سواليف:
2025-07-05@13:12:42 GMT

نحو النهضة -1

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

#نحو_النهضة -1

د. #هاشم_غرايبه

لا شك أن الحالة الراهنة لأمتنا هي حالة مرضية طال أمدها، فبعد توقف تقدم مجتمعاتنا العربية طوال فترة الدولة العثمانية، تعطل مجدداً على يد ما دعيت حركة التحرر القومي العربي، ورغم انتظار قرن من الوعود المعسولة تبين لنا أننا بتنا أكثر بعدا عن أمانينا في التقدم اعتمادا على الذات وعلى العزيمة المكنونة وعلى إغراء تجارب الأمم الأخرى.


لذلك شهدت مرحلة الألفية الثالثة مراجعة للمسار السابق وتحولا فكريا هاما، سماه البعض صحوة إسلامية.
في حقيقتها كانت ردة فعل طبيعية للفشل السياسي والإنهزام العسكري، لكن حتى لا نصاب مرة أخرى بخيبة الأمل من فشل المشروع الإسلامي مثلما فشلت قبله المشاريع القومية الليبرالية، يجب علينا عدم الإنقياد وراء الحماسة العاطفية اعتمادا على أن الله سينصرنا بناء على عودتنا الى منهجه، لأن ذلك هو وصفة الفشل المحقق من جديد، مثلما اعتقدنا أن العاطفة القومية الجامعة هي الكفيلة بتوحيدنا، فجاءت صدمة الإنفصال في الجمهورية العربية المتحدة وفي اليمن والسودان عقوبة قاسية على تهاوننا في تأسيس الوحدة على أسس العدالة المجتمعية والتوازن والتكامل الإقتصادي، والتي كان من المفترض تأسيسها وترسيخها بموازاة الإجراءات السياسية.
إذاً التأسيس والتمكين لهذا المشروع يجب أن يسبقه نهضة فكرية اجتماعية ثم اقتصادية سياسية، وأعتقد جازما أن التسلسل هذا من الضرورات المنطقية مثلما البناء: فالقواعد المتينة على أرضية صلبة لا تميد هي القاعدة الفكرية، والأعمدة السوية الحاملة للبناء هي الإجتماعية، أما الإقتصادية فهي الجدران المحددة للبنيان، ويأتي السقف آخرا والذي يمثله البعد السياسي للمشروع ليصبح البناء صالحا للسكن.
لعله من أهم أسباب تعثر أي مشروع نهضوي قائم على المنهج الإسلامي هو عدم اهتمام القائمين عليه بتفسير كثير من العلاقات المجتمعية وعدم الإجابة على بعض المفاهيم التي فهمت خطأ أو بتشويه متعمد أو تركت غائمة بسبب التهرب من التفسير، لذا يجب أن نبدأ بتوضيح أهمها.
لا يجوز لمن يتبنى المنهج الإسلامي سياسيا أن يكتفي بالقول بأن الإسلام هو الحل، وأن القرآن دستورنا، العنوان جميل لكن الشياطين تختبيء في التفاصيل، فلطالما كانت القوانين التي يقال أنها من روح الدستور لا تأتي كذلك بل لتمكين السلطة من التسلط، يجب أن يكون هنالك برنامج تفصيلي للحل الذي يبتغي التغير المنشود، وأن يشتمل على الإجابة على كثير من الإسئلة المقلقة لفئات متعددة من المجتمع.
سأتناول تاليا أولى القضايا المجتمعية المغيب بحثها، وهي دور المرأة، وسبب التغييب هو سيطرة المتشددين الذين يرون أن المرأة عورة كلها، لذا يرون وجوب طمسها كليا.
استعادة المرأة لدورها كشريك كامل للرجل في تحمل المسؤولية للتقدم وتحقيق الآمال، مرتكزة على المبدأ الإسلامي في أن المساواة هي في النظرة الإعتبارية، وليس في التماثل التام كما هي في الثقافة العلمانية، فالفوارق الفيزيولوجية والأدوار الوظيفية للرجل والمرأة تتكامل ولا تتطابق.
التقليعة السائدة الآن في منطقتنا العربية، هي اللهاث وراء الدعوات المشبوهة الدوافع تحت مسمى “الجندرية”، والتي يفسرها المبشرون بها على أنها تعني المساواة التامة بين الجنسين، بالطبع ذلك مختلف عن المساواة في الحقوق والواجبات والتي هي حق مشروع، لكن عبارة “التامة” هي أبعد من ذلك، إذ تعني إزالة الفوارق الفطرية بين الجنسين التي تميز الذكر عن الأنثى، سواء في المظاهر الجسدية أو الفيزيولوجية أو النفسية.
لا يخفى على العقلاء ما وراء هذه الدعوات من استغلال تجاري بحت لحاجات الإنسان وغرائزه، وما تنطوي عليه من مخاطر تدميرية للجنس البشري بإزالة الخاصية الزوجية (مؤسسة الأسرة)، التي تعتبر أساس البنية الإجتماعية، وتحويل العلاقات الحميمية المنتجة للتواد والتراحم العائلي، الى مجرد علاقات نفعية تحقق المتعة والمصلحة.
المجتمع الغربي يسعى حثيثا نحو الهاوية، فبعد إفراغه من قيم الإيمان التي هي ضمانة الفضيلة والحياة الرضية، جرى إلهاؤه بفقاعة زاهية الألوان (الديمقراطية)، والآن بالجندرية والمثلية لتفكيك المجتمعات الى أفراد، مما يسهل استفراد القوى الاحتكارية بهم، وبعد أن أفقدوا الإنسان إنسانيته، أصبح كل شيء سلعة لها سعر، وبات الانسان مربوطا الى عجلة الاستهلاك العملاقة التي تمضي به الى الضياع.
نحن بمخالفتهم في ذلك سننجو وننهض، فلدينا العقيدة، التمسك بها نجاة، وهي بيت الحكمة الذي تستخرج منه الوصفات الناجحة للحياة الفضلى.

مقالات ذات صلة الآن حصحص الحق 2024/08/24

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: نحو النهضة

إقرأ أيضاً:

تأملات من وراء القضبان.. نظرة إلى أعماق النفس البشرية

منذ أن وطأت قدماي عتبات قاعات المحاكم، لم تعد الحياة كما عرفتها من قبل. لم أعد أرى العالم بعين السذاجة، بل بعين المحاماة الثاقبة التي تخترق الحجب وتكشف الخفايا. كانت كل قضية، وكل موكل، وكل شهادة، بمثابة درس قاسٍ ومؤلم في طبيعة البشر، درس كُتب بمرارة التجربة وعمق الجراح، تاركًا شروخًا تضرب روحي، وثقلاً يربض على قلبي.

لقد علمتني المحاماة أن الذئاب قد ترتدي ثياب الحملان، وأن المظاهر غالبًا ما تكون خادعة بشكل يدمي القلب. رأيت لحىً تبدو وقورة تخفي وراءها أكاذيب مدوية تئن لها الضمائر، وثراءً بُني على غش محكم ينهش أرواح الأبرياء، وفقرًا كان الثقة المفرطة في غير محلها هي السبب فيه، فتدفع ثمنها أرواحٌ بريئة. أيقنت أن الصديق قد يخدع، والشريك قد يخون، وأن الذمم يمكن شراؤها وبيعها في سوق النخاسة البشرية، وأن المواقف النبيلة تتحول إلى سلعة تُباع بأبخس الأثمان. وحتى الشخص الحذر يُؤتى من مأمنه، ووعود الكثيرين ما هي إلا سراب يتبدد عند أول اختبار، ويبقى الضعيف دومًا مُستغلًا. لا أحد بمأمن من الخديعة، حتى أشد الناس فطنة وحرصًا. حقًا، إنها مهنة الحكماء الجبابرة.

مشاهد لا تُمحى: ظُلمات النفس البشرية

لكن هذه الدروس القاسية لم تكن مجرد ملاحظات عامة، بل كانت تتجسد في أبشع صورها في القضايا التي تعاملت معها، مشاهد لا يمكن أن تمحوها الذاكرة، فقد رأيتُ الكثير جدًا:

شاهدت أبًا يغتال فلذات كبده، ويغتصب بناته، ممزقًا بذلك أقدس الروابط الإنسانية، ومخلّفًا وراءه دمارًا نفسيًا لا يلتئم. ورأيت على النقيض أمهات يضحين بكل غالٍ ونفيس، بل وقد يصل الأمر إلى القتل، دفاعًا عن أبنائهن، في مفارقة مؤلمة تظهر مدى التناقض البشري ومرارة الخيارات.

تصدمني ذاكرتي بصور ابن يضاجع أمه أو أخته، يمارس عليها أبشع أنواع الإكراه، أو في حالات أكثر غرابة ومأساوية، برغبتها المريضة، محطمًا بذلك كل تابو اجتماعي وديني، ومخلفًا عارًا يلطخ الأجيال. ولم تكن صدمتي أقل عندما رأيت العم والخال يفترسون شرف عوائلهم، أو يرتكبون جرائم قتل بشعة من أجل الميراث، الذي يصبح لعنة تدمر أواصر الدم وتُعمي البصائر.

لقد رأيت أثرياء يقتلون فقراء من أجل جفنة بسيطة من الجنيهات، وكأن حياة الإنسان لا تساوي شيئًا أمام حفنة من المال. رأيت قاتلاً يزهق روحًا بريئة لا تُفهم الأسباب، وكأن الأرواح أصبحت بلا قيمة أو حرمة. بل ورأيت مغتصبًا زوجته ملكة جمال ويسعى لقضاء حاجته بمعاشرة الحيوانات، في انحراف مريع للغريزة البشرية، يعكس فراغًا روحيًا وتشوهًا نفسيًا لا يصدق.

ما ينقص العقول الإجرامية: ظُلمات لا تضيئها شمس

كل هذه الأمور الغريبة والمؤلمة أصبحت بالفعل ثقلاً يريق نفسي، وحجرًا على قلبي، وشروخًا تضرب روحي. إني أتألم.. أتألم.. وأغرق في وحل الأرواح الثائرة التي تطلب القصاص. هذه المشاهد تجعلني أتساءل دومًا: ماذا ينقص هذه العقول الإجرامية قبل ارتكاب الجريمة، أو أثنائها، أو بعدها؟

إن ما ينقصها هو في جوهره: الوازع الأخلاقي والإنساني. هم يفتقرون إلى البوصلة الداخلية التي تميز بين الصواب والخطأ. ينقصهم التعاطف، فهم لا يرون الضحية كإنسان له كرامة وحياة، بل مجرد أداة لتحقيق رغبة مريضة أو منفعة دنيئة.

ينقصهم الرادع الداخلي، فالضمائر ميتة أو خافتة إلى حد الصفر. وينقصهم الرادع الخارجي، معتقدين أنهم سيفلتون بفعلتهم. غالبًا ما يكون خلف هذه الجرائم اضطرابات نفسية وسلوكية عميقة، تجعلهم غير قادرين على التفكير المنطقي أو التحكم في دوافعهم الشاذة. لديهم تشوه هائل في سلم القيم والأولويات، حيث تصبح حياة الإنسان بلا قيمة تُذكر. إنهم يعيشون في انفصال عن الواقع، يبررون لأنفسهم أبشع الأفعال، ويرون العالم من منظورهم المريض.

شركاء في المواجهة: لمة الحكماء

كل هذه المشاهد، وكل هذه القصص، رسمت في ذهني صورة معقدة ومؤلمة للنفس البشرية. صورة تظهر كيف يمكن للشر أن يتسلل إلى أقدس الأماكن، وكيف أن الظلم قد يأتي من أقرب الناس. هذه الحقائق المرة لا نراها وحدنا نحن المحامين، بل يشاركنا في مشاهدتها وكشفها رجال البحث الجنائي الأكفاء الذين يسهرون على كشف الحقائق، وأعضاء النيابة العامة الأجلاء الذين يحققون العدالة، و القضاة الذين يُصدرون الأحكام باسم القانون والضمير.

إنها تذكرنا دائمًا بأن الحقيقة غالبًا ما تكون أغرب وأقسى من الخيال، وأن دورنا جميعًا يتجاوز مجرد تطبيق القانون، ليشمل فهم هذه التعقيدات ومحاولة تحقيق العدالة في عالم قد يبدو في كثير من الأحيان غير عادل وقاسٍ إلى حد لا يطاق. هذا هو حملنا، وهذا هو ألمنا، وهذا هو دورنا في مهنة الحكماء الجبابرة.

اقرأ أيضاًفي غياب الرقابة.. خريجة حقوق تترك المحاماة وتمارس مهنة «طبيب أمراض جلدية» بدمنهور

نقيب المحامين: تعديلات قانون المحاماة السابقة تغلبت فيها المصلحة الشخصية

عاجل.. عدم دستورية المادتين 107 و 116 من قانون المحاماة

مقالات مشابهة

  • أردوغان: نسعى لوقف إطلاق النار في غزة مثلما حصل بين إسرائيل وإيران
  • برج الأسد حظك اليوم السبت 5 يوليو 2025.. لا تنجرف وراء الغرور
  • ما وراء الخبر ـ ما خطة واشنطن للتعامل مع طهران؟
  • شاب يعتدي على فتاة في شوارع الإسكندرية سعيًا وراء الترند .. فيديو
  • تأملات من وراء القضبان.. نظرة إلى أعماق النفس البشرية
  • مناقشة تعزيز دور المجتمع في تنفيذ المبادرات المجتمعية في ريمة
  • حضرموت.. بين المعاناة والصمود: ما الحل؟
  • مدير الرياضة بالقليوبية يشارك في أنشطة دعم الجوالة والجوالات للمبادرات المجتمعية
  • ما وراء حل المجلس الإسلامي السوري؟
  • ندوة العلمية بعدن : تناقش دور الصكوك الإسلامية في تعزيز السياسات المالية والنقدية وتحقيق التنمية المجتمعية” باليمن