سودانايل:
2025-12-09@08:38:22 GMT

يا السارة لا ، فايتانا وين مستعجلة !!

تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT

منمنمات على جدار رحيل إنسانة قدمت لأسرتها الكثير.

بقلم ✒️ أمجد إبراهيم سلمان

ولدت خالتنا السارة بت الحسِّين أحمد الصادق الدابي الجبلابي في أمدرمان تقريبا في العام 1943 و توفيت في قاهرة المعز يوم الخميس الأول من أغسطس للعام الجاري 2024 ، و هي الأبنة الأولى لوالدتها فاطمة بنت الصادق المليح و هي إمرأة عرفت بالجمال اللافت و تربطها علاقة قرابة بجدنا الحسِّين (بتشديد السين و كسرها في نفس الوقت) لكنها توفيت مبكراً في نهايات الستينيات بعد أن أنجبت 5 بنات و ثلاثة أولاد أكبرهم الخال الراحل عبد المنعم (منعم ود الحسين) .

تزوجت الراحلة المقيمة في بدايات الستينيات من السيد عمر عجيب الشيخ الحفيان من ودنوباوي و الذي ارتحل أيضا مبكراً في بدايات السبعينيات و أنجبت منه السّارة 3 أبناء و إبنتان كان أصغرهم عند رحيله المؤلم بمرض اليرقان هو ابنه الأصغر جمال كان عمره حين رحل أبوه عاماً واحداً. و رغم جمالها الأخّاذ و كثرة المتقدمين لخطبتها لأنها ترملت و عمرها تقريبا ما بين 25 إلى 26 سنة إلا أنها آثرت أن تكرس حياتها لأبنائها ، و إخوتها و والدها.

الخالة السّارة هي إبنة عم لوالدتي محاسن عباس أحمد الصادق و هي تكبرها بقليل و لكن يربط بينهما حبل متين من المودة و الإلفة إرتويت منه شخصياً حتى الثمالة ، ما يُلزمني أن أكتب هذه الكلمات في حق إنسانة أعطت بلا حدود لأسرتها الكبيرة و الصغيرة حيث كانت أمّاُ لإخوتها الصغار و لأبنائها الخمسة و مِرِق البيت لوالدها الذي انكسر و اتشتت رصاصه في قاهرة المعز. أنجبت السارة محمد الملقب ب محمد ولد السارة واللواء ياسر خريج الكلية الحربية وناهد و سناء كلية التربية و الباشمهندس جمال جامعة الجزيرة زراعة .

لا يمكن أن يكتب المرء عن الخالة السّارة الجميلة كتابة جنائزية كتلك التي تكتب عادة في مراسم التشييع ، فقد كانت إمرأة نَضِرة مليئة بالحياة مشرقة بالجمال الذي اكتسبته من أمها و أبيها على حد سواء.. و قد يكون الكاتب بشرى الفاضل قد عناها بالصدفة عندما قال في وصف إحدى الجميلات في واحدة من قصصه "... قمحيةٌ ، ليست كالقمح الذي نعرفه ، لكنها قمحية كلون القمح عندما يكون قمحياً مثلها". لذا فسأسمح لنفسي أن أوثق لها بصورة فرائحية رغماً عن فداحة فقدها.

بسبب اغترابنا الطويل ، كانت لقاء والدتي بالخالة السّارة يتسم بحميمية عجيبة... فإذا أتت إلى منزل الأسرة في حي السيد المكّي فكأنما أهلّ الخريف فجأة فيخال للمرء أن نبات صباح الخير يفتح زهوره استقبالاً لمجيئها الجميل. و بسبب هذه العلاقة فمن المنازل القليلة التي كان يسمح لي و أنا طفل بالمبيت فيها خارج رحاب (حوش الجبلاب) - بجانب منزل الخال أحمد إبراهيم عبدالله و زوجته الخالة نعيمة أبو شامة في الثورة الحارة التاسعة - هو منزل جدنا الحسِّين و هو منزل الخالة السارة أيضاً ، و من أسباب ذلك وجود إبنها ياسر الذي كان يكبرني قليلاً و جمال الأصغر مني قليلاً ، كان و لا يزال بيت جدنا الحسِّين في عمق بيت المال ، لذا فعندما أمنح الإذن بالذهاب كانت قدماي تسابقان الريح فأخرج إلى شارع السيد علي ميمماً وجهي شرقاً نحو منزل الزعيم الأزهري ، و أعبر منازل الأسرة الممتدة على شمال الشارع ، منطلقا من منزل جدا حمزة احمد الصادق و جدنا عطا الله الجعلي و منزلنا منزل جدنا عباس أحمد الصادق بعده مباشرة منزل و زاوية خالنا الراحل الشيخ محمد البدوي كزّام الذي أقام زاوية له و منزلاً في مساحة حوالي 60 متراً مربعاً كانت تعج بأطفاله الكُثر و منهم الأبن الأكبر عبد العظيم الذي صار يعمل في الاذاعة و التلفزيون و الصغير المرح الريح و المتوسط حمد النيل ، و زوجته السيدة أنصارية التي لم تكلّ أو تمل من خدمة أطفالها و زوجها و ضيوفه المستمرين في تلك المساحة الضيقة ، و بعده منزل الخال خلف الله العاقب دينمو مؤسسة أفراح كزّام أدام الله في عمره بقدر ما كان حفياً بالجميع ، و بعده منزل الأرباب جدنا الراحل أحمد باشا الأمين "مُقلام الحِجج و شيّال التقيلة و الذي أسميته في مقال سابق في رثائه بأنه روكفلر عشيرة الجبلاب لقدر ما استضاف من الأهل في ظروف الدراسة أو العلاج" و بعده مباشرة منزل أستاذة الأجيال اليسارية الراحلة و الراكزة أنيسة راشد ( و يقال إن الإسم الحركي للزعيم عبد الخالق محجوب "راشد" مقتبس من إسم هذه الأسرة الأمدرمانية العريقة".

ما أن أعبر شارع الأسفلت الفاصل بين جامع الضرير و منزل الزعيم الأزهري الذي يصبح عن يميني و عن يساري منزل الدكتور جناح وأخوه الدكتور محجوب ( و هو رجل عالم وأستاذ جامعي لكنه عندما يعبر كبري شمبات و يمتطي جلابيته الناصعة تجد فيه تواضع الأمدرماني الأصيل و لا يمكن أن تتصور أنه مهني و عالم مقتدر) و هم أصدقاء و ندماء لأخوالنا الصادق عباس و محمد عباس وهو خريج و كابتن فريق الجامعة الأمريكية ببيروت في زمنه و دفعة البروفيسور قاسم بدري فيها أطال الله في عمره ، لكنه رحل عن عالمنا مبكراً في منتصف العام 1977 حيث كان في منتصف الأربعينات من عمره إثر سكتة قلبية لم تمهله طويلاً مخلفاً إبنا واحدا هو الباشمهندس معز محمد عباس و الذي يُعرف عند أصدقائه بمعز كزّام لأن والدته سعاد هي الإبنة الكبرى للرجل العصامي الخال مهدي كزّام الذي بنى مؤسسة كزّام للأفراح و من أبنائه المعروفين كارم الذي واصل لفترة طويلة مسيرة والده و إبنته سلمى التي طورت مجال والدها في شركة خاصة بها ، كما ابتدعت إبنته الأخرى سناء كزّام شركة تصوير و إعلان بنفس الإسم العائلي ، أما أمهم جميعا فهي الخالة هُندة العاقب و هي ابنة خالة لوالدتي لزم و تربت في نفس حوش الجبلاب و لكن بعد زواجها ارتحلت الى منزلها و زوجها مهدي كزّام العامر بحي الميرغنية في بحري ، و هم من أوائل أهلنا الجبلاب الذين عبروا الكبري للسكن في الخرطوم بحري لأن أهل الوالدة كانوا لا يبارحون أمدرمان لولائهم الشديد لطائفة الأنصار منذ أن ناصروا دعوة الإمام المهدي في بواكيرها و ارتحل جزء كبير منهم من قرية الجبلاب شمال المتمّة إلى أمدرمان لمناصرة الأمام المهدي و كان جد والدتي من أمها البشير ود العجب من القادة الكبار في جيش الإمام المهدي.

كان تخصص خالنا محمد عباس في دراسته في الجامعة الأمريكية بلبنان هو الجغرافيا و هو من فتح أمام عقلي الغض آنذاك عوالم الديناصورات بمجلداته الأمريكية الحديثة التي كانت مليئة بالصور ووالرسومات عن تلك الكائنات المنقرضة ، ما جعل تلك الصور تلتصق بمخيلتي إلى يومنا هذا..

أكمل مسيرتي الظافرة و أمرّ على منزل الحاجة كاشف بدري القيادية النسوية و أم الدكتور أكرم علي التوم وزير الصحة الاتحادية في عهد حكومة حمدوك الأولى. الدكتور أكرم صديق حميم لأخوالنا عبد الحليم عباس و د. الجعلي عطا الله خريج كلية الزراعة جامعة الخرطوم و الذي هاجر في طلب العلم إلى الولايات المتحدة ، و خالنا د. إبراهيم عباس أستاذ الفيزياء سابقاً في جامعة قطر والذي يطيب لي أن أناديه بأبو خليل لأنني أعتبره خالي و صديقي في نفس الوقت لأنه جمعتني معه محبتي لمادة الفيزياء المشتركة بيننا. و لأن فرق عشرة سنوات بيننا و بينها سنوات من الغربة يقرّب المسافات العُمرية كما أن نظرته الفلسفية المتأملة في الحياة خلقت عنده تواضع العالم المتواضع و هو بحر من المعرفة و السهل الممتنع في الحديث ، و قد تخصص في علوم الإشعاع و عمل بعد عمله بجامعة قطر في وزارة البيئة القطرية في قسم السلامة الإشعاعية.

كما ذكرت أعلاه الحديث عن خالتنا الراحلة السارة حديثٌ ذو شجون و يشبه إلى حد بعيد حكاوي أمدرمان القديمة للأستاذ شوقي بدري أو حكاوي الديم القديمة للفنان المبدع عماد عبدالله و لأن الديم كما أسماه بروفيسور علي المك هو حي تأئه من أحياء أمدرمان لذا تتشابه الحكاوي في وصف الحياة في هذه الأحياء العريقة.

بعد منزل حاجة كاشف بدري على شارع السيد علي الميرغني يتوجب علي دخول الزقاق الأول أو الثاني على اليسار و هو زقاق يتجه شمال جغرافي و الغريب أن كلا الزقاقين ينتهيان في جدار منزل كعادة تخطيط أحياء أمدرمان القديمة ، الزقاق الأول ينتهي في بيت من سكّانه الأستاذ زكريا حمد و هو مدرس صديق للوالد في الإغتراب في ليبيا و زوجته الأستاذة الفاضلة نفيسة حسين كانت أستاذة مجيدة أيضاً ، لكن الأستاذ زكريا ترك ليبيا مسرعاً و واصل اغترابه في الإمارات العربية المتحدة ، كما هو الحال مع عميد الجالية السودانية في قطر الراحل مولانا عبد المنعم المكّي الذي عاصر الوالد في بداية السبعينيات في طرابلس حيث عمل مستشارا قانونياً لشركة البترول الليبية آنذاك ، بعد ذلك انعطف يمين في يسار (منفلّة على حد وصف الميكانيكية) و بعد مسافة 30 مترا يقع منزل بيت جدنا الحسِّين و الذي كان بيته زاوية بابه الأساسي يفتح شرقا و بابه الآخر للنساء يفتح شمالا.. و من الجيران منازل أهل الصديق الباشمهندس ناصر عبد القادر سينيرنا في بولندا و ووالده من قدامى سكان الدوحة ، كما تسكن في الحي أيضا ست بتول المدرسة و هي شخصية أمدرمانية معروفة.

في بيت الخالة السارة كانت لي معاملة خاصة جداً ، كما قال الشاعر محجوب شريف " ..تفرحي فرحاً قدر الدنيا وقت يكون الطارق صاحب و حالاً نارك بالهبابة بريقها يهب.. " ، تلك كانت حالة الإحتفاء بحضوري نهاية عصر الخميس إلى ذلك المنزل المليء بالمحبة ، بسبب العلاقة الحميمة للوالدة مع أهله ، حيث تعلّمت في تلك الأزقة الوادعة مع ياسر و جمال سكّج بكّج و إيجار العجلات.. و كرة القدم في تلك الأزقة التي كانت تبدو لنا كملاعب ضخمة لكنني عندما كنت أعود إليها لاحقاً كنت أحس أنها انكمشت لحد غريب.

كما ذكرت البيت يعج بالأنس و الوناسة و لذا كانت ربة المنزل تعامل الضيف الصغير معاملة خاصة فكان ذلك يسري إلى الجميع بسبب خصوصية تلك العلاقة ، أكثر من ذلك ، أذكر في هذا المقام هي الخالة منى و التي كانت في نهاية المرحلة الثانوية و أصبحت اليوم محامية معروفة وسط الأهل ، الخالة منى كانت تعد أجمل عصير ليمون بالخلاطة في أمدرمان ، طبعا هذا التقييم هو من عوالمي الخاصة و المحدودة آنذاك ، و عندما قابلت إبنها علاء الدين الذي جاء إلى الدوحة في زيارة عمل من بنك قطر الوطني كنت شديد الفرح بحضوره فكما تقول العرب " من أجل عين تُكرم ألف عين". و قد قيل في الأثر الديني أن إبن الجوزي سُئل مرة أيوجد مثل كهذا في القرآن فقال نعم يوجد معنى كهذا في قوله تعالى " ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم".

في اليوم التالي و هو يوم الجمعة غالباً و قبل صلاة المغرب عليّ أن أشدّ الرحال في رحلة السبعمائة خطوة أو تزيد بقليل إلى حوش الجبلاب .. و تأبى الخالة السّارة إلا أن تقدمني إلى طرف الشارع بعد أن تدس طرّادة حنينة حمراء في يدي ، أو أن ترسل أحد إخوانها في الغالب الصادق أو إبنها محمد اللذان يكبراني ببضعة سنوات كي يؤازراني في رحلتي القصيرة تلك. يقيني أن سكان البيت الجميل لا يتذكرون هذه التفاصيل الصغيرة ، لكن الإهتمام الخاص بالأطفال في أعمار صغيرة يرسخ في أذهانهم ذكريات خالدة ، أم لعلها الغربة التي تجعل من كلّ إجازة في الوطن علامة فارقة ، مؤخراً سألني الصديق بسّام بابكر كيف لك أن تتذكر كل تلك التفاصيل الصغيرة التي توردها في كتاباتك... في واقع الأمر ليس لي تفسير لذلك.. لكن ذهن المرء على ما أعتقد يحتفي بالإيجابيات و يضخمها في عقله الباطن ، خاصة في مضارب الأهل و الحبان فنحن في شوق و حنين دافق لها لأنها تجسد عندنا معني الوجود و الإنتماء كما قال الشاعر إيليا إبي ماضي:
وطن النجوم أنا هنا .. حدقّ أتذكر من أنا؟
أنا ذلك الولد الذي .. دنياه كانت هاهنا
أنا من مياهك قطرة ..فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرة .. ماجت مواكب من منى
أنا من طيورك بلبل .. غنى بمجدك فأغتنى
حمل الطلاقة و البشاشة .. من ربوعك للدنى.

بسبب وفاة زوجها المبكرة عملت الخالة السّارة في مصانع النسيج لرجل الأعمال المتميز خليل عثمان في الخرطوم بحري و قد أمضت في عملها هناك ما يتجاوز العشرين عاماً ، و قد عمل في ذلك المصنع بعض إخوتها و منهم الخال عبد المنعم و آخرين ، و كان ذلك بمساعدة الراحل المقيم الخال عبد الرازق خطيب و الذي كان إداريا مرموقا في المصنع و أصبح لاحقاً وكيلا لوزارة الصناعة في حكومة الصادق المهدي في الديمقراطية الثالثة ، هذا السرد بالطبع ليس بوقائع تاريخية موثقة و إنما هو خواطر مبعثرة أحاول أن أستخرجها من ثنايا الذاكرة ، و قد أعانتني في ذلك تصويباً و إضافة الوالدة محاسن عباس في أجزاء كثيرة منها ، فليحفظها الله وليطيل جلّ و علا في عمرها ، فهذا العزاء بجانب أنه موجه لأبناء و إخوة الفقيدة فهو موجه أيضاً لها بحكم أنها رفيقة و صديقة حياة لفقيدتنا العزيزة السّارة تجاوزت السبعة عقود.

كافحت الخالة السّارة حتى علّمت أبنائها و زوجتهم كلهم تقريباً و كما ذكرت فإن الله حباهم بجمال الخلق و الأخلاق..و لكن المحزن أن أبنائها اللواء ياسر عمر عجيب و الذي أُحيل إلى المعاش بعد ثورة ديسمبر بقليل بكشف إحالة من قبل البرهان دون سبب واضح حيث أنزل المعاش الإجباري برتبة لواء أركان حرب و هو في الثانية و الخمسين و توفاه الله بنزيف في المخ فجأة و هو في قمة عنفوانه المهني ، و يقال أنه أحيل للمعاش لأنه عارض الوجود الطاغي لحميدتي في الجيش و لكن تلك معلومة لم يتح الزمن لي الفرصة للتحقق منها ، و بعده بعدة أشهر توفى أخاه الأصغر جمال بنفس النزيف المخّي أيضاً ، و خلّف ذلك عند أمهما حزناً مقيماً مع أن ذاكرتها كانت تترنح قليلاً في ذلك الوقت و لعلّ ذلك من ألطاف رب العباد.

كما ذكرت فإن السارة جابهت الحياة بجلد و صبر مدهشين ، و لم أسمع لها صوتا غاضباً طوال تواصلي معها.. كان صوتها خفيضاً دافئا ، مع ضحكات لا تسمع إلا في جلساتها مع قريباتها المحببات في عمرها مثل الخالة مقبولة بنت أم كنين و أختها الراحلة التومة و التي كانت صاحبة ضحكة مُعديّة للجالسين في حضورها و تمنح بعض الأسنان المكسورة في فمها الدقيق تلك الضحكة جلجلة من نوع محبب و أليف.

تلك كانت عوالمي الأمدرمانية الضيقة لحد ما بسبب الغربة.. لكن شخوصها كانت مكثّفة بشكل عجيب كأنها شخوص روايات مُحكمة جمعها الله في مسرح الحياة الذي يكون عبثياً في الكثير من الأحايين و لكن لله في خلقه شؤون.

من سخرية القدر و بسبب الحرب و الأمراض أضطرت الخالة إلى الرحيل إلى مصر المؤمنة في رحلة مضنية و هي في عمر قارب على الثمانين عاماً و مع أن رحلتها تلك تكللت بالنجاح ، إلا أن تلك الروح لم تعد تحتمل كل تلك الإمتحانات الإنسانية أم لعله السأم من الحياة نفسها و قديماً قال أبو تمام:
سئمت تكاليف الحياة و من يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم.

ختاماً نستودعك - يا حبيبتنا و أمنا السّارة - الله الذي لا تضيع ودائعه و نعزي فيك إخوتنا و أخواتنا محمد سناء و ناهد ، و أخواتك ، خالاتنا هدى و سهام و منى و إخوتك عبد العظيم و الصادق و جميع الأهل و الأحباب دون فرز.. ، و لا نقول الا ما يرضي الله ، لقد ضربت الخالة السارة كما الكثيرات من نساء السودان مثلاً في الكفاح و الصبر على المكاره و تحمل نوائب الدهر و الرحيل المبكر للزوج و الأم و الأبناء فليعوضك الله على صبرك ذاك الجنة و ليلهم أهلك جميعا الصبر و حسن العزاء.

إنا لله و إنا إليه راجعون.

إبن اختك المحب دائما
أمجد إبراهيم سلمان
الخميس 15 أغسطس 2024

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التی کانت التی کان کما ذکرت فی عمره الذی ی

إقرأ أيضاً:

الجزية الحديثة.. حين كانت مصر تُدار من الخارج وتدفع ثمن غياب الدولة

يحدث في دهاليز التاريخ ما يتجاوز الخيال، حين تُجبَر أمةٌ بحجم مصر على دفع ضريبةٍ لإمبراطورية فقدت سلطانها، بينما تحتلّها قوة أخرى تنهب مواردها علنًا. يحدث أن يتحول الوطن إلى بند مالي في ميزانية من لا يملك عليه سيادة، وأن يتحوّل التاريخ نفسه إلى مظلّة لابتزاز سياسي واقتصادي متوارث، يتقاسم ثماره المستعمر والوريث معًا.

قبل ثورة يوليو 1952، كانت مصر - بثقلها الحضاري وثرواتها وأهلها - تدفع ما وصفه المؤرخون بـ "الجزية الحديثة" لتركيا، أربعة ملايين جنيه إسترليني سنويًا، رغم وقوعها تحت الاحتلال البريطاني. مشهدٌ عبثي يعكس كيف كانت القوى الكبرى تتناوب على استنزاف بلدٍ لم يتوقف يومًا عن دفع الثمن.

ومهمة الباحث اليوم ليست إعادة سرد التاريخ كما كُتب في كتب المدارس، بل إظهار ما غاب عمدًا، وما تم إخفاؤه، وما لم يُقَل بصراحة عن اقتصاد دولة كانت تُدار من وراء الستار.

الجذور.. من محمد علي إلى الباب العالي

بدأت القصة حين حصل محمد علي على حكم مصر وراثيًا وفق فرمانات عثمانية تلزمه بدفع مبلغ سنوي ثابت للباب العالي.

لم يكن الأمر "جزية" بالمفهوم التقليدي، بل كان أشبه بـ ضريبة سيادة: ثمن اعتراف إسطنبول بشرعية حكم الأسرة العلوية.

ومع مرور الزمن، تحولت تلك العلاقة إلى التزام مالي ثابت، بقي حتى بعد أن تضخمت قوة مصر عسكريًا واقتصاديًا إلى حدٍّ فاق الدولة العثمانية نفسها.

ومع ذلك ظلّت القاهرة ترسل الأموال، لا طاعةً، بل حفاظًا على شكلٍ سياسي هشّ صُمِّم أصلًا ليرضي السلطنة أكثر مما يخدم المصريين.

مصر تدفع.. والإنجليز يحكمون

حين وقع الاحتلال البريطاني عام 1882، حدث ما لم يعرفه العالم من قبل:

دولة تحتل مصر، ودولة أخرى تقبض منها "الخراج"!

لندن أخذت الأرض، وإسطنبول احتفظت بالورق، والمصريون وحدهم دفعوا الفاتورة.

لم يوقف البريطانيون هذا الدفع، لأنهم لم يكونوا يريدون استفزاز السلطنة العثمانية التي كانت تتحكم بطريق مهم نحو الهند.

فتحولت مصر إلى ساحة تتقاطع فيها مصالح قوتين، بينما أهلها يتحملون العبء الاقتصادي وحدهم.

قناة السويس.. دولة داخل الدولة

لم يكن هذا وحده. فقبل يوليو 1952، كانت قناة السويس نفسها دولة داخل دولة:

كيان اقتصادي مستقل تمامًا، محكوم باتفاقات دولية تعطي الامتياز لشركة فرنسية- بريطانية، تتعامل مع البنوك مباشرةً، وتُصدّر الأرباح إلى أوروبا، وتقبض الرسوم بعيدًا عن الخزانة المصرية، فيما تحصل مصر على الفتات.

المفارقة أن قناة السويس- التي حُفرت بدماء المصريين- لم تكن تدار من القاهرة، بل من مكاتب باريس ولندن.

كانت شركة القناة تمارس دورًا أشبه بـ مستعمرة اقتصادية:

منفصلة عن الدولة، فوق القانون، ولها نظام مالي مستقل، بل وشبه "حصانة" دولية.

هكذا كان يُدار اقتصاد مصر:

- مدفوعات سنوية لتركيا.

- احتلال بريطاني يسيطر على خيرات البلاد.

- قناة السويس خارج سلطة الحكومة.

- بنوك أجنبية تتحكم في المال العام.

- وطبقة قصر تعتمد على اتفاقات دولية تُقيّد إرادة البلاد.

إن ذكر هذه التفاصيل ليس سردًا تاريخيًا فقط، بل كشفٌ لآلية تفكيك سيادة الدولة قبل أن تولد الدولة الوطنية نفسها.

انهيار الخلافة.. وصعود الجمهورية التركية

مع الحرب العالمية الأولى توقفت المدفوعات اضطرارًا، ثم سقطت الخلافة عام 1924 وجاء كمال أتاتورك بجمهورية علمانية جديدة. ورغم التحول، لم تُلغِ تركيا القديمة التزامات مصر المالية رسميًا، فاستمرت بعض أشكال الدفع في صورة تفاوضية، بحجة إرث الاتفاقات العثمانية.

لم تكن مصر مستقلة تمامًا كي تمزق هذه الأوراق. الاحتلال البريطاني كان ما زال يمسك برقبتها، والملك فؤاد لم يكن يملك قوة سياسية تخوّله الإلغاء الكامل. فاستمر العبء السياسي والمالي بصورة أو بأخرى، حتى زمن الملك فاروق.

ثورة يوليو.. ولحظة القطع

حين جاءت ثورة يوليو، كان أول ما فعلته الدولة الجديدة هو تحطيم البنية التي سمحت بتحويل مصر إلى خزينة لآخرين.

انتهت كل الالتزامات القديمة، وتم تأميم قناة السويس، وبدأ مشروع بناء دولة ذات سيادة مالية، لا تدفع أحدًا ولا تنتظر اعترافًا من أحد.

-- كانت تلك اللحظة إعلانًا بأن الزمن الذي كانت مصر فيه تُدار من الخارج قد انتهى، وأن الدولة الوطنية الحديثة لا تدفع فواتير العصور الماضية.

قراءة فلسفية للمشهد من وجهة نظري كباحث:

إن قصة الجزية الحديثة ليست قصة مال، بل قصة غياب مشروع الدولة.

حين تغيب الدولة القوية، تصبح السيادة سلعة، والدستور ورقة، والاقتصاد طريقًا مفتوحًا لكل قوة أجنبية.

وحين تولد الدولة، تُغلق الفجوات، وينتهي زمن الدفع.

إن مهمة الباحث ليست تكرار ما كتبته المناهج، بل كشف ما خُبّئ منها:

كيف دارت أموال البلاد خارج يد أهلها، وكيف كانت القوى تتقاسم مصر كما لو كانت أرضًا بلا صاحب، وكيف استطاع المصريون لاحقًا - بمشروع وطني حقيقي - أن يقطعوا هذه الفواتير كلها دفعة واحدة.

لم تكن الأربعة ملايين جنيه إسترليني مجرد عبء مالي، بل كانت رمزًا لحقبة ضاعت فيها السيادة بين سلطان تلاشى ومستعمر تمدد.

وقناة السويس لم تكن مجرد ممر مائي، بل كانت عنوانًا لاقتصاد تُدار مفاتيحه خارج حدود الدولة.

ولأن التاريخ ليس أرقامًا فقط، بل وعيٌ وحكايةُ أمة، تبقى هذه اللحظات درسًا لا بد أن يُقال كما هو:

أن غياب المشروع الوطني يجعل من الوطن نفسه ضريبة يدفعها، وأن حضور المشروع يجعله سيدًا على ماضيه ومستقبله!!

مقالات مشابهة

  • وفاة طفل داخل منزل ذويه في إربد والأمن يحقق
  • إصابة خطيرة... ما الذي جرى بين أطفال في مُخيّم عين الحلوة؟
  • هل كانت جاسوسة؟.. قصة صعود لونا الشبل إلى دائرة الأسد ونهايتها الغامضة
  • الاحتلال يهدم منزلًا في عرابة البطوف بالداخل
  • الجزية الحديثة.. حين كانت مصر تُدار من الخارج وتدفع ثمن غياب الدولة
  • كانت حامل.. أسرة عروس المنوفية ضحية زوجها بعد 4 أشهر تروي التفاصيل
  • عزة مصطفى: مصر كانت حاضرة وبقوة في الفيلم التسجيلي لإنجازات ترامب
  • رئيس الوزراء اللبناني: حزب الله وافق على اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي يحصر السلاح بيد قوات الدولة
  • الشيخ خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعاً عن الحرية الإنسانية
  • حين كانت طرابلس الفيحاء هواءَ القاهرة