ما علاقة الإعلام بتجويد النقاش العمومي؟
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
للإجابة على هذا التساؤل هناك مصفوفة من المخرجات يمكن أن نحيل على بعض منها: التنشئة على الفكر والقيم النقدية وإعادة الاعتبار لدور محاضن التربية والتنشئة (الأسرة – المدرسة – الجامعة – الحزب –النقابة – الجمعية – النوادي التثقيفية…) وتصويب استعمال وسائل الإعلام لا سيما الجديدة منها من خلال التأطير القانوني للسلوك والهوية الرقمية لكي لا ينتقل النقاش العمومي من ثقافة التداول والترافع إلى ثقافة الكراهية والعنف الرقمي وفي المقابل اعتبار الممارسة النقدية السليمة ممارسة ومشاركة مواطنة …
لهذا أضحى من الضروري التفكير في ميثاق للنقاش العمومي داخل الجسم الإعلامي التقليدي والجديد لبناء معايير تنبني على الأخلاق الإيجابية والمبادئ المواطنة والقيم الكونية .
فالحاجة إذن صارت ملحة إلى نقاش عمومي مسؤول يُمكن من تدبير الخلافات، ومواجهة القضايا بشكل منسجم مع روح وجوهر دستور المملكة المغربية وكذلك ضرورة مأسسة النقاش العمومي لتفادي التيه الموضوعاتي الذي تشهده وسائل الإعلام بما فيها التقليدية والجديدة والابتعاد عن النزوعات البوليميكية والعدائية التي يحتضنها الفضاء الافتراضي مع التأكيد على أهمية الإعلام الرسمي والقنوات التلفزية في الرقي بمستوى النقاش العمومي والحد من هيمنة » الشو » و »الترفيه » وتهميش البرامج الحوارية والتداول في القضايا الكبرى لأن التدافع السياسي والاجتماعي والقيمي هو أساس بناء نقاش عمومي رصين .
ولضبط هوامش النقاش العمومي المغربي من الضروري على الإعلام بجميع أطيافه وضع المسافة اللازمة مع الحساسيات الاقصائية والقناعات الحصرية والاستثناءات الثقافية والمواقف التنافرية لكي لا يصير النقاش العمومي مجالا خصبا للانفعال والأساطير المتخيلة والانكماشات الهوياتية …
كيف يمكن إذن للإعلام المغربي صياغة وتنشيط نقاش عمومي بعيدا عن الانفعالات والانطباعات الفردية والجماعية وإبداع الجرأة المعرفية التي تمكن من تجويده؟ هل الإعلام سينشط وسيهتم بالنقاش العمومي من جانبه الكمي أو الكيفي؟ فالاختيار الكمي يشكل خطرا على مستوى النقاش العمومي وقد يؤدي إلى إفراغه وتعويم محتواه (« يهدر ف كل شي ») أما الاختيار النوعي فيمثل أملا في الرفع من مستوى النقاش العمومي مع خطر عزله وبلقنته ليصبح شبه عمومي.
في ظل هذه الوضعية صار ضروريا على الإعلام إبداع معايير موضوعية تمتح من الكمي والكيفي للإلمام بالتمظهرات الإيجابية للنقاش العمومي ليصير نقاشا منتجا لمعرفة ليست مجردة وسلبية وفي بعض الأحيان انهزامية (« بحال الا بلادنا فيها غير لحوايج الخايبين ») بل منتجا لمعرفة التحدي الإيجابي التي ترصد وتلتقط الحلول والتوافقات. لهذا وجب التأكيد على دور الإعلام في تنشيط مضامين النقاش العمومي واختيار مقاربته دون الانسياق وراء تموجات وانزلاقات الفضاء الافتراضي لا سيما إذا كان الهدف هو تأهيل وتوعية وتحسيس المواطن أو « الجمهور » بالقضايا الملحة.
وفي الأخير يظل التحدي القائم بالنسبة للإعلام للعب دور الوساطة المجتمعية هو الطبيعة الجديدة التي اكتساها النقاش العمومي كنتيجة لرقمنته وهيمنة التلقي عبر الاتصال العابر لما وراء الترابي والمحلي والوطني فأصبح النقاش العمومي المغربي جزءا من النقاش الكوني بل نقاشا يعيد طرح بعض المضامين الكونية على الساحة المغربية لا سيما بالنظر إلى الإحصائيات التي تؤكد على أن أكثر من 62 في المائة من المغاربة يستخدمون الانترنيت وأن هذا الاستخدام يفوق المعدل العالمي (تقرير هوتسويت لسنة 2019).
تباعا يبدو أن على الإعلام المغربي أن يشجع على بناء فضاء عمومي متعدد ومتنوع يمكنه من خلال الحق في المعلومة من صقل نقاش وتداول يفضي إلى -« نَحْنُ مغربية » – منفتحة ومتسامحة عوض -« نَحْنُ مغربية »- ضيقة ومتشنجة.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: النقاش العمومی على الإعلام
إقرأ أيضاً:
دعوة السوداني.. هل تعيد تشكيل علاقة دولة العراق بالفصائل المسلحة؟
في مشهد سياسي وأمني شديد الحساسية، فتحت دعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لحصر السلاح بيد الدولة نقاشا واسعا حول مستقبل العلاقة بين مؤسسات الدولة والفصائل المسلحة، في ظل توازنات معقدة بين الشرعية الرسمية والنفوذ الميداني لتلك الفصائل.
ورغم أن السوداني أكد أنها موجهة إلى جميع الأطراف بلا استثناء، فإن الأنظار تركزت على فصائل الحشد الشعبي، التي تشكلت أصلا لمواجهة تنظيم الدولة، لكنها تحولت إلى لاعب سياسي وعسكري يملك حضورا واسع النفوذ في العراق.
توقيت دعوة السوداني حمل دلالات متشابكة، فهو يتزامن مع اقتراب الانتخابات التشريعية، وتحقيقات طالت عناصر محسوبة على الحشد، ومع تصاعد الضغوط الغربية بشأن مستقبل الفصائل المسلحة.
وبالنظر إلى ارتباط الحشد الشعبي بالقائد العام للقوات المسلحة، يرى محللون أن تصريح السوداني قد يستهدف بالأساس فصائل خارج إطار الحشد، خصوصا تلك التي تعلن عداءها لواشنطن وتنخرط في عمليات مسلحة ذات بعد إقليمي.
المحلل السياسي هادي جلو مرعي يقرأ الطرح في سياق أوسع؛ فالحكومة العراقية -بحسب تقديره- تسعى لإظهار قدرتها على اتخاذ قرارات صعبة تعزز ثقة المجتمع الدولي، حتى وإن اصطدمت بحساسيات داخل التحالفات الشيعية.
رسالة مزدوجةويرى في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر" أن الخطوة تحمل رسالة مزدوجة، داخلية وخارجية، بأن العراق يملك إرادته الأمنية والسياسية، ويسعى لترتيب بيته الداخلي استعدادا لمرحلة جديدة من الانفتاح الدولي.
في المقابل، يحذر المحلل علي فضل الله من تبسيط المشهد عبر حصره في مواجهة مع الحشد، مؤكدا أن هذه القوة تشكل -من وجهة نظره- أحد أعمدة الدولة، وأن سلاحها يخضع لسلطة القائد العام.
ويشير إلى أن الحكومة نجحت خلال الفترة الماضية في إقناع الفصائل بوقف استهداف القوات الأميركية، في إطار تفاهمات أفضت إلى قرب انسحاب معظم القوات الأجنبية.
إعلانلكن خلف هذا التباين، يظل الجدل مرتبطا بمسألة أشمل هي علاقة العراق بالمحاور الدولية والإقليمية.
فواشنطن، كما يرى مرعي، لا تخفي رفضها للحشد الشعبي نفسه، فضلا عن الفصائل المستقلة، وتتعامل معهما كامتداد للرؤية الإيرانية في المنطقة، ما يجعل أي خطوة لتنظيم أو دمج هذه القوى اختبارا دقيقا للسياسة العراقية.
مشهد معقدورغم أن بعض قيادات الإطار التنسيقي، مثل نوري المالكي، أبدت رفضا صريحا لطرح حصر السلاح، فإن التحالفات الانتخابية بين السوداني وشخصيات بارزة في الحشد تعكس تعقيد المشهد الشيعي، حيث تتداخل الحسابات الانتخابية مع ضرورات الحفاظ على وحدة الصف أمام الضغوط الخارجية.
ويرى فضل الله أن الفصائل العراقية أظهرت في محطات سابقة قدرة على البراغماتية، كما حدث في الملف السوري حين انسحبت استجابة لاعتبارات سياسية، معتبرا أن المرحلة الراهنة تفرض تنسيقا وثيقا بين الحكومة وقوى الإطار لتفادي منح خصوم العراق الإقليميين والدوليين ذرائع للتصعيد.
أما مشروع قانون الحشد الشعبي، فيشكّل عقدة إضافية في هذا الجدل، فالقانون الجاهز للإقرار يواجه تعطيلا مستمرا بفعل اعتراضات أميركية وأطراف كردية وسنية، تخشى أن يكرّس نفوذ الحشد في بنية الدولة.
ويرجّح مرعي أن أي إصرار على تمريره من دون توافق قد يفتح الباب أمام عقوبات اقتصادية وضغوط سياسية تهدد توازن العملية السياسية برمتها.
ومع أن السوداني يقدّم خطوته كإجراء لتعزيز الدولة، فإن مسار تطبيقها سيظل مرهونا بقدرة بغداد على الموازنة بين إرضاء القوى الدولية المؤثرة والحفاظ على تماسك جبهتها الداخلية.