لماذا جاءت دارفور متأخرة للسودان: من سلطنة خاضعة (vassalage) دافعة جزية للإنجليز إلى مستعمرة
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
لماذا جاءت دارفور متأخرة للسودان: من سلطنة خاضعة (vassalage) دافعة جزية للإنجليز إلى مستعمرة
عبد الله علي إبراهيم
كثر الحديث الجزافي عن أن دارفور كانت سلطنة مستقلة عن السودان الإنجليزي المصري حتى غزوها في 1916. وبنت جماعات مختلفة خططاً سياسية من فوق هذه الجزئية. فكان بعض مسلحي دارفور يعرضون المسألة سقماً من دولة الإنقاذ في حربهم الطويلة المضرجة ضدها.
وكل هذا لغو. وسنرى من تعريبي الحر أدناه لنص عن مسألة تأخر دارفور في الالتحاق بالسودان من كتاب “أحزان دارفور” للمؤرخ للسودان المصقع أم دبليو مارتن (ما في زول اطلع على الأرشيف البريطاني زيو) أن دارفور لم تكن مستقلة قبل احتلالها في 1916. وكل ما في الأمر أن بريطانيا توقفت عن استعمارها مع بقية السودان لاعتبارات سياسية ومالية. ثم عدتها أمارة خاضعة وفرضت عليها الجزية.
والله ما تقرو تجيبو ضقلها يكركب
إلى نص دالي:
بعد معركة كرري تسابق إلى عرش سلطنة دارفور، إلى جانب علي دينار، جماعة من الأسرة الحاكمة منهم إبراهيم علي حفيد السلطان إبراهيم قرض. ولكن كان علي دينار الأسرع في بلوغ الفاشر. فطلب إبراهيم عون كتشنر، الحاكم العام، على دينار. فقال له كتشنر الجائزة لمن سبق. وانتصر دينار على إبراهيم في معركة أم شانقه. وبذل دينار قصاراه ليطمئن كتشنر على ولائه للنظام الجديد. ومع علم الإنجليز بأنه، بمعرفتهم بعلاقته المتوترة مع المهدية، أنه صعب الاطمئنان إليه قبلوا منه الموالاة.
ما أخر غزو الاستعمار إلى دارفور إلى 1916 هو ضعف الحكومة الجديدة وتنائي دارفور نفسها. كان للورد كرومر، القنصل البريطاني العام في القاهرة، القول الفصل في سياسة حكومة السودان. وكان من وقف في وجه ونجت، مدير مخابرات الجيش المصري، في طريقه لتمديد الغزو إلى دارفور. فبينما كان ونجت يرى في احتلال السودان اقتصاصاً بريطانياً لمقتل غردون كان كرومر لا يرى منه سوى تأمين لظهر مصر. وكان كرومر لا يرى سبباً للصرف على حملة على دارفور تستنزف خزينة مصر بعد أن أطمأن إلى سلامتها. ولم يكن يعرف شيئاً عن دارفور ولم يكن يكترث لجهله بها. وإذا كان بوسع دينار، في تقديره، أن يحسن إداراتها لا يكلف مصر ولا بريطانياً مالاً فلا غضاضة. فستكون دارفور تابعة أفريقية مما اتفق له.
كان العسكريون في الحكومة الجديدة يريدون غزو دارفور، ولكنهم جنحوا لموقف كرومر لعلمهم أن موارد دولتهم كفاف. ولما أراد ونجت رفع العلمين المصري والإنجليزي في دارفور منعه كرومر. وزادت يقظة كرومر يقظة في ترك دارفور وجه العساكر “الجوعى للأرض الشرهين للصيت”. ووجه بدلاً عن ذلك بحفظ شعرة معاوية مع دينار. وأمطروا دينار بالألقاب في رسائلهم معه مما عكس عجز ونجت عن بلوغ غرضه بأكثر من معزتهم لدينار. فصار من “وكيل ونجت” إلى “حاكم” إلى “الأمير على دينار القائم بحكومة دارفور” إلى “الأمير علي دينار” وأخيراً “السلطان علي دينار”.
وحملت خطابات ونجت له صفة دارفور كسلطنة “خاضعة” (vassalage) لحكومة السودان علاوة على جزية رمزية مقدارها 500 جنيه سنوياً. وأطلقوا يده بعد ذلك في السلطنة.
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: علی دینار
إقرأ أيضاً:
WP: الفاشر تعيش كارثة إنسانية وصمت العالم يفتح الباب لأسوأ مأساة في السودان
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً قالت فيه إن العالم يتعرّف على أهوال مدينة الفاشر من خلال الصمت والغياب، لا من خلال أدلة ملموسة، إذ لم تتمكن أي وسيلة إعلامية مستقلة من الوصول إلى المدينة السودانية الواقعة في ولاية شمال دارفور، والتي سقطت في أواخر تشرين الأول/أكتوبر بعد أكثر من 500 يوم من الحصار.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أحياء مدمرة، وأراضي ملطخة بالدماء، وآثار مقابر جماعية.
واختفى المرضى الذين كانوا يعالجون في المستشفيات والعيادات التي استهدفها المقاتلون، فيما وصل الأطفال الفارون من الفاشر إلى مخيمات النازحين من دون آبائهم أو ذويهم.
وروى عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة شهادات عن مجازر وعمليات اغتصاب واسعة النطاق ارتكبتها ميليشيات قوات الدعم السريع، إحدى الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية المدمرة في السودان.
ومنذ اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023، عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على إقليم دارفور الشاسع غرب البلاد، وجسد استيلاؤها على الفاشر عملية تقسيم فعلي بين الشرق والغرب، في حين استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم في وسط البلاد.
وأدت الحرب الأهلية إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بعدما نزح نحو 14 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، وتفشت المجاعة والأمراض، ومنها الكوليرا، في مناطق واسعة، خصوصا الفاشر ومحيطها، حيث وصف شهود عيان كيف عاش السكان المحاصرون على علف الحيوانات والأعشاب الضارة.
كما ترافقت الأزمة مع العنف الممنهج الذي تمارسه قوات الدعم السريع ضد جماعات عرقية وقبلية غير عربية في دارفور، ويقدر عدد المفقودين من الفاشر بنحو 150,000 شخص، فيما يشير باحثون إلى أنّ نحو 60,000 منهم قتلوا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الشهر الماضي فقط.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، قال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر ييل للأبحاث الإنسانية، لشبكة "سي إن إن" الشهر الماضي: "نشهد وتيرة قتل لا يضاهيها إلا الإبادة الجماعية في رواندا".
ويتابع المختبر تداعيات ما يجري، مضيفا: "نحن بصدد كارثة بشرية قد تتجاوز في غضون أسبوع عدد ضحايا غزة خلال عامين. هذه هي سرعة القتل التي نشهدها بناء على ما نراه من أكوام الجثث على الأرض".
وقالت الصحيفة إن المنطقة لا تزال تعاني أيضا من صدمات سابقة، ففي لاهاي، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية الثلاثاء حكماً بالسجن 20 عاما على علي محمد علي عبد الرحمن، قائد ميليشيا الجنجويد السودانية سيئة السمعة، بعد إدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت تحت إشرافه قبل أكثر من عقدين خلال حملة مكافحة التمرد في دارفور.
وتعد الجنجويد النواة الأولى لقوات الدعم السريع، لكنها كانت آنذاك تنفذ أوامر الحكومة المركزية في الخرطوم بقيادة الرئيس عمر البشير.
وذكر الكاتب إشارات متكررة إلى العنف الإبادي الحالي، قائلاً إن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع مصورة لمقاتلين وقادة في قوات الدعم السريع وهم يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بقتل واغتصاب المدنيين من مختلف القبائل.
وسابقةً لسقوط الفاشر، شهدت مدينة الجنينة في غرب دارفور أيضا مجزرة واسعة، حيث قتلت قوات الدعم السريع وحلفاؤها نحو 15,000 شخص، وارتكبت عملية تطهير عرقي بحق شعب المساليت من أصول أفريقية سوداء.
وأشار المقال إلى أنّ الفاشر تحتل مكانة محورية في سجل الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين، إذ سبق أن شنّت قوات المتمردين في نيسان/أبريل 2003 غارة على منشأة عسكرية رئيسية في المدينة، ما مهّد لحملة القمع الوحشية التي دعمتها الحكومة وما تلاها من فظائع.
وأكد الكاتب أن أوجه التشابه واضحة، فنقل عن توم فليتشر، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، قوله في إحاطة لسفراء الأمم المتحدة نهاية تشرين الأول/أكتوبر: "إن ما يحدث في الفاشر يُذكّرنا بالأهوال التي عانت منها دارفور قبل عشرين عاماً. لكننا نشهد اليوم رد فعل عالمي مختلفا تماما، رد فعل استسلام. إنها أيضاً أزمة لامبالاة".
وأضاف أن محللين شددوا مراراً على أنّ المأساة الحالية كانت متوقعة، ففي بيان صدر عام 2023 عند اندلاع الحرب الأهلية، قال تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لشرق وجنوب أفريقيا: "لا يزال المدنيون في دارفور اليوم تحت رحمة قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور ومناطق أخرى من السودان، من المخزي أن يعيش الناس في السودان في خوف كل يوم".
ولفت إلى أن الجيش السوداني أيضاً متهم بارتكاب فظائع، لا سيما بالقصف العشوائي للمناطق المدنية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كما يُزعم أنّ قوات الدعم السريع قتلت عشرات المدنيين بطائرات مسيرة في منطقة كردفان جنوب وسط البلاد، التي أصبحت أحدث بؤرة توتر في حرب فشلت القوى الخارجية في كبحها.
وأضافت مجموعة الأزمات الدولية في موجزها السياسي أن السودان يقف اليوم أمام مأزق سياسي لا يستطيع أي من الطرفين كسره عسكريا، في ظل تزايد جرأة قوات الدعم السريع وترسخ وجود الجيش، وبعد أن اشترط الجيش وحلفاؤه انسحاب قوات الدعم السريع من الفاشر كشرط مسبق للمفاوضات، بات أقل استعداداً للدخول في محادثات بعد الهزيمة.
وشددت المجموعة على أنّ تجنب تقسيم دائم بين الشرق والغرب يتطلب دبلوماسية عاجلة ومبتكرة من جانب "الرباعية" بقيادة الولايات المتحدة، والتي تضم مصر والسعودية والإمارات.
وختم المقال بالإشارة إلى أن المسار الدبلوماسي لا يزال ضعيفاً رغم تدخل الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، في ظل اعتقاد العديد من الدول بأن لها نفوذا ومصالح مهمة في الصراع، وأشار إلى أنّ الإمارات، على سبيل المثال، يُعتقد أنها دعمت ومكّنت قوات الدعم السريع عبر قنوات مختلفة، رغم نفي المسؤولين الإماراتيين بشدة.
واختتم بما كتبه جاويد عبد المنعم، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: "يتم تمكين الموت والدمار بسبب امتناع العديد من الحكومات عن استخدام نفوذها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف قتل الناس أو منع وصول المساعدات الإنسانية، إذ تكتفي بإصدار بيانات قلق سلبية، بينما تقدم هي وحلفاؤها الدعم المالي والسياسي، والأسلحة التي تدمر وتشوه وتقتل".