“إسرائيل” تفرض حالة تأهب قصوى وتغلق المدارس والشواطئ شمالاً خوفاً من رد حزب الله
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
الجديد برس:
فرضت المؤسستان الأمنية والعسكرية لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي حالة تأهب قصوى داخلية، السبت، وسط احتمالات تصعيد كبير من حزب الله، بعد الاعتداءات التي ارتكبها الاحتلال في لبنان على مدار الأيام الماضية.
وأصدر جيش الاحتلال تعليمات للجبهة الداخلية، تضمنت فرض قيود جديدة بشأن التعليم والتجمعات من حيفا إلى الشمال، على طول الحدود الفلسطينية مع لبنان، بحيث يُمنع التجمهر في الخارج لأكثر من 30 مستوطناً، ولأكثر من 300 مستوطن في داخل المباني.
وفي هذا السياق، أكد الإعلام الإسرائيلي أن “آلاف التلاميذ لن يتمكنوا غداً من الذهاب الى المدارس، من حيفا حتى الشمال، بسبب التعليمات الجديدة”.
وأوعز الجيش الإسرائيلي أيضاً في إغلاق شواطئ شمالي فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى إقفال المؤسسات التعليمية في مدن عكا وحيفا وكرميئل، والتي “لا يمكن الوصول إلى الملاجئ القريبة منها خلال دقيقة واحدة”.
وأعلن أيضاً إغلاق الشواطئ في حيفا وعكا ونهاريا وبحيرة طبريا، والمجال الجوي في المنطقة الواقعة بين جنوبي حيفا والحدود الشمالية، حتى الثلاثاء المقبل.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، عن مصدرٍ مسؤول – لم تسمه -، قوله “إننا نأخذ في الاعتبار أن التصعيد قد يقود إلى حرب حقيقية”، في حين أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن “الجيش الإسرائيلي يخشى أن يستهدف حزب الله أماكن جديدة لم يصل إليها بعد”.
وقال الإعلام الإسرائيلي إن التعليمات الجديدة “تؤثر بصورة كبيرة” في مئات آلاف الإسرائيليين، وتخلق توتراً في الأجواء، في ضوء التصعيد في الشمال.
وأشارت القناة إلى أن هناك فرصاً متزايدة لإلغاء سفر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للجلسة العامة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب الوضع الأمني.
وتعليقاً على الموضوع، قال معلق الشؤون العسكرية في قناة “الـ 13″، ألون بن ديفيد، إن “لا أحد لديه خطة دقيقة تحدد كيف يمكن لخطوات التصعيد في اليومين الأخيرين في الشمال أن تؤدي إلى تغيير الواقع، عبر أثمان، تكون معقولة للجمهور الإسرائيلي”.
المصدر: الجديد برس
إقرأ أيضاً:
أزمة نفسيّة متفاقمة داخل “الجيش” الإسرائيلي
منذ اندلاع حرب طوفان الأقصى، التي دخلت شهرها العاشر من دون أفقٍ للنهاية، يتكشّف يومًا بعد آخر، وبحسب التقارير الإسرائيليّة الرسميّة والإعلاميّة، عن بذور لظاهرة الأزمة النفسيّة المجتمعيّة داخل “إسرائيل”، ولا سيّما في صفوف جنود الجيش، الذين لم يعودوا فقط قرابين للكمائن أو العبوات الناسفة لحربٍ بات يصفها منتقدوها بالحرب العبثيّة الأبديّة، غير واضحة الأفق والمآل، بل باتوا أيضاً أسرى لاضطرابات نفسيّة خطيرة تفجّرت على وقع استمرار إعلانات الـ”سمح بالنشر” وعدّاد القتلى والجرحى في قطاع غزّة، وذلك إلى جانب المآزق الأخلاقيّة والانتهاكات الميدانيّة التي دفعت بكثيرين منهم إلى حافّة الانهيار، بل وما بعدها.
من الجبهة إلى العيادة
شهادات الأمّهات، كقصّة والدة الجندي التي وصفت بيتها بأنّه “حقل ألغام عاطفي”، تنقل معاناة لا تُرى، لكنها تلتهم أرواحًا شابّة تنوء تحت عبء الحرب المستمرّة.
وتحكي عن قصص المصابين بصدمات الحرب حيث لا يعود الجنود كما كانوا، بل يعودون من الخدمة ونفوسهم محطّمة ومرهقة. هذا الانفجار الداخلي يتجلّى في المعطيات الرسميّة: أكثر من 3769 جندي اعترف بهم الجيش كمصابين باضطراب ما بعد الصدمة منذ بدء الحرب، وأكثر من 10,000 آخرين يواجهون أزمة نفسيّة، في حين تشير التقديرات إلى أنّ تزايد الأعداد سيصل في الفترة الزمنيّة القريبة إلى حوالي الـ50 ألف شخص غالبيّتهم بسبب الحرب المستمرّة في غزّة، وأنّ نصف مصابي الجيش الإسرائيلي المتوقّعين حتى العام 2028 سيعانون إعاقات نفسيّة دائمة، سترفع رقم الجرحى المسجلين والمعاقين المعترف بهم من قبل شعبة التأهيل في وزارة الأمن الإسرائيليّة إلى ما لا يقلّ عن 100 ألف معاق، وهذه الأرقام كما تشير التقارير وإن كانت صادمة، ليست سوى قمّة جبل الجليد الآخذ بالتصاعد.
الأخطر من المعطيات هو ما تكشفه الظواهر النفسيّة ذاتها. اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يظهر في استمرار العيش بدوامة الحدث الصادم والتي تتجلى أهم أعراضها، بالأرق الدائم، ونوبات غضب، وتجنب اجتماعي، وانفصال عن الواقع، وكوابيس واضطراب مصاحب في المزاج، هذه المعطيات لا تشير إلى مجرّد ضرر نفسي عابر، بل بداية لظاهرة انهيار عميقة في البنية المعنويّة داخل المجتمع الإسرائيلي. فعندما يكون المصاب جنديًّا مقاتلاً، يصبح الاضطراب تهديدًا مباشرًا لقدرة الجيش على القتال، ولصورة “الصلابة والصمود النفسي” الذي لطالما تباهت بها المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة.
انهيار “الصلابة النفسية”
مصطلحات مثل “المرونة النفسيّة” و”الصلابة والصمود النفسي” لم تعد تنطبق على من يعانون من كوابيس الحرب والقتال وصرخات الجرحى وصور أصحابهم القتلى من الجنود. لقد عَبَر الكثر من جنود الجيش الإسرائيلي ما يُعرف في علم النفس بـ”عتبة الانفجار النفسي”، وهي اللحظة التي لا يعود فيها الجسد والعقل قادرَين على التحمّل. فيصبح الهروب من القتال، ورفض تنفيذ الأوامر، وارتفاع نسب الانتحار ظاهرة تتجاوز توصيف الحالات الفرديّة، بل تصبح مؤشّرات على اهتزاز بنية الصمود الداخلي للمنظومة العسكريّة.
رفض الخدمة لم يعد محصورًا في جماعات “يساريّة” أو معارضة لسياسات الحكومة ورئيسها، بل بات سلوكًا دفاعيًّا يلجأ إليه جنود عاديّون أنهكتهم الحرب. الجنود من لواء النخبة الناحل 933 الذين رفضوا تنفيذ أمر الدخول إلى القتال في قطاع غزّة، وأُرسلوا إلى السجن، والجندي الذي انتحر بعد أشهر من عمله في وحدة التعرّف على الجثث، وتزايد حالات الانتحار كلها تكشف عن حالة التصدع النفسي الذي يضرب داخل الجيش. عندما يتحوّل القتل إلى “روتين يومي”، تفقد المعايير الأخلاقيّة معناها، ويتحوّل الجندي إلى كائن هشّ يبحث عن مخرج – أحيانًا عبر التمرد، وأحيانًا عبر الموت.
الصمت الأعلى: أخوّة الضباط ونادي الذكورة المنهار
في هذا المشهد، يبرز “صمت القادة” بوصفه صمتًا منهجيًا لا يمكن فصله عن المنظومة. المتخصّص في الشؤون الأمنيّة والعسكريّة يوسي ملمان وصف صمت الجنرالات بـ”صمت الخراف”، مدفوعًا بمصالح متشابكة داخل نادٍ مغلق من الضباط. الصمت ليس فقط أخلاقيًّا، بل هو صمت على مأساة نفسيّة تتفشّى على حدّ قوله في المؤسّسة العسكريّة من أعلى الهرم حتى أدنى الجنود. الجنود يتحدّثون عن ضباط يمنعونهم من التذمّر أو حتى الحديث مع أهاليهم، ويهدّدونهم بالسجن إن أبدوا هشاشتهم. إنّه قمع مزدوج: قمع للعدو وقمع للنفس.
الانتحار: حين تفشل كلّ الآليّات الدفاعيّة
الانتحار هو الكارثة القصوى. منذ بداية الـ2025، أُعلن عن المئات من الجنود الذين وصلوا إلى أوضاع متطرّفة استدعت دخولهم إلى مؤسسات استشفائيّة نفسيّة قسرًا فيما سُمح بالنشر والكشف عن 17 حالة انتحار منذ بداية العام الحالي 2025 لا تشمل جنود جيش الاحتياط – وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب الإسرائيليّة. ومن المتوقّع، بحسب علماء النفس، أن يرتفع هذا الرقم أكثر بعد انتهاء الحرب، حين تبدأ الأعراض المتأخّرة بالظهور. هؤلاء المنتحرون ليسوا فقط من المقاتلين، بل يشملون أيضاً جنودًا في وحدات الدعم، مثل وحدة التعرف على الجثث، ما يشير إلى أنّ “خط النار” لم يعد يفصل بين الجنود المعرّضين للخطر والآخرين.
الجميع متورّط في الجبهة، حتّى من لا يطلق النار.
التمويل بدل العلاج: رشوة نفسيّة لتعويض الفشل
في مواجهة هذا الانهيار، اختارت المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة خيار “المال بدل العلاج”. مضاعفة رواتب الاحتياط بثلاثة أضاعف قرابة الـ(8000 $) كمعدّل وسطي. دفع رواتب تعادل رواتب موظّفي الهايتك للجنود المرهقين، لا يشكّل حلاً نفسيًّا، بل إدمانًا جديدًا على الإنكار والتهدئة الاصطناعيّة. تعويض الجنود ماليًّا لإبقائهم في جبهة مهترئة معنويًّا، يعني فقط ضخّ المزيد من الوقود في نار الانهيار الجماعي.
نحو انهيار نفسي جماعي؟
ما يواجهه الكيان الإسرائيلي اليوم ليس مجرّد أزمة أمنيّة أو استراتيجيّة، بل أزمة نفسيّة جماعيّة قد تهدّد كيانها من الداخل. تآكل الجبهة الداخليّة، وانفجار الاضطرابات النفسيّة في صفوف الجنود والمدنيّين، وتفشّي الانتحار، كلّها إشارات إلى أنّ الحرب، ومع طول أمدها عسكريًّا، فإنّها ستتسبّب بالمزيد من التراجع في حافزية القتال وانخفاض الروح المعنويّة لدى الجنود وبالتالي المزيد من التراجع في جاهزيّة الجيش للاستمرار في الحرب وتضرّر تحقيق أهدافها المعلنة.
“لا هدنة للنفس” ليست مجرّد استعارة عابرة من الطبيبة النفسيّة الإسرائيليّة يردن لفينسكي، بل وصف دقيق لحالة جماعيّة من الإنهاك النفسي، يتوارى خلفها جيش يفقد بالتدريج قدرته على التحمّل، وتنهار داخله ركائز “الجاهزيّة النفسيّة” و”الاستعداد القتالي”، في ظلّ حرب لم تترك للكثيرين منهم حتّى حلم العودة… إلا في التوابيت أو مع إعاقات وجراح جسديّة ونفسيّة دائمة.
كاتب واستاذ جامعي لبناني