سودانايل:
2025-05-12@10:28:58 GMT

حرب السودان والفرص الضائعة

تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

فعلا، كما قال الدبلوماسي السوداني الوطني الحصيف، رفض الذهاب إلى محادثات جنيف أمر لا يتسم بالحكمة، ودائما الأفضل أن تذهب الأطراف المتصارعة، والتي كل المؤشرات تشير إلى استحالة حسم صراعاتها بانتصار طرف على الطرف الآخر، بينما المنتصر هو دمار الوطن وهلاك الناس، الأفضل أن تذهب إلى حل صراعاتها هذه عبر التفاوض دون قيد أو شرط، وأن تضع على طاولة التفاوض كل شروطها وطلباتها.

أتمنى عندما يصل مقالي هذا إلى القارئ أن يكون طرفا التفاوض قد اكتمل وصولهما إلى جنيف والتأمت المحادثات، برضا الطرفين، بالطبع، حول تصميمها وأجندتها والمشاركين فيها من ميسرين ووسطاء ومراقبين.
هذا هو المطلب الأول والرئيسي للشعب السوداني الذي يريد من الطرفين وقفا لإطلاق النار وتدفقا للمساعدات الإنسانية درءا للمجاعة وتفشي الأوبئة، مثلما يأمل أن تتوقف الجرائم والانتهاكات المريعة والتي لقوات الدعم السريع القدح المعلى فيها. والشعب السوداني مصمم تماما أن الذهاب إلى جنيف أبدا لا يعني القبول والتسليم بعودة الأطراف المتحاربة إلى نفس مكانتها وأوضاعها قبل الحرب فيما يختص بإدارة السياسة في البلد. فكما كررنا كثيرا، لا القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها من الحركات المسلحة، ولا قوات الدعم السريع وحلفاؤها من الحركات المسلحة، هم من سيحددون مصير السودان ومستقبله السياسي، فهذه مسؤولية القوى المدنية والسياسية السودانية وحدها، وهي المناط بها تصميم وقيادة العملية السياسية والتي بدونها لن تضع الحرب أوزارها.
إن انتقادنا لتلكؤ بورتسودان في الذهاب إلى جنيف لن ينفي إشارتنا إلى أن طلب السودان إجراء لقاءات تشاورية مع الولايات المتحدة قبل لقاء جنيف المقترح، هو طلب مشروع، بل وضروري وكان لابد منه، لأن من شروط نجاح أي لقاء أو حوار أو تفاوض بين أطراف متصارعة، عسكريا أو سلميا، أن تسبقه مشاورات واسعة يجريها الوسيط مع هذه الأطراف، يتم فيها الاتفاق على طبيعة اللقاء وأهدافه وجدول أعماله وكيفية إدارته ومستوى الوفود المشاركة…الخ، وذلك على النحو الذي أوردناه في مقالنا الأسبق. صحيح تم الانتباه إلى هذه النقطة في الثواني الأخيرة والتي احتضنت لقاء جدة التمهيدي، ولكن كما كان متوقعا، جاء اللقاء مخيبا للآمال ومضاعفا للشحنة السالبة، حسب فهمنا لتقرير رئيس وفد حكومة بورتسودان الذي قدمه إلى الوسائط الاجتماعية قبل تقديمه إلى قيادته في بورتسودان، مشفوعا بتوصية مقاطعة جنيف. من ناحية أخرى بدا لنا الأمر وكأن الجانب الأمريكي، لا يملك استراتيجية متكاملة حول العملية التفاوضية ومراحلها.
وفي كل الأحوال، إذا التأم منبر جنيف الراهن أم لم يلتئم، أرى ضرورة وأهمية أن يعكف الطرفان، السوداني والأمريكي، على الدخول في مناقشات ثنائية قبل أي جولات قادمة، علها تسهم إيجابا في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، وتلافي بعض الأخطاء والعثرات التي لازمت تعامل الجانب الأمريكي مع الشأن السوداني. فمن خلال هذه اللقاءات يمكن أن يقدم الجانب الأمريكي تصورا كاملا حول الموقف من تنفيذ اتفاق جدة، مايو/أيار 2023، وأن يتقدم بمواقف أكثر عمقا وصراحة حيال المطالب والتساؤلات السودانية.

الشعب السوداني مصمم تماما أن الذهاب إلى جنيف أبدا لا يعني القبول والتسليم بعودة الأطراف المتحاربة إلى نفس مكانتها وأوضاعها قبل الحرب فيما يختص بإدارة السياسة في البلد

ومن ناحية أخرى، فإن أي مباحثات أو تفاهمات مع الإدارة الأمريكية يجب ألا تنفصل أو تكون بمعزل عن الرؤية الاستراتيجية الكلية للجانب السوداني في إدارة ملف التفاوض، بل هي أولى خطواته الأساسية والهامة، واضعين في الاعتبار انعكاس هذه التفاهمات وتأثيراتها في المفاوضات مع قوات الدعم السريع.
هذا الأمر لم يتحقق في جدة، ولن يتحقق إذا ظلت الأمور على حالها دون تغيير ودون وجود رؤية واضحة وموحدة عند الجانب السوداني تجاه ما ينبغي عمله والوصول إليه.
بالنسبة للقاء جنيف الراهن، كان واضحا منذ البداية ضرورة التشاور حول المراقبين، مصر والإمارات، من حيث قبول الطرفين لهما ولدورهما وصلاحياتهما في اللقاء. ومع ذلك، ليس مفهوما، بل ومستغربا، اعتراض السودان على وجود الإمارات كمراقب في المحادثات.
فالقاصي والداني يدركان أنه ليس متصورا حدوث اختراق جدي في ملف حرب السودان بمعزل عن دولة الإمارات التي يهمها مسار التفاوض ونتائجه لعلاقتها الوطيدة بما يجري في السودان. وهي ظلت تربطها علاقات وطيدة مع قيادات طرفي الحرب قبل أن تتحدث التقارير عن دعمها العسكري المباشر لقوات الدعم السريع.
وفي الحقيقة، كان ولايزال من الضروري، في إطار التمهيد لأي منبر تفاوضي، إجراء محادثات مباشرة وصريحة بين السودان والإمارات حول دور الأخيرة في الحرب، وذلك بدلا عن التصريحات المتشنجة والتي لا طائل منها ولا تعكس سوى الشعبوية ممزوجة بغياب الحساسية القيادية تجاه ما يحدث في الوطن من هلاك ودمار. وكان ظننا أن الاتصال التلفوني بين الفريق عبد الفتاح البرهان والشيخ محمد بن زايد جاء بمثابة إشارة لبدء محادثات عميقة بين الدولتين حول لماذا تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، وماذا تريد من السودان.
أما مصر، فأيضا ليس متصورا حدوث اختراق جدي في ملف الحرب بمعزل عنها. فبالإضافة إلى وشائج الصلة والعلاقات التاريخية والتكاملية مع السودان، تنظر مصر إلى الأمر من باب حماية أمنها القومي في ظل التوترات السياسية والعسكرية المتصاعدة على حدودها مع إسرائيل ومع ليبيا وفي البحر الأحمر، وكذلك التوترات المتعلقة بمياه النيل، إضافة إلى ما تعانيه من استنزاف في مواردها بسبب استقبالها لأعداد مهولة من طالبي الأمن والأمان القادمين من سوريا والسودان وفلسطين وليبيا واليمن ودول أخرى.
وبالنظر إلى الأهمية القصوى لمسألة الأمن القومي هذه، يمكننا تفهم علاقة مصر الوطيدة مع القوات المسلحة السودانية وتمسكها بوحدتها باعتبارها المؤسسة العسكرية الشرعية في البلد.
وكما أشرنا في مقالات سابقة، فإن ما يعزز من دلالات حديثنا هذا هو أن وجود مصر والإمارات في محادثات العاصمة البحرينية المنامة كان مفصليا في ولادة ذلك الاتفاق الموقع بالأحرف الأولى ولكنه قتل في مهده.

نقلا عن االقدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع الذهاب إلى إلى جنیف

إقرأ أيضاً:

قطع علاقات السودان مع الإمارات.. مصير مجهول للمغتربين

تبلغ الاستثمارات الإماراتية في السودان أكثر من 7.6 مليار دولار، مما قد يؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الاقتصاد السوداني في حالة توقف هذه الاستثمارات.

تقرير: التغيير

أثار قطع السودان لعلاقاته مع الإمارات وتأثيره على المغتربين السودانيين في الإمارات قلقًا كبيرًا وجدلاً في مواقع التواصل، خاصة مع وجود أكثر من 250 ألف سوداني مقيمين في الدولة الخليجية. وأكدت الإمارات أن الجالية السودانية لن تتأثر بالقرارات الأخيرة، إلا أن هناك مخاوف من تأثيرات محتملة على الخدمات القنصلية والاقتصادية.

مخاوف متصاعدة

ويتخوف البعض من تعرض السودانيين في الإمارات لصعوبات في تجديد جوازات السفر أو الحصول على وثائق رسمية أخرى بسبب عدم وجود سفارة سودانية في الإمارات. كما قد تتعرض التحويلات المالية بين السودان والإمارات لتعقيدات، مما قد يؤثر على الاقتصاد السوداني.

كذلك قد تتأثر العلاقات التجارية بين البلدين، مما قد يؤدي إلى نقص في السلع أو ارتفاع الأسعار. وقد يتعرض السودانيون العاملون في الإمارات لخطر فقدان وظائفهم أو التضييق عليهم.

من جهتها، أكدت الإمارات أنها لن تتوانى عن تقديم العون للشعب السوداني، وأن الجالية السودانية لن تتأثر بالقرارات الأخيرة. في حين أشار وزير الإعلام السوداني إلى احتمال اتخاذ خطوات تصعيدية أخرى في المستقبل. وعبر بعض الناشطين عن قلقهم من تأثيرات القرار على السودانيين في الإمارات، ودعوا إلى مراجعة القرار.

إستثمارت ضخمة

تبلغ الاستثمارات الإماراتية في السودان أكثر من 7.6 مليار دولار، مما قد يؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الاقتصاد السوداني في حالة توقف هذه الاستثمارات. وربما تتأثر التجارة بين البلدين، خاصة في مجال الذهب، حيث تعتبر الإمارات مركزًا مهمًا لتصدير الذهب السوداني.

من الناحية القانونية، أكد المحامي بابكر سلك في حديثه لـ (التغيير) أن دخول السودانيين إلى الإمارات بطريقة شرعية يمنحهم حقوقًا قانونية محددة بناءً على نوعية الدخول، سواء كانوا مقيمين أو زوارًا. وأشار إلى أن هذه الحقوق لا يمكن أن تسقط إلا إذا ارتكبوا جرائم أو مخالفات وفقًا لقانون الإمارات، مثل الاتجار بالمخدرات، مما قد يعرضهم للعقوبة والابعاد.

وشدد سلك على أن لا أحد يمكن أن يمس بحقوق السودانيين المقيمين في الإمارات بدون أسباب شخصية وفردية قانونية واضحة. وقال أن قطع التمثيل الدبلوماسي وقفل السفارة السودانية في الإمارات يحرم السودانيين من خدمات أساسية مثل تجديد الجوازات وتسجيل المواليد، مما يضعهم في موقف صعب.

فيما أكد المحامي عثمان العاقب أن تطبيق أحكام القانون الجنائي السوداني المتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة يتطلب وجود إعلان رسمي من الحكومة السودانية بحالة الحرب.

مصاعب قانونية

وأشار لـ (التغيير) إلى أن المادة 51 من القانون الجنائي تحدد شروط التجريم في هذا السياق، مشيرًا إلى أن استمرار الجالية السودانية في الإمارات في أداء أعمالها لا يُشكل جريمة دون إعلان رسمي للحرب.

وعرج العاقب على أهمية تنظيم أوضاع الجالية السودانية في الإمارات وضمان حقوقهم في حال إعلان الحرب، داعيًا إلى تطبيق القانون بمراعاة مبدأ العدالة وروح القانون، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواطنين سودانيين قد يكونون ضحايا للظروف السياسية، لا طرفًا مباشرًا فيها.

وحذر من أن أي تجريم سابق لأوانه، قبل إعلان حالة الحرب رسميًا، يُعد مخالفة جوهرية للقانون، وقد يُسهم في تأجيج الفتنة وزعزعة الاستقرار.

الوسومأبوظبي الأزمة السودانية الإماراتية الخرطوم قطع العلاقات مع الإمارات

مقالات مشابهة

  • المشروع التقدمي الحداثي السوداني: DEAD MAN WALKING
  • رمم القحاتة توابع الجنجويد ديل مؤذيين جداً
  • تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !
  • مسيرات هاجمت مطار عطبرة ومضادات الجيش السوداني تتصدى
  • السرديات المضللة في حرب السودان
  • لتهدئة الحرب التجارية.. المحادثات بين أميركا والصين تتواصل في جنيف
  • محادثات صينية-أميركية في جنيف لمحاولة احتواء الحرب التجارية
  • قطع علاقات السودان مع الإمارات.. مصير مجهول للمغتربين
  • أعلمي يا نانسي، أنتِ ومن هم على شاكلتك، أن الكيزان لم يُسقطهم أنتم ولا جماعتكم، بل أسقطهم الشعب السوداني
  • عامان على الحرب: صورٌ تحكي مأساة الإعلام السوداني وصمت استوديوهاته