الضفة الغربية - صفا

جبريل جبريل وطارق داوود ووائل مشّة؛ ثلاثة مقاومين من الضفة الغربية المحتلة، عاشوا حياة الأسر في سن الفتوة، وحررتهم المقاومة من سجون الاحتلال، فخرجوا أصلب عودا وأشد عزيمة، وردّوا الجميل لأهل غزة الذين دفعوا من دمهم وأرواحهم ثمنا لحريتهم.

في نوفمبر/ تشرين الثاني، كان جبريل وداوود ومشّة على موعد مع الحرية بعد أن أدرجت أسماؤهم في قوائم الإفراجات ضمن صفقة تبادل التهدئة بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي.

ولم يشأ الفتية الثلاثة أن يلتفتوا إلى حياتهم الخاصة وتأمين مستقبلهم، فما لبثوا أن انخرطوا في المقاومة تحت لواء كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، ونفذوا عمليات مسلحة إسناداً لغزة حتى باتوا هدفا للاحتلال الذي طاردهم إلى أن اغتالهم في 3 حوادث منفصلة في أغسطس الجاري.

وما بين تحررهم بالصفقة واستشهادهم، 10 شهور من المطاردة اقتحم الاحتلال فيها منازل ذويهم، واعتقال أقاربهم مرات ومرات، بهدف الضغط عليهم لتسليم أنفسهم، لكنهم كانوا يردون بتنفيذ مزيد من عمليات إطلاق النار، رافضين التسليم أو الاستسلام.

الشهيد طارق داوود

رغم أن طارق داوود، أتم عامه الثامن عشر قبل أيام، إلا أن صغر سنه لم يمنعه من المشاركة في صفوف المقاومة قبل اغتياله، ليصبح قائدا ميدانيا بكتائب القسام ومطارداً لقوات الاحتلال الإسرائيلي وهو في سن الـ17.

ولم تكن علاقة داوود بالمقاومة وليدة الصدفة، فقد سبق له أن خاض اشتباكات ومواجهات مع قوات الاحتلال وهو في سن الـ14 عاما، حتى اعتقله الاحتلال قبل عامين، وحكم عليه بالسجن مدة 7 سنوات، ليمضي في سجون الاحتلال عامًا كاملاً قبل الافراج عنه في صفقة التهدئة.

واقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة داوود في مدينة قلقيلية عشرات المرات بعد استئناف عمله المقاوم، واعتقل والديه وأشقاءه، للضغط عليه.

وأكّدت مؤسسات الأسرى أنّ عائلة داوود تشكّل نموذجًا لمئات العائلات التي تعرضت لعمليات اعتقال كرهائن في إطار جريمة العقاب الجماعي، بهدف الضغط على أبنائهم المطاردين.

ومساء الاثنين 12 أغسطس/ اب، أعلن الاحتلال عن استشهاد المطارد داوود، بعد وقت قصير من تنفيذه عملية إطلاق نار في قلقيلية أصيب فيها مستوطن بجروح خطيرة.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن داوود اشتبك مع جنود الاحتلال قرب بلدة عزون شرق قلقيلية، واستشهد هناك.

وفي بيان لها، وصفت كتائب القسام الشهيد داوود، بـ"القائد الميداني القسامي"، مشيرة إلى أن اغتياله تم أثناء انسحابه بعد تنفيذ عملية إطلاق نار تجاه مستوطن إسرائيلي.

وفي حديث صحفي سابق، قالت والدة الشهيد داوود إنه قال لها: "في كل الأحوال أنا ميّت، أعمل شيء لربنا أحسن لي، وأنا من الآن فداء للوطن".

وأضافت والدته: "حالنا لن يكون أحسن من حال شعبنا في غزّة، ولا خيار أمامنا إلا الرضا أسوة بجميع أبناء هذا الشعب".

الشهيد وائل مشة

وعندما أفرج عن وائل مشّة مساء 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لم تردعه أهوال السجون عن تحدي الاحتلال بترديد هتافات تحيي المقاومة كتائب القسام وقائدها محمد الضيف، وكانت غزة حاضرة في ذهنه وتفكيره.

وقال "مشّة" في مقابلة صحفية: "هنالك غصة في القلب بعدما فقدنا الكثير من الشهداء في غزة وعموم فلسطين، ويجب أن نقف إلى جانبهم".

وأضاف "نطلب من المقاومة الدفاع عن الأسرى لأن معاناتهم كبيرة في سجون الاحتلال".

واستشهد مشة فجر الخامس عشر من أغسطس/ اب الجاري، خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال التي اقتحمت مدينة نابلس لتأمين الحماية للمستوطنين خلال اقتحامهم قبر يوسف، وتم استهدافه وعدد من المقاومين بقصف من طائرة مسيرة داخل مخيم بلاطة.

وتروي والدة "مشّة" تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة ابنها الذي استشهد في، وتشير إلى أن آخر ما سمعته من ابنها قبل استشهاده كان هتافه وهو مشتبك مع الاحتلال "الله مولانا ولا مولى لهم".

وتضيف أنه وائل جاء إلى المنزل قبل ليلة من استشهاده "وأخذ يحضنني وينظر للمنزل، ويحضن إخوته، وأوصاهم قائلا: "اعتنوا ببعضكم البعض، واعتنوا بأبي وأمي"، ثم تركهم وخرج.

وتابعت القول "نظرت له من النافذة وأشار لي بيده، وعندما نظرت لعينيه قلت لنفسي إن وائل لن يرجع".

الشهيد جبريل جبريل

وفور تحرره بالصفقة يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انضم الفتى جبريل جبريل من مدينة قلقيلية، لكتائب القسام، لينفذ بعدها عدة عمليات إطلاق نار وتفجير عبوات ناسفة بجيش الاحتلال، ويصبح إثر ذلك مطلوبا للاحتلال.

واستشهد "جبريل" مساء الاثنين 26 أغسطس/ اب، إثر قصف جيش الاحتلال بمسيّرة منزلا في مخيم نور شمس شرقي طولكرم.

ولم تكتف قوات الاحتلال بالتضييق على عائلته خلال فترة المطاردة، بل عادت واعتقلت شقيقه أشرف بعد استشهاد جبريل، واعتدت عليه بالضرب قبل أن تفرج عنه.

وفي تصريحات للإعلام قبل اعتقاله، قال أشرف جبريل، إن شقيقه جبريل نذر نفسه منذ لحظة تحرره لسداد دين المقاومة وطوفان الأقصى، وإنه كما تحرر بصفقة بفعلهما فإنه سيرد هذا الدين لهما".

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: الشهيد طارق داوود الشهيد جبريل جبريل كتائب القسام حماس قوات الاحتلال اغتيالات قلقيلية مخيم بلاطة الحرب على غزة طوفان الأقصى قوات الاحتلال

إقرأ أيضاً:

المقاومة ليست خيارا ديمقراطيا

في زمن خُلطت فيه المفاهيم، وغُيّبت فيه المعايير، باتت المقاومة تُساءل كما تُساءل الحكومات، ويُحاكم المقاوم كما يُحاكم الفاسد، ويُطلب منه ما لا يُطلب حتى من المحتل. وهي مفارقة أخلاقية قبل أن تكون سياسية.

المقاومة، في جوهرها، ليست خيارا ديمقراطيا، ولا خاضعة لمعادلات التصويت وصناديق الاقتراع، ولا ينتظر أصحابها نتائج استطلاع رأي ليقرروا ما إذا كان من "اللائق" أن يقاوموا أم لا. هذا المنطق، في ذاته، يحمل كارثة فكرية وإنسانية؛ لأنك ببساطة تساوي بين شعب واقع تحت الاحتلال، ومحتلٍ غاصبٍ يستبيح الأرض والإنسان.

من قرر أن يقاوم لا يحتاج إلى تفويض من أحد، ولا يستأذن المقهورين في الدفاع عنهم.. لا ينتظر أن يُنصَّب رسميّا على مشروع الدفاع، فالمقاومة ليست وظيفة تُرشَّح لها، بل هي فعل ينبثق من أعماق الروح الحرة التي ترفض الذل. حتى لو قرر الناس كلهم أن يرضخوا، فمن حق الفرد أن يتمرد، ولو خضع الملايين تحت نير الاستعمار، فصوت واحد يصرخ في وجه الباطل كافٍ ليبدأ التغيير.

يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات
تاريخ الأمم يعلّمنا أن التحرر لا يُنتزع بتوقيع العرائض، ولا يُنال ببلاغات الشجب وحدها.. لم يُقم ثوار الجزائر استفتاء عاما قبل أن يبدأوا ثورتهم ضد المستعمر الفرنسي، ولم ينظّم الفيتناميون مؤتمرات حوار قبل أن يخرجوا لمواجهة المحتل الأمريكي، ولم يكن الجيش الجمهوري الأيرلندي بحاجة إلى أغلبية برلمانية لكي يدافع عن حقوق شعبه. هذه النماذج وغيرها لم تفكر بمفردات "التوافق الوطني" تحت وطأة الاحتلال؛ لأنها ببساطة كانت تعرف أن الحرية لا تأتي على طبق من فضة، ولا تهبط عبر البريد السياسي.

في المقابل، نحن نعيش اليوم حالة غريبة من "الترف السياسي"، حيث يُطلب من المقاوم أن يقدم تقريرا شاملا عن جدوى فعله، وتكلفته، وتداعياته الاقتصادية والدبلوماسية. يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات. يُطلب من المقاوم أن "يُراعي"، وأن "يتأنى"، وأن "يفكر بعقل الدولة"، مع أنه لا يملك دولة أصلا، ولا أرضا آمنة، ولا سيادة على شبر واحد من بلاده.

صحيح أننا نحب أن يُراعي المقاوم شعبه، وأن يحفظ ما استطاع من الأرواح، ولكن لا يمكن أن نحمّله وحده مسؤولية جرائم عدوه، ولا يجوز أن نخضعه لمقاييس الدولة المستقرة وهو يواجه كيانا عدوانيّا مسلحا مدعوما من أقوى القوى على وجه الأرض. من الظلم أن يُساءل من يدافع، بينما يُترك من يعتدي.

ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل
ثم ما البديل؟ هل يُطلب من الناس أن ينتظروا رحمة المحتل؟ أم أن يقيموا مؤتمرات "سلام داخلي" وهو يذبح أبناءهم؟ هل المطلوب أن يُجروا انتخابات تحت الحراب ليقرروا إن كانوا يحبون المقاومة أم لا؟! وهل يفترض بالمقاوم أن يختبر شعبيته تحت القصف؟ هذا العبث لا يُقال في سياق الاحتلال، بل في أروقة دول تعيش استقرارا نسبيّا وتملِك قرارها السيادي، أما نحن، فالمعادلة مختلفة تماما.

أحيانا، حين تكثر الأصوات التي تُسائل المقاومة، أشعر أن البعض يتمنى لو لم تكن هناك مقاومة أصلا، كي لا يُحرَج أمام العالم، أو كي لا يضطر لتبرير موقفه. وهنا يصبح الخطاب الإنساني أداة للهروب من المعركة، بدل أن يكون حافزا لها. نريد مقاوما بلا معركة، ونضالا بلا ثمن، وتحررا بلا مواجهة. وهذا لا يحدث إلا في الخيال أو في كتب الأطفال.

إن المقاومة، بطبيعتها، مكلفة، وكل مقاومة حقيقية تحمل في طياتها ثمنا باهظا. هذا لا يعني أن نستسلم للفجائع، ولا أن نحتفي بالألم، ولكن أن نُدرك أن الصراع مع المحتل ليس مباراة متكافئة، بل هو معركة وجود، ومن يطالب المقاوم بأن يتصرف كما لو أنه يعيش في دولة ذات سيادة فإنه ببساطة لا يفهم معنى الاحتلال.

ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل.

إن من حق كل شعب واقع تحت الاحتلال أن يختار طريقه نحو الحرية، ومن حقه أن يخطئ، وأن يتعلم، ولكن لا أحد يملك الحق أن يسلبه هذا الخيار باسم الديمقراطية أو الواقعية السياسية؛ لأن الحرية لا تُقاس بحسابات صندوق، ولا تُمنح بإجماع النخب، بل تنتزع بقرار فردٍ يرفض أن يعيش عبدا.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يعيق حركة المواطنين شرقي مدينة قلقيلية
  • المقاومة ليست خيارا ديمقراطيا
  • الاحتلال يخطر بهدم منزل الشهيد عبد الرؤوف المصري في طوباس
  • “القسام” تعلن استهداف برج دبابة صهيونية شرقي جباليا
  • "القسام": استهدفنا برج دبابة "ميركفاه" شرقي جباليا
  • “القسام”: استهدفنا ناقلة جند صهيونية شرقي خانيونس
  • "القسام": استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية شرقي خانيونس
  • قوات الاحتلال تقتحم قلقيلية
  • ارتفاع قتلى جنود الاحتلال في خان يونس بعملية المقاومة أمس
  • الاحتلال يقتحم قلقيلية ويداهم عدة محال تجارية