يقصر بعضنا في أداء بعض الواجبات الضرورية التي أمرنا الإسلام بها، ومن بين تلك الأمور التضامن الاجتماعي مع المحيطين بنا سواء في العمل أو في البيئة التي نعيش فيها. ومن بين هذا التقصير «التراخي عن تقديم واجب العزاء»، وأيضًا التقصير في زيارة المرضى والمصابين، وحتى السؤال عن أحوالهم والاطمئنان على صحتهم. إضافة إلى ذلك، يكف بعضنا عن مد اليد لمساعدة المحتاجين والوقوف إلى جانبهم في محنتهم، وغيرها من الأمور التي من المفترض أن نقوم بها، وقد أصبحنا نقصر في أدائها معتقدين بأن هناك متسعًا من الوقت، وتكون الظروف والمشاغل هي الشماعة التي نعلق عليها إخفاقنا في التواصل مع الآخرين!

تعتبر النقاط التي ذُكرت آنفًا من بعض الواجبات الإنسانية والدينية التي يجب أن نحرص على أدائها وعدم تركها للظروف، فلو أردنا تفنيدها بشكل دقيق لوجدنا أن مشاركة الناس لا تقتصر فقط على أوقات «الأفراح» والمناسبات السعيدة وحضور موائد الغداء أو العشاء، وإنما يُفترض علينا الحضور في الأحداث العصيبة، ومنها عند نزول المصائب والبلاء بالآخرين، ففي تلك اللحظة بالذات، يصبح الإنسان في أمس الحاجة إلى وجود الآخرين إلى جانبه، سواء لمواساته أو لتقديم العون له بتوفير الضروريات التي يمكن أن تخفف من الضغوطات والأحزان التي يشعر بها المصابون من البلاء.

كما أن مشاركتنا للناس هي نوع من المساندة المعنوية التي يمكن أن يكون لها أثرها الإيجابي في نفوس من حولنا حتى يستطيعوا الخروج مما يؤلم قلوبهم في مبتلاهم، خاصة عندما يفقدون عزيزًا عليهم وتصبح أحوالهم صعبة للغاية، لذا هم بحاجة ملحة إلى وجودنا إلى جانبهم كنوع من الود الذي نقدمه لهم.

في بعض الأوقات، لا يكون المال كافيًا من أجل انقضاء غُصَّة في القلب كان سببها فقد عزيز أو صديق أو قريب، ولكن تقارب الناس من بعضهم البعض، وشعورهم بمعاناة الآخرين هو سبب في إزالة الهموم وكشف الكرب عنهم.

في وقتنا الراهن، البعض يتحجج بأنه مشغول! وينسى أن هناك وسائل متاحة وبدائل وطرق تواصلية سهلت على الناس أداء الواجب الذي عليهم على أقل تقدير. كما مهدت التكنولوجيا الحديثة الطريق للناس ليتمكنوا من مشاركة الآخرين أحزانهم والتضامن معهم بشتى الطرق، أما عن مشاغل الحياة فهي لا تنتهي أبدًا ولن تنقضي، ولكن العمر هو الذي يذهب سريعًا دون أن نشعر به.

أما من يترجل عن الدنيا وما فيها، فالناس في سباق محموم، لا يعلمون من سيسبق بعضهم البعض نحو النهاية، ولكن يظل أداء الواجبات الإنسانية مرتبطًا بالحياة واستمرارها. لذا على المسلم أن يؤدي ما عليه من واجبات مجتمعية تجاه الآخرين، بحيث يكون عونًا وسندًا لإخوانه الذين يعرفهم أو حتى الذين لا يعرفهم، فالإسلام منحنا الكثير من الوسائل للتعبير عن تضامننا مع من يعيش بجوارنا أو بعيد عنا.

هناك حكمة جميلة تقول: «الناس في ألمك خمسة: شخص يتمنى لك الألم، وهذا العدو فاحذره، وشخص لا يعنيه ما أنت فيه من ألم، وهذا البليد فأعذره، وشخص يكره لك الألم وهذا المحايد فاشكره، وشخص يقاسمك الألم، وهذا الصديق فانصره، وشخص يتمنى أن يحمل عنك الألم وهذا الحبيب فاذكره».. وقيل ايضا: « ليس الروعة ان ترى من تحب كل يوم، ولكن الروعة أن تشعر بوجوده حولك حتى وان كان بعيدا عنك، فهناك مسافات تقطعها القلوب شوقا ولا تدري الأقدام عنها شيئا».

الشيء بالشيء يذكر، فمنذ أيام قليلة قرأت للكاتبة البحرينية منى علي المطوع مقالًا نشرته قبل أربعة أعوام في صحيفة الوطن البحرينية، ترصد فيه بعضًا من الظواهر الخاطئة التي تحدث في أداء واجب العزاء، ونقتبس جزءًا مهمًا منه، فهي تقول: «من المظاهر الغريبة التي بتنا نراها في العزاء، أن يأتي البعض للعزاء وبدلًا من تقديم واجب العزاء والجلوس قليلًا ثم المغادرة، يأتي ويتصدر الجلسة، ولا يبقى شخص دون أن يتحدث معه، بل وتصل الأمور أحيانًا إلى النقاشات. وهناك من يحول العزاء إلى جلسات «أخذ العلوم» بالأخص في العزاءات النسائية... لا ندري هل هم جاءوا للتعزية أم للتركيز على الآخرين وأحوالهم، وهناك من يرى من العزاء برنامجًا لإحداث المشاكل وإيقاع الخلافات، وفرصة لإيذاء الآخرين، والأدهى هناك من يقوم بالتصوير دون أن يعلم الناس ويرسل الصور على مجموعات واتساب خاصة بالأصدقاء والمقربين.. وهكذا يتحول العزاء إلى حدث تحليلي بين البعض ومصدر شماتة، وهناك من يهتم برؤية من بكى كثيرًا ومن بكى قليلًا لعقد المقارنات أيهم أكثر حزنًا، والله إنه لمخجل ومعيب أن نصل إلى هذه المستويات الطفولية والهابطة جدًا».

هذا المقال ذكرني بما كنت أشاهده أحيانًا في بعض مجالس العزاء، فهناك من يهتم أكثر بمتابعة المجموعات «الواتسابية» في هاتفه وهو جالس في العزاء، والبعض الآخر يحكي قصصًا وحوارات بعيدة عن الهدف الذي جاء من أجله، وشخص يوزع الضحكات ويتلذذ بأن يكون صوته عاليًا بين الحضور وكأنه على منبر جماهيري، وآخر حضر من أجل أن يذكر اسمه بين الحضور ثم ينسحب خلال دقائق معدودة وكأن الأمر لا يشكل له أي اهتمام أو موعظة دنيوية. لذا أصبح أغلب الموجودين لهم هدف وغاية تخرجه من موضوع «تأدية العزاء والوقوف إلى جانب أهل المتوفى ومساندتهم معنويًا» إلى أبعد من ذلك، فهل يمكن أن نعتبر هذا الحضور هو الرجاء الذي يكشف الكربة عن النفوس المتعبة من ألم الفقد والفراق؟!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: واجب العزاء هناک من

إقرأ أيضاً:

جامعة الإسكندرية تنظّم فعاليات مميزة ضمن دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" بكلية التمريض

شهدت جامعة الإسكندرية يومًا مميزًا ضمن فعاليات دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" التي نظمها إتحاد طلاب الجامعة بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية، وذلك بكلية التمريض.

  شارك فى الفعالية الدكتورة حنان الشربيني عميد كلية التمريض، والشيخ أحمد علي مدير فرع دار الإفتاء المصرية بالإسكندرية، والدكتور عمرو الورداني أمين الفتوى وعضو اللجنة الاستشارية العليا بدار الإفتاء المصرية.

ذلك فى إطار حرص جامعة الإسكندرية على دعم وعى الشباب وتعزيز إدراكهم للتحديات الفكرية والنفسية المعاصرة، وتحت رعاية الدكتور عبد العزيز قنصوه، رئيس جامعة الإسكندرية، وإشراف وتوجيه الدكتور أحمد عادل عبد الحكيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب

   تناولت الدورة مجموعة من الموضوعات التي تمس واقع الشباب، منها الإلحاد وسبل تحصين الفكر الديني، والإدمان الخفي والسلوكيات الضارة، وخطورة التدخين على الشباب، وضوابط علاقات الصداقة بين الشباب والفتيات، والتطرف الديني وطرق الوقاية منه، بالإضافة إلى قضايا التوازن النفسي واستعادة الاستقرار بعد الانهيار.

    وقدم الدكتور عمرو الورداني، جلسة تفاعلية مع الطلاب، وحوار ثرى تناول أسئلة جوهرية تتعلق بالهوية الدينية والشكوك الفكرية والضغوط النفسية والعلاقات الإنسانية، حيث قدّم الورداني إجابات اتسمت بالوضوح والعمق، مستندة إلى منهج يجمع بين المعرفة الشرعية والرؤية التربوية، مؤكدًا أن الدين يمثل مساحة آمنة للفهم والاتزان بعيدًا عن الخوف أو الانغلاق، وأن الحوار الواعي هو الأساس في دعم الشباب وتحصينهم فكريًا ونفسيًا.

من جانب اخر  فى إطار التعاون بين جامعة الإسكندرية وقوات الدفاع الشعبي والعسكرى لتعزيز قيم الانتماء لدى الطلاب، وتحت رعاية الدكتور عبد العزيز قنصوة رئيس جامعة الإسكندرية، نظّمت قوات الدفاع الشعبى والعسكرى، محاضرة تثقيفية موسعة حول تحديات الأمن القومي المصري ومواجهة الشائعات، وذلك بكلية العلوم.

    ألقى المحاضرة اللواء الدكتور أركان حرب محمد أنور الهمشرى مستشار مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة، وشارك بالحضور قيادات الكلية، ومسئولى إدارة التربية العسكرية بالجامعة.

   وقدّم اللواء الهمشرى خلال المحاضرة رؤية تحليلية شاملة حول التحديات الإقليمية وقدرة الدولة المصرية على صون استقرارها وحماية حدودها، واستعرض مفهوم الأمن القومي المصري في ظل بيئة إقليمية مليئة بالتوترات، مشددًا على جاهزية القوات المسلحة ومؤسسات الدولة في حماية حدود الوطن ومواجهة التحديات الأمنية المعقدة. وتناول جهود الدولة في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود الغربية والجنوبية والشرقية، مؤكدًا أن وعي المواطن يمثل عنصرًا محوريًا في حماية الأمن القومي، وأن الشائعات قد تشكّل تهديدًا لا يقل خطورة عن التحديات العسكرية المباشرة.

   وأشار العقيد محمد ماهر، مدير إدارة التربية العسكرية، أن هذه اللقاءات تستهدف تحصين الشباب من الشائعات والأفكار المضللة، وإكسابهم القدرة على التحليل والتمييز، مشيرًا إلى استمرار جهود التربية العسكرية في دعم الطلاب وتعزيز دورهم في حماية أمن الوطن.

  واختُتمت الندوة بحوار مفتوح بين الطلاب والمحاضر، تضمن أسئلة ونقاشات حول دور الشباب في دعم استقرار الدولة، وآليات التحقق من المعلومات وتمييز الأخبار الموثوقة عن الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • برج العقرب حظك السبت 13 ديسمبر 2025… يوم يكشف لك نوايا الآخرين
  • سيف بن زايد يقدم واجب العزاء بوفاة عتيق المهيري
  • حمدان بن محمد يقدّم واجب العزاء في وفاة عتيق محمد المهيري
  • أمين الجبهة الوطنية: المشاركة الانتخابية واجب وطني وركيزة لتعزيز الديمقراطية
  • أنت المسؤول عن قراراتك!
  • جامعة الإسكندرية تنظّم فعاليات مميزة ضمن دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" بكلية التمريض
  • من أنتم؟!.. رسالة رباب شقيقة محمد صلاح لمنتقديه
  • نجوم الكرة يقدمون واجب العزاء في والدة وائل القباني.. صور
  • لا تُصادِر فرح الآخرين
  • إسرائيل تتغير جذرياً على يد الجماعات الدينية