شهدت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تحولات ملموسة، بعد أن أصبحت المعارك العسكرية بين الطرفين محصورة في المناطق الطرفية للخرطوم مع بعض جيوب المقاومة في بعض الأحياء السكينة، خاصة بعد أن أصبح الجيش يقوم بعمليات تمشيط داخل الأحياء. تلك النتيجة كانت متوقعة وحتمية لصراع بين قوتين عسكريتين تختلفان من حيث الهوية والخلفية والعقيدة القتالية والتدريب.

قام الجيش السوداني بتنفيذ طلعات جوية مستخدمًا طائرات السوخوي التي استهدفت بدورها مرتكزات ومواقع عسكرية للدعم السريع في ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث، خاصة معسكر “طيبة الحسناب” جنوب الخرطوم، وفي أم درمان محلية “أمبدة” الحارة 12، وشرق النيل؛ الأمر الذي أسهم في إضعاف الدعم السريع. كما تمكنت القوات الخاصة وأذرعها من مصادرة أسلحة متنوعة وهي في طريقها إلى الدعم السريع، كما تم ضبط أجهزة اتصالات ونشطاء ومتعاونين في مدينتي أم درمان والخرطوم بحري، الأمر الذي أضعفهم وجعلهم تحت الحصار.

كما وسّع الجيش السوداني من عملياته العسكرية، ليس فقط على مستوى الخرطوم، بل امتدت لتشمل ولاية الجزيرة بمدنها المختلفة، خاصة بعد هروب أرتال من الدعم السريع في محاولة للخروج من الخرطوم صوب مدنية “ود مدني” التي تبعد قرابة 200 كم شرق الخرطوم. كما شملت العمليات العسكرية مناطق أخرى مثل المنطقة الصناعية لشركة جياد للسيارات في مناطق النوبة والباقير والمسعودية، وألحقت قوات الجيش خسائر كبيرة في صفوف المليشيا.

وفي إطار حملته لتمشيط الأحياء السكنية تمكن الجيش السوداني وأجهزته من القبض على عدد من القناصة التابعين للدعم السريع، وبحوزتهم العديد من الأسلحة التي تستخدم في الاستهداف من مسافات بعيدة. بالإضافة إلى أسلحة بلغ عددها (69) بندقية قنص وثلاث سيارات تحمل وقودًا وأسلحة. كما عملت القوات الخاصة والقوة المشتركة معها في تمشيط منطقة أم درمان وبحري والخرطوم من بقايا مليشيا الدعم السريع.

نتيجة لتقدم الجيش انشقت مجموعة كبيرة من الدعم السريع يقودها النقيب آدم دواد حماد مع ضباط وجنود صف وأعلنوا انضمامهم للجيش السوداني، وهو ما جاء موازيًا لتنامي حالة الاستياء الشعبي من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين، سواء في الحرب الحالية أو عبر الممارسات السابقة إبان الحرب في دارفور عام 2003، والتي دفعت المنظمات الدولية لإظهار صوتها بالإدانات لاستخدام القوة المفرطة في التعامل مع المدنيين العزل.

وبجانب الانتهاكات الواسعة في الأحياء السكنية بالعاصمة السودانية الخرطوم، تفاقمت الأوضاع السلبية في إقليم دارفور، خاصة بعد أن اكتسبت المواجهات بُعدًا إثنيًا، في ظل انقسام التركيبة السكانية للإقليم بين قبائل عربية وأخرى أفريقية. وقد ظهر هذا البعد الخطير للصراع في السودان مؤخرًا في مدينة (سربا) شمال مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، حيث شهدت عمليات نهب وسرقة وعنف ذي طابع إثني، استخدمت فيها المركبات العسكرية والدراجات النارية، ونهبت خلالها كل المرافق الخدمية، مما أسفر في النهاية عن تشريد الآلاف من السكان وتحول المدينة إلى مركز عسكري لقوات الدعم السريع، التي انتشرت بأكثر من 127 سيارة رباعية الدفع، مزودة بكافة أنواع الأسلحة والذخيرة، وذلك بعد أن تأكدت من إخلاء المنطقة من السكان الأصليين.

كما اعتقلت قوات الدعم السريع رجال الإدارة الأهلية من إثنية (الإرنقا)، بالإضافة إلى تدمير متعمد للبنية التحتية خاصة لأبراج شركات المحمول في خطوة تهدف لعزل المنطقة عن العالم الخارجي، الأمر الذي يعني عزل هذه المدينة عن العالم، وهي خطوة تحمل أبعادًا مستقبلية شديدة الخطورة.

يأتي استمرار المواجهات العسكرية في السودان ليُعقد كثيرًا من فرص نجاح مبادرات السلام، والتي شهدت انفراجة كبيرة بعد عقد قمة دول جوار السودان في القاهرة والتي أعقبها عقد اللقاء التشاوري لوزراء خارجية دول جوار السودان في العاصمة التشادية نجامينا. ومع ذلك، تظل الأبعاد العسكرية للأزمة السودانية المصدر الرئيسي لإعاقة إحراز تقدم ملموس في مسارات السلام.

فعلى سبيل المثال، عاد الجيش إلى طاولة المفاوضات في مدينة جدة والتي تجري بتنسيق مشترك بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية كآلية لتأسيس تفاهمات مباشرة بين القوات المسلحة السودانية من جانب وقوات الدعم السريع جانب آخر. هذا، وتحاط عملية التفاوض في جدة بسرية تامة دون الإفصاح عن أي معلومات سواء كانت متعلقة بسير المفاوضات أو بمجريات العمليات العسكرية بين طرفي الصراع. لكن تعثر عملية التفاوض بشأن القضايا العسكرية دفعت وفد القوات المسلحة السودانية للعودة للخرطوم للتشاور بسبب تعنت وفد قوات الدعم السريع، وعدم انصياعها لتنفيذ التزاماتها الموقعة مع الجيش السوداني في وقت سابق، وفي مقدمتها إخلاؤها المستشفيات والمنازل والمرافق الخدمية، فضلًا عن عدم احترام الدعم السريع للقواعد المتبعة في الحروب لحماية المدنيين العزل، حيث تستخدم المدنيين دروعًا بشرية في حربها مع الجيش.

ومن الواضح أن عودة وفد الجيش السوداني لمفاوضات جدة في ظل تطورات الصراع الحالي كانت مرهونة بقدرة الوساطة على تذليل العقبات التي حالت دون مواصلة المفاوضات. وما يزال الجيش يؤكد في المفاوضات على النقطة الفارقة التي اندلع بسببها الصراع، وهي أنه مستعد لتجهيز معسكرات للدعم السريع تمهيدًا لدمجهم في الجيش السوداني أو التسريح لمن لا تنطبق عليه الشروط التي تم إعلانها من قبل والضامنة لاحترافية ونزاهة وحياد كافة أعضاء القوات المسلحة السودانية في المستقبل.

هذا الوضع المعقد لمفاوضات جدة يفرض انخفاض سقف التوقعات من عمليات السلام الجاري دفعها للأمام بجهود إقليمية ودولية، حيث يسود في الوقت الراهن قلق كبير من إطالة أمد الحرب وتمددها جغرافيًا لتشمل العديد من الدول الأفريقية التي تعاني في الأصل من أزمة عميقة للاندماج الوطني.

صلاح خليل – المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی بعد أن

إقرأ أيضاً:

أعلن انتهاء المعركة ضد الجيش.. هل يتجه الدعم السريع لتأسيس دولة جديدة؟

الخرطوم- فاجأ رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، حذيفة أبو نوبة، الأوساط السودانية، بإعلانه انتهاء المعركة العسكرية بشكلها التقليدي ضد الجيش السوداني والانتقال إلى مرحلة جديدة تهدف إلى تأسيس "الدولة السودانية الجديدة".

وأكد قادة عسكريون تحدثوا للجزيرة نت، أن إعلان أبو نوبة نهاية الحرب في يوم اكتمال سيطرة الجيش السوداني على كامل ولاية الخرطوم، أمس الأربعاء، يهدف لتشتيت الانتباه وصرف النظر عن هزائم "المليشيا" المتلاحقة.

لكن عمران عبد الله، مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" قال للجزيرة نت، إن القصد من حديث أبو نوبة هو أن الحرب انتهت بانتصار قوات الدعم السريع وتقدمها بكل الميادين.

لا تراجع

وقال عمران إن "مضمون حديث أبو نوبة يظهر أن معركتنا الآن هي معركة وعي وبناء دولة حديثة على غرار الدول المتقدمة، مبنية على المساواة ويكون التفاضل فيها للوظائف بناء على الكفاءة وليس بالجنس أو اللون كما كان يحدث في السابق".

وأشار إلى ما وصفه بالتفاف عدد كبير من الشعب السوداني حول قوات الدعم السريع، وقال إن تحالف قوى سياسية وعسكرية على رأسها الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو وكل الحركات النضالية الأخرى معهم، يُعد انتصارا لإرادة الشعب، وتحقق حلمه في بناء دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع.

إعلان

وأكد عمران أن إعلان أبو نوبة انتهاء المعركة العسكرية بشكلها التقليدي ضد الجيش والانتقال إلى مرحلة جديدة لا يعني -مطلقا- أن هناك تقهقرا لقوات الدعم السريع.

وأثار إعلان أبو نوبة ردود فعل وقراءات متباينة لدلالتها في هذا التوقيت، حيث اعتبرها البعض مؤشرا على أبعاد سياسية وعسكرية خطيرة.

إعلان الدعم السريع انتهاء المعركة يأتي لتشتيت الانتباه عن انتصارات الجيش السوداني وفق مسؤولين (الصحافة السودانية) مخاطر الإعلان

وقال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد جمال الشهيد للجزيرة نت، إن الحديث عن انتهاء المعركة التقليدية يوحي ضمنيا بأن قوات الدعم السريع وصلت إلى قناعة بأنها لم تعد تراهن على الحسم العسكري المباشر.

ولم يستبعد أن يكون هذا مؤشرا على تغيير في الإستراتيجية نحو حرب استنزاف طويلة الأمد، تعتمد على السيطرة الإدارية، والتشبيك السياسي، وزعزعة استقرار العمق العسكري للجيش عبر ضربات غير تقليدية، مثلما حدث في بورتسودان ومروي وعطبرة وكوستي.

وأفاد أن هذا التحوّل يأتي في ظل ضغط عسكري متزايد يتعرض له الدعم السريع بمناطق متعددة، منها دارفور وشمال كردفان، مع تنامي قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة في بعض المحاور الحيوية.

وأوضح العميد الشهيد أن الأخطر في تصريح أبو نوبة، أنه يُمثِّل تحولا من خطاب "المظلومية وإعادة الديمقراطية" إلى إعلان مشروع سياسي بديل، يتجاوز فكرة الشراكة في الحكم إلى تصور أحادي للدولة الجديدة المزعومة، مما يعني فعليا محاولة إحداث سلطة موازية خارج إطار الدولة السودانية الموحدة.

وأضاف أن هذا يحمل في طياته مخاطر انزلاق البلاد إلى سيناريوهات شبيهة بما جرى في ليبيا أو اليمن، حيث استبدلت المليشيات أدوات القتال بخطابات الشرعية الموازية، وسعت إلى فرض أمر واقع إداري وسياسي على الأرض.

الصادق آدم القيادي بالمقاومة الشعبية قلل من أي تأثيرات سياسية للدعم السريع (الجزيرة) نتاج الهزيمة

ومن جهته، قال الصادق آدم عمر، رئيس لجنة إعلام المقاومة الشعبية بالإنابة في ولاية الجزيرة وسط السودان، إن تصريح أبو نوبة يسعى إلى "تغيير الانتباه وصرف النظر عن الهزائم المتلاحقة للمليشيا المتمردة".

إعلان

وأضاف للجزيرة نت أن الھزائم باتت في أرض حواضنهم وأھليھم، الذين كانوا يكذبون عليھم بإعلان خادع يصورون أنھم يمسكون بزمام الأمور، ولكن تكشَّف الأمر لداعميهم بعد أن انتقلت المعارك إلى داخل أحيائهم وقراھم، فعملوا على تضليل أبنائهم الذين غدروا بالوطن.

وقلل آدم عمر، من أي تأثيرات سياسية للدعم السريع، وقال إنه لا وجود لھم في الساحة، ولا يمكن أن يعيشوا بين المواطنين بمجرد السكن، فكيف بمشاركتھم في حكم البلاد في أي مستوى من المستويات.

وأوضح أن القرار في هذا الشأن للشعب وليس القيادة، لأن الحرب هي بين "المليشيا" والمواطن، وأضاف "لذلك فالمواطن ھو صاحب القرار في دخول المليشيا في العمل السياسي".

فرض واقع جديد

وجاء حديث المسؤول في الدعم السريع أبو نوبة، في وقت تشهد فيه الحرب تحولات ميدانية غير معلنة، وتصاعدا في المبادرات الدولية والإقليمية لإعادة إحياء مسار التسوية، مع تغيير ملحوظ في موازين القوى التي يرى مراقبون أنها أصبحت تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني.

وقال العميد جمال الشهيد إن حديث أبو نوبة عن انتهاء المعركة العسكرية جاء كمحاولة استباقية لفرض واقع تفاوضي جديد، أو كإعلان نوايا انفصالية مقنَّعة تهدف إلى جرِّ الأطراف إلى التعاطي مع الدعم السريع كسلطة قائمة، لا كمليشيا متمردة.

ورأى أن تصريح أبو نوبة يمثل تطورا لافتا في الخطاب السياسي لهذه القوة، ويفتح الباب أمام احتمالات مقلقة تتعلق بوحدة الدولة السودانية واستقرارها الإقليمي، وهو بمثابة إعلان انتقال المعركة من ميادين القتال إلى ميدان الصراع على الشرعية.

وأوضح أن هذا التطوَّر يتطلب يقظة وطنية شاملة، وتوافقا واضحا بين المؤسسة العسكرية والقوى المدنية على مشروع وطني جامع يقطع الطريق أمام المغامرات الانفصالية والتدخلات الأجنبية.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يستولي على منظومة تشويش وأجهزة تقنية في رئاسة الدعم السريع بمنطقة صالحة – فيديو
  • الجيش السوداني يتوعد بـطرد الدعم السريع من كردفان ودارفور
  • اسلحة كيميائية ضد الدعم السريع
  • الجيش السوداني يستعيد السيطرة على مدينة الدبيبات الاستراتيجية بعد معارك مع قوات الدعم السريع بولاية جنوب كردفان جنوبي البلاد
  • الجيش السوداني يسيطر على الدبيبات ومهلة لخروج الدعم السريع من الفاشر
  • الجيش السوداني في قفص الاتهام.. واشنطن تعاقب الخرطوم بعد تقارير عن استخدام أسلحة كيميائية
  • هل تُمهّد استعادة الخرطوم الطريق لنهاية الحرب في السودان؟
  • أعلن انتهاء المعركة ضد الجيش.. هل يتجه الدعم السريع لتأسيس دولة جديدة؟
  • الجيش السوداني يعلن العثور على مقابر جماعية في معتقل للدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن العثور على 465 جثة بمقابر جماعية في أم درمان (شاهد)