في القطار الذي استقله من محطة الحي الذي أسكنه إلى مركز المدينة حيث أعمل لا تزال الحياة تبدو كما هي، لكنها في الواقع لم تعد كذلك.

صحيح أن الثابت في الأمر هو السفر ، لكن الصحيح أيضاً هو أن الوجوه التي تتغير بين كل رحلة وأخرى وبين كل محطة والتي تليها لم تعد تحمل ملامح ذلك المسافر التي كانت عليها قبل عقد من الزمن على الأقل.

كان الهدوء خلال السفر سمةً شائعةً لا يتخللها غير الحاجة إلى سؤالِ غريبٍ لغريبٍ مثله للتحقق من وجهته والمحطة التي يفترض أن ينزل فيها ، أما اليوم فلا يكاد ضجيج الأحاديث التافهة ينقطع بين ركاب لا يبدو أنهم قرؤوا درساً واحداً في آداب السفر .

فوق ذلك ، تغيرت عادات الناس خلال الانتقال داخل المدن أو بينها، فملامح الوجوه التي كانت في العادة منشرحةً وهي ذاهبةٌ صباحاً إلى أيامها، ثم يبدو الإرهاق مساءً بادياً عليها عند العودة إلى منازلها، أصبحت اليوم في ذهابها وإيابها واجمةً أكثر من أي وقت مضى ، بعد أن تراكمت الضغوط التي ألقت بها الحياة على كواهل أصحابها، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار تذاكر السفر ولا بالزحام في المحطات وداخل القطارات، ولا بتلاشي عادة تخلى الشباب والأصحاء عن مقاعدهم احتراماً لمن هو أكبر منهم أو أكثر حاجة إلى المقعد، لكن فكرة الذهاب، أساساً، إلى عمل لم يعد العائد منه يلبي التكاليف المتصاعدة للمعيشة تبدو واضحة في شرود الأذهان وضبابية الرؤية إلى مستقبل عالميِ أصبح أكثر قتامةً وغموضاً.

كانت الرحلات في السابق قليلة والوقت أطول لكنها اليوم مع ازدياد عددها ووسائلها وطرقاتها وجسورها لا تعني أنها باتت اليوم أيسر ، ولا الوقت مع اختصاره صار أقصر .

لم تعد عادة التقاط الجرائد المجانية قبل ولوج المحطات صباحاً لقراءتها خلال السفر قائمةً كما كانت عليه، بعدما حلت محلها الحواسيب الصغيرة والهواتف الذكية المستخدَمة بشغف بالغٍ ، ولكن لتصفحٍ ينقصه التركيز ، وألعاب تسلية لا تشبه تمارين تنشيط العقل كما كان يحدث عند حل الكلمات المتقاطعة في الصحف باستخدام القلم.

كان هناك في معظم بلدان الغرب ما يُعرف بكتاب الجيب الذي يقرؤه الناس في رحلاتهم القصيرة ، بل ويدرِّب البعض أنفسهم على قراءته خلال الوقت المحدد لرحلة الذهاب، وأحياناً لاستكمال قراءته خلال رحلة الإياب ، لكن أين هو الوقت والتركيز الآن المطلوبان للقراءة في القطار بل حتى خارج القطار .

وفي البعيد من الزمن كانت عادة اليابانيين مثلاً هي الخلود إلى فترة من النعاس خلال الوقت المحدد للسفر ، ولا أدري كيف كان يمكن لهم الانتباه بمجرد وصولهم إلى محطاتهم المقصودة، أما اليوم ومع ازدياد سرعة القطار فلا مجال للنوم أو حتى لتأمل المشاهد البديعة التي تمر بها القطارات الفائقة السرعة.

وقديما كان في أغنية (يا وابور) للموسيقار محمد عبدالوهاب في حديثه مع القطار ما يرسم صورة للفرصة التي يخلقها السفر للتعارف بين الناس حيث يقول:

"قرَّبت غريب وبعَّدت حبيب وجمعت حبيب على شمل حبيب والقرب نصيب والبُعد نصيب ما تقول يا وابور رايح علي فين إن طال الوقت على الركاب يجري كلامهم في سؤال وجواب وبعد شوية يبقوا حبايب وده يعرف ده ما تقول يا وابور رايح علي فين".

اليوم أين هو السفر الذي يتيح للناس مجالاً للتعارف والصداقة ، بل أين هو المزاج الذي كان يصنعه السفر .

لا بد أننا تغيرنا حتماً والحياة تغيرت كذلك، ولكن السؤال يظل هو .. من الذي تغير أكثر ؟!

ربما يرى البعض في هذا الحديث نوعاً من الترف إذا قورنت متاعب السفر القديمة والراهنة بجحيم السفر اليوم في معظم بلدننا العربية بعد أن تفككت أوصالها، جراء الحروب، وتضاعفت ساعات السفر المضنية والمحفوفة بالمخاطر حتى خلال المحافظة الواحدة.

تلك كما قلت في البداية تأملات خارج المألوف!

⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار رحلة في قطار داخل القطار.. تأملات خارج المألوف! وفد عماني إلى صنعاء للقاء قيادة المليشيات ..... الفنانة اللبنانية ‘‘فيروز’’ تخطف الأنظار بظهور جديد ونادر... إعلان حكومي بشأن خفض رسوم التأمين البحري على... مقالات رحلة في قطار داخل القطار.. تأملات خارج المألوف! ‏رسالة قصيرة إلى الشعب اليمني ‘‘وَاضرِبوهُنَّ’’ .. خلل الفهم وعدوانية الاستثمار (الحلقة الثانية) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين... اخترنا لك رجل يقدم على قتل زوجته بطريقة بشعة أمام... شاهد .. ميليشيا الحوثي تستغل طائرة تابعة للجيش... وفاة وإصابة سبعة أشخاص وإحتراق بعض المنازل إثر... قصة 18 سعوديا شاركوا في الحرب الأهلية الأمريكية... الأكثر قراءةً رجل يقدم على قتل زوجته بطريقة بشعة أمام... شاهد .. ميليشيا الحوثي تستغل طائرة تابعة للجيش... وفاة وإصابة سبعة أشخاص وإحتراق بعض المنازل إثر... قصة 18 سعوديا شاركوا في الحرب الأهلية الأمريكية... أول لاعب يمني محترف يواجه كريستيانو رونالدو اليوم... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023
⇡ ×Header×Footer

المصدر: المشهد اليمني

إقرأ أيضاً:

خالد بيبو يكشف المستور: كولر ظلم هؤلاء النجوم.. وكنتُ الدرع الذي يحميه من الغضب الجماهيري

في تصريحات تلفزيونية جريئة، فتح خالد بيبو، مدير الكرة السابق بالنادي الأهلي، النار على المدرب السويسري مارسيل كولر، كاشفًا عن تفاصيل وخفايا عديدة من فترة عمله داخل القلعة الحمراء، والتي شهدت توترًا وخلافات خلف الكواليس.

خالد بيبو: كولر ظلم هؤلاء النجوم

وأكد بيبو خلال مداخلة على قناة "MBC مصر" أن كولر كان يحمل حلمًا شخصيًا يتمثل في المشاركة في كأس العالم، وقد كان على استعداد للتضحية بأي فرد أو لاعب في سبيل تحقيق هذا الهدف، حتى وإن كان ذلك على حساب العدالة داخل الفريق.

وأشار إلى أن بعض اللاعبين تعرضوا لظلم واضح خلال فترة قيادة كولر، موضحًا بالأسماء أن كلًا من: رضا سليم، أحمد عبد القادر، محمد مجدي أفشة، محمود كهربا، وأليو ديانج لم يُمنحوا الفرصة التي يستحقونها داخل المستطيل الأخضر. وأضاف: "كان رضا سليم يسير بخطى ثابتة في البداية، لكنه لم يحصل على دقائق لعب كافية، لأن كولر لم يمنحه الفرصة الكاملة لإثبات نفسه".

إكرامي: كولر أطاح بعبد الحفيظ وبيبو.. ومحمد رمضان لم يكن مناسبًا | ويؤكد: شريف أفضل من مصطفى شوبير جماهير ريال مدريد تشكر إنتر ميلان بعد إقصائه لبرشلونة من دوري الأبطال.. رسالة خاصة في فالديبيباس قبل كلاسيكو الليجا

وتابع: "مع انضمام أنتوني موديست، تراجعت فرص كهربا في المشاركة، لأن كولر كان صاحب القرار في ضم موديست، وكان حريصًا على إنجاحه بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك على حساب لاعبين آخرين أكثر جاهزية".

وكشف بيبو أن علاقته بكولر بدأت في التوتر مع الوقت، خصوصًا حين كان يتلقى تساؤلات من اللاعبين الذين لا يشاركون عن سبب استبعادهم، بينما كان كولر يرفض أن يُطرح عليه مثل هذه الأسئلة عبر مدير الكرة، مفضلًا أن يتحدث اللاعبون إليه مباشرة، وهو ما يتماشى مع ثقافة أغلب المدربين الأجانب – حسب وصفه – الذين يعتبرون أن وجود مدير كرة قد يقيّد صلاحياتهم.

وتحدث بيبو عن طبيعة العلاقة بين كولر والجمهور، قائلًا: "في بداية الأمر، كان جمهور الأهلي يدافع عن كولر بشدة، وكنت أنا من يتصدى للانتقادات ويحميه من الضغوط. حتى عندما ارتكب أخطاء واضحة، تحملت أنا المسؤولية عنه مرارًا، وحرصت على أن أكون في الواجهة لتفادي الهجوم عليه".

واستطرد: "لكن مع مرور الوقت، وبعد ابتعادي، بدأت الحقائق تظهر تدريجيًا، وسقطت الصورة الوردية التي كانت تحيط به، وبدأت الجماهير تدرك حجم الأخطاء وتوجه انتقاداتها له بشكل مباشر".

وختم بيبو حديثه بتوضيح أن كولر كان يفضل أن يكون المتحكم الأول والأخير بكل تفاصيل الفريق، دون وجود أي وسيط أو تدخل إداري، وهو ما خلق فجوة في أدوار العمل داخل المنظومة، وساهم في توتر العلاقة بينهما.

مقالات مشابهة

  • خالد بيبو يكشف المستور: كولر ظلم هؤلاء النجوم.. وكنتُ الدرع الذي يحميه من الغضب الجماهيري
  • أفعي تثير الذعر داخل مرحاض قطار … فيديو
  • شاهد بالصور..  المذيعة نسرين النمر توثق للحظات العصيبة التي عاشتها داخل فندق “مارينا” ببورتسودان بعد استهدافه بمسيرات المليشيا ونجاتها هي وزميلتها نجمة النيل الأزرق
  • تأملات في 7 أيار.. يوم خرج حزب الله لحماية شبكة اتصالاته فكادت تندلع حرب أهلية
  • "سار" ترفع طاقتها الاستيعابية لموسم حج 1446هـ إلى قرابة مليوني مقعد عبر 4,768 رحلة
  • بزيادة 400 ألف مقعد.. "سار" تستعد لموسم الحج بـ4,768 رحلة
  • “سار” ترفع طاقتها الاستيعابية لموسم الحج إلى مليوني مقعد عبر 4,768 رحلة
  • مواعيد قطارات النوم والمكيفة اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025
  • عرض فيلم «رحلة 404» لـ مني زكي في الكاثوليكي للسينما اليوم
  • اليوم.. حفل زفاف رنا رئيس داخل أحد الفنادق الكبري بالقاهرة