لجريدة عمان:
2025-06-13@13:33:18 GMT

تهديد سيناتور أمريكي بقتل السنوار

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

«أيامك معدودة يا صديقي، نحن لن نقاضيك بل سنقتلك»؛ هذا هو التهديد الذي وجهه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام ليحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وذلك في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الأمريكية، يوم 4 سبتمبر 2024، واستطرد في تهديده قائلا: «إذا فاز الحزب الجمهوري بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، فإنهم يهدفون إلى قتل وليس محاكمة السنوار».

إذا كان يحقّ لنا أن نتساءل بأيِّ حق يوجِّه غراهام تهديده، ومن الذي فوضه في ذلك؟ فإننا في الوقت نفسه نطرح السؤال ذاته لوزارة العدل الأمريكية، بأيِّ صفة ترفع دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية في نيويورك ضد السنوار وقادة آخرين بحركة حماس على خلفية عملية «طوفان الأقصى»؟ ومن خوّلها في ذلك؟!

لا يعرف ليندسي غراهام ولا يريد أن يفهم أنّ الشهادة هي إحدى أسمى أماني السنوار ومن معه من الأجناد، وأنّ الأخير لم يدخل هذا المعترك إلا ويعلم يقينًا أنّه معترك صعب لا يؤدي إلا إلى الشهادة أو النصر. وقد رأينا كيف أنه بعد تصريح السيناتور ودعوى وزارة العدل الأمريكية ضد السنوار تناقل الناس مقطع فيديو له يقول فيه: «لسنا مهتمين نحن والجهاد الإسلامي أن يطلعونا من القائمة الإرهابية؛ فلسنا في حاجة إلى صك غفران من الإدارة الأمريكية أو غيرها لكي يطلعونا من القائمة؛ فنحن نقوم بواجبنا الوطني والديني والأخلاقي والقيم التي يفرضها علينا ديننا، ولن نقدّم تنازلات في عقيدتنا السياسية من أجل أن يرفعونا من قائمة الإرهاب، سواء تنظيمات أو كأشخاص».

يبدو أنّ أمريكا وربيبتها لم تعيا الدرس جيدًا، من أنّ سياسة البلطجة التي انتهجتاها في اغتيال قادة المقاومة لم تُجد نفعًا؛ بل كانت أنفع للمقاومة، فكلما اغتالوا قياديًّا جاء من هو أشد منه بأسًا وقوة وصلابة من سابقه، وهذا ملاحظ في غزة بالذات؛ فبعد تلك الكوكبة من الشهداء ظهر جيل شاب أقوى من سابقه متسلح بالعقيدة والإيمان؛ لذا فإنّ سياسة الاغتيالات إنما تستهدف الأجساد فقط، ولا يمكن لها أن تقضي على الإيمان والعقيدة وعلى فكرة الشهادة، وهذا ما لا يستطيع القوم أن يفهموه، وهو ما أشار إليه الكاتب عبد الباري عطوان في موقع «رأي اليوم» بتاريخ 5 سبتمبر 2024، عندما كتب: «ما لا يعرفه ولا يستطيع فهمه السيناتور غراهام وقبله نتنياهو، أنّ المُجاهد السنوار وكُل رجال المُقاومة سواءً في فِلسطين المُحتلّة أو جنوب لبنان واليمن والعِراق وسورية، أنّ هؤلاء طينة أُخرى في البشر، يتطلّعون إلى الشّهادة، بل ويستعجلونها، سيْرًا على خُطى المُسلمين الأوائل الذين هزموا أعظم امبراطوريّتين في التّاريخ، وهُما الفارسيّة والرومانيّة، ونشَروا الدّعوة في جميع أنحاء العالم».

تهديد غراهام بقتل السنوار ليس شيئًا جديدًا، فقد حرّض سابقًا على ضرب غـزة بالنووي، وطالب «إسرائيل» خلال مقابلة مع برنامج «قابل الصحافة» على شبكة «إن بي سي» الإخبارية «بأن تفعل كلَّ ما عليها فعله» لإنهاء الحملة العسكرية، و«سيكون لها ما يبرر تسوية قطاع غزة بالأرض باستخدام سلاح نووي، وذلك ببساطة لأنّ الولايات المتحدة فعلت ذلك في هيروشيما وناغازاكي في الأربعينات ضد اليابان، وكان هذا هو القرار الصحيح». ومن المؤسف أنه في الوقت الذي أدانت فيه بعض المنظمات والشخصيات الأمريكية تصريحات غراهام، لم نجد إدانة عربية واحدة باستثناء إدانة حركة حماس التي أكدت «أنّ هذه التصريحات الصادمة تدلل على عمق السقوط الأخلاقي الذي وصل إليه غراهام، وعقلية الإبادة والاستعمار التي تسكنه، وأنّ هذه العقلية تسكن أيضًا قطاعات من النخبة السياسية في الولايات المتحدة، والمتماهية مع جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، ينفّذها جيش الاحتلال المتجرد من الأخلاق ضد مدنيين عُزَّل».

ويبدو أنّ السادية متأصلة في غراهام؛ فتصريحاته كلها تحريضية حول دول المنطقة؛ ومن ذلك أنه حث الرئيس الأمريكي بايدن في ديسمبر من العام الماضي، على تفجير أجزاء من إيران ومحوها من الخريطة، خلال مقابلة على قناة «فوكس نيوز» الإخبارية، قال فيها: «لقد كنت أقول منذ 6 أشهر.. اضرب إيران. لديهم حقول نفط في العراء، ولديهم مقر الحرس الثوري الذي يمكنكم رؤيته من الفضاء. امحها من الخريطة».

لم تعد التصريحات البلطجية مقبولة من قبل الأمريكيين الآن، وقد بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تفقد تأثيرها على الجمهور الأمريكي بفضل وسائل التواصل الحديثة التي نقلت الصورة الحقيقية بكلِّ وضوح؛ لذا فإنّ تصريحات غراهام هذه قد أثارت ردود فعل غاضبة من قبل كثير من المنظمات والمعلقين؛ وكتب المحامي والمعلق السياسي جورج كونواي: «السيناتور ليندسي غراهام عار علينا»، في حين التزم البيت الأبيض الصمت، كما ذكر الكاتب محمد المنشاوي في تقرير له في موقع «الجزيرة نت»، بتاريخ 15 مايو 2024، رصد فيه من واشنطن، ردود الفعل ضد هذه التصريحات، ومنها مثلا تعليق حركة «كود بينك»، وهي حركة نسوية تأسست في أمريكا عام 2002 رفضًا لقرار اجتياح العراق، إذ قالت هذه الحركة: «من المعيب أن يتمكن عضو مجلس الشيوخ الحالي من الدعوة - في بث تلفزيوني مباشر- لقصف غزة بالسلاح النووي، في وقت يرى أنّ الطلبة الذين يحتجون على الإبادة الجماعية يشكلون تهديدًا». ولكي نعلم الأسباب الخفية لتصريحات ليندسي غراهام بوضوح، فعلينا أن نقرأ ما ذكرته حركة «كود بينك»، بأنه «تلقى مليونًا و580 ألف دولار من أيباك ليقول هذا الكلام». (والأيباك هي مجموعة ضغط تدافع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة).

هناك حقيقة، وهي أنه لا يدل الوصول إلى عضوية الكونجرس الأمريكي بأنّ «السيناتور» هو شخص بالضرورة سوي؛ وفي حالة غراهام، فخير من يؤكد اضطرابه هو كونورس نيكولاس، أحد مساعديه السابقين عندما صرح: «يجادل البعض بأنّ ليندسي غراهام هو أسوأ عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي. وأنا أجد صعوبة في قول أيِّ شيء إيجابي عنه. ومنذ وفاة صديقه، السيناتور جون ماكين، أصبح غراهام شخصًا مضطربًا»، والحقيقة أنّ اضطرابه لا يمكن أن يكون بسبب وفاة جون ماكين، وإنما هو متأصل فيه وسابق لوفاة ماكين.

وعودة إلى تهديد غراهام بقتل يحيى السنوار، فإننا نقول إنّ إسرائيل قد تصل إليه - كما وصلت من قبل إلى كثيرين -، لكن على السيناتور غراهام أن يعرف أنّ سياسة الاغتيالات هذه لم تصفِّ المقاومة الفلسطينية على مدى أكثر من نصف قرن، رغم أنها شملت شخصيات وقيادات المنظمات والحركات الفلسطينية كافة، بل أنشأت على النقيض من ذلك جيلًا مناضلًا مستعدًا للشهادة في أيّة لحظة، وإذا ذهب يحيى السنوار فإنّ هناك أكثر من سنوار، وهناك المئات ممن سيكملون مسيرة النضال والكفاح والجهاد، وهي المسيرة التي لا تنتهي بغياب الأفراد.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لیندسی غراهام

إقرأ أيضاً:

عن العنف الذي لا يبرر

يونيو 11, 2025آخر تحديث: يونيو 11, 2025

وفاء نصر شهاب الدين

كاتبة من مصر

في صغري، أرسلتني أمي إلى بيت جدتي في زيارة كانت تبدو عادية تمامًا، لولا أنها خبأت لي مشهدًا من تلك المشاهد التي تترك ندبة في الذاكرة لا تُشفى بسهولة.

كان هناك كلبٌ أبيض، جميل، شعره كيرلي ناعم كقطن السحاب. بدا لي وقتها وكأنه مخلوق من القصص، من أولئك الذين يرافقون الأطفال في الحكايات القديمة ويحرسونهم من الأشباح. كنت أراه لطيفًا، بريئًا… حتى اللحظة التي ركض فيها خلفي وعقرني.

تغيّر كل شيء بعدها، كبر داخلي خوفٌ لم أفلح في التخلُّص منه تمامًا. كلما اقترب مني كلب في الشارع، تتراجع خطواتي، يتسارع نبضي، وتنهض الطفلة التي بداخلي مذعورة.

لكن، ورغم هذه الذكرى التي جرحت ثقتي، لم أكره الكلاب أبدًا. لم أفهم يومًا كيف يمكن لإنسان أن يؤذي حيوانًا لا حول له ولا قوة، أن يضربه، أن يسحله، أن يسمّمه، أو أن ينظر إليه وكأنه عدو لا بد من القضاء عليه.

الشارع في السنوات الأخيرة صار قاسيًا، ليس فقط على البشر، بل على الكائنات التي لا تملك صوتًا يدافع عنها.

كم من مرة رأيت كلبًا يُركل بلا سبب، أو تُلقى عليه الحجارة وكأن قلوب الناس قد تحجّرت!

كم من مرة سمعت عن حملات قتل جماعي للكلاب الضالة، وكأن الوفاء الذي عُرفت به هذه المخلوقات لم يعد يعني شيئًا في عالمنا.

أين ذهب الحنان؟

أين اختفى التراحم الذي أوصت به الأديان قبل القوانين؟

كيف تحوّلنا إلى بشر يخافون من الطيبة، ويشهرون العداء ضد الكائنات التي لا تطلب إلا الأمان وبعض الطعام؟

الكلب الذي عضّني وأنا طفلة… ربما خاف. ربما رأى فيّ تهديدًا لا أفهمه. ربما أراد أن يلعب ولم يُحسن التعبير.

لكنه، رغم كل شيء، لم يكن شريرًا.

الشر، في حقيقته، ليس في الحيوان، بل في القسوة التي نغلّف بها قلوبنا، وفي الجهل الذي يدفعنا إلى إيذاء كل ما هو أضعف منّا.

ليت الشوارع تتسع قليلًا للرحمة.

ليت البشر يعيدون النظر في علاقتهم بالحيوانات، ليس فقط من منطلق الشفقة، بل من باب المسؤولية الأخلاقية والإنسانية.

فنحن لا نُقاس فقط بما نفعله تجاه من نحب، بل بما نفعله تجاه من لا يستطيع أن يردّ الأذى عن نفسه. نحن نعيش في مجتمع يتحدث كثيرًا عن الأخلاق، عن التدين، عن الفضيلة… لكننا ننسى أن الرحمة ليست شعارًا يُرفع، بل سلوك يومي يُمارس، خاصة تجاه من لا يملك صوتًا يُدافع به عن نفسه.

أحيانًا أسير في الشارع فألمح كلبًا يجلس على الرصيف، عينه قلقة، ذيله بين قدميه، ووجهه ممتلئ بأسئلة لا تُقال:

“هل سأُطرَد؟ هل سأُضرَب؟ هل هذا المارّ طيب أم غاضب؟” كلب لا يريد شيئًا سوى الأمان، وربما قطعة خبز، وربتة على الرأس… أو على الأقل، أن يُترك وشأنه دون أذى. لماذا لا نترك الكلاب وشأنها؟

لماذا لا نعترف بأن هذه المخلوقات، وإن كانت لا تتكلم، إلا أن قلوبها تفهم، وذاكرتها تحتفظ، ووفاءها يتجاوز في كثير من الأحيان وفاء البشر؟ الكلب لا يخون، لا يبيع، لا يؤذي بلا سبب. الكلب لا يكذب.

وما يوجع أكثر من العنف، هو اللامبالاة…أن يُضرَب الكلب في منتصف الشارع، ولا يتوقف أحد. أن يُسمَّم، ويُترك يتلوى في صمت، كأن موته لا يعني شيئًا. أن تتحوّل الكائنات الأليفة إلى أهداف متحرّكة لغضبٍ مكبوت، وعداء غير مبرر، لا تبرّره شريعة، ولا تقبله نفسٌ سوية.

ربما لا أزال أخاف الكلاب قليلًا، لكنني أحبها رغم ذلك، وأدافع عنها ما استطعت. لأنني أؤمن أن الكائن الذي أحبك بصدق حتى بعد أن آذيته، لا يستحق سوى الحماية.

لأن الطفلة التي بداخلي، التي ركضت مذعورة من كلبٍ أبيض، عادت بعد سنوات طويلة، ومدّت يدها لحيوان خائف في الشارع… وربّتت على رأسه. ربما شُفيت بعض الشيء. وربما حان الوقت لنُشفي نحن جميعًا من هذه القسوة التي تسكننا. أقول دائمًا إن ما يفعله الإنسان في الخفاء، مع كائنٍ ضعيف، هو مرآته الحقيقية.

لا يُعرّفنا موقف أمام جمهور، ولا كلمة في ندوة، بل تلك اللحظة التي نمرّ فيها بجانب حيوان جائع أو مذعور… كيف نتصرف حينها؟ تلك هي الحقيقة. الكلب لا يملك لغة ليدافع بها عن نفسه، لكنه يملك قلبًا يفهم ويشعر.

وما أبشع أن نُقابل الوفاء بالخيانة، والوداعة بالقسوة، وأن نغضّ الطرف عن مشاهد الألم لمجرد أنها لا تخصّنا مباشرة

كل كلب مشرّد في شوارعنا هو اختبار صامت لإنسانيتنا. وكل حجر يُرمى، أو قدم تُركل، أو نظرة اشمئزاز تُلقى على كائنٍ أعزل… هي جرح فينا قبل أن تكون جرحًا فيه.

دعونا نتذكر أننا لا نعيش وحدنا، وأن الأرض ليست لنا فقط وأن الرقة ليست ضعفًا، بل رفعة وأن من يُؤذي كائنًا لا يتكلم، سيصعب عليه أن يُحب كائنًا يتكلم. ربما لو أحببنا الكلاب قليلًا، أو على الأقل احترمنا وجودها، لعادت الشوارع أقل عنفًا، وأكثر احتمالًا…وربما لو تذكّر كل واحد فينا كلبًا قديمًا، في طفولته أو في ذاكرته، لكان في قلبه شيء من الحنان لا يُفسَّر.

الكلب الذي عضّني وأنا صغيرة، علّمني شيئًا لا تنقله الكتب: أننا قد نخاف ممّن نحب، لكننا لا نكرههم…وأن الحب الحقيقي لا يزول، حتى إن ترك ندبة.

مقالات مشابهة

  • اعتداء على سيناتور ديمقراطي خلال مؤتمر صحفي لوزيرة الأمن الداخلي في لوس أنجلوس (شاهد)
  • أمريكا.. أول تعليق لوزيرة الأمن الداخلي على إخراج سيناتور بالقوة من مؤتمرها الصحفي
  • لحظة القبض على السيناتور أليكس باديلا وتقييده خلال مؤتمر للحكومة الأمريكية
  • أمريكا.. تفاصيل واقعة إخراج سيناتور بالقوة من مؤتمر صحفي لوزيرة الأمن الداخلي في لوس أنجلوس
  • اعتقال سيناتور أمريكي حاول اقتحام مؤتمر وزيرة الأمن الأمريكية
  • ماكرون لن يعترف بدولة فلسطينية في مؤتمر نيويورك بسبب تهديد أمريكي
  • تهديد عراقي خطير للولايات المتحدة الأمريكية
  • الحرس الثوري الإيراني: جاهزون تماماً للرد على أي تهديد وأي سيناريو
  • عن العنف الذي لا يبرر
  • ترامب: لا يستطيع أحد تهديد أمريكا بفضل جيشها القوي