اتفاق الإقرار بالذنب.. مخرج الادعاء والمتهم لطي الملفات الشائكة
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
صفقة الإقرار بالذنب، وتسمى أيضا "التفاوض على الإقرار بالذنب"، مصطلح قانوني يصف إقرار المدعى عليه (المذنب) بالتهم الموجهة إليه في قضية جنائية. ويعد حلا وسطا يستفيد منه المتهم بتخفيف عقوبته، والمحكمة بتوفير مواردها ووقتها وجهدها.
وتعتبر الصفقة أمرا شائعا في الولايات المتحدة الأميركية، وهي البلاد التي انطلق منها هذا الإجراء القانوني في القرن الـ17 الميلادي، ومن ثم انتشر إلى باقي دول العالم.
حسب الموسوعة البريطانية، فإن صفقة الإقرار بالذنب "ممارسة تفاوضية بين الادعاء والدفاع من أجل أن يعترف المتهم بالجريمة المتهم بها مقابل تخفيف عقوبته أو الحصول على توصيات معينة أو عقوبة محدودة أو إسقاط تهم".
وحسب جامعة كامبردج، فإن هذا الإجراء هو "اتفاق يعرض على شخص متهم السماح له بالاعتراف بأنه مذنب بارتكاب جريمة أقل خطورة، لتجنب محاكمته على الجريمة الأكثر خطورة".
ويطلق على هذا النوع من الإجراءات أسماء أخرى كثيرة، منها "قرار ما قبل المحاكمة" و"المساومة على الإقرار بالذنب" و"المساومة الصريحة على الإقرار بالذنب" وهي الأكثر شهرة، و"المساومة الضمنية على الإقرار بالذنب" وهي التي لا تتضمن ضمانات تخفيف العقوبات.
أنواع اتفاقيات الإقرار بالذنبتوجد 3 أنواع من اتفاقيات الإقرار بالذنب، وهي:
التفاوض على التهمة: وفيها يحصل المتهم على تخفيف بالعقوبات في حال وافق على الإقرار بتهمة مخففة، أي يقر بارتكابه عنفا شديدا، بدل تهمة الشروع بالقتل مثلا. التفاوض على العقوبة: وعبرها يتفاوض المتهم حول العقوبة الموجهة إليه، فيطالب بعقوبات أخف أو بديلة في حال أقر بالذنب، فمثلا يقر المتهم بارتكابه جريمة مقابل تجنب الحكم عليه بالإعدام. التفاوض على عدد التهم: وهي عندما يسمح للمتهم بالإقرار بعدد من التهم الموجهة إليه على أن تُسقِط عنه المحكمة تهما أخرى.وعقب اعتراف المدعى عليه بالذنب، يقدم المدعي العام توصيات للقاضي الذي يحدد بدوره العقوبة المناسبة، ويتم تخطي المحاكمة والانتقال إلى جلسة النطق بالحكم، وعادة يلتزم القضاة بشروط الاتفاق ويفرضون العقوبة بناء عليها، علما أن اتفاق الإقرار بالذنب لا يعد إلزاميا للقاضي في بعض البلاد.
لماذا يلجأ المتهم لصفقة الإقرار بالذنب؟يلجأ المتهمون إلى الاعتراف بارتكاب الجرائم بهدف تخفيف العقوبة غالبا، وهو الاتفاق الذي يعرضه المدعون العامون على المتهمين، الأمر الذي يوفر المال والوقت على المدعى عليه، ويجنبه المحاكمات المطولة والأحكام المشددة، ويوفر من جهة أخرى كثيرا من الرسوم القانونية، ويقلل أيضا من التكلفة الإجمالية للقضية.
وقد يعرض على المتهم مقابل اعترافه تقليل عدد تهمه أو سنوات سجنه، أو إسقاط تهمة شديدة الخطورة لصالح تهمة أقل خطورة، وربما لا يحصل على أي منها، إنما يلتزم الادعاء بأن يعرض على القاضي طلبا لتخفيف الحكم للمتهم دون وعود سابقة له.
وقد يشترط على المتهم الإدلاء بشهادته ضد متهمين آخرين قبل التفاوض على "الإقرار بالذنب".
سلبيات الإقرار بالذنبلا يقرّ المذنب بذنبه لقناعته في بعض الأحيان، إنما يختار الاعتراف ليتجنب مزيدا من المحاكمات وضغط الادعاء العام والمحكمة والمحققين، أو لقبول عرض صفقة جيدة عليه لا يمكنه تفويتها.
وقد يقر المتهَم بذنبه مكرها، فرغم قناعته ببراءته وعدم ارتكابه الجريمة ورفضه الاعتراف بها، يضغط عليه المحققون والمدعون العامون للاعتراف تحت التهديد اللفظي أحيانا، والعنف الجسدي والنفسي أحيانا أخرى.
ويعد الاعتراف بالذنب أقل العقوبات سوءا، لكن ذلك لا ينفي صعوبة باقي الإجراءات المتبعة ضده، فقد يلزم بدفع مبالغ مالية ضخمة، أو تضعه المحكمة تحت المراقبة والإقامة الجبرية، وربما يحكم عليه بالسجن مثلا بدل الإعدام.
ويعتبر الشخص المقر بذنبه متنازلا عن حقه بالاستئناف في المحكمة، مما يعني أنه حتى وإن ظهرت أدلة لصالحه أو معلومات جديدة في وقت لاحق، فربما لا يتمكن من الطعن في حكم المحكمة.
أمثلة ووقائعأسقطت تهم "جرائم الكراهية" عن ستيوارت سيلدوويتز -الذي عمل مستشارا للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما– مقابل إقراره بالذنب، واشترطت عليه حضور عدة أسابيع من التدريب عن مكافحة التحيز.
وكانت شرطة نيويورك ألقت القبض على سيلدوويتز يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على خلفية ظهوره في مقاطع مصورة يضايق شابا مصريا يبيع طعاما حلالا ويصفه بـ"الإرهابي"، قائلا، إن قتل 4 آلاف طفل فلسطيني في غزة "ليس كافيا".
واتفقت بوينغ في الأول من يوليو/تموز 2024 مع وزارة العدل على إنهاء تحقيق تجريه الوزارة عبر الإقرار بالذنب في تهمة جنائية بالتآمر للاحتيال تتعلق بحادثي تحطم طائرتين 737 ماكس عامي 2018 و2019 مما أسفر من مقتل 346 شخصا.
كما أطلق سراح مؤسّس موقع ويكيليكس جوليان أسانج الذي فضح أسرارا دفاعية أميركية خطيرة بنشره مئات آلاف الوثائق الرسمية السرية بعد أن أقر بالذنب بتهمة التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها، وذلك في إطار اتفاق أبرمه مع القضاء الأميركي.
وأقر أسانج أمام محكمة في جزيرة سايبان الأميركية في يونيو/حزيران 2024 مما مكنه من الخروج حرا طليقا من المحكمة الواقعة في جزر ماريان الشمالية والعودة إلى بلده أستراليا.
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أواخر يوليو/تموز 2024 أن الولايات المتحدة أبرمت مع العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ومتهمين اثنين آخرين اتفاقات للإقرار بذنبهم بالتهم الموجهة إليهم، مقابل عقوبات مخففة تصدر بحقهم.
وكشفت مذكرة وقعها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في الثاني من أغسطس/آب 2024 أنه ألغى اتفاق "الإقرار الذنب" الذي تم الاتفاق عليه مع خالد شيخ محمد المتهم بأنه العقل المدبر، ووليد بن عطاش ومصطفى الهوساوي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على الإقرار بالذنب التفاوض على
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة
تحلّ اليوم ذكرى وفاة المخرج المصري الكبير عاطف الطيب، أحد أبرز رواد الواقعية الجديدة في السينما المصرية، والذي نجح خلال مسيرته القصيرة نسبيًا في أن يترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن السابع بأفلامه التي نبضت بالصدق والهم الإنساني، استطاع أن يحول الشاشة إلى مرآة تعكس وجع المواطن البسيط وأحلامه المهدورة في زحام الحياة.
في هذا التقرير، نعيد تسليط الضوء على حياة عاطف الطيب وأعماله الخالدة، التي لا تزال تُعرض وتُناقش بعد ما يقرب من ثلاثة عقود على رحيله.
النشأة والبدايات
وُلد عاطف الطيب في 26 ديسمبر عام 1947 في مركز المراغة بمحافظة سوهاج. نشأ في بيئة صعيدية بسيطة ساهمت في تشكيل وعيه الاجتماعي والسياسي، وظهر ذلك لاحقًا في أعماله السينمائية. التحق بالمعهد العالي للسينما، قسم الإخراج، وتخرج منه عام 1970، ليبدأ رحلة طويلة من العمل خلف الكاميرا كمساعد مخرج مع أسماء لامعة مثل مدحت بكير وشادي عبد السلام ويوسف شاهين.
بدايته في الإخراج وتأسيس واقعية جديدة
في عام 1982، أخرج عاطف الطيب أول أفلامه الطويلة "الغيرة القاتلة"، ثم تلاه مباشرة فيلم "سواق الأتوبيس"، الذي شكّل بداية حقيقية لتكوينه السينمائي.
تميزت أفلام الطيب بأنها تناولت قضايا اجتماعية وسياسية بأسلوب جريء وإنساني، وساهم في ترسيخ ما عُرف بـ "الواقعية الجديدة"، التي تحررت من الرومانسية الزائفة وواجهت الواقع بوجهه القاسي.
قائمة بأهم أعماله
رغم قصر مشواره الفني، الذي لم يتجاوز 15 عامًا، قدم عاطف الطيب أكثر من 20 فيلمًا من علامات السينما المصرية. من أبرزها: سواق الأتوبيس (1982)، التخشيبة (1984)، الزمار (1985)، البريء (1986)، الحب فوق هضبة الهرم (1986)، ملف في الآداب (1986)، الهروب (1991)، ضد الحكومة (1992)، ناجي العلي (1992)، ليلة ساخنة (1995)، جبر الخواطر (عُرض بعد وفاته في 1998).
كل عمل من هذه الأعمال لم يكن مجرد فيلم، بل شهادة اجتماعية وسياسية على مرحلة كاملة في تاريخ مصر الحديث.
زواجه وحياته الخاصة
ارتبط عاطف الطيب بزوجته "أشرف" التي تعرف عليها أثناء عمله، وكان اللقاء الأول بينهما بداية لعلاقة حب نادرة في الوسط الفني.
عرف عنه التزامه العائلي وهدوءه في حياته الشخصية، وكان يرى في زوجته سندًا وشريكًا في الحياة والصورة.
رحيله المفاجئ وصدمة الوسط الفني
في 23 يونيو 1995، رحل عاطف الطيب عن عمر 47 عامًا بعد مضاعفات صحية إثر جراحة قلب، ليُخيم الحزن على الوسط الفني والثقافي.
وقد عُرض فيلمه الأخير "جبر الخواطر" بعد وفاته، كتحية وداعية لمخرج حمل هموم الناس على كتفه حتى لحظة رحيله.