ذاكرة الإبادة في رواندا.. ناجون يحرسون ضحايا وقبور مفتوحة تنتظر المزيد
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
كيغالي- خصصت الحكومة الرواندية موقعًا مهيبًا شمال العاصمة كيغالي ليحتضن ذكريات البلاد الحزينة، ويكون مقرا لمتحف النصب التذكاري للإبادة الجماعية، لتبقى الذكرى الأليمة حاضرة في الأذهان تستقي منها الأجيال العبر وتمضي في طريقها بخطى ثابتة تلتمس قصة نجاح تتلوها أخريات.
ومع مرور 30 عاما على الإبادة، يسعى الروانديون بكل ما استطاعوا من قوة إلى تجاوز آثار تلك المذابح وما تركته من ندوب كبيرة في ذاكرتهم الجمعية، لكنهم في الوقت ذاته يرغبون أن تحيا الذكرى في نفوسهم حتى لا تتكرر وتبقى دافعا لهم لتحقيق مزيد من النجاحات.
يشمل المكان متحفا ومقابر تضم رفات أكثر من 250 ألفا من ضحايا الإبادة، التي بدأت في السابع من أبريل/ نيسان 1994 وحتى منتصف يوليو/تموز من العام نفسه، حين شنت مليشيات متطرفة من جماعة الهوتو حملة إبادة ضد أقلية التوتسي.
وخلال 100 يوم تقريبا، تمكنت تلك المليشيات من قتل ما يقرب من مليون من الروانديين يمثلون نحو 75% من أقلية التوتسي، كما تعرضت خلال تلك الفترة القصيرة مئات الآلاف من النساء للاغتصاب.
وعلى الرغم من مرور 3 عقود على الإبادة، فإن بعض القبور في ساحة المتحف لا تزال مفتوحة بانتظار الكشف عن رفات المزيد من الضحايا، لعل قلوبًا انفطرت على فقدها تسكن بالعثور عليها.
يعمل في المتحف ناجون من الإبادة وكثير منهم فقدوا العشرات من عائلاتهم، ويذكر أحد الناجين، فريدي موتانغوها، نائب رئيس الرابطة الوطنية الشاملة للناجين من الإبادة الجماعية في رواندا أن المتحف يضم رفات والديه و4 من شقيقاته.
وفي حديثه للجزيرة نت، يذكر فريدي -الذي أدار كثيرا من المؤسسات التي تعنى بتمكين شباب رواندا- أن والدته طلبت منه خلال أيام المذبحة الاختباء عند أحد أصدقائه والمفارقة أن هذا الصديق كان من جماعة الهوتو.
غلب على ظن الوالدة أن مليشيات الهوتو كانت تستهدف المراهقين الذكور والشباب فقط من التوتسي، لكنها لم تعلم أنها وزوجها وبناتها الأربع سيتعرضون لأبشع أنواع التنكيل قبل أن يلاقوا جميعا حتفهم في هذه المذبحة.
نجا فريدي من الموت بفضل صديقه وعائلته التي لم تمانع أن يختبئ أحد من التوتسي في بيتها، ولا يزال يقر لهم بالفضل، وتمنى أنه لو تمكن من تقديم الشكر لصديقه الذي عاجلته المنية بعد فترة قصيرة من تلك الأحداث.
حاله حال كثيرين قابلتهم خلال زيارتي لكيغالي العاصمة، يصر فريدي على تقديم بلاده للعالم على أنها رواندا التي كانت مثله ونجت من الموت، ونفضت عن نفسها غبار الحرب وانطلقت من تحت الرماد وركام البيوت لتصنع قصة نجاح معجزة تبهر الأبصار والعقول.
تحدث فريدي عن السياسات والمشاريع والقوانين التي سنّتها الحكومة لتصحيح أخطاء الماضي، وأعطى أمثلة على مشاريع مكافحة الفقر والجهل والفساد، وقدم نماذج عن مناهج التعليم التي تحدثت عن الماضي على حقيقته ولم تتجاوزه، ولكنها اعتبرته نقطة ارتكاز للنهوض وتجاوز المأساة.
وقال إن حكومة الرئيس بول كاغامي حددت من استلامها زمام الحكم في البلاد عام 2000 هدفين واضحين لتجاوز المأساة، أولهما، توحيد الشعب وتحقيق المصالحة المجتمعية وتجريم الخطابات العرقية، والثاني، النهوض بالبلاد وانتزاعها من الفقر والفساد.
يخطئ من يظن -بعد قراءة هذه السطور- أنه سيرى بلادًا لا مثيل لها في الجمال والتقدم والرفاه والازدهار، كما يبالغ من يقدم رواندا من الكتّاب والصحفيين على أنها كذلك، فلا بد من التسديد والمقاربة.
فالحقيقة أنك أمام بلاد نجت من الإبادة وتجاوزت الموت بخطوات قليلة معدودة، وأخمدت نار الحرب وانطلقت تمسح أحزانها وتقلَع شوكها بيدها، تحثُّ الخطى لتستدبر ماضيًا مؤسفًا وتستقبل قادمًا من الأيام مشرقًا.
يشير إلى هذا الأمر محامي حقوق الإنسان، غاتيتي نيرنغابو، الذي قال في حديثه للجزيرة نت، "نحن أمة بعثت من الموت من جديد، ولا نقدم أنفسنا على أننا دولة غنية متقدمة، لكننا نكافح شعبًا وحكومة من أجل تقديم نموذج للحياة الكريمة، وما أنجزناه يعتبر معجزة مقارنة مع الدول المحيطة أو دول أخرى في هذا العالم".
أما الكاتب والمؤرخ توم نداهيرو -الذي فقد 12 فردا من عائلته- فقد استفتح حديثه للجزيرة نت بقوله "لا بد أن نتكئ على ذلك الماضي الحزين لنرسم مستقبلا أفضل"، مشيرا إلى أن الكراهية التي زرعت في بلاده تم التخطيط لها منذ زمن بعيد، ولم تبدأ فقط في تسعينيات القرن الماضي.
وأوضح أن سياسات حقب الاستعمار التي مرت على بلاده وعززت التقسيم المجتمعي في البلاد وانتهت إلى إصدار هويات تحدد الانتماءات هي التي أدت إلى حدوث الكارثة.
وختم نداهيرو حديثه الذي غلب عليه الحزن والتأثر بالقول "لا بد أن نعلم أن من يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن خراب رواندا هم أبناؤها، وهم أنفسهم من يملكون صناعة مستقبلها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من الموت
إقرأ أيضاً:
4 سيناريوهات تنتظر صلاح مع ليفربول بعد تصريحاته المثيرة للجدل!
القاهرة (د ب أ)
أشعل النجم الدولي المصري محمد صلاح الأجواء داخل نادي ليفربول، بعد التصريحات المثيرة للجدل، التي أدلى بها، عقب لقاء فريقه ضد مضيفه ليدز يونايتد، ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.
وجلس صلاح على مقاعد البدلاء للمباراة الثالثة على التوالي، حيث شاهد إخفاق زملائه في الاحتفاظ بتقدمهم على ليدز، ليسقط في فخ التعادل الإيجابي 3 - 3، بعدما استقبلت شباكه هدفاً في الدقيقة السادسة من الوقت المحتسب بدلاً من الضائع للشوط الثاني من المباراة، التي أقيمت بملعب (إيلاند رود)، ليواصل الفريق الأحمر نزيف النقاط، ويستمر في الابتعاد مبكراً عن المنافسة على لقب البطولة، الذي تُوج به في الموسم الماضي.
ويتواجد ليفربول في المركز التاسع برصيد 23 نقطة، بفارق 10 نقاط خلف أرسنال (المتصدر)، بعد خوض الفريق مبارياته الـ15 الأولى في المسابقة خلال الموسم الحالي.
وبدأت أزمة صلاح وآرني سلوت المدير الفني للفريق، في ظل تراجع نتائج الفريق، حيث بدأ سلوت في إجراء تعديلات على التشكيل، وشهدت المباريات الثلاث الأخيرة غياب اللاعب عن القائمة الأساسية للفريق، حتى إنه لم يشارك في اثنتين منها على الإطلاق، وعلى الرغم من ذلك لم تتحسن النتائج، حيث تعادل الفريق مع ليدز وسندرلاند وفاز على وستهام (المتعثر)، ليحصل على 5 نقاط فقط من إجمالي 9 نقاط.
وتسبب هذا التجاهل في اشتعال الأزمة بين الطرفين، وهو ما دفع للكشف عن تدهور العلاقة بينه وبين سلوت، وأن هناك اتجاهاً للتضحية به، ملمحاً إلى إمكانية الرحيل عن الفريق، خلال فترة الانتقالات الشتوية المقبلة.
وكسر صلاح حاجز الصمت، الذي التزم به في الفترة الأخيرة، وشن هجوماً عنيفاً على سلوت، خلال حديثه لوسائل الإعلام عقب اللقاء، والذي اتسم بالحدة والغضب مما يحيط به داخل الفريق.
وقال صلاح «لا أستطيع أن أصدق ما يحدث، أشعر بخيبة أمل كبيرة للغاية. ينتابني إحساس أن النادي يحملني المسؤولية ويضع الضغط علي، قلت مرات عديدة من قبل إن علاقتي جيدة بالمدرب، لكن فجأة لم تعد هناك علاقة، لا أعرف لماذا».
وأثار صلاح الكثير من الجدل، حينما قال «أشعر أن بعضهم يحاول تصويري سبباً لمشكلة الفريق، كأنهم يقولون (نحمل صلاح المسؤولية لأنه المشكلة)، لقد ألقوا بي تحت الحافلة لأنني المشكلة، لكنني لا أعتقد أنني المشكلة».
وشدد صلاح «لا يجب أن أقاتل كل ثلاثة أيام لكي أحصل على مركزي، إن ما قدمته سابقاً يشفع لي لأكون في وضع أفضل داخل الفريق، من دون أن يتم اتهامي بأنني أبحث عن مكانة أكبر من النادي».
وتابع «بعضهم يقول إنني أكبر من النادي، لكن لا أقول ذلك أبداً، أنا لست أكبر من أحد. بكل بساطة، أنا قدمت ما يشفع لكي أحصل على هذا المركز».
وكشف صلاح أنه اتصل بوالدته وأخبرها بالحضور لمواجهة برايتون القادمة، مؤكداً أنه حتى لو لم يشارك أساسياً سيستمتع باللقاء، قائلاً: «المباراة ستكون في آنفيلد، لذا ستكون بمثابة وداع قبل أن أذهب إلى كأس أمم أفريقيا» للمشاركة مع المنتخب المصري (الفراعنة).
وأضفى (الملك المصري)، كما تطلق عليه جماهير ليفربول المزيد من الغموض بشأن مستقبله مع ليفربول، حيث قال «سنرى ما سيحدث، سأستمتع على أي حال، لأنني لا أعرف ما الذي سيحدث في الفترة القادمة».
وجاءت تصريحات صلاح بمثابة كرة اللهب، التي قذفها في وجه إدارة ليفربول، التي أصبحت مضطرة لحل أزمة أحد أبرز نجوم الفريق الأحمر في السنوات الأخيرة، والذي لعب دوراً كبيراً في استعادة الفريق لقب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد غياب عدة عقود.
وبخلاف تتويجه بلقبين للدوري الإنجليزي خلال المواسم الخمسة الأخيرة، قاد صلاح ليفربول للتتويج بدوري أبطال أوروبا عام 2019 وكأس العالم للأندية وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس الرابطة والدرع الخيرية.
وبعد كل هذه الإنجازات، كتب صلاح اسمه بحروف من ذهب في تاريخ ليفربول، بعدما تواجد في المركز الثالث بقائمة الهدافين التاريخيين للنادي العريق، بتسجيله 250 هدفاً في 420 مباراة لعبها مع الفريق، الذي انضم لصفوفه في يونيو 2017 قادماً من روما الإيطالي، بمختلف المسابقات.
وستكون إدارة ليفربول أمام عدة سيناريوهات للتعامل سريعاً مع هذه الأزمة، لا سيما مع قرب رحيل صلاح للانضمام إلى منتخب بلاده، الذي يستعد للمشاركة في كأس الأمم الأفريقية بالمغرب، التي تقام في الفترة من 21 ديسمبر الجاري حتى 18 يناير المقبل.
وسيكون السيناريو الأول هو العمل على حل تلك الأزمة بشكل ودي مع (الملك المصري) من خلال تهدئة الأمور بين صلاح وسلوت وتقريب وجهات النظر بينهما، والتأكيد على أن المدرب الهولندي سيعود للاستعانة به في مباريات الفريق المقبلة من جديد.
أما السيناريو الثاني، هو إقالة سلوت من منصبه في ظل استمرار سوء النتائج التي يعاني منها الفريق، الذي تنتظره مواجهة مرتقبة مع مضيفه إنتر ميلان الإيطالي، الثلاثاء، في بطولة دوري أبطال أوروبا، ومن ثم فإن ذلك يصب في مصلحة صلاح، الذي يبدو أن علاقته مع مدرب ليفربول وصلت لطريق مسدود في الفترة الأخيرة. أما السيناريو الثالث، فهو رحيل صلاح عن ليفربول والحصول على مبلغ مالي ضخم نظير بيعه، خاصة أن هناك الكثير من العروض التي وصلت للاعب لا سيما من الدوري السعودي، إضافة إلى أن هناك عدداً من الأندية الأوروبية الراغبة أيضاً في الحصول على خدماته في الفترة المقبلة.
ويتمثل السيناريو الرابع في قيام إدارة ليفربول بإقالة سلوت ورحيل صلاح، من ناحية سوف تنتعش خزينة ليفربول من بيع اللاعب المصري، بعدما تكبدت أموالاً طائلة في التعاقد مع نجوم من العيار الثقيل في فترة الانتقالات الصيفية الماضية مثل السويدي أليكسندر إيزاك والألماني فلوريان فيرتز والفرنسي هوجو إيكيتيكي، ومن ناحية أخرى، سوف يكون هناك مدرب جديد للفريق لديه القدرة على إعادته للمسار الصحيح مرة أخرى، خلفاً لسلوت الذي يبدو أنه فقد السيطرة على غرفة الملابس.