قد لا نصدق أن أبشع البشر وأكثرهم خطرا وشرا فى الحياة هم هؤلاء الخائفون الذين تربوا على الخوف وترسب الخوف بأعماقهم ومخزونهم الذهنى وصار هو المحرك لهم، هؤلاء يصبحون أكثر الناس شراسة وعنفا ولصوصية وفسادا ونفاقا، من منطلق ايجاد دروع خاصة بهم تحميهم من الآخرين، حتى لو كان الآخرون لا يسعون إلى إيذائهم أو المساس بحقوقهم وحياتهم، ضربات الإنسان الخائف قاتلة لأنها تتوزع فى عشوائية للهجوم قبل الدفاع عن أنفسهم، مكتسباتهم فى الحياة مهما كانت صغيرة، ويحاولون تضخيم هذه المكتسبات على حساب الاخرين خوفا من فقدها.
ليس بالضرورة أن تظهر معالم الخوف على وجوه هؤلاء أو فى ارتعاش ايديهم وانكماشهم فى زوايا الحياة، بل يظهر خوفهم فى محاولاتهم الدائمة التعملق والعلو والغلو والهجوم بلا مبرر وايذاء كل من حولهم، ليصبح هؤلاء رموزًا للشر المستطير، ولو حقق أى منهم نجاحًا ما فى الحياة فإن خوفه سيجعله يحارب كل من حوله حروبا غير شريفة للحفاظ على نجاحه، ولو حقق ثروة، سيرتكب كل موبقات العالم للحفاظ عليها وزيادتها لخوفه من فقدها.
الزعيم الألمانى النازى ادولف هتلر الذى روع العالم بجرائمة واشعل الحرب العالمية الثانية ودمر بلده قبل بلدان العالم، نشأ طفلًا خائفًا مرعوبًا من كل شيء، كان والده قاسيًا يضربه بالسوط هو ووالدته، ونشأ خائفًا أيضًا من الفقر بسبب ظروف أسرته التى كانت تنتقل من مكان لآخر بأحياء فقيرة، كان خائفًا من الموت بعد أن مات أربعة اشقاء له وهم أطفال بأمراض مختلفة، خائف من المرض خاصة السرطان لأن والدته أصيبت به وماتت، خائفا من سخرية الناس منه لقامته القصيرة، ترجم كل مخاوفه فى عملقة نفسه، التفرد بالقرار فى ديكتاتورية مطلقة وفاشية بشعة، ومارس القتل للمرضى والمعاقين حتى لا يبقى فى تصوره جنسا بشريا قويا يسود العالم بلا أمراض وكأنه ينتقم لأخوته الاربعة الذين قتلتهم الأمراض، لقد كان الخوف هو المحرك له فى كل تصرفاته وقراراته السياسية والعسكرية المضطربة وهو يحاول أن يشق طريقه حتى وصل إلى سدة الحكم فكان ديكتاتوريا فاشيا وقاتلا متوحشا.
ليس هتلر فقط، هناك موسيلينى الذى لم تكن طفولته سوية ايضا مع والده غير المتعلم، وفى الحرب العالمية الثانية كان متوحشا حيث أمر الإيطاليين الفاشيين بضرب مستشفى الصليب الأحمر وقتل كل من بها وأمر بتنفيذ العديد من المذابح، وهو من أبشع الشخصيات التى عرفها العالم، وتم قتل أكثر من مائتى ألف شخص فى فترة حكمه.
ولو دفعنا فضول المعرفة لقراءة تاريخ الطفولة لكل قادة وزعماء العالم من الديكتاتوريين الفاشيين المتوحشين وايضا اشهر المجرمين وعتاة السفاحين، سنجدهم بلا استثناء عاشوا طفولة بائسة معقدة مليئة بالخوف والتخويف أو حتى الاعتداء الجنسي، مثل المجرم والسفاح الشهير جيفرى آدمز، المجرم العالمى آدم لانزا الذى قتل أمه ثم اتجه إلى إحدى المدارس وأطلق النار عشوائيا على كل من اعترض طريقه، والمجرم السفاح تيد باندى وغيرهم كثيرون.
نادرون من يكسرون أسوار الخوف ويغادرون سجنه ويعالجون أنفسهم لينطلقوا إلى الحياة بسلام نفسى لتنجو منهم الحياة ومن شرورهم، قليلون جدا من توصلوا إلى الطاقة الإيجابية التى بداخلهم وتمكنوا من تفعيلها واستخدامها لتسير حياتهم بصورة طيبة حتى لا يتسببوا فى إيذاء الآخرين، الكاتب والمفكر باولو كويلو مؤلف كتاب الخيميائى نجح ولو بعد حين فى التخلص من الخوف والترهيب الذى تعرض له منذ طفولته والذى كان منه إدخاله إلى مصحة عقلية بمعرفة والديه فى سن المراهقة، بعد تعرضه فى شبابه للسجن بسبب معارضته لنظام الحكم والتمرد عليه، قرر أن يهزم خوفه الذى يدمر حياته، فكانت الكتابة هى المتنفس الذى أفرغ فيها كل الطاقات المحتبسة بداخله، الإيجابى منها والسلبي، فى شخوص رواياته كان هو الطيب والشرير، كان الراهب الذى عرف طريقه إلى الله والتائه الضائع الذى يبحث له عن هدف فى الحياة، عن كنزه، ذاته الحقيقية، ولقد فعل هذا بحنكة وعبقرية تحسب له فى روايته الخيميائي، وللحديث بقية
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الخيميائى وطاقة الشر ٤ فكرية أحمد فى الحیاة
إقرأ أيضاً:
«ترامب» بني سياسة السالم اخلارجية.. وتفجير األزمات الداخلية
خلال ساعتين فقط يوم الخميس، حقق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب انتصارين متباينين يعكسان طبيعة رئاسته المنقسمة. الأول كان دبلوماسيًا ضخمًا بعدما احتفلت إدارته بتوصل إسرائيل وحماس إلى المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب المدمرة فى غزة. أما الثانى فكان داخليًا مثيرًا للجدل حين وُجهت لائحة اتهام إلى المدعية العامة فى نيويورك ليتيتيا جيمس، بعد أيام من مطالب ترامب العلنية بمحاكمتها، فى خطوة وُصفت بأنها آخر فصول انتقامه من خصومه السياسيين.
وبينما سعى ترامب لتسويق نفسه كـ«صانع سلام» على المسرح الدولى، كان يغذى فى الداخل سلسلة من الصراعات المحتدمة مع الديمقراطيين والهيئات القضائية والإعلامية. هذه الازدواجية، كما وصفتها الصحف الأمريكية، باتت العلامة الأبرز فى رئاسته الثانية، وأداة فى الوقت ذاته يستخدمها خصومه وحلفاؤه لتغذية معاركهم السياسية.
الصور التى اجتاحت الإعلام هذا الأسبوع عكست بوضوح هذا الانقسام. ففى شوارع غزة وتل أبيب، رقص الإسرائيليون والفلسطينيون ابتهاجًا بوقف إطلاق النار الذى أنهى حربًا استمرت لعامين كاملين، بينما اندلعت فى الوقت ذاته اشتباكات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن الفيدرالية فى مدن أمريكية معارضة لسياسات ترامب، بعد نشره الجيش فى مناطق يقودها ديمقراطيون رفضوا تدخله.
البيت الأبيض سعى إلى تفسير هذه التناقضات باعتبارها مظهرًا لوحدة الهدف. إذ قال مسئول رفيع لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن تدخل ترامب فى غزة لإرساء السلام جاء من الدافع نفسه الذى دفعه إلى إرسال قوات إلى شيكاغو، وهو «وقف العنف وتعزيز الاستقرار». وأكد المسئول أن الديمقراطيين يتحملون المسئولية الكاملة عن تداعيات الإغلاق الحكومى الراهن.
المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلى وصفت ما نشرته «نيويورك تايمز» حول تناقضات ترامب بأنه «مغالطة جديدة من الصحيفة الفاشلة»، وقالت فى بيان: «ترامب يعمل على إنهاء الصراعات حول العالم كما يقمع العنف فى مدن البلاد. لقد نجح فى الداخل والخارج. نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس جارية، ومدن أمريكية مثل واشنطن العاصمة تشكره على موارده التى حققت مزيدًا من العدالة للضحايا ومحاسبة المجرمين».
وبينما وصف أنصاره اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة بأنه «تحويلى»، واعتبروا لائحة الاتهام ضد ليتيتيا جيمس «محكمة»، فإن منتقديه أكدوا أن ترامب يستثمر الفوضى ويراها تصب فى مصلحته. زيليزر شدد على أن «ترامب لم يكن بحاجة إلى الدفع نحو هذه التهمة فى هذا التوقيت، لكنه فعل ذلك لأنه يرى الفوضى وسيلة لكسب أوراق سياسية إضافية».
ودافع مايك ديفيس، رئيس مجموعة «المادة الثالثة» المحافظة عن خطوة توجيه الاتهام قائلًا: «لقد شنت حربها القانونية على الرئيس وحاولت إفلاسه، وبعد سنوات من قولها إن لا أحد فوق القانون، جاء اليوم الذى تخضع فيه للقانون ذاته». أما جاستن لوجان، من معهد كاتو، فأشار إلى أن تصرفات ترامب تكشف نظرته إلى السياسة، قائلًا: «ترامب يرى أن المؤسسات الفيدرالية والإعلام والجامعات جميعها أدوات فى صراع سياسى مستمر، ويعتقد أن الجمهوريين تخلوا عن دورهم لعقود».
الضغط النفسى الذى عاشه ترامب ظهر بوضوح فى نهاية الأسبوع. ففى فعالية داخل المكتب البيضاوى أعلن خلالها عن صفقة لخفض أسعار الأدوية الموصوفة، لم يتردد فى الانتقال مباشرة للحديث عن اتفاقه فى الشرق الأوسط، واصفًا الاحتفالات باقتراب نهاية الحرب بأنها «شىء جميل لم يره من قبل». وأضاف: «لم أرَ قط شعوبًا أسعد من تلك التى فى إسرائيل ومناطق أخرى، الجميع يرقصون فى الشوارع». لكنه سرعان ما عاد ليهاجم قادة إلينوى وشيكاغو، واصفًا الحاكم الديمقراطى جيه بى بريتزكر بأنه «حاكم أخرق» والعمدة بأنه «رجل غير كفء»، مؤكدًا: «نحن ذاهبون إلى شيكاغو لإنقاذ شيكاغو».
الدكتور محمد أوز، الذى يشغل منصب مدير مراكز الرعاية الطبية، سعى إلى وضع أفعال ترامب فى سياق أشمل قائلًا: «العالم يراقب ترامب وهو يحاول إحلال السلام فى كل مكان، لكنه فى الوقت نفسه يجلب راحة البال للأمريكيين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف أدويتهم».