بوابة الوفد:
2025-07-02@06:04:52 GMT

رحلة مزمل للتحرر من الخرافة

تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT

اعتاد علماء الاجتماع النظر إلى الموت باعتباره ظاهرة، تعكس اتجاها معينا نحو الحياة ورؤية لمعانيها. وعلى عكس كثيرين ممن يرون أن من الحكمة أن نتخذ من الموت ذريعة للتفكير الدائم فى الفناء، فإن علماء الاجتماع يقولون إننا يجب أن نتخذ منه ذريعة للتفكير فى الحياة، لماذا؟ لأن الحياة لا ينبغى أن تقاس بالطول وحده، إذ إن لها عرضا وعمقا، لا يتحققان، إلا بأن ننغمس فيها، ونقتحم عبابها، حتى لو تعرضنا بذلك للموت المبكر، لأن الوقوف على ساحلها متفرجين، هو موت من نوع آخر، لا يصيب الفرد وحده بالأذى يل يشل قدرات المجتمعات على التطور والتقدم والازدهار.

قبل سنوات قرأت دراسة مهمة لعالم الاجتماع الرائد «سيد عويس» عن ظاهرة الموت، أشار فيها إلى أنها ظاهرة تعكس تحكم الموتى فى الأحياء فى مجتمعنا. وبينت الدراسة الاتجاهات السلبية الناجمة عن ذلك، بينها الإيمان المطلق لكثيرين بكرامات أولياء الله والقديسين والاعتقاد الراسخ بوجود الأشباح والحياة فى القبر، وإرسال الرسائل إلى الموتى طلبا للشفاء، أو منعا لحسد، أو شكوى من ظلم، بما يعنى أن الأحياء لا يعيشون حياتهم كما ينبغى عليهم أن يفعلوا، وما ترتب على استثمار ذلك فى أعمال تجارية تمثلت فى انتشار جمعيات دفن الموتى، وظهور دور الندابات، بجانب النظم الاجتماعية التى نشأت فى العزاء فى الأقرباء والغرباء، وهى نظم تقول الدراسة لا يقرها لا عقل ولا دين. هذا فضلا عن الجانب الثقافى واللغوى، وهو ما جعلنا، برغم محبتنا للدعابة، والتفنن فى صناعتها، وعشقنا للغناء والطرب، نبكى إذا حزنا وإذا فرحنا، ونعود عن فرحنا إذا بدا لنا زائدا عن الحد بالقول «اللهم اجعله خير» بما يعنى العلاقة الوثيقة التى تربط بين تراثنا فى الحزن بنظرتنا إلى الموت.

يستخدم المصريون فى تعبيراتهم اللغوية كلمة الموت مرتبطا حتى بسلوكهم فى الحياة، بما يؤكد أن الموت يشغلنا أكثر من الحياة. ويدلل دكتور عويس على ذلك بقوله إن الإنسان حين يتدله فى حب آخر يقول بحبه موت، ويكره موت، ويصف صنف من الطعام فيقول لذيذ موت، فالموت لا يغيب عنا حين نكره وحين نحب، وحين نحدث الموتى فى صفحات الوفيات بتعبيرات من الأسى والابتهال والدعوات، وكأنهم أحياء.

تذكرت هذه الدراسة الرائدة أثناء مشاهدتى قبل أيام للفيلم السودانى «ستموت فى العشرين» فى سينما زاوية، التى أصبحت ملاذا ثقافيا ومعرفيا لمحبى السينما غير التجارية. ولأن أشقاءنا وأحبتنا فى السودان لديهم تعبير جميل يقول «مصر والسودان حتة واحدة» فإن الظواهر التى رصدها الدكتور سيد عويس عن تحكم الموتى فى حياة المصريين، تنطبق كذلك على حياة السودانيين، وربما تسود معظم الدول العربية.

الفيلم الذى أخرجه «أمجد أبوالعلا» وشارك فى كتابته مع الكاتب الإمارتى «يوسف إبراهيم المأخوذ عن قصة للكاتب السودانى» حمور زيادة من مجموعته القصصية «النوم عند قدمى الجبل». يروى بحساسية شديدة فى التصوير والموسيقى والديكور والتمثيل قصة الفتى «مزمل» الذى يعيش مع أبويه فى قرية فقيرة نائية فى منطقة الجزيرة، التى تحفل بأضرحة الأولياء والجماعات الصوفية. ظل مزمل عشرين عاما يعانق الموت، بعدما أصابته نبوءة عابرة فى طفولته من درويش جاهل أنه سيموت فى العشرين، لكنه عاش ولم يمت، فكيف تعامل البطل مع النبوءة، وكيف يدعو للتحرر منها؟ ذلك حيث آخر.

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أمينة النقاش على فكرة الاجتماع النظر الحكمة القبر

إقرأ أيضاً:

عقوبات واشنطن

معلوم أن التاريخ يعيد نفسه ولكن تاريخ الأكاذيب الدولية للولايات المتحدة يعيد نفسه بوتيرة أسرع، فقد كنت حضوراُ بمجلس الأمن الدولي ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول يخدع العالم من على ذلك المنبر بشأن أسلحة العراق دون أن يطرف له جفن، وتقوم إدارة كلينتون بدراما مماثلة فتقصف مصنع الشفاء للأدوية عام 1998 بحجة تصنيعه أسلحة كيمائية قبل أن تعترف لاحقاً بأن المعلومات التى قامت بالتنفيذ على ضوئها لاتتوفر لها صدقية.

ويأبى ماركو روبيو وزير خارجية ترامب إلا أن يعيد إنتاج وتدوير ذلك الإرث فتأتي وزارته بفرية استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيمائية ضد قوات الدعم السريع، التي لم تزعم بذلك أصلاً، ولم تقدم الولايات المتحدة دليلاً واحداً لإثبات ذلك ، ولم تحدد موقع استخدام تلك الأسلحة أو تاريخه وضحايا ذلك الاستخدام، علماً بأن إثبات استخدام الأسلحة الكيمائية يتم إما بوجود أجهزة ومعدات تم استخدامها أو بإخضاع الضحايا لفحوصات طبية أو أخذ عينات من التربة لفحصها أو بالتحقيق من قبل منظمة حظر الاسلحة الكيمائية التى نال السودان ثقتها فانتخب فى نوفمبر 2024 لعضوية مجلسها التنفيذى حتى عام 2027..

إن اتهام الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيمائية بالتوقيت الذى تم فيه والسياق الذى أعلنت فيه العقوبات لايعدو أن يكون فعلاً من صنوف الابتزاز السياسي وتزييف الحقائق يعيد إلى الأذهان العقوبات السابقة التى أعلنت عام 1997 وتم رفعها بعد اكثر من 20 عاما على طريقة رواية “تاجر البندقية” لوليام شكسبير.

وعلى الرغم من أن العقوبات التى أعلنت وبدأ سريان مفعولها أمس تستهدف الصادرات الأمريكية والتمويلات المالية والسلاح والتكنولوجيا وهي أساسا لاتوجد أو ضعيفة في المبادلات الثنائية، إلا أنه لاينبغي الاستهانة بها لترابط اقتصاديات الدول الأخرى مع الاقتصاد الأمريكي، علما بأن الاقتصاد السودانى تعود على ولوج اختراقات فى الأزمنة الصعبة و تبقى العقوبات عبئاً أخلاقيا وإنسانيا فى وقت ترنو فيه البلاد لتحديات إعادة البناء والاعمار بعد أن تضع الحرب أوزارها…

السفير عبد المحمود عبد الحليم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ناشط فلسطيني يوثق رحلة الموت قرب مراكز المساعدات بغزة
  • رحلة الكفاح والوعي: دراسة علمية تكشف التحولات العميقة في تمكين المرأة الأردنية سياسيًا
  • سحابة عملاقة متدحرجة تفاجئ السياح في البرتغال
  • في ظاهرة نادرة استخراج ١١٥ مسمار من معدة شاب في لحج
  • الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطي بحماية الحياة البرية أعلن انضمامه للقوات المتمردة
  • ظاهرة «تزويج الأطفال».. البراءة في مواجهة سلطة العرف والتقاليد
  • إجراءات جديدة للحد من ظاهرة التسول في العراق
  • تعلن منظمة ملتقى صناع الحياة عن إنزال مناقصة عامة
  • "زهرات".. الحزن
  • عقوبات واشنطن