ظروف بائسة يواجهها معتقلو دعم المقاومة بالأردن
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
غزة - خاص صفا
رغم مشروعية حق المقاومة الذي كفلته الأعراف والمواثيق الدولية والقرارات الأممية، إلا أن دعمها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أصبح تهمة وجريمة يُعاقب عليها القانون في الأردن.
فمنذ عام 2023 تواصل السلطات الأردنية اعتقال ثلاثة من مواطنيها بتهمة محاولة تزويد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بالسلاح.
وحسب هيئة الدفاع عن معتقلي دعم المقاومة في الأردن، فإن السلطات الأردنية تتهم المعتقلين الثلاثة خالد المجدلاوي وإبراهيم جبر وحذيفة جبر بمد المقاومة في الضفة بالسلاح، وسط استمرار اعتقالهم دون محاكمة وفق "قانون منع الإرهاب" الأردني.
وفي الأول من أيلول/سبتمبر الجاري، عُقدت جلسة محاكمة للمعتقلين الثلاثة في محكمة أمن الدولة في عمّان، وجرت مناقشة أول شهود النيابة العامة من قبل هيئة الدفاع، في ظل معاناة المعتقلين من ظروف اعتقال غير قانونية تفتقد لأسس العدالة.
ومؤخرًا، تعرض المعتقلون وذووهم-وفقًا لهيئة الدفاع عنهم- لانتهاكات قانونية جسيمة تمثلت في حرمانهم من الزيارة، والإهمال الصحي غير المبرر.
وشددت على أن "المعاملة الغليظة التي يُعامل بها المعتقلون وذووهم في هذه القضية خصوصًا، وفي قضايا دعم المقاومة عمومًا، لاسيما أن توجيه تهمة محاولة تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية شمالي الضفة الغربية لهم تتنافى مع الواجب الأخلاقي والإنساني والعروبي والإسلامي تجاه حرب الإبادة على قطاع غزة وعدوان الاحتلال الغاشم على الضفة".
وفي وقت سابق، دعت الهيئة، الحكومة الأردنية للإفراج عن "الموقوفين على ذمة الدعوى لعدم وجود قرار حكم ضدهم ولعدم وجود مبرر قانوني لتوقيفهم، ولأن الأفعال المنسوبة لهم إن ثبتت صحة نسبتها إليهم فهي أفعال مشروعة قانونًا وواجبة أخلاقيًا، ولا يجوز تجريمهم بالاستناد إليها بأي شكل".
ووفقًا للملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن في الأردن، فإن محكمة أمن الدولة جرّمت منذ عام 2007 نحو 37 شخصًا في 13 قضية على خلفية قيامهم بفعل مقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، أو دعم المقاومة، من بينهم أربعة أشخاص ما زالوا يقضون محكومياتهم وثلاثة أحيلوا حديثًا إلى محكمة أمن الدولة، إذ تراوحت الأحكام بين الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة عام، والأشغال الشاقة المؤبدة.
تنكيل وتعذيب
عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين لدعم المقاومة المحامي عبد القادر الخطيب يوضح أنّ السلطات الأردنية اعتقلت عشرة من مواطنيها على خلفية دورهم في دعم المقاومة، بُعيد اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أفرجت عن سبعة منهم، وأبقت على ثلاثة آخرين.
ويقول الخطيب، في حديث لوكالة "صفا": إن "المخابرات الأردنية عذبّت المعتقلين وأرغمتهم على التوقيع على أوراق بيضاء، لانتزاع اعترافات وهمية، بعدما تعرضوا لتعذيب جسدي ومعنوي".
ويضيف أن "هذا التعذيب يتنافى أولًا مع القوانين الدولية والمحلية، وثانيًا فإن مجرد اعتقالهم أيضًا هو أمر مخالف للقانون، ولدستور القوات المسلحة الذي يُؤكد حق الشعب الأردني في مقاومة الاحتلال".
ويكشف الخطيب عن إضراب سيخوضه معتقلون في السجون الأردنية على خلفية دورهم في دعم المقاومة الفلسطينية.
ويشير إلى أن المعتقلين هم إبراهيم جبر، ونجله حذيفة، وخالد المجدلاوي، مبينًا أن إبراهيم سيبدأ بخوض الإضراب المفتوح عن الطعام يوم الأحد القادم، رفضًا لسياسة التنكيل والتعذيب التي يتعرض لها مع بقية المعتقلين.
دعم المقاومة شرف
رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية في الأردن بادي الرفايعة يؤكد أنّ دعم المقاومة شرف وليست تهمة تُحاسب عليها الأجهزة الأمنية في الأردن.
ويصف الرفايعة، في حديثه لوكالة"صفا"، الأنباء الواردة عن تعذيب المعتقلين، بأنها "فعل شنيع ومرفوض، يتنافى مع الأردن وقيم شعبنا الذي ينحاز برمته للقضية الفلسطينية باعتبارها قضيته المركزية".
ويضيف: "ليس من المعقول في ظل ما يفعله العدو في غزة من قتل وإبادة، وفي الوقت الذي يحتجز فيه جثمان الشهيد البطل ماهر الجازي، أن يتطوع البعض في ملاحقة المقاومين ومن يعملون لأجل مساندة المقاومة في فلسطين".
ويدعو الرفايعة، الحكومة الأردنية لإلغاء ما يسمى بـ" قانون مكافحة الإرهاب"، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية دعم المقاومة.
ويتابع: "بعد السابع من أكتوبر ينبغي أن نعيد جميعًا التفكير في العلاقة مع الاحتلال؛ الذي يعتدي ليل نهار على الوصاية الهاشمية بالقدس، ولا يتوانى عن استهداف الأردن في مخططاته".
جرائم أكبر
من ناحيته، يقول رئيس لجنة العلاقات الدولية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج السفير الفلسطيني السابق ربحي حلوم إنّ الاحتلال يستهدف تحقيق حلمه من خلال تصفية الشعب الفلسطيني والإطباق عليه أولًا، ثم استكمال ما يسمى بـ(حرب البيت الثانية)، عبر تمدد الدولة لحدودها الطبيعية لما بين البحرين".
ويؤكد أن كامل التراب الفلسطيني في بؤرة الاستهداف، ويعقبه تهجير الشعب الفلسطيني لكل من مصر والأردن، وهذا يعني استهداف الجغرافيا الإقليمية المحيطة بفلسطين.
ويوضح أنّ هذه الحرب تستوجب من الأنظمة في دول الطوق الانتباه للخطر الحقيقي والعمل على مواجهته.
ويكمل حديثه قائلًا: "تذكروا بأن الذين يُقاومون إسرائيل اليوم، سيكتبهم التاريخ في طليعة المتنبهين لخطر هذا الكيان وأطماعه على المنطقة".
ومؤخرًا، أطلق التجمع الشبابي الأردني لدعم المقاومة، وهيئات ولجان شعبية وشبابية، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها منصة "إكس" تحمل وسوم "#دعم_المقاومة_شرف"، و"#الحرية_لمعتقلي_المقاومة"، وهي تدعو السلطات الأردنية للإفراج الفوري عن المعتقلين الثلاثة.
تفاصيل مأساوية
ويكشف القيادي والمعتقل السابق في السجون الأردنية خالد الجهني عن تفاصيل مأساوية لظروف واقع اعتقال عدد من يتهمهم النظام بدعم المقاومة، قائلًا: "إنهم يتواجدون في معتقل لا يليق بهم وفق الظروف الآدمية، ولا ينسجم مع القوانين الأردنية أساسًا".
ويضيف الجهني في حديث لوكالة "صفا"، أنّ "المعتقلين الثلاثة تعرضوا للتعذيب، على خلفية دورهم في دعم المقاومة، حيث تهجمت عليهم القوارض، وهم يقبعون في سجون مكتظة، وفي ظروف غاية في السوء".
ويؤكد أن دعم المقاومة طبع أصيل أدرني لم يتخلّ عنه الشعب الأردني طوال تاريخه الممتد، وأن العلاقة بين الشعبين "أكبر من أي جهة دولية أو اجتماعية أو سياسية تزرع الفتن أو تدق الأسافين بينهما".
ووفقًا للجهني، فإن "هناك عملية لتحويل وتبديل القوانين الأردنية بما ينسجم مع اتفاقية وادي عربة؛ التي تنص على أن دولة الاحتلال هي صديقة، وتحتم على السلطات منع أي إجراءات للمقاومة من قبيل الدعم والتهريب، وغيرها".
ويوضح أنّ "هذه القوانين باتت تلاحق حتى الكلمة في الأردن، حيث تم توقيفي على تهمة دعم المقاومة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفقًا لقانون الجرائم الإلكترونية".
ويحذر الجهني من خطورة هذه القوانين، التي تكمن في أنها "باتت تتبنى الاحتلال كطرف صديق ودولة جوار".
ويشدد على أنّ اتفاقية وادي عربة لن تؤدي بأي حال لمسح ذاكرة الشعب الأردني، وأن كل هذه الإجراءات المعدلة لن تُغير من عقيدة الشعب الأردني تجاه الاحتلال.
من جهةٍ أخرى، استنكرت فصائل المقاومة استمرار السلطات الأردنية محاكمة المعتقلين بتهمة دعم إخوانهم في الضفة الغربية.
ويرى المصدر أنه ان يتوجب على السلطات الأردنية إطلاق سراح المعتقلين في ظل حرب الإبادة الجماعية ضد أبناء شعبنا الفلسطيني.
وقال المصدر إن الضفة الغربية هي خط الدفاع الأول عن الأردن وإذا أراد النظام الأردني مواجهة خطة اليمين الصهيوني فعليه وقف ملاحقة المجاهدين في المملكة.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: عمان الأردن دعم المقاومة المقاومة الفلسطينية ماهر الجازي السلطات الأردنیة الشعب الأردنی الضفة الغربیة دعم المقاومة المقاومة ا على خلفیة فی الأردن الذی ی
إقرأ أيضاً:
بين قتل الطفولة في غزة… وتفكيك مخيمات الضفة
منذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بدا واضحًا أن الهدف يتجاوز “الردع العسكري” أو “تصفية المقاومة” كما يحاول الترويج له. فالعدوان، بكل ما فيه من عنف مفرط وقصف عشوائي ومجازر جماعية، سرعان ما كشف عن نوايا أبعد من ذلك: إنهاء القضية الفلسطينية من جذورها، عبر تدمير مرتكزاتها الإنسانية والديمغرافية والاجتماعية.
الطفولة هدف مباشر في استراتيجية الإبادة
من المثير للذهول – لا للدهشة – أن الأطفال الفلسطينيين باتوا الهدف الأبرز في حرب الاحتلال على غزة. لم يعد الأمر “أضرارًا جانبية” كما تدّعي الرواية الإسرائيلية، بل سياسة ممنهجة لإبادة جيل كامل.
فبحسب منظمات حقوقية، قُتل آلاف الأطفال منذ بداية الحرب، ودُمّرت مئات المدارس ورياض الأطفال والمرافق الصحية المخصصة للصغار. وأمام هذا الواقع، يصبح من المشروع التساؤل: ما الذي يدفع قوة نووية إلى استهداف مَن لم يتجاوزوا العاشرة من أعمارهم؟
الإجابة تُشير إلى بُعد استراتيجي خطير: الاحتلال يسعى إلى تدمير الوعي الفلسطيني منذ الطفولة، وإبادة أي فرصة لولادة جيل جديد قادر على حمل الراية والمطالبة بالحق.
الضفة الغربية: تهجير قسري بصمت دولي
بينما تتجه أنظار العالم إلى الدمار الهائل في غزة، تعمل إسرائيل في الضفة الغربية بخطة صامتة لكن شديدة الخطورة. هناك، لا يُستخدم القصف الجوي، بل أدوات أكثر هدوء لكنها لا تقل دموية: التهجير القسري، تفكيك المخيمات، مصادرة الأراضي، خلع الأشجار، وبناء الطرق الالتفافية التي تُقسّم الضفة وتحوّلها إلى كانتونات متناثرة.
في الأسابيع الماضية فقط، تم تهجير مئات العائلات الفلسطينية من تجمّعاتها البدوية والزراعية، خاصة في مناطق الأغوار وجنوب الخليل، بذريعة التدريبات العسكرية أو البناء دون ترخيص. وفي الوقت ذاته، تواصل السلطات الإسرائيلية سياسة تفكيك مخيمات اللاجئين – كرمز تاريخي للنكبة – لتحويلها إلى أحياء بلا ذاكرة وطنية، في محاولة لمسح رمزية اللجوء والتهجير.
غزة تحترق والضفة تنزف… ماذا بعد؟
الجريمة الكبرى التي ترتكب اليوم في فلسطين ليست فقط في عدد الضحايا، بل في سعي الاحتلال إلى تغيير الواقع الجغرافي والسكاني بشكل نهائي. إسرائيل لا تكتفي بقتل البشر، بل تسعى لمحو معالم الوجود الفلسطيني: من شطب المخيمات في الضفة، إلى تدمير العائلات في غزة، مرورًا بسياسات التجويع والحصار والإرهاب النفسي والجسدي.
ما يجري ليس صراعًا عسكريًا، بل محاولة هندسة ديمغرافية شاملة تهدف إلى تفريغ فلسطين من أهلها، أو – على الأقل – من قدرة أهلها على الحياة والاستمرار.
سياسة واحدة بوجهين… الرصاصة والجرافة
يظن الاحتلال أن بإمكانه ترويض الفلسطيني عبر نوعين من العنف: في غزة، الرصاصة والقصف والموت الجماعي؛ وفي الضفة، الجرافة التي تهدم المنازل، وتحفر الطرق الالتفافية، وتقتلع الأشجار من جذورها. لكنه يتجاهل أن الفلسطيني قد تربى على التمسك بالأرض أكثر مما تربى على أي شيء آخر.
يبقى صوت الشعب الفلسطيني هو الأعلى. من بين الركام يخرج الأطفال في غزة
ارتدادات محتومة على الكيان الإسرائيلي
ليست المقاومة وحدها ما يهدد الكيان، بل ارتداد أفعاله عليه. إذ تشير تقارير أمنية إسرائيلية إلى أن الوضع في الضفة الغربية وصل إلى درجة “الغليان غير القابل للاحتواء”، وأن هناك “فتيلًا مشتعلاً تحت الرماد”، قد ينفجر في أي لحظة بانتفاضة واسعة أو انهيار أمني شامل. فمحاولة إخضاع الضفة وتجويع غزة لم تعد مجدية، بل تؤسس لحالة عنف مضاد قد لا تكون المقاومة قادرة على ضبطها أو السيطرة عليها.
فلسطين باقية مهما حاولوا
في خضم كل هذا الدمار، يبقى صوت الشعب الفلسطيني هو الأعلى. من بين الركام يخرج الأطفال في غزة يحملون كتبهم المحترقة، ومن بين بيوت الطين المهدمة في الأغوار يرفع الأطفال علم فلسطين. لا تكسرهم المجازر، ولا تقتلهم السياسات. لأن فلسطين، ببساطة، ليست جغرافيا فقط، بل روح ضاربة في جذور التاريخ.
المجتمع الدولي… صمتٌ مخجل وتواطؤ مقنّع
أمام كل هذا، يكتفي المجتمع الدولي بإصدار بيانات “القلق العميق” و”الدعوة لضبط النفس”، متغاضيًا عن جرائم حرب ترتكب بشكل يومي. بل إن بعض الدول الغربية لا تزال تمد الاحتلال بالسلاح والدعم السياسي، في مشهد يُظهر نفاقًا غير مسبوق في العلاقات الدولية.
فهل يحتاج العالم إلى مجزرة جديدة تُبث على الهواء مباشرة ليُدرك أن ما يجري هو تطهير عرقي؟ وهل يمكن لمجلس الأمن أن يتحرك قبل أن يُمحى جيل كامل من الوجود؟ الأسئلة كثيرة، لكن الإجابات تتأخر كما أرواح الضحايا.
خلاصة
إن الاحتلال الإسرائيلي، في حربه المتزامنة على غزة والضفة، لا يواجه “تهديدًا أمنيًا” كما يدعي، بل يواجه الحقيقة الأبديّة: أن الشعب الفلسطيني لا يُهزم، وأن محاولات الإبادة والتهجير والمحو لن تُجدي. قد تُقتل الطفولة اليوم، وقد تُهدم البيوت وتُحرَق المدارس، لكن جذوة الحياة في فلسطين لا تنطفئ.
وسيأتي يوم، يكون فيه الأطفال الذين استهدفتهم الطائرات هم من يكتبون تاريخًا جديدًا، بلا احتلال، ولا قصف، ولا نكبات.
الشروق الجزائرية