وقفت على تجربة نازك الشعرية مرتين إحداهما عام 1980 وفق منهجية النقد الأدبي، والثانية عام 2002 حسب منهجية النقد الثقافي، والثانية تعطي رؤية ستبدو أنها تناقض الأولى، ولكن الأمر ليس تناقضاً وإنما هو متسق مع المنهجية المتبعة في كل منهما، على أن منهجية النقد الأدبي تعتمد الوقوف على جماليات النص وفي حال نازك الملائكة لابد من الوقوف على قضية الشعر الحر وجدل الأسبقية بينها وبين السياب، وهذه مرتكزات جوهرية لا يمكن تغافلها في أي درس نقدي أدبي، ولكن في حال النقد الثقافي فإن الحفر عن الأنساق الثقافية يستلزم استكشاف التحول النسقي في النص، أي نص، وهنا ستكون أشعار نازك التي ظهرت هي المدخل البحثي وتحديداً قصيدتي الخيط المشدود لشجرة السرو، وقصيدة الأفعوان، وهما معاً تمثلان لحظة تحول مفصلي في لغة نازك وفي نظرتها للنص الحداثي المختلف، وفيهما تنشأت قصيدة حداثية كاسرة لعمود التفعيل الشعري، وهذا يجعلنا نعود لتفسير دور التغيير العروضي في أوزان الشعر الحر بوصفه تحطيماً لعمود الوزن المستفحل، فيحدث تناغم بين نسق القصيدة وشكل القصيدة، وهذه خطوة تحسب لنازك وتجعلها رائدة ريادة تتجاوز مجرد التغيير العروضي الذي حدث عام 1947 وهو في حينه لم يكن تغييراً جديداً لا عندها ولا عند السياب لأنه مسبوق بنماذج كثيرة منذ العقود الأولى للقرن العشرين وفي العراق تحديداً، وقد وقفت عليها في كتابي الصوت القديم الجديد.

والتحديث النوعي لا يتحقق شكلاً فقط كما هو الوضع في البداية، ولكن التحول النسقي الجذري هو في ظهور قصيدة مؤنثة (بمعنى تأنيث القصيدة) كما هو عنوان كتابي الثاني الذي وقف على نسق التأنيث، وهنا سيكون الاختلاف بين موقفين مني عن نازك هو اختلاف تقتضيه الرؤية المنهجية، أي منهجية النقد الثقافي التي لا تتميز إلا إن كانت مغايرةً لمنهجية النقد الأدبي في المعالجة وفي فرضيات البحث ومن ثم معطيات الحفر والتشريح، ولو افترضنا توافق المستخلصات بين المنهجيتين للزم إلغاء الأخيرة منهما إن هي أعطت النتيجة نفسها، إذ لن يكون للمنهج الجديد أي وظيفة معرفية إن هو قال ما قد قيل من قبل، مما لا يبرر تغير المصطلح ولا تبني منهجية مختلفة ولا ادعاء الإنجاز، ومن شرط المنهجية الجديدة أن تكشف غير ما كشفته القديمة، وأن ترى ما لم تره السابقة، وهذا هو برهان المنهجية الجديدة وعلامة وظيفيتها ومصداق نجاعتها، ولو حدث أن الباحث نفسه اقترف التغير النوعي بنفسه فهذا هو البرهان والتبرير، ولهذا قلت بموت النقد الأدبي منذ عام 1996 وكان ذلك مقدمةً ضرورية لإحداث التحول النوعي عندي، وكأني أنقلب على ذاتي وعلى تاريخي البحثي بمعنى أني قلبت الطاولة على نفسي لكي أقترف الاختراق الذي نويت عليه، ومن حسن حظي أن مثال نازك جلي لحد وصفي بالتناقض، وهذا يعزز عندي دعوى المفارقة بين منهجية وأخرى، وهنا تكون نازك حاضرةً عندي في منهجيتين. واختلاف الثانية عن الأولى هو حجة الثانية وبرهان تميزها النوعي عن الأولى.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: جمالية النقص د. عبدالله الغذامي يكتب: لوثة الإبداع وحرقة الفكر

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي النقد الأدبی

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (…. بس)

وجمال ومرسي والسادات مثل زوايا المثلث .. لا يجمعها شيء
وهذا وهذا وهذا …. يقتل
( ومحمود أمين … شيخ الشيوعيين يجزم / والشواهد عنده/ أن جمال قتل
وفي الجزائر بومدين قتل (سمموه) وبوتفليقة قتل (نسفوه) و
وصدام قتل (شنقوه)
(الجلبي يضع جثمان صدام وسط حفل زواج إبنه
.. والقذافي قتل
وزين العابدين هرب .. لأن القتل أوشك
والبقرة ديك … هرب لأن القتل أوشك
وموجة قتل الرؤساء ملفتة
ونجوما .. قتل (أعدم كل من يرتدي نظارة
وتروغيبو فى الدومينكان قتل
وصاحب تركمان أستان
ودوفاليير (الذى أعدم كل كلب أسود خوفاً من السحر)
وبولبوت … لا حول … لا حول
(قتل مليون طفل فى أربع سنوات)
وبنانا … حرم الموز لأن الموز بالإنجليزية .. بنانا
ومبوتو الذى منع لبس القبعات …. القبعة للرئيس فقط
و…
عشرات كلهم قتلوا
وعندنا الصادق في تسجيل له يقول أنهم سوف يقتلونه بالكورونا
وما يجمع المشاهد هو أن الجهة التي تقتلهم تقوم بتلحين وغناء فسادهم
وركام الفساد يقود ويقود
لكن …. البشير لاهو فاسد ولاهم إستطاعوا تأليف الحكايات عنه
ومن جاءت صرخة
(تسقط بس)
وماحدث بعد السقوط هو ….
قحت تركب الناس …
وإلى درجة الدعم وما فعله الدعم
وهنا الشعب يقول
: نضرب بس …
……
يبقى أن من يقص ما فعله الشيعة بجثمان صدام هو واحد من سكرتارية ….. أو من جهاز أمن … صدام
وما يجعل القصة مقبولة هو أن صدام/ أو من حول صدام/ كانوا قد أتفقوا مع بريمر على مسرحية
وفي المسرحية يجعلون الحبل في عنق صدام … ثم يجري تهريبه
(شاوشيسكو كان يتم إعدامه برصاصات فارغة (فشنك) ثم يجري تهريبه)
لكن الشيعة يتولون إعدام صدام …. والحقد الشيعي على أهل الإسلام السني يتجاوز كل خيال
ويعدمون صدام بالفعل
يعدمونه صباح عيد الأضحى ليفخروا بأنهم ذبحوا زعيم أهل السنة / عندهم/ خروفاً
والأسبوع القادم هو عيد الأضحى…
ونقول للبعث … ممن يكرهون الإسلاميين … خذوا
ونقول للدعم/ الذي يطلب المفاوضات/ نضرب .. بس

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: "العشوائيات وتأثيرها السلبى على السلوك "!!
  • 500 مليون دولار من صندوق النقد الدولي لأوكرانيا
  • الخولي: مستقبل وطن مستعد دائما لخوض الانتخابات البرلمانية بخطة منهجية
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (…. بس)
  • صندوق النقد يضغط على لبنان لتسريع خطواته
  • د.حماد عبدالله يكتب: مجرد إقتراح بمشروع قانون "للغائب"!!
  • تكريم الفائزين في المسابقات المنهجية والثقافية بمديرية عمران
  • في إطار مواجهة الفكر المتشدد وتعزيز الوعي الديني الرشيد: "أوقاف الفيوم" تنظّم دروسًا منهجية للواعظات في المساجد الكبرى
  • د.حماد عبدالله يكتب: توجيهات "للقانون الغائب"
  • بدعم تجاوز 681 مليون ريال.. «هدف»: شراكات استراتيجية بسوق العمل في مجال التدريب النوعي