#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
الفوارق في مفاهيم الحياة بين المجتمعات المؤمنة والمجتمعات الكافرة كثيرة، وهي جوهرية وليست هامشية، وليس المجال متاحا هنا لتبيانها، لكني سأتطرق لإحداها، وهي أن مفهوم الزعامة والقيادة مختلف جدا بين الطرفين.
نتحدث هنا عن الزعامة الحقيقية، التي ينالها القائد بناء على كفاءته وقدراته القيادية وإخلاصه ونزاهته، وليست تلك التي نالها الحاكم بالحكم العضوض، بفرض نفسه بالقوة العسكرية أو بالوراثة.
في المجتمعات المؤمنة يكون ولاء الأمة للمبدأ والعقيدة وليس للشخص الحاكم بذاته، ويشترك في ذلك القائد والمقود، وتبقى مسألة الطاعة والإتمار بأمر القائد منوطة بالتزامه بمنهج الله وإخلاصه العمل لتنفيذه.
في المجتمعات الكافرة يكون الدور الأكبر في الطاعة للقائد بحسب طبيعته الشخصية ، ومعلقة على تحقيقه المنافع والمكاسب للمقودين، ويكون الولاء للمجتمع بمقدار ما ينفعهم منه، لأن مفهومهم للحياة مختلف، وهو أن المرء عليه أن يغتنم فرصة حياته ليتمتع بأقصى ما يستطيع، وقبل موته، والذي يعني بمفهومهم أنه آيل الى العدم، كونه لا يؤمن بالحياة الأخرى.
في المجتمعات المؤمنة الولاء للمبدأ والمعتقد، فهو في نظر المؤمن أثمن من الأملاك والمناصب والمكاسب، وولاؤه للزعيم أو القائد أو الحاكم منبثق من ذلك، فيحب الزعيم ويطيع القائد طالما كان ملتزما بمتطلبات العقيدة الإيمانية.
اذا مات هذا الزعيم أو القائد او قتل، سيحزن أتباعهما، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، لكم ما يحدث بعدهما متباين عن الطرفين.
المؤمنون سيحتسبون فقيدهم عند الله، ويدعونه تعالى أن يكرمه برحمته ورضوانه، والذي سيكون أجرا جزيلا ومردوده عاليا وهو الجنة، فتتحول خسارته حياته وصحبة أهله الى ربح أعلى بكثير مما فقده، متمثل بحياة أسعد وصحبة أفضل، لكن ما يعوض المجتمع بدل خسارة هذه الكفاة، هو أن المؤهلين لخلافته في موقعه كثيرون لوجود المؤهل الأساس وهو الإيمان والتقوى في الكثيرين من بعده، سواء من رافقه منهم وتعلم منه أو تلمذته العقيدة كما تلمذت كل من قبله وبعده، لذلك سيستمر العطاء، ولن يتأثر المجتمع بهذه الخسارة.
المجتمع الكافر معلق نفعه بالشخص الذي كان نافعا له، لذلك فخسارته إن مات أوقتل لا تعوض، إذ لا مردود سيناله فقيدهم بعد الموت، وليس هنالك عقيدة تربي من سيجيء بعده ضابطة لنواياه وأفعاله.
من هنا نفهم لماذا يلجأ معادو منهج الله الى اغتيال القادة والعلماء في معسكر المؤمنين، رغم معرفتهم بامتلاكهم القوة العسكرية المتفوقة والقادرة على تحقيق الغلبة والنصر في القتال، لأنهم يظنون أن موت القائد سيحبط المقودين وسيفت من عزيمتهم، وهو ما كان سيحل بهم لوفقدوا قائدهم.
ولأن الله عاقبهم على عدائهم لمنهجه الذي أنزله أليهم عبر رسوله، بأن أعمى قلوبهم فباتوا كالأنعام لا يفقهون، فلا يعملون الا ليومهم، ولا يعلمون ما سيحل بهم بعد موتهم، ولا ينفعهم أنهم متفوقون في العلم التطبيقي والتقنية، فذلك علم بظاهر من الحياة الدنيا المؤقتة، ولا يفيدهم بشيء في حياتهم الأخرى الأزلية، لذلك يلجؤون الى الأعمال الخسيسة والجبانة وهي الاغتيال، ليعوضوا أنفسهم الخسارة المعنوية التي أصابتهم جراء فشلهم في تحقيق أهداف عدوانهم على القطاع، رغم إلقائهم عليه مئات الآلاف من الأطنان من الحمم، مما اضطرارهم الى طلب التفاوض للخروج من مأزقهم، الذي يعلمون أنه بداية النهاية لقلعتهم المحصنة (الكيان القيط).
لقد علّمنا تاريخ الأمة الطويل في صراعها مع الباطل، أنه لم يفت في عضدها يوما خسارة القادة والزعماء، فبعد استشهاد ثلاثة قادة في مؤتة لم يحجم المسلمون عن الجهاد خوف المزيد من الخسارة، بل تعاظم اقدامهم، لتكون مقدمة لفتح بلاد الشام وطرد الرومان منها الى الأبد، واغتيال الفاروق لم يوقف صعود الدولة الإسلامية بل ازدادت قوة وتضاعفت رقعتها.
قدر الله في سابق علمه أن يبقى الصراع بين أهل الحق حاملي منهجه الى العالمين، وأهل الباطل المتكالبين على عرض الحياة الدنيا، “وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ” [الأنفال:7-8]، فيغري أهل الباطل بأهل الحق ليظنوا أنهم قادرون عليهم، لكي يمحص المؤمنين ويتخذ منهم شهداء يجزيهم خير الجزاء، وتكون المحصلة والنتيجة النهائية للصراع نصر المؤمنين، وخزيا للكافرين في الدنيا قبل خزيهم الأعظم في الآخرة. مقالات ذات صلة نقطة نظام 2024/07/30
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: نور على نور
إقرأ أيضاً:
البديوي: دول مجلس التعاون تولي قضية مكافحة المخدرات أولوية قصوى لحماية المجتمعات
البلاد (الرياض)
أكّد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي أن دول مجلس التعاون تولي قضية مكافحة المخدرات أولوية قصوى، إيمانًا منها بأهمية حماية مجتمعاتها وتعزيز أمن وسلامة أبنائها من هذه الآفة الخطرة.
جاء ذلك خلال الاحتفال المصاحب لليوم العالمي لمكافحة المخدرات والأسبوع الخليجي لمكافحة المخدرات، في مقر الأمانة العامة بالرياض اليوم، بحضور عدد من المسؤولين في وزارات الداخلية والمعنيين ذوي العلاقة بدول المجلس.
وبين البديوب أن هذه المناسبة، التي تتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة المخدرات والأسبوع الخليجي لمكافحة المخدرات، تجسد التزام دول مجلس التعاون بمواصلة العمل الخليجي الجماعي المشترك لحماية المجتمعات وتعزيز أمن وسلامة أبناء دول المجلس من آفة المخدرات، انطلاقًا من توجيهات قادة دول المجلس, الذين أولوا هذه القضية أولوية قصوى، إيمانًا منهم بأن حماية الإنسان وصون أمن المجتمع مسؤولية وطنية ومصيرية، وشكّلت دول المجلس جبهة متماسكة، تستند إلى التعاون الأمني والتشريعي والتوعوي، وتعمل بلا هوادة لتجفيف منابع هذه الآفة، والتصدي بحزم لكل من تسوّل له نفسه استهداف أبناء الخليج ومستقبله.
وأشار إلى أن الإستراتيجية الخليجية لمكافحة المخدرات (2025 – 2028)، جاءت إطارًا شاملًا ومتكاملًا لتوحيد وتوجيه جهود دول المجلس في هذا المجال الحيوي، واستندت هذه الإستراتيجية إلى محاور رئيسية تشمل خفض العرض والطلب على المخدرات، وتجفيف المنابع، وتعزيز التنمية البديلة، وتطوير منظومة التشريعات الخليجية، ومكافحة غسل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات، وإنشاء نظام للرصد الوطني المشترك، والتدريب وبناء القدرات، وهي محاور تسعى إلى تحقيق التكامل بين الأبعاد الوقائية والأمنية والعلاجية، بما يضمن التصدي الفعال لجميع أوجه هذه الآفة.
وأفاد بأن مكافحة المخدرات مسؤولية جماعية تتطلب عملًا تكامليًا وجهدًا مستدامًا وتعاونًا وثيقًا بين الحكومات والمجتمعات والأفراد، مؤكدًا مضي الأمانة العامة لمجلس التعاون في دعم وتنفيذ هذه الإستراتيجية الطموحة، وتعزيز أوجه التعاون والتنسيق، وتبني المبادرات التي تسهم في بناء مجتمعات آمنة، خالية من آفة المخدرات، وقادرة على حماية أبنائها من المخاطر المستقبلية.
وتطرق البديوي إلى أهمية دور الأسرة والمجتمع، وأنهم يشكلان خط الدفاع الأول في مواجهة المخدرات، من خلال التربية الواعية، والحوار المفتوح، والرعاية المستمرة، وأن للمدرسة، والإعلام، والقيادات الدينية، ومؤسسات المجتمع المدني، دور لا يقل أهمية في نشر الوعي وبناء بيئة صحية وآمنة تحمي الشباب من الانزلاق في هذه المخاطر.
وأكد أهمية إبراز الدمج المجتمعي للمتعافين من الإدمان بصفته أحد المحاور الأساسية لضمان نجاح التعافي واستدامته، والوقاية من الانتكاسة، وللأسرة دور كبير وقيم في توفير الدعم العاطفي والاجتماعي، وتوفير بيئة مستقرة ومحفزة، تعزز ثقة المتعافي بنفسه وتشجعه على إعادة بناء حياته، وحرصت دول المجلس على إنشاء مستشفيات ومراكز ومؤسسات معنية بهذا الأمر لتقديم العلاج وتهيئة برامج التأهيل والتمكين، وفتح آفاق التعليم والتدريب والعمل أمام المتعافين، بما يضمن مشاركتهم الفاعلة في المجتمع.
وعبر عن اعتزازه بالتعاون الوثيق مع الشركاء الإستراتيجيين من الوزارات والهيئات المعنية في دول المجلس، وعلى رأسها وزارات الداخلية، والصحة، والعدل، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى الأجهزة الجمركية وحرس السواحل، واللجان الوطنية لمكافحة المخدرات، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والحرص على تعميق هذه الشراكات لضمان التنسيق والتكامل على المستوى الإقليمي والدولي.