منذ اندلاع الصراع في السودان قبل 17 شهرًا، عانت البلاد من أزمة إنسانية خانقة وصراع دموي ترك الملايين في حالة من النزوح والمجاعة، حيث استمرت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في تدمير حياة المدنيين والبنية التحتية. وفي خضم هذه الأزمة، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن لتسلط الضوء على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تقديم المساعدات الإنسانية ومحاولة إنهاء الصراع.

ومع ذلك، يبقى التساؤل حول مدى فعالية هذا الدور والموقف الأمريكي من الأزمة السودانية، خاصة في ظل السياسات السابقة والتناقضات التي شابت المواقف الأمريكية تجاه السودان.
موقف الإدارة الأمريكية من الحرب السودانية
في بيان الرئيس جو بايدن، وُصف الوضع في السودان بأنه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع دعوة صريحة لوقف القتال وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وأشار البيان إلى تشكيل "التحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان"، الذي يضم شركاء دوليين مثل الاتحاد الأفريقي ومصر والسعودية والإمارات، مما يعكس اهتمامًا دوليًا مشتركًا بالتعامل مع الأزمة.
كما أُعلن عن فرض عقوبات على 16 كيانًا وفردًا من المتورطين في الصراع وجرائم ضد الإنسانية. ومن خلال هذه الخطوات، تحاول الولايات المتحدة التأكيد على موقفها الصارم ضد الانتهاكات التي ترتكبها أطراف الصراع.
مراحل تعاطي الحكومة الأمريكية مع الأزمة السودانية
منذ بدء النزاع في أبريل 2023، تعاطت الإدارة الأمريكية مع الأزمة السودانية بعدة مراحل، يمكن تلخيصها في الآتي_
المرحلة الأولى - الاستجابة الأولية والتفاعل الإنساني , منذ البداية، ركزت الولايات المتحدة على تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، حيث قدمت أكثر من 1.6 مليار دولار كمساعدات طارئة. تمحور الدور الأمريكي في هذه المرحلة حول تخفيف معاناة المدنيين، وتقديم المساعدات عبر منظمات الإغاثة الدولية والمحلية.
المرحلة الثانية التحركات الدبلوماسية
عند ما بدأت الولايات المتحدة بالضغط على الأطراف المتصارعة عبر الجهود الدبلوماسية، مثل تنظيم مفاوضات بين الأطراف المعنية بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين. جاءت هذه التحركات في إطار محاولة تحقيق هدنة مؤقتة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية.
المرحلة الثالثة - فرض العقوبات الدولية
مع تزايد أعمال العنف وتصاعد الانتهاكات، قامت الإدارة الأمريكية بتوسيع نطاق العقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بالصراع. كانت العقوبات أداة للضغط على الأطراف لوقف التصعيد، مع تحذير الجانبين من تداعيات استمرار العنف على العلاقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
نقد الموقف الأمريكي ما بين المبادئ والواقع
على الرغم من أن الدور الأمريكي يبدو إنسانيًا وداعمًا للسلام في السودان، إلا أن هناك تناقضات ملحوظة في هذا الموقف -
ازدواجية المعايير في التعامل مع الأطراف المتصارعة
في حين يطلب البيان من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وقف العنف، يشير البيان بوضوح إلى أن قوات الدعم السريع مسؤولة بشكل كبير عن الأذى المدني. هذا التركيز قد يبدو للبعض تحاملاً على طرف واحد، بينما تتجاهل الولايات المتحدة بشكل جزئي دور القوات المسلحة السودانية، والتي تورطت بدورها في انتهاكات كبيرة، مما يخلق نوعًا من الازدواجية في معايير التعامل.
التأخر في التحرك الدولي الفعّال
رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية وفرض العقوبات، فإن بعض النقاد يرون أن الحكومة الأمريكية تأخرت في التدخل بشكل فعّال للضغط على الأطراف المتنازعة أو دفع المجتمع الدولي نحو حل دبلوماسي شامل. لم تحقق التحركات الدبلوماسية الأمريكية تقدمًا ملموسًا حتى الآن في إنهاء الصراع أو إيقاف تدهور الأوضاع الإنسانية.
التناقض في دور الولايات المتحدة في المنطقة
بينما تدعو الولايات المتحدة إلى إنهاء العنف وتعزيز السلام في السودان، فإن لها تاريخًا من التدخلات العسكرية والدعم غير المتسق للأنظمة في المنطقة، مما يجعل مواقفها في بعض الأحيان مثيرة للجدل. السودان نفسه كان هدفًا للعقوبات الأمريكية لعقود بسبب سياسات الحكومة السابقة، مما أضعف الاقتصاد السوداني وجعل البلاد عرضة للفوضى بعد الإطاحة بنظام البشير.
غياب حلول سياسية جذرية
ويركز البيان على الحلول الإنسانية والدعوة لوقف العنف، ولكنه لا يقدم خطة سياسية جذرية لإنهاء الصراع. يظل التركيز الأساسي على تقديم المساعدات وفرض العقوبات دون العمل على تسهيل عملية سياسية شاملة تدفع الأطراف المتنازعة نحو تسوية دائمة. وقد يؤدي هذا النهج إلى إطالة أمد الأزمة بدلاً من حلها.
رغم أن الولايات المتحدة أظهرت التزامًا كبيرًا بدعم الشعب السوداني في الأزمة الحالية، إلا أن مواقفها المتناقضة وتأخر التحرك الفعّال يثيران تساؤلات حول مدى جدية هذا الالتزام. ومع استمرار النزاع، تبقى الحاجة ماسة لتطوير استراتيجية شاملة تشمل حلولاً سياسية واقتصادية واجتماعية لإنهاء العنف وتحقيق سلام دائم في السودان. يتطلب الأمر مزيدًا من الجهود الدبلوماسية الصادقة والمستدامة من المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، للخروج بالسودان من هذه الأزمة.
في ظل التوترات العالمية والأزمات الإنسانية المتفاقمة، تبرز الولايات المتحدة كلاعب أساسي يدعي الدفاع عن قيم العدالة والسلام. غير أن تناقضاتها في التعاطي مع الأزمات المختلفة، من الصراع في غزة إلى الحرب السودانية، تكشف عن تفاوت في مواقفها وسياستها الخارجية. ففي غزة، تروج الولايات المتحدة لخطاب العدالة وحقوق الإنسان، لكن يُنظر إليها في بعض الأحيان على أنها تتبنى "عدالة متوهمة"، حيث تتجاهل الأفعال على الأرض لصالح حسابات استراتيجية وسياسية معقدة. وفي السودان، وبينما تتخذ خطوات نحو الضغط لإنهاء الحرب الدموية، تبدو هيمنة حلفائها على مسار الأحداث أكثر تأثيراً، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الجهود حقاً تصب في مصلحة الشعب السوداني أم أنها جزء من لعبة النفوذ الإقليمي والدولي.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة الولایات المتحدة تقدیم المساعدات فی السودان

إقرأ أيضاً:

بريطانيا تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في شرق الكونغو وتدعو لوقف فوري للقتال

أدانت بريطانيا هجوم حركة مارس 23 (إم 23) الأخير والسيطرة على مدينة أوبيرا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفق ما قالت جينيفر ماكنوتان، المستشارة الوزارية البريطانية، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي اليوم الجمعة.


وأضافت ماكنوتان في كلمتها أمام المجلس، أن المملكة المتحدة ترحب بتوقيع اتفاقات واشنطن الأسبوع الماضي، وتوقيع اتفاق الإطار في الدوحة الشهر الماضي، مشيدة بدور الولايات المتحدة وقطر والاتحاد الإفريقي في دفع هذه الجهود.. داعية الأطراف إلى تنفيذ هذه الاتفاقات والالتزام الكامل بها.

ولفتت إلى أن بريطانيا تشعر "بقلق بالغ" من تزايد العنف في جنوب "كيفو"؛ رغم التقدم السياسي، مدينةً الهجوم الذي شنته حركة (إم 23) والسيطرة على أوبيرا "بدعم من قوات الدفاع الرواندية".. داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار والامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2773، مؤكدة أنه "لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري لهذا النزاع".

وأشارت إلى أن التصعيد الأخير فاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلًا، مع فرار لاجئين عبر الحدود إلى بوروندي عقب الهجمات الأخيرة للحركة.

كما أعربت عن قلق بلادها من التقارير المستمرة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.. قائلة: إن المجلس استمع اليوم لشهادات "مؤلمة" من منظمة "أطباء بلا حدود" حول هذه الانتهاكات، المنسوبة خصوصًا إلى حركة (إم 23) وميليشيا "وازاليندو".

وأكدت ضرورة التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني وضمان حماية المدنيين، مبينة أن المملكة المتحدة تجدد دعمها الكامل لبعثة الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)، التي تواصل لعب دور "أساسي"، لا سيما في حماية المدنيين، كما أعربت عن دعم لندن لدور محتمل للبعثة في مراقبة وقف إطلاق النار لتعزيز التقدم السياسي نحو السلام.

وشددت على ضرورة أن تتمكن البعثة من تنفيذ تفويضها دون عوائق، داعيةً حركة (إم 23) إلى رفع جميع القيود المفروضة على عملياتها، وحاثّةً جميع الأطراف على ضمان حرية حركة البعثة وفق قرارات المجلس.

مقالات مشابهة

  • غوتيريش والصفدي يبحثان دعم الأونروا في ظل الكارثة الإنسانية بغزة
  • بريطانيا تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في شرق الكونغو وتدعو لوقف فوري للقتال
  • السودان بين العواصف الدبلوماسية وتضييق الخناق الدولي على المليشيات وتصاعد الأزمة الإنسانية
  • صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
  • أكد عدم اطلاعهم عليها بعد.. مسؤول بالكرملين: قد لا نرحب بالمقترحات الأمريكية الأخيرة بشأن الصراع في أوكرانيا
  • الولايات المتحدة تهدد بتقليص مساعداتها لجنوب السودان
  • الإمارات: الحرب في السودان بلا منتصر والإغاثة يجب أن تتدفق دون عوائق
  • الإمارات تؤكد على أولوية التوصل لهدنة إنسانية فورية بالسودان
  • علي فوزي يكتب.. السودان بين الصراع والبحث عن قائدٍ وطني
  • الكونغرس:تجميد 50%من المساعدات الأمريكية للعراق إلا بعد حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي