الحركة الشعبية لتحرير السودان.. بدأت حركة تحرر وانتهت إلى فصائل متنازعة
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
حركة سياسية عسكرية، تأسست عام 1983 وتعتبر نفسها حركة "تحرر وطني"، واتخذت من القتال وسيلة للتعبير عن مطالبها. تبنت رؤية "تأسيس سودان ديمقراطي علماني"، مع التركيز على المساواة والعدالة لجميع السودانيين.
خاضت صراعات مع الحكومات المتعاقبة في السودان ووقّعت عددا من الاتفاقيات معها أدت لتولي قياداتها مناصب رفيعة في الدولة، قبل أن ينفصل جنوب السودان ويصبح دولة.
بعد انفصال جنوب السودان في 2011 أصبحت الحركة الحزب الرئيس والحاكم في البلاد، وشهدت انشقاقات داخلية وصراعات بين قادتها.
النشأة والتأسيسمع بدايات الحرب الأهلية السودانية عام 1955 ظهرت بجنوب السودان حركة مسلحة تسمى "أنيانيا"، وهي عبارة في إحدى اللغات المحلية تعني "سُمّ الثعبان".
قاد هذه الحركة اللواء أميليو تافانق، الذي تمت تنحيته لاحقا، وتولى جوزيف لاغو رئاسة الحركة وواصل التمرد ضد الجيش السوداني، الذي كان يقوده جعفر نميري.
وبحلول عام 1971 خاضت الحركة وجناحها السياسي محادثات مع الحكومة السودانية حول الحكم الذاتي لإقليم جنوب السودان وإنهاء الأعمال العدائية.
وتوجت هذه المحادثات بتوقيع اتفاق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم 27 فبراير/شباط 1972 أنهى صراعا دام 17 عاما.
عقب اتفاق أديس أبابا تم استيعاب أفراد حركة أنيانيا في الجيش السوداني، غير أنه حدثت انتفاضات متفرقة تدعو لتمرد عسكري في جنوب السودان ضد حكومة نميري، وتهدد باللجوء إلى خيار الصراع المسلح طويل الأمد.
وكان أبرز تلك الانتفاضات تمرد حامية أكوبو العسكرية عام 1975، والتي انتقد قادتها ما سموه "مناورات نميري ومحاولاته إلغاء اتفاقية أديس أبابا"، فاتحد بعض قادة الحامية وشكّلوا حركة جديدة سموها "أنيانيا 2" في منطقة أعالي النيل.
ولاحقا في عام 1982 تشكلت حركة مسلحة أخرى بالاسم نفسه في منطقة بحر الغزال، وتزامنا مع ذلك نظم عدد من القيادات السياسية الجنوبية والطلاب حركات وأنشطة سرية لتعبئة الجماهير في الجنوب ضد إلغاء اتفاقية أديس أبابا.
في مايو/أيار 1983 رفضت كتيبة من الجنوبيين بقيادة الرائد كاربينو كوانين بول التوجه نحو الشمال، فتم تكليف العقيد جون قرنق إخماد هذا التمرد، وبدلا من ذلك اختار قرنق الانحياز للمتمردين في الحرب الأهلية السودانية الثانية.
وأسس قرنق وكاربينو وآخرون الحركة الشعبية لتحرير السودان وجناحها العسكري الجيش الشعبي لتحرير السودان في 31 يوليو/تموز 1983.
وعبرت الحركة -التي أعلنت نفسها حركة "تحرر وطني"- عن سخطها من نظام نميري وعزمها على "معالجة مظالمه بقوة السلاح".
الفكر والأيديولوجياتبنت الحركة رؤية "تأسيس سودان موحد ديمقراطي وعلماني"، بينما كانت ترى مجموعة أخرى منها خيار انفصال جنوب السودان عن السودان أمرا ضروريا.
وطالبت الحركة بـ"تحقيق الحرية والمساواة والعدالة لجميع السودانيين"، وعبّرت عن "رفضها لنظام الحكم الاستبدادي القائم على تهميش المجموعات الإثنية".
كما دعت إلى "تحرير السودان بأكمله"، إذ رأت أن تعريف المشكلة على أنها "المشكلة الجنوبية" هو في حد ذاته تهميش للجنوبيين، وأن المشكلة هي مشكلة السودان كاملا.
الأعلام جون قرنقولد جون قرنق يوم 23 يونيو/حزيران 1945 في بلدة بور بجنوب السودان، وانضم عام 1971 إلى حركة "أنيانيا" التي أسسها جوزيف لاغو.
وبعد توقيع اتفاقية أديس أبابا مع الحركة، انضم قرنق إلى الجيش السوداني برتبة نقيب، وتمت ترقيته لاحقا في عام 1981 إلى رتبة عقيد.
في مايو/أيار 1983 تم تكليف قرنق بإخماد تمرد عسكري في جنوب السودان، لكنه انضم إلى المتمردين وأسس معهم الحركة الشعبية لتحرير السودان.
دخلت الحركة في مفاوضات مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير، اذ أدى اتفاق السلام الشامل في عام 2003 لتولي قرنق منصب نائب الرئيس ورئيس حكومة جنوب السودان.
توفي جون قرنق في 30 يوليو /تموز 2005 إثر تحطم طائرته المروحية خلال عودته من أوغندا.
ولد سلفاكير ميارديت عام 1951 في ولاية بحر الغزال بجنوب السودان. بدأ حياته العسكرية جنديا في الجيش السوداني قبل أن يلتحق بقوات قرنق، وفي عام 1986 أصبح نائبا لقائد الأركان ومكلفا بالعمليات في الجيش الشعبي لتحرير السودان.
بعد توقيع اتفاق مشاكوس وعودة الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الخرطوم، تقلد سلفاكير في يوليو/تموز 2005 منصب نائب رئيس حكومة جنوب السودان في إطار المرحلة الانتقالية، وبعد رحيل قرنق حل مكانه وأدى اليمين نائبا لرئيس السودان في 11 أغسطس/آب 2005.
تولى سلفاكير رئاسة دولة جنوب السودان التي أعلن عنها بعد استفتاء تقرير المصير في 9 يناير/كانون الثاني 2011.
ولد رياك مشار تيني عام 1953 في مدينة لير بجنوب السودان، وبدأ مسيرته السياسية بانضمامه عام 1984 إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، بعدما اندلعت الموجة الثانية من الصراع المسلح بين الحركة والحكومة السودانية.
عقب انفصال جنوب السودان عن شماله أصبح مشار نائبا لرئيس الدولة الوليدة، ثم أقيل في عام 2013 بتهمة "تدبير انقلاب"، وأدى ذلك إلى اندلاع قتال بينهما ثم تحول لصراع بين قبيلتيهما الدينكا والنوير.
وبمقتضى اتفاق السلام المبرم بينهما خلال عام 2015 عاد مشار إلى جوبا في أبريل/نيسان 2016 وتسلم منصب نائب الرئيس حتى يوليو/تموز 2016 حينما عين تعبان دينق خلفا له.
ولد عبد العزيز آدم الحلو بقرية "الفيض أم عبد الله" بجبال النوبة، وتلقى تعليمه الأولي بمدرسة (دلامي) والمتوسطة بمدرسة الدلنج المتوسطة، ثم الثانوية بمدرسة كادقلي الثانوية وأكمل دراسته الجامعية بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم.
خلال دراسته الجامعية التقى "يوسف كوه المكي"، الذي ينتمي للمنطقة ذاتها، وأسسا معا رابطة طلاب جنوب كردفان بجامعة الخرطوم، وبعد تخرُّجهما نشطا في تعبئة شباب وخريجي جبال النوبة حول قضايا الإقليم.
وأسفرت تلك الجهود عن تكوين تنظيم "الكمولو"، وساعد الحلو رفيقه يوسف كوه على تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان بجبال النوبة.
عقب انفصال جنوب السودان قاد الحلو الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال وتبنت نهجا يهدف إلى "تأسيس سودان جديد ديمقراطي علماني لامركزي يُديره مدنيون".
ولد مالك عقار في عام 1956 بمدينة باو بولاية النيل الأزرق، ودرس المرحلة الابتدائية بمدينة الكرمك، والمرحلة الوسطى بمدينة الروصيرص، ثم انتقل إلى العاصمة لدراسة المرحلة الثانوية بمدرسة الخرطوم القديمة الثانوية. أكمل تعليمه الجامعي بإحدى الجامعات الأوغندية.
انضم للحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1985 وتولى رئاسة قطاعها العسكري على الحدود السودانية الإثيوبية جنوب النيل الأزرق، قبل أن يتولى مسؤولية إقليم النيل الأزرق.
عين وزيرا للصناعة عام 2005 ثم حاكما لإقليم النيل الأزرق بعد فوزه بالانتخابات المحلية، لكنه عاد للقتال ضد الجيش السوداني، وعقب انفصال جنوب السودان عين عقار نائبا لرئيس الحركة قطاع الشمال، التي يقودها عبد العزيز الحلو.
بعد إطاحة الثورة الشعبية بالبشير عام 2019، شارك عقار في المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي، ووقّع اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وعيّن عضوا بمجلس السيادة قبل أن يتم تعيينه نائبا لرئيسه عقب اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023.
ولد ياسر سعيد عرمان في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1961 بقرية سعيد بولاية الجزيرة وسط السودان، ودرس بجامعة القاهرة -فرع الخرطوم- وتخرج من كلية الحقوق عام 1986.
خلال فترة الجامعة انضم عرمان للحزب الشيوعي السوداني قبل أن يتركه لينضم للحركة الشعبية لتحرير السودان أواخر عام 1986 في دولة إريتريا، ثم أصبح ناطقا رسميا باسم الحركة ونائبا للأمين العام لشؤون قطاع الشمال ثم أمينا عاما للحركة في القطاع.
ساهم في صياغة وتوقيع اتفاقية السلام الشامل التي أنهت الحرب بين شمال السودان وجنوبه عام 2005، والتي حملته لرئاسة كتلة الحركة في البرلمان.
انشق عن الحركة بقطاع النيل الأزرق بقيادة مالك عقار في أغسطس/آب 2022 وأسس الحركة الشعبية لتحرير السودان-التيار الثوري الديمقراطي.
أبرز المحطاتمنذ عام 1985 تطورت الحركة الشعبية لتحرير السودان وامتدت عملياتها العسكرية بمناطق جنوب السودان المختلفة وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور.
وعقب انعقاد المؤتمر العام للحركة في شقدوم عام 1994، أوصى المؤتمرون بوضع دستور للحركة والجيش الشعبي، أُصدر لاحقا عام 1998 مقسما ما سمتها الحركة "المناطق المحررة" إلى 5 جبهات هي أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية وجبال النوبة والنيل الأزرق.
وقّعت الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة البشير اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير/كانون الثاني 2005، ومنح إقليم جنوب السودان حكما ذاتيا، كما منحت وضعيات خاصة لإقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي، واقتضت الاتفاقية تحويل الحركة من تنظيم سياسي عسكري إلى تنظيم سياسي، وتمت بموجبها تعديلات داخلية بالحركة.
في 15 فبراير/شباط 2011 قرر المكتب السياسي للحركة فك الارتباط السياسي والعسكري بين الحركة في الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو والحركة في الجنوب بقيادة باقان أموم أوكيج.
وفي 9 يوليو/تموز 2011 أُعلن رسميا انفصال جنوب السودان بعد استفتاء شعبي، وأصبحت الحركة الشعبية لتحرير السودان هي الحزب الحاكم للدولة الجديدة.
تولى سلفاكير منصب نائب رئيس الحركة ورئيس جنوب السودان، بينما قاد الحركة نائبه رياك مشار قبل أن يندلع بينهما خلاف حاد أدى لاندلاع اشتباكات مسلحة بين تياريهما خلّف مئات القتلى حتى عام 2015 حين وقعت اتفاقية بين سلفاكير ومشار بأديس أبابا، غير أنها لم تنجح وتواصلت الاشتباكات.
شهدت الحركة انقسامات في جنوب السودان وشماله، ففي الجنوب انشقت إلى جناحين، أحدهما يتزعمه سلفاكير، أما الفصيل المعارض من الحركة فيتزعمه رياك مشار.
في عام 2017 انقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بعد إقالة مالك عقار وياسر عرمان ومنعهما من دخول "المناطق المحررة" بجبال النوبة، وتم تعيين عبد العزيز الحلو رئيسا للحركة بجبال النوبة وكردفان بينما ترأس الجناح الآخر مالك عقار بمنطقة النيل الأزرق.
وفي 17 أغسطس/آب 2022 انقسمت الحركة التي يقودها عقار إلى جناحين أحدهما يتزعمه عقار، الذي اختير آنذاك عضوا في مجلس السيادة الانتقالي والثانية بقيادة نائبه ياسر عرمان القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير.
وظلت الخلافات في جنوب السودان معلقة، وخاصة الملف المرتبط بالترتيبات الأمنية التي تقضي بدمج مقاتلي الحركة الشعبية-جناح مشار في الجيش الحكومي وإعادة انتشاره في مناطق سيطرة المعارضة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحرکة الشعبیة لتحریر السودان انفصال جنوب السودان عبد العزیز الحلو فی جنوب السودان الجیش السودانی بجنوب السودان الجیش الشعبی النیل الأزرق یولیو تموز السودان فی أدیس أبابا یاسر عرمان الحرکة فی مالک عقار منصب نائب فی الجیش جون قرنق قبل أن فی عام
إقرأ أيضاً:
فيلم العودة إلى العمل.. المزج بين الحركة والكوميديا بغلاف بوليسي
قدمت السينما عبر تاريخها نوعا فيلميا اجتذب الجمهور العريض وشكل علامة فارقة وهي أفلام الحركة التي لا تزال شركات الإنتاج تنفق أموالا طائلة مراهنة على إنتاج هذا النوع من الأفلام والنجاح الجماهيري والعائد المالي المنتظر منه من خلال الإنتاج الفيلمي الذي صار يوما بعد يوم يوظف التقنيات الرقمية السمعية- البصرية المتطورة وإمكانيات الذكاء الاصطناعي من أجل إنتاجه.
وفي هذا السياق يأتي هذا الفيلم لكاتب السيناريو والمخرج سيث جوردن ليقدم مزيجا من الكوميديا والحركة من خلال النجمين جامي فوكس في دور مات، وكاميرون دياز في دور ايميلي، حيث تعود إلى الشاشة بعد غياب دام أكثر من عقد من السنوات، وقبل ذلك كانت قد شاركت في عشرات الأفلام التي تراوحت ما بين النجاح والمستوى المتوسط في الرضا الجماهيري وبين ما هو أدنى من ذلك.
في هذا الفيلم يكون الزوجان ايميلي ومات قد خاضا آخر مغامراتهما في جمهورية التشيك بوصفهما يشتغلان في مجال التجسس ويتمكنان في آخر مهماتهما من الحصول على بصمة زعيم مافيا من أوروبا الشرقية لغرض الحصول بواسطة تلك البصمة على ملف حساس وبالغ الأهمية في شكل مخزن ذاكرة رقمية يتمكنان من الاستيلاء عليه وتكون تلك المهمة وهما في طريق العودة إلى الديار من خلال مغامرة محفوفة بالخطر.
فمن جهة يُخدعان وهما في الطائرة بكون الطاقم بأجمعه هم حراس مسلحون ويريدون انتزاع مخزن الذاكرة منهما ومن جهة أخرى انتهاء مصير الطائرة إلى التحطم والاشتعال في منطقة جبلية ثلجية وعرة، مما يتطلب من الزوجين استخدام الهبوط المظلي في مشهد واضح انه مصنوع مونتاجيا وبواسطة الخدع السينمائية.
هذه المقدمة تفتح الأبواب على مصاريعها لمزيد من المغامرات، فالزوجان اللذان يتميزان بالقدرات الجسدية وخفة الحركة قادران على قهر خصومهما، فهما مدربان تدريبا عاليا في مجال القتال الفردي والقتال الأعزل ولهذا يكتظ الفيلم بمشاهد المصادمات والحركة من منطلق عودة الممثلة دياز إلى موقعها السابق كنجمة في الصف الأول وها هي تقدم نفسها في شكل مختلف يجمع بين المغامرة والكوميديا والصراعات وعمليات التجسس في خليط واحد.
من جهة أخرى سوف يكون لعامل الزمن دور مهم في مسار هذا الفيلم وفي عموم مسار السرد السينمائي، ذلك أن الفاصلة الزمنية ما بين حادثة الطائرة وما بين العثور على الزوجين بعد تزوير خبر اختفائهما، تلك الفاصلة تمتد إلى 15 عاما، يتمنيان خلالها أن ينجبا طفلا، فإذا بنا في قفزة زمنية ونحن نشاهد الزوجين ولديهما طفلان يصبح لهما دور في مسار المغامرات.
هذا التنقل الزمني ينسحب أيضا على المهام التي أوكلت للزوجين وكذلك لوالدة الزوجة -تقوم بالدور الممثلة المعروفة جلين كلوز وقد نالت منها سنوات العمر وبدت في مرحلة الشيخوخة، فهي الأخرى كانت تعمل في الأجهزة السرية ولكن في بريطانيا ولهذا سوف تكون سببا بالإضافة إلى استمرار مغامرة الزوجين ومطاردتهما، لكي ينتقل الزوجان وأولادهما إلى لندن وهنا يبدأ فصل آخر من فصول التعقب والمطاردات تلعب فيه عملية الاختفاء والظهور دورا بارزا في التصعيد الدرامي ومن ذلك اختفاء الضابط المسؤول عن الزوجين تشاك -يقوم بالدور الممثل كايل تشاندلر، ثم ظهوره فجأة وهو يحذرهما من هجوم وشيك سوف يقع على منزلهما وهو ما يقع بالفعل.
هذه التشابكات في البناء الدرامي كانت الإشكالية الرئيسية فيها هي كيفية الموازنة ما بين عناصر الحركة والمطاردات وبين خفة الدم والبساطة وعدم التعقيد، بينما معلوم أن العمليات السرية تتميز في كونها شديدة التعقيد ومركبة في تطوراتها وتتميز بالكتمان والغموض، أما هنا فالصراعات مكشوفة وفي الشوارع ولا يختلف مكان وقوعها سواء أمام مطار هيثرو أو في غابة او في وسط لندن.
وفي هذا الصدد يقول الناقد جيم فوريل في موقع بيست:"إن ميزة هذا الفيلم تكمن في كون فكرته مألوفة إلى حد ما، أما إذا كان هناك ما هو متميز في الفيلم فهو الطريقة التي يُصوّر بها التوتر والذي استعاره أو تماهى من خلال أحداثه مع أفلام الحركة الكوميدية الحديثة، انه فيلم حركة مألوف ومعتاد، لكنه يتميز بتفوق العناصر التقنية، مع شخصيات رئيسية فاعلة ومتميزة، مع أن ليس هنالك الكثير مما يمكنهم فعله. يمكن أن أضيف إلى ذلك، أن الفيلم يدمج بسلاسة بين وجوه ونجوم الصف الأول وحشد من الممثلين الثانويين، والملفت للنظر أن حضور أولئك النجوم لم يسيطر على نظرائهم الممثلين الثانويين. خلال ذلك كان من الملاحظ أن أغلب مشاهد الحركة قد تم تصويرها في مواقع متواضعة نسبيا - محطة وقود، أو ممر، إلخ - بدلًا من دمجها في مشاهد أكبر وأكثر جرأة ذات مخاطر أكبر، كما هو الحال في الأفلام ذات الإنتاج الضخم التي يحاكيها هذا الفيلم".
من جانب آخر، فإن جاسوسيّ المخابرات الأمريكية وهما يتنقلان من مغامرة إلى أخرى، فإن جزءا من واجبهما فيما يلي من أحداث هو أن يكشفان لطفليهما ما الذي ينويان القيام به خاصة مع وجود الابنة المراهقة صعبة المراس، والحاصل أن الابن والابنة ما يلبثان أن يصبحا جزءا أو امتدادا للمغامرة بل حضور المواجهات أو تلك السيارات التي يجري قذفها بعيدا وانقلابها.
وبسبب طابع الحركة السريع والصراعات كان لا بد أن يتواصل الإيقاع الفيلمي السريع والمتواتر وأن يستمر طيلة مسار الفيلم، بما يتطلبه من جودة التصوير والمهارة في اختيار الزوايا ومستويات التصوير ثم المؤثرات الخاصة والجرافيكس والخدع السينمائية.
على أن الميزة الأخرى الملفتة للنظر تكمن في كيفية الموازنة ما بين الكوميديا أو ما يريد له أن تكون مواقف طريفة وبين الطابع البوليسي ومشاهد الصراعات وهذه جميعها شكلت تحديا حقيقيا بالنسبة للمخرج وفريقه في كيفية المزج بين هذه العناصر جميعا وتقديم فيلم مقنع وجاذب للجمهور وهو في الواقع ما أضعف الميزة الأساسية لفيلم الحركة والعنف وخاصة على صعيد المباغتة والمفاجآت وقطع الأنفاس والترقب بينما كان إضافة الطفلين ما جعل الفيلم يسير في نطاق عائلي اجتماعي ثم إضافة والدة الزوجة لتكمل تلك الصفة مع أنها في آخر المطاف تصبح طرفا في الصراع وتساهم في المواجهات الدامية.
اما على صعيد التمثيل فلا شك أن الثنائي دياز وفوكس قدما افضل ما عندهما بل إنهما تكاملا إلى حد ملحوظ في أداء دوريهما فضلا عن أن دياز حاولت استعادة جمهورها من خلال هذا الفيلم وأنها لا تزال تتمتع بالكفاءة وخفة الحركة والجاذبية، لكن الأمر المختلف هنا هو أن هذا الفيلم يأتي في زمن مختلف عما عهدته دياز في أفلام الحركة، فالتطور الرقمي وقوة تدخل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستحدثة تجعل المهمة أشد تعقيدا في مثل هذا النوع من الأفلام مع أن الفيلم في حد ذاته حاول مجاراة أفلام الحركة، لكنه كان في كل مرة يتجه لإرضاء متطلبات الجانب الاجتماعي تارة والإيقاع الهادئ والحياتي تارة ثم التصعيد والمطاردات والمواجهات تارة أخرى.
...
إخراج: سيث جوردن
سيناريو: سيث جوردن وبريندن اوبراين
تمثيل: كاميرون دياز، جيمي فوكس، اندرو سكوت، جلين كلوز
مدير التصوير: كين سينج
موسيقى: كريستوفر لينيرز