أمريكا بين التناقضات- من العدالة المتوهمة في غزة إلى الحرب السودانية وهيمنة الحلفاء
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
منذ اندلاع الصراع في السودان قبل 17 شهرًا، عانت البلاد من أزمة إنسانية خانقة وصراع دموي ترك الملايين في حالة من النزوح والمجاعة، حيث استمرت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في تدمير حياة المدنيين والبنية التحتية. وفي خضم هذه الأزمة، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن لتسلط الضوء على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تقديم المساعدات الإنسانية ومحاولة إنهاء الصراع.
موقف الإدارة الأمريكية من الحرب السودانية
في بيان الرئيس جو بايدن، وُصف الوضع في السودان بأنه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع دعوة صريحة لوقف القتال وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وأشار البيان إلى تشكيل "التحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان"، الذي يضم شركاء دوليين مثل الاتحاد الأفريقي ومصر والسعودية والإمارات، مما يعكس اهتمامًا دوليًا مشتركًا بالتعامل مع الأزمة.
كما أُعلن عن فرض عقوبات على 16 كيانًا وفردًا من المتورطين في الصراع وجرائم ضد الإنسانية. ومن خلال هذه الخطوات، تحاول الولايات المتحدة التأكيد على موقفها الصارم ضد الانتهاكات التي ترتكبها أطراف الصراع.
مراحل تعاطي الحكومة الأمريكية مع الأزمة السودانية
منذ بدء النزاع في أبريل 2023، تعاطت الإدارة الأمريكية مع الأزمة السودانية بعدة مراحل، يمكن تلخيصها في الآتي_
المرحلة الأولى - الاستجابة الأولية والتفاعل الإنساني , منذ البداية، ركزت الولايات المتحدة على تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، حيث قدمت أكثر من 1.6 مليار دولار كمساعدات طارئة. تمحور الدور الأمريكي في هذه المرحلة حول تخفيف معاناة المدنيين، وتقديم المساعدات عبر منظمات الإغاثة الدولية والمحلية.
المرحلة الثانية التحركات الدبلوماسية
عند ما بدأت الولايات المتحدة بالضغط على الأطراف المتصارعة عبر الجهود الدبلوماسية، مثل تنظيم مفاوضات بين الأطراف المعنية بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين. جاءت هذه التحركات في إطار محاولة تحقيق هدنة مؤقتة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية.
المرحلة الثالثة - فرض العقوبات الدولية
مع تزايد أعمال العنف وتصاعد الانتهاكات، قامت الإدارة الأمريكية بتوسيع نطاق العقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بالصراع. كانت العقوبات أداة للضغط على الأطراف لوقف التصعيد، مع تحذير الجانبين من تداعيات استمرار العنف على العلاقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
نقد الموقف الأمريكي ما بين المبادئ والواقع
على الرغم من أن الدور الأمريكي يبدو إنسانيًا وداعمًا للسلام في السودان، إلا أن هناك تناقضات ملحوظة في هذا الموقف -
ازدواجية المعايير في التعامل مع الأطراف المتصارعة
في حين يطلب البيان من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وقف العنف، يشير البيان بوضوح إلى أن قوات الدعم السريع مسؤولة بشكل كبير عن الأذى المدني. هذا التركيز قد يبدو للبعض تحاملاً على طرف واحد، بينما تتجاهل الولايات المتحدة بشكل جزئي دور القوات المسلحة السودانية، والتي تورطت بدورها في انتهاكات كبيرة، مما يخلق نوعًا من الازدواجية في معايير التعامل.
التأخر في التحرك الدولي الفعّال
رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية وفرض العقوبات، فإن بعض النقاد يرون أن الحكومة الأمريكية تأخرت في التدخل بشكل فعّال للضغط على الأطراف المتنازعة أو دفع المجتمع الدولي نحو حل دبلوماسي شامل. لم تحقق التحركات الدبلوماسية الأمريكية تقدمًا ملموسًا حتى الآن في إنهاء الصراع أو إيقاف تدهور الأوضاع الإنسانية.
التناقض في دور الولايات المتحدة في المنطقة
بينما تدعو الولايات المتحدة إلى إنهاء العنف وتعزيز السلام في السودان، فإن لها تاريخًا من التدخلات العسكرية والدعم غير المتسق للأنظمة في المنطقة، مما يجعل مواقفها في بعض الأحيان مثيرة للجدل. السودان نفسه كان هدفًا للعقوبات الأمريكية لعقود بسبب سياسات الحكومة السابقة، مما أضعف الاقتصاد السوداني وجعل البلاد عرضة للفوضى بعد الإطاحة بنظام البشير.
غياب حلول سياسية جذرية
ويركز البيان على الحلول الإنسانية والدعوة لوقف العنف، ولكنه لا يقدم خطة سياسية جذرية لإنهاء الصراع. يظل التركيز الأساسي على تقديم المساعدات وفرض العقوبات دون العمل على تسهيل عملية سياسية شاملة تدفع الأطراف المتنازعة نحو تسوية دائمة. وقد يؤدي هذا النهج إلى إطالة أمد الأزمة بدلاً من حلها.
رغم أن الولايات المتحدة أظهرت التزامًا كبيرًا بدعم الشعب السوداني في الأزمة الحالية، إلا أن مواقفها المتناقضة وتأخر التحرك الفعّال يثيران تساؤلات حول مدى جدية هذا الالتزام. ومع استمرار النزاع، تبقى الحاجة ماسة لتطوير استراتيجية شاملة تشمل حلولاً سياسية واقتصادية واجتماعية لإنهاء العنف وتحقيق سلام دائم في السودان. يتطلب الأمر مزيدًا من الجهود الدبلوماسية الصادقة والمستدامة من المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، للخروج بالسودان من هذه الأزمة.
في ظل التوترات العالمية والأزمات الإنسانية المتفاقمة، تبرز الولايات المتحدة كلاعب أساسي يدعي الدفاع عن قيم العدالة والسلام. غير أن تناقضاتها في التعاطي مع الأزمات المختلفة، من الصراع في غزة إلى الحرب السودانية، تكشف عن تفاوت في مواقفها وسياستها الخارجية. ففي غزة، تروج الولايات المتحدة لخطاب العدالة وحقوق الإنسان، لكن يُنظر إليها في بعض الأحيان على أنها تتبنى "عدالة متوهمة"، حيث تتجاهل الأفعال على الأرض لصالح حسابات استراتيجية وسياسية معقدة. وفي السودان، وبينما تتخذ خطوات نحو الضغط لإنهاء الحرب الدموية، تبدو هيمنة حلفائها على مسار الأحداث أكثر تأثيراً، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الجهود حقاً تصب في مصلحة الشعب السوداني أم أنها جزء من لعبة النفوذ الإقليمي والدولي.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة الولایات المتحدة تقدیم المساعدات فی السودان
إقرأ أيضاً:
السويداء تستقبل القافلة الخامسة من المساعدات الإنسانية
أفاد مراسل الجزيرة بدخول قافلة مساعدات إنسانية، هي الخامسة من نوعها، إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا، برفقة وفد من الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري. وضمت القافلة 47 شاحنة محمّلة بالطحين والمواد الطبية ومستلزمات إغاثية، بالإضافة إلى محروقات.
وقال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، غونثالو فارغاس يوسا، إن هذه القافلة هي الأولى التي يشارك فيها موظفو الأمم المتحدة إلى جانب الإمدادات. وأضاف: "سنتوجه إلى السويداء للقاء المجتمعات المحلية والاستماع إلى المتضررين من العنف والقتال، والاطلاع على احتياجاتهم بشكل مباشر".
من جهتها، أعلنت محافظة السويداء في بيان عبر تطبيق تليغرام عن انطلاق القافلة من العاصمة دمشق، مشيرة إلى أنها ستدخل من جهة بصرى الشام بريف درعا الشرقي، في إطار "جهود متواصلة لتعزيز الاستجابة الإغاثية للأسر المتضررة".
وتأتي هذه الخطوة في ظل وقف لإطلاق النار يسود المحافظة منذ 19 يوليو/تموز الحالي، عقب اشتباكات مسلحة استمرت أسبوعا بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، وأسفرت عن سقوط 426 قتيلا، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ورغم إعلان الحكومة السورية عن 4 اتفاقات متتالية لوقف إطلاق النار، فإن 3 منها انهارت سريعا، خاصة بعد اتهامات لمجموعة تابعة للشيخ حكمت الهجري بتهجير أفراد من عشائر البدو السنة وارتكاب انتهاكات بحقهم.
وتسعى الإدارة السورية الجديدة، التي تولت السلطة بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى فرض الاستقرار وضبط الأمن في مختلف مناطق البلاد.