هل تفعل كامالا هاريس ما فعله ريتشارد نيكسون؟
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
في مثل هذا الشهر، قبل خمسين عاما، استقال ريتشارد نيكسون من منصبه «رئيس للولايات المتحدة»، ومع توجه كل الأنظار إلى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، تزودنا هذه الذكرى السنوية بفرصة للنظر في التناقضات المتأصلة التي تعيب القيادة السياسية الأمريكية.
كانت إساءة استغلال السلطة التنفيذية من جانب نيكسون متناقضة بشكل حاد مع إنجازاته في السياسة الخارجية؛ فبصفته مناهضا لدودا للشيوعية، فاجأ العالم بالذهاب إلى الصين في عام 1972.
فبادئ ذي بدء، تشكل الرسوم الجمركية ضريبة على المصدرين الصينيين ترفع الأسعار التي يتحملها المستهلكون الأمريكيون. ووفقا لبحث حديث أجراه معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، من المنتظر أن تعادل التكاليف الإضافية الناجمة عن الرسوم الجمركية الجديدة التي اقترحها ترامب 1.8% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقرب من خمسة أمثال تلك الناجمة عن جولته الأولى من الرسوم الجمركية.
ثانيا، كما زعمتُ لفترة طويلة، لن تعمل الرسوم الجمركية المفروضة على الصين على تقليص العجز التجاري الإجمالي المبتلى به الاقتصاد الأمريكي الذي يفتقر إلى المدخرات، بل إنها تعمل بدلا من ذلك على تحويل العجز إلى منتجين أجانب آخرين أعلى تكلفة إلى حد كبير، وهذا ما حدث بعد الرسوم الجمركية الأولية التي فرضها ترامب إذ انكمش اختلال التوازن الثنائي مع الصين، لكن العجز المتزايد مع المكسيك، وفيتنام، وكندا، وكوريا الجنوبية، وتايوان، والهند، وأيرلندا، وألمانيا عـوّض عن ذلك الانكماش وزاد عنه.
على النقيض من ذلك، يبدو أن كامالا هاريس لا تعتزم رفع الرهان على الرسوم الجمركية، لكنها تبدو ميّالة إلى تأييد مبدأ جو بايدن: «الفِـناء الصغير والسياج العالي»، الذي وصفه الرئيس الصيني شي جين بينج على أنه «الاحتواء الشامل، والتطويق، والقمع» للصين، وهذا يشمل استمرار الرسوم التي فرضها بايدن (الـمُـرَحَّـلة إلى حد كبير من عهد ترمب)، والعقوبات الموجهة، فضلا عن إستراتيجيات تقليل المخاطر وتعزيز الاعتماد على الدول الصديقة. وفي حين أن النهج المناهض للصين الذي ورثته هاريس عن بايدن أقل عدوانية من الرسوم الجمركية الضخمة المحتملة من جانب ترامب، فإنه لن يهدّئ التوترات إلا بالكاد.
ويبدو من المرجح أن يتبنى كل من المرشحين وجهة نظر مختلفة بشأن تايوان. ففي مقابلة أجراها في أواخر يونيو مع Bloomberg Businessweek، أكد ترامب على نهج أكثر اعتمادا على الصفقات في الدفاع عن تايوان. وزعم أن «تايوان يجب أن تدفع لنا مقابل الدفاع عنها»، ربما في هيئة أقساط تأمين، اتخذ ترامب ذات الموقف في السابق، حيث أكّد أن الدول الغنية يجب أن تدفع مقابل الحماية الأمريكية - مع أوروبا، وحلف شمال الأطلسي، بل واليابان كذلك، والواقع أنني لا أؤيد نهج المرتزقة في التعامل مع السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن يجب أن أعترف بأن تكتيكات ترامب قد تحوّل عبء ردع الصين من الولايات المتحدة إلى تايوان. وقد يكون هذا تطورا إيجابيا، إلى حد أنه قد يقلل من التوترات المباشرة بين القوتين العظيمتين، ولكنه يظل بعيدا عن كونه وصفة إستراتيجية لحل الصراع. في حين لا يُـبدي ترامب أو هاريس أي استعداد لإنهاء الصراع بين الولايات المتحدة والصين، فقد يشير تطور محتمل إلى اختراق على غرار ما فعله نيكسون مع الصين اختيار هاريس لحاكم ولاية مينيسوتا تيم والتز مرشحا لمنصب نائب الرئيس؛ فمثله كمثل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب، الذي شغل منصب رئيس مكتب الاتصال الأمريكي في بكين في الفترة 1974-1975، يجمع بين والتز والصين ارتباط خاص، فقد سافر والتز إلى هناك لأول مرة كمدرس في عام 1989 أثناء الأحداث المأساوية في ساحة السلام السماوي، والتي شكلت وجهات نظره حول ما وصفه لاحقا بميول الصين «التي لا يمكن تصورها». حتى أن والتز اختار الزواج في يوم الرابع من يونيو 1994، الذي وافق الذكرى الخامسة لمأساة ساحة السلام السماوي(تيان أن من). في ضوء هذه التجربة، ركز والتز على قضايا حقوق الإنسان في الصين أثناء عمله كعضو في الكونجرس من عام 2007 إلى عام 2019، وقد أيّد قرارا قضى بإحياء الذكرى السنوية العشرين لأحداث شهر يونيو 1989 فضلا عن الإجراءات التي اتخذها الكونجرس في التعاطف مع ناشطين صينيين، بما في ذلك تشين جوانج تشنج، وليو شياو بو، والجماعات المؤيدة للديمقراطية في التبت وهونج كونج. ولكن بالإضافة إلى مخاوفه بشأن حقوق الإنسان والعدوان العسكري في بحر الصين الجنوبي، أكد والتز أيضا على أهمية العلاقات المستدامة بين الولايات المتحدة والصين، مُـحتجا بأن الحوار يشكل ضرورة أساسية و«يجب أن يحدث حتما».
بعبارة أخرى، سيجلب والتز الحس البراجماتي الذي يفتقر إليه بشدة موقف أمريكا المتزايد الكراهية في التعامل مع الصين، فنادرا ما ينظم نواب الرئيس مبادرات سياسية كبرى، ولكن في حالتنا هذه تساعد آراء والتز بشأن الصين في زيادة احتمالات انطلاق مبادرة على غرار مبادرة نيكسون من قِـبَـل إدارة هاريس. تتقاسم هاريس ووالتز المخاوف بشأن التوترات في بحر الصين الجنوبي، لكنهما يدركان أيضا الحاجة إلى مواجهة الضرورة الملحة المتمثلة في تصحيح المسار في العلاقات الصينية الأمريكية المضطربة. هذا المنظور الدقيق من شأنه أن يسمح لهما بأداء أكثر من مهمة واحدة في الوقت ذاته، وسوف يشجعهما على إعطاء الأولوية للعودة إلى المشاركة وعلى التمسك بمواقف عنيدة عند كل نقطة احتكاك في علاقة متضاربة. هذا هو ما سمح لنيكسون بحرية تنحية تحيزاته الإيديولوجية جانبا والانخراط مع الصين في عام 1972، وقد يساعد والتز في ترجيح كفة سياسة هاريس في التعامل مع الصين.
الواقع أن كثيرا من الظروف الجيوستراتيجية اليوم تشبه على نحو مخيف مناخ الحرب الباردة قبل نصف قرن من الزمن، ومن قد يتمكن على نحو أفضل من رئيس أمريكي جديد عميق التفكير من التخفيف من ديناميكية خطيرة مع قوة عظمى أخرى ويحول العلاقة بين القوتين من عدائية إلى تنافسية، ومن تصعيد الصراع إلى حل الصراع؟ في ظل حكمي ترامب وبايدن، تحولت مشكلة الصين في أمريكا من سيئ إلى أسوأ، وإذا كانت الـغَـلَـبة لهاريس في نوفمبر، فلن تظل هذه هي الحال بالضرورة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بین الولایات المتحدة والصین الرسوم الجمرکیة الصین فی مع الصین یجب أن فی عام
إقرأ أيضاً:
قراصنة الصين يخترقون شبكات أمريكا.. مسؤول ينتقد إدارة ترامب!
حذّر السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي، من استمرار حملة إلكترونية واسعة النطاق تنفذها الاستخبارات الصينية، تستهدف شبكات الاتصالات الأميركية، وتتيح الوصول إلى اتصالات معظم المواطنين، في ما يعرف باسم حملة “إعصار الملح” (Salt Typhoon).
وأشار وارنر إلى أن الصين ما زالت تخترق الشبكات الأميركية رغم التناقض في تقييمات وكالات الاستخبارات، مضيفاً أنه تلقى إحاطات حكومية تحتوي على معلومات متضاربة حول رد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الحملة.
وانتقد السيناتور تركيز إدارة ترمب على مداهمات الهجرة بدلاً من تكثيف جهود مكافحة التجسس، واصفاً ذلك بأنه “غباء مفرط”، موضحاً أن إعادة تخصيص نحو 45% من موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI للعمل على مداهمات الهجرة ساهمت في بطء الاستجابة.
وأوضح وارنر أن القراصنة الصينيين، التابعين لجهاز الاستخبارات في وزارة أمن الدولة الصينية، قادرون على الوصول إلى الاتصالات الهاتفية غير المشفرة لمعظم الأميركيين، فيما تحاول روسيا وإيران استغلال الثغرات نفسها التي كشفتها حملة “سولت تايفون”.
وأشار الخبير الصيني السابق في وكالة الاستخبارات المركزية دينيس وايلدر إلى أن شبكات الاتصالات الأميركية أكثر عرضة للاختراق من نظيراتها في كندا وأوروبا، نظراً لتجميعها بشكل سريع دون التركيز الكافي على الأمن السيبراني، مع خفض عدد الموظفين المختصين في وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية.
ووفق محللين، فإن تحديث وتعزيز شبكات الاتصالات لمواجهة القرصنة الصينية سيكلف الولايات المتحدة مليارات الدولارات، في حين أوقفت إدارة ترمب أوضاع فرض عقوبات على وزارة أمن الدولة الصينية لتجنب إضعاف الهدنة بين واشنطن وبكين.
يذكر أن حملة “إعصار الملح” بدأت قبل عامين واستهدفت العمق الشبكي للاتصالات الأميركية، ما أظهر هشاشة البنية التحتية الرقمية في الولايات المتحدة، وبرزت المخاوف من أن استمرار هذه الهجمات قد يتيح لروسيا وإيران الاستفادة من الثغرات نفسها، ما يزيد من تعقيد الأمن السيبراني الأميركي ويجعل حماية الاتصالات أولوية استراتيجية عاجلة.
ألمانيا تستدعي السفير الروسي وتحذر من عواقب الهجمات الهجينة
استدعت وزارة الخارجية الألمانية السفير الروسي في برلين، وحذرته من العواقب المترتبة على الهجمات “الهجينة المدعومة من موسكو”، التي تهدف إلى تقويض الديمقراطية الألمانية، وفق المتحدث باسم الوزارة مارتن جيزي.
وأوضح جيزي خلال مؤتمر صحافي في برلين أن الأنشطة الهجينة الروسية تتراوح بين حملات التضليل والتجسس والهجمات السيبرانية ومحاولات التخريب، مؤكداً أن الحكومة الألمانية تمتلك أدلة على تورط جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية GRU في حادثتين محددتين.
وأضاف جيزي أن الحادثتين تشملان هجوماً سيبرانياً عام 2024 استهدف نظام مراقبة الحركة الجوية في ألمانيا، نفذته مجموعة Fancy Bear، والتدخل في انتخابات فبراير الماضي عبر حملة أُطلقت عليها اسم Storm 1516.
وأشار جيزي إلى أن ألمانيا ستتخذ سلسلة إجراءات مضادة بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين، تشمل فرض عقوبات على أفراد روس مثل حظر السفر وتجميد الأصول، للتصدي لهذه الهجمات.