منطلق إنساني شامل لا من منطلق جغرافي أو أيديولوجي محدود.
وصف نتانياهو أمام الكونجرس الأمريكي الأسبوع الماضي حرب إبادته الجماعية في قطاع غزة بأنها حرب «حضارية» ضد «البربرية»، وسبق أن كررها في كل خطاباته منذ بداية الحرب. ولم يكن غريبا أن يقول نتانياهو ذلك، ولكن المفاجئ أن يقوله أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي، وهم كبار المشرعين في أمريكا وعلى مستوى كبير من الوعي السياسي والثقافي والتاريخي. والمفاجئ أكثر أن الجميع صفّق وبشدة مؤيدا لوصف نتانياهو الذي كان فيه الكثير من الاستخفاف بإنسانية الحضور إن لم يكن بإنسانيتنا جميعا. فلا يمكن أن يقول قائل: إن الإبادة الجماعية أو إن قتل الأطفال والنساء فعل حضاري جاء ضد البربرية رغم ما في استخدام هذا المصطلح من تحيّز ثقافي وتاريخي!!
ويعرف المشرعون في الكونجرس الأمريكي وبينهم من هم على مستوى مفكرين أن طرح ثنائية «الحضارة» و«البربرية» هو خطاب سياسي يستخدم منذ الأزل لتسويغ الأعمال العسكرية، وتشكيل سردية يؤمن بها الرأي العام للإمعان في تشويه الآخر وشيطنته وتسويغ العنف وتحفيز الدعم سواء كان شعبيا أو دوليا.
إن العالم أجمع مطالب في هذه اللحظة التاريخية أن يراجع قيم إنسانيته وحساسيته تجاه كل ما يحدث في العالم ليس في قطاع غزة، وإن كانت في المقدمة، ولكن ضد الظلم والطغيان وغياب العدل والعنف والاستبداد في كل مكان.
ما يحدث في غزة هو ذروة كل ذلك، ذروة الظلم والطغيان وغياب العدالة والاستبداد بالقوة والاستبداد بالسرديات، وتوظيف مؤسسات النظام العالمي لصالح المستبد، وتوظيف الكثير من البشر من أجل التصفيق للظلم ونصرته. إن إنسانية العالم في خطر كبير، فلا تتركوها تتلاشى فإن في تلاشيها «الظلام» الذي تحدث عنه نتانياهو.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی قطاع غزة أن تکون
إقرأ أيضاً:
انهيار 3 مبانٍ وغرق آلاف الخيام في غزة وسط أمطار غزيرة وأزمة إنسانية حادة
أكد الدفاع المدني في قطاع غزة يوم الخميس انهيار ثلاثة مبانٍ في مدينة غزة نتيجة الأمطار الغزيرة المصاحبة للمنخفض الجوي الذي يضرب المنطقة، دون وقوع إصابات، وحذر من مخاطر انهيار المباني المتضررة والآيلة للسقوط.
وأضاف المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أن آلاف الخيام غُمرت بالمياه منذ فجر الأربعاء، وأن فرق الطوارئ تلقت خلال 24 ساعة أكثر من 2500 نداء استغاثة من نازحين يواجهون أوضاعًا إنسانية قاسية نتيجة انعدام مقومات الحياة وتراجع الخدمات الأساسية بفعل الحصار الإسرائيلي.
ويؤثر المنخفض الجوي على فلسطين منذ فجر الأربعاء، ترافقه كتلة هوائية باردة أدت إلى انخفاض ملموس في درجات الحرارة وتساقط زخات غزيرة على مختلف المناطق، مع تزايد مخاطر الانهيارات نتيجة وجود مئات المنازل المدمرة جزئيًا أو الآيلة للسقوط نتيجة القصف الإسرائيلي خلال الحرب في قطاع غزة.
وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية يوم الجمعة بأن الولايات المتحدة طالبت تل أبيب بتحمل تكاليف إزالة الأنقاض من غزة، وأوضحت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن إسرائيل وافقت مبدئيًا على دفع تكاليف العملية الهندسية الضخمة التي قد تتجاوز مليار دولار، على أن تبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوبي القطاع تمهيدًا لإعادة الإعمار.
وأشار المصدر إلى أن إزالة الأنقاض تُعد شرطًا أساسياً لبدء أعمال إعادة الإعمار ضمن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة، مع رغبة واشنطن في تحويل رفح إلى نموذج ناجح لإعادة تأهيل القطاع وجذب السكان قبل البدء في إعادة بناء المناطق الأخرى لاحقًا.
اندلعت الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 عندما أعلنت حركة “حماس” بدء عملية “طوفان الأقصى”، وردّت إسرائيل بإعلان حالة الحرب وشنّ حملة عسكرية واسعة النطاق شملت قصفًا مكثفًا وعمليات برية داخل القطاع، ما أدى إلى كارثة إنسانية واسعة. وأسفرت جهود الوساطات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها مصر وقطر بدعم أمريكي، عن التوصل إلى اتفاق هدنة إنسانية دخل حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر شمل وقف العمليات وإدخال مساعدات عاجلة وإطلاق دفعات من المحتجزين.