ملتقى السيرة بالجامع الأزهر: تواضع النبي بفتح مكة خير دليل على أن الانتصار في الإسلام مقدمة للرحمة
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "فتح مكة الحديث والعبرة".
وذلك بحضور كل من الدكتور حسن القصبي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، والدكتور نادي عبد الله محمد، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الدكتور فؤاد حسان، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.
في مستهل الملتقى، أوضح الدكتور حسن القصبي أن دراسة السيرة النبوية هي في جوهرها دراسة للإسلام وتطبيق عملي لقواعده ومبادئه، وأن كل حدث من أحداث السيرة هو بمثابة منهج إسلامي لهذه الأمة، يحتوي على العبر والدروس التي تحتاجها الأمة، فلو نظرنا إلى كيفية خروج المسلمين من مكة ضعفاء، وقد تركوا كل شيء، لوجدناهم قد عادوا إليها في عزة وفخر، لأنهم ضحوا من أجل الله سبحانه وتعالى، وهذه المفارقة العظيمة توضح كيف خرج النبي من مكة مستخفياً، وعاد إليها خاشعاً له كل من كان في مكة.
وبين الدكتور حسن القصبي أن التضحية يجزئ الله عليها خيرًا، فلو نظرنا في صلح الحديبية؛ نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يريد أن يفتح مكة عنوة أو أن تراق دماء فيها، ورغم أن البنود التي عقدت في صلح الحديبية كانت ظاهرة ظلم للمسلمين وقد استاء منها بعض الصحابة، إلا أن جزاء ذلك جاء سريعًا بقوله تعالى: "فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا"، حيق جاء هذا الصلح بعد حروب أنهكت المسلمين، وعندما تم عقده، شعر المسلمون بالأمان، واستطاعوا خلال فترة الهدنة أن ينشروا الدعوة بحرية، لهذا كان الصلح ترتيبًا حكيمًا من النبي صلى الله عليه وسلم للدخول إلى مكة فاتحًا لا غازيًا، دون أن تراق دماء.
وذكر الدكتور حسن القصبي، كيف جسد النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، مجموعة من الأخلاق العظيمة، منها نصرة المظلوم؛ فنصر الله به قبيلة خزاعة عندما غدر بها في مكة، كما علمنا نبذ العهد مع الخائن والوفاء به مع الموفي، وهي أخلاق الفرسان الذين لا يغدرون ولا يقبلون الغدر، كما علمنا ألا ننسى سابق الأخلاق الكريمة عند الخلاف، وهو ما ظهر جليًا في موقف حاطب بن أبي بلتعة، الذي أخبر قريش بقدوم النبي، وعندما سأله النبي عن سبب فعله، قال: "أردت أن يكون لي يد عند قريش". فغفر النبي لحاطب ذلك من أجل سابق فعله وكونه من أهل بدر، وعلمنا أيضاً حظر الشعارات والهتافات غير الأخلاقية، ففي موقف سعد بن معاذ الذي قال: "اليوم يوم الملحمة"، صحح له النبي قائلاً: "بل اليوم يوم المرحمة"، وتجلى تواضع الفاتحين عندما وصف الصحابة النبي وهو يدخل مكة خافضاً رأسه من شدة التواضع، وتوج هذه الأخلاق بالعفو عند المقدرة، عندما قال لأهل مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
من جانبه، أكد الدكتور نادي عبد الله أننا في حاجة ملحة لتطبيق السيرة النبوية في حياتنا، وأن تعود الأمة إلى هذا التاريخ العامر الذي فيه الحل لمشكلات الأمة وكل قضاياها، فالإسلام متمثل في شخص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد وجهنا الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك، فلو أردنا الهدي الصحيح فعلينا بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"، ولو نظرنا في فتح مكة لأدركنا أنه حدث عظيم فيه من العبر والدروس الكبيرة، وهذا الفتح من النعم التي منَّ الله بها على سيدنا رسول الله، إذ دانت له قريش والعرب به، وكان هذا الفتح مطهراً لأعظم بقعة في الوجود، وارتفعت راية الإسلام في ذلك اليوم بعز من الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ".
وأشار الدكتور نادي عبد الله إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قابل نعمة الفتح العظيم بالاستجابة الربانية المثلى، وهي التواضع الجم والشكر المطلق والرجوع إلى الله واليقين به سبحانه وتعالى، متمثلاً ذلك في كثرة الاستغفار فور وقوع النصر، وقد كان وراء هذا الفتح جهد عظيم وتخطيط عميق؛ حيث رتب النبي صلى الله عليه وسلم لدخول مكة ترتيبًا دقيقًا، مستعيناً بالسرية التامة في ذلك حتى لا تتفشى أخباره إلى العدو، مطبقاً بذلك أعلى درجات الحكمة العسكرية.
وفي ختام كلمته، عقد الدكتور نادي عبد الله مقارنة تاريخية قائلا: "لو نظرنا إلى أخلاق المسلمين في فتح مكة مقارنة بما فعله أعداء الإسلام، كأحداث عام 472 هـ عندما دخلوا بيت المقدس وقتلوا سبعين ألفاً من النفوس البشرية، أو ما فعله التتار عندما دخلوا بغداد وقتلوا ثمانمائة ألف، لأدركنا أن المسلمين لا يعرفون البطش وسفك الدماء"، مشيرًا إلى أن فتح مكة لم يشهد إراقة دماء ولا قتلاً؛ فلم تقطع شجرة، وما قتلت نفس، وما هدم منزل، إنما كان فتحاً عنوانه الرحمة والتسامح، لأن الفتوحات الإسلامية قامت على إعمار الأرض لا إفسادها.
يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجامع الأزهر الأزهر فتح مكة ملتقى السيرة الجامع الأزهر النبي الانتصار النبی صلى الله علیه وسلم السیرة النبویة الجامع الأزهر سبحانه وتعالى فتح مکة
إقرأ أيضاً:
ملتقى الأزهر اليوم يناقش مفهوم السلام في الإسلام
يشهد الجامع الأزهر الشريف اليوم انطلاق جلسة جديدة من فعاليات ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، التي تعقد أسبوعيًا ضمن خطة الأزهر الشريف لنشر الفكر الوسطي وتوضيح المفاهيم الصحيحة عن الدين، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات من الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.
وينعقد ملتقى هذا الأسبوع تحت عنوان "نظرة الإسلام إلى السلام"، بمشاركة نخبة من العلماء والباحثين، حيث يتناول الملتقى رؤية الإسلام لمفهوم السلام باعتباره أحد القيم العليا التي يقوم عليها الدين، ويؤكد على أن السلام هو السبيل الحقيقي لتحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمعات الإنسانية كافة.
ويشارك في المحاضرة كل من الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، والدكتور مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، فيما يدير الحوار الإعلامي أبو بكر عبد المعطي من إذاعة القرآن الكريم، في إطار حوار علمي مفتوح يتناول أبعاد القضية من زوايا دينية وثقافية وإنسانية.
وأوضح الدكتور عبد المنعم فؤاد أن ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة يُعد من أهم الأنشطة الفكرية والعلمية التي يحرص الرواق الأزهري على إقامتها بانتظام، مشيرًا إلى أن اختيار موضوعات الملتقى يتم وفقًا لمستجدات الواقع والقضايا التي تثير الجدل في المجتمع، سواء داخل مصر أو في العالمين العربي والإسلامي. وأضاف أن الهدف من هذه اللقاءات هو توضيح الصورة الصحيحة عن الإسلام والرد على الشبهات المثارة حول ثوابته، فضلًا عن مناقشة القضايا الوطنية والاجتماعية التي تمس حياة المواطنين.
وبيّن أن عملية اختيار المحاضرين تتم بعناية فائقة تبعًا لطبيعة الموضوع المطروح، حيث يشارك في هذه الملتقيات مجموعة من كبار العلماء والخبراء من داخل جامعة الأزهر وخارجها، بما يضمن تناول كل قضية من منظور علمي وشرعي متكامل.
يُذكر أن ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة يُعقد بشكل دوري كل يوم ثلاثاء داخل أروقة الجامع الأزهر الشريف، بعدما كان يحمل في السابق اسم "شبهات وردود"، قبل أن يُعاد تطويره ليواكب التحديات الفكرية المعاصرة، وذلك بعد النجاح الكبير الذي حققه خلال شهر رمضان المبارك حين كان يُعقد يوميًا عقب صلاة التراويح. ويستمر الملتقى في أداء دوره التوعوي الرائد من خلال مناقشة قضايا تمس المجتمع المصري والعربي والإسلامي، تأكيدًا لدور الأزهر الشريف في قيادة الخطاب الديني المعتدل القائم على الفهم والعقل والحوار.