في يومهم العالمي… معلمو اليمن بين مطرقة الجوع وسندان القمع والتهميش! (تقرير خاص)
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
يمن مونيتور/ من افتخار عبده
يصادف يومنا هذا السبت/ الخامس من أكتوبر، اليوم العالمي للمعلم، اليوم الذي يحظى فيه معلمو العالم بالكثير من التبجيل والتعظيم، في الوقت الذي يواجه فيه معلمو اليمن انتهاكاتٍ جسيمةً حرمتهم من أبسط حقوقهم وجعلتهم غرباء داخل أوطانهم.
وبات المعلم اليمني مشردًا يكابد الحياة لكي يبقى على قيدها منذ انقلاب الحوثيين على الدولة قبل عشرة أعوام؛ إذ فرضت المليشيات قيودًا وأغلالًا عليه ابتداءً بانقطاع المرتبات وانتهاء بالاعتقال والقتل ومصادرة الحقوق.
وإلى جانب ذلك يأتي تدهور الأوضاع الاقتصادية ليفقد المعلم الكثير من هيبته التي كانت مرتبطة بمكانته التعليمية، فتحول من رمزٍ للعلم والمعرفة إلى شخصٍ يعاني من الفقر والحرمان، يسعى لتأمين أبسط مقومات الحياة ولم يستطع إلى ذلك سبيلا.
معلمون يمنيون وأكاديميون يصفون هذه المناسبة بأنها بمثابة تنكيئ للجراح الغائرة بالنسبة لهم؛ فهي تذكرهم بما مروا به خلال هذه العشر السنوات المريرة من معاناة نفسية وجسدية ومادية.
بهذا الشأن يقول د/ عبد القادر الخلي ( أكاديمي لدى جامعة تعز )” كان المعلم يحظى باحترام وتقدير من كل فئات المجتمع، وكان يعيش معززا مكرمًا ويتقاضى مرتبا، لا نقول إنه يجعله يعيش حياة الرفاهية، لكنه- على الأقل- يكفي لتوفير حاجات بيته الأساسية، وقد كان المعلم يدخل الفصل الدراسي رافعًا رأسه ينظر له الطلاب نظرة وقار واحترام، لكن حال المعلم تغيرت إلى الأسوأ وتدهورت معيشتهم وتمت إهانتهم بطرق شتى”.
وأضاف الخلي لموقع” يمن مونيتور” بعد الانقلاب الحوثي على الدولة أصبح المعلم يبحث عن مهن أخرى يعيل من خلالها أسرته، فاليوم المعلم أصبح يطأطئ رأسه باحثًا عن مصدر دخل سواء في المطاعم أو المقاهي، ومنهم من يعمل بائعا متجولا بالبطاطس أو المثلجات للطلاب، ومنهم من يعمل في بيع القات، وسعيد الحظ من المعلمين من حصل على وظيفة في مدرسة خاصة”.
تغيرت نظرة المجتمع للمعلم
وأشار إلى أنه” تغيرت نظرة المجتمع اليمني للمعلم بشكل كبير في ظل الصراع الراهن؛ ففي السابق كان المعلم يحظى بتقدير كبير باعتباره عمودًا أساسيًا في بناء المجتمع، ومربيًا للأجيال وناقلاً للمعرفة، وهذا الاحترام كان متجذرًا في الثقافة اليمنية؛ إذْ كان ينظر إلى المعلم كرجل علم وقيمة اجتماعية عالية”.
وتابع” مع استمرار الصراع وتدهور الأوضاع الاقتصادية، تعرضت مكانة المعلم الاجتماعية لضغوط شديدة، فانقطاع الرواتب لفترات طويلة، وتدهور الظروف المعيشية دفع المعلمين إلى البحث عن أعمال أخرى لتوفير لقمة العيش، مما أثر سلبًا على صورتهم في المجتمع، فالمعلم الذي كان يُنظر إليه باعتزاز أصبح اليوم في أعين البعض رمزًا للمعاناة والحرمان”.
وأردف” غياب الدعم الحكومي وعدم الاهتمام بمهنة التعليم جعلا المجتمع ينظر إلى المعلم كضحية للظروف، يعاني مثله مثل غيره من الفئات الاجتماعية من انعدام الأمن المالي والاستقرار، والبعض قد يشعر بالتعاطف مع وضع المعلمين، بينما آخرون قد يرون أن دورهم في المجتمع لم يعد كما كان، نتيجة تدهور جودة التعليم وغياب الحوافز للمعلمين”.
خليطٌ من التعاطفِ والانتقاد
وأوضح” اليوم نظرة المجتمع للمعلم أصبحت خليطًا من التعاطف والانتقاد؛ إذْ يرى البعض أن الأزمة أفقدت المعلم مكانته التقليدية، بينما يتفهم آخرون أن التحديات التي يواجهها المعلمون في ظل الحرب والصراع هي من أوصلتهم لذلك”.
ولفت الخلي إلى أن” الحوثيين ينظرون للأكاديميين كجزء من الطبقة المثقفة التي يمكن أن تشكل تهديدًا لسلطتهم، خصوصًا إذا كانت تلك الأصوات الأكاديمية تنتقد سياساتهم أو تعبر عن توجهات تختلف عن الفكر الحوثي”.
قمعٌ وتهميش متعمد
وأكد” يتعرض الأكاديميون إلى الإقصاء والتهميش؛ إذ تعمد الجماعة الحوثية إلى استبعاد الأكاديميين من المناصب القيادية في الجامعات والمؤسسات التعليمية، واستبدالهم بأشخاص موالين لها، بالإضافة إلى الاعتقالات والتعذيب؛ فبعض الأكاديميين تعرضوا للاعتقال والسجن تحت ذرائع مختلفة، مثل التعاون مع “الأعداء” أو نشر أفكار مناهضة للحركة”.
وبيَّن” اليوم يتعرض الأكاديميون إلى الرقابة الفكرية؛ فيتم فرض رقابة صارمة على المناهج التعليمية والأبحاث الأكاديمية؛ إذ يُجبر الأكاديميون على الالتزام برؤية الجماعة، مما يقلل من حرية البحث والتعبير الأكاديمي، وكذلك التضييق المالي؛ ففي بعض الحالات، يتم قطع الرواتب أو تقليص الدعم المالي للأكاديميين الذين لا يلتزمون بالخط السياسي الذي تفرضه الجماعة، مما يجعل الحياة الأكاديمية صعبة”.
وواصل” كل هذا القمع يهدف إلى السيطرة على الفكر والتعليم وتحويل الأكاديميين والمعلمين بشكل عام إلى أدوات تخدم أجندة الحوثيين، مما يؤثر على جودة التعليم والحرية الأكاديمية في اليمن وكما يجعل حياة المعلم في خطر ويجعله مسيرا غير مخيرٍ ومأمورًا غير آمرٍ ومتعلم غير معلم”.
في السياق ذاته يقول وليد الجبزي( معلمٌ نزح من محافظة المحويت إلى محافظة تعز)” يعيش المعلم اليمني أوضاعًا معيشية صعبة في كل أنحاء اليمن؛ ولكن حياة المعلم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي تختلف عن حياة المعلم الذي يعيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية وكلامها يعاني”.
وأضاف الجبزي لموقع” يمن مونيتور”يعيش المعلم في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي حياة اقتصادية صعبة كونه محروم من راتبه وملزم بالدوام تحت قوة السلاح، وعليه ألا يطالب بمرتبه وما لم فسيتعرض للتهديد بفصله من الوظيفة واستبداله بعناصر من جماعة الحوثي الطائفية؛ وهذا ما تسعى إليه الجماعة من أجل تكريس مشروعها الطائفي بالشكل الذي تريده”.
وأردف” على الرغم من وجود صندوق التعليم الذي أعلنت مليشيا الحوثي أنها أنشأته من أجل المعلم؛ فهذا الصندوق استغلته الجماعة فقط لنهب التجار والمصانع من أجل دفع جبايات مضاعفة خدمةً لمشروعها الطائفي بينما لم يستفد منه المعلم شيئا في مناطق الحوثي”.
وتابع” المعلم الذي يعيش في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي يعجز عن أن يطالب بمرتبه بسبب القمع والترهيب والاعتقال من قبل مليشيا الحوثي التي تتهمه بالعمالة والخيانة والارتزاق ويعرض حياته للخطر؛ ولذا فالمعلمون في تلك المناطق يعيشون بين مطرقة الجوع وسندان القمع”.
وأشار إلى أن” المعلمين في مناطق سيطرة الشرعية يعيشون أوضاعًا صعبة؛ لأن راتب المعلم لايكفيه لشراء أبسط مقومات الحياة، لكنه ربما يكون أخف ضررًا مما يعانيه المعلم الذي يعيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي”.
المعلمون النازحون معاناة منسية
ولفت الجبزي إلى أن المعلمين الذين نزحوا من المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية يعيشون أوضاعًا اقتصادية صعبة؛ بل شبيهة بتلك التي يعيشها المعلم في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي”.
وأكد” هؤلاء المعلمون أطلقت عليهم الحكومة الشرعية اسم (المعلمون النازحون) واعتمدت البعض منهم ماليًا؛ فيصرف لهم رواتبهم كل ستة أشهر رواتب ثلاثة أشهر فقط وهي رواتب خالية من العلاوات والزيادة 30% التي اعتمدتها الحكومة الشرعية للمعلمين الثابتين في المحافظات المحررة”.
وواصل” أما البعض الآخر فقد رفضت الحكومة الشرعية اعتمادهم ماليًا فهم بدون مرتبات ووضعهم شبيه بالمعلمين الواقعين تحت سيطرة مليشيا الحوثي، للأسف هناك ممارسة عنصرية ضد المعلمين النازحين من مناطق الحوثي إلى مناطق الشرعية من قبل وزارة الخدمة المدنية في عدن وهذا ما يعاني منه بشدة المعلمون النازحون إلى مناطق الشرعية وأنا واحد منهم” .
حياةٌ لا تطاق
من جهتها تقول المعلمة أسماء محمد وهو اسم مستعار” أعمل بالتدريس في العاصمة صنعاء، ومنذ الانقلاب تغيرت حال التعليم والمعلمين هنا إلى الأسوأ والأمَرّ، أضحى المعلم والمعلمة هنا لا قيمة لهما يعملون ويعملون دون مقابل، أو يحصلون على الشيء اليسير الذي لا يكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية من إيجار بيت ومستلزمات المطبخ”.
وأضافت لموقع” يمن مونيتور” كنت أعمل بمدرسة حكومية وكنت أحصل على سلة غذائية فقط لا غير، وكنت أحصل عليها كل ثلاثة أشهر، وبعدها وجدت أن الوضع لا يناسبني فأنا بحاجة لمال يسترني وأهل بيتي فذهبت للتدريس في مدرسة خاصة مقابل أربعين ألف ريال بالشهر الواحد”.
سماعُ محاضرة السيد إجباريًا
وأردفت” جماعة الحوثي لم تدع المعلم وشأنه لا في المدارس الحكومية ولا في المدارس الخاصة، نحن المعلمات هنا نقوم بين فترة وأخرى بدفع مبلغ من المال لدعم مقاتلي الحوثي، وهذا ليس الأمر العسر لكن ما يزيد في ضيقنا هو أننا ملزمون في كل يوم أربعاء بأن نحضر محاضرة السيد لمدة ساعة كاملة بعد أن ننهي الحصص اليومية وهذه المحاضرة تكون تحت مسمى” الإرشاد التربوي”.
وأشارت إلى أنه” أثناء ما نكون نستمع لمحاضرة السيد يتوجب علينا أن نصغي باهتمام وكأن قرآنا يتلى علينا، فهناك إحدى الزينبيات من تشرف علينا تحدق عيناها بأعيوننا وإذا ما شردت إحدانا تقوم بتوبيخها، كما أنه يجب علينا أن نطلق الصرخة عقب سماعنا لكل محاضرة”.
وتابعت” كان من المعتاد بالنسبة لنا أن يكون حضور الموجهين للمدرسة من أجل تقييم أداء المعلم، لكنه هنا وفي الفترة الأخيرة أصبح حضور الموجهين فقط من أجل أن يقيموا ميولنا الطائفي، يسألوننا أسئلة خارجة تماما عن التعليم كسؤالهم عن برامج قناة المسيرة وكم نتابعها ساعات باليوم وعن حضورنا الفعاليات الخاصة بهم ونحو ذلك من الأسئلة التي لا دخل لها بالعملية التعليمية”.
وواصلت” العمل بالتعليم اليوم أصبح لا يطاق، لا ندري هل نحن نقوم بتعليم الطلاب أم بتعلُّم النهج الحوثي الذي لا نطيقه ولا نرضاه، ونحن في الوقت نفسه نخشى أن يعلموا رفضنا لهم وندخل في دوامة لا نجاة منها”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةنور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الحکومة الشرعیة الدرجة الثالثة أدمیرال أمریکی جماعة الحوثی یمن مونیتور مناطق سیطرة المعلم الذی یتوج بطلا المعلم فی فی الیمن فی مناطق من أجل إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحليل يتناول تصاعد القمع ضد الإصلاح في الإمارات العربية المتحدة
نشر موقع Arab Digest، تحليلا بعنوان "تصاعد القمع ضد الإصلاح في الإمارات العربية المتحدة"، ويشير إلى أن حركة الإصلاح التي تأسست في الإمارات في عقد الستينيات من القرن الماضي، ساهمت بشكل كبير في التنمية الوطنية، وشاركت في الحوار السياسي السلمي، قبل أن تواجه قمعا متزايدا على أيدي السلطات الإماراتية.
ولفت التحليل إلى أن السلطات في الإمارات أعلنت في شهر يناير (كانون الثاني) عن قرار صادر عن الحكومة بشكل أحادي، يقضي بإضافة أسماء أحد عشر شخصاً وثمان شركات إلى قائمة الإرهاب لديها بسبب ارتباطاتهم المزعومة بجماعة الإخوان المسلمين وبما يزعمون أنه الفرع الإماراتي للجماعة "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، أو ما يعرف اختصاراً باسم "الإصلاح".
وتاليا نص التحليل كاملا
أعلنت السلطات في الإمارات العربية المتحدة في شهر يناير (كانون الثاني) عن قرار صادر عن الحكومة بشكل أحادي يقضي بإضافة أسماء أحد عشر شخصاً وثمان شركات إلى قائمة الإرهاب لديها بسبب ارتباطاتهم المزعومة بجماعة الإخوان المسلمين وبما يزعمون أنه الفرع الإماراتي للجماعة "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، أو ما يعرف اختصاراً باسم "الإصلاح". يعتبر هذا الإجراء، الذي نددت به منظمات حقوق الإنسان الدولية باعتباره استهزاء بالعدالة، تصعيداً أخيراً في الحرب التي تشنها السلطات الإماراتية منذ مدة ضد ما يعرف بالإسلام السياسي. وذلك على الرغم من أن الإصلاح ظل لسنوات عديدة ركناً من أركان المجتمع الإماراتي، يشارك في الحوار السياسي السلمي، ويقدم مساهمة لا يمكن إنكارها في مجال التنمية الوطنية.
تعود جذور الإصلاح في الإمارات العربية المتحدة إلى ستينيات القرن الماضي، قبل أن يتأسس البلد بشكل رسمي. في تلك الأيام، كانت إمارات الساحل المتصالحة (والتي شكلت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة) توشك أن تنعطف نحو تحول اقتصادي هائل. بدأ إنتاج النفط يتزايد (انطلقت صادرات أبو ظبي للنفط في 1962، ودبي في 1969)، ولكن كان استخراج اللؤلؤ ما يزال هو العمود الفقري للاقتصاد البحري، إلى جانب الشحن في الإقليم وعبر العالم لمختلف البضائع مثل التمور والخيول والمسكوكات مثل المسكوكة الفضية التي تعرف باسم ماريا تيريزا.
كانت تلك الحقبة هي ذروة الحرب الباردة حينما كانت التيارات القومية والاشتراكية تهيمن على الحركات السياسية العربية، والتي كان الكثيرون يعارضونها بسبب حكمها السلطوي وبسبب توجهاتها الثقافية، فراحوا يبحثون عن أنظمة سياسية بديلة.
شكلت هزيمة العرب في حرب يونيو / حزيران 1967 "صدمة" كبيرة لملايين العرب، وهذا بدوره فتح الباب على مصراعيه أمام ما كان يعرف باسم "الصحوة الإسلامية"، والتي كانت بمثابة نأي جماعي عن الحركات القومية والعلمانية وتوجه نحو الإسلام. ساعد على ذلك ما كان يمارسه علماء المسلمين والدعاة والجماعات الإسلامية من جهود دعوية مكثفة، بناء على ما كانت تعاني منه الأمة العربية، بما في ذلك احتلال مزيد من الأرض الفلسطينية، والتجزئة، وكذلك الحكم القهري للأنظمة العسكرية، والتي تشكل الانطباع عنها بأنها استبدادية طاغية وخاضعة للقوى الغربية صاغرة أمامها.
كانت الحركات القومية تتمتع في الستينيات من القرن الماضي ببعض النفوذ داخل الإمارات العربية المتحدة، التي خضعت للحكم الاستعماري البريطاني غير الرسمي منذ عام 1820. ولكن وهن هذا النفوذ بعد حرب عام 1967 لينفتح المجال أمام تأسيس متين للقيم الإسلامية والتعليم الإسلامي، بدعم من المدارس والعلماء في ذلك الوقت. ساعد ذلك على بروز جيل ساهم في إنشاء حركة الإصلاح.
أدركت مجموعة من المفكرين والمثقفين الحاجة إلى وجود منظمة تروج لبرنامجهم الإصلاحي. وبمباركة من حاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، بادروا بإنشاء جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في عام 1974. تضمنت غاياتها نشر القيم الإسلامية، وتشجيع الأعمال الصالحة، وتوحيد المجتمع، ومكافحة الرذيلة، وتوجيه الشباب، وتقديم الحلول للمشاكل الاجتماعية. كان من بين مؤسسيها عدد من الشخصيات المؤثرة ممن درسوا في الكويت وقطر ومصر، واشتملت قيادتها على علماء بارزين ورجال أعمال وقيادات مجتمعية.
شاركت جميعة الإصلاح منذ تأسيسها في سلسلة واسعة من النشاطات الاجتماعية والتعليمية والتنموية، من إنشاء المدارس والمكتبات إلى المساهمة في تأسيس بنك دبي الإسلامي، والذي هو اليوم أكبر مصرف إسلامي في الإمارات العربية المتحدة. وكانت تنظم نشاطات طلابية ومعارض للكتب ومهرجانات وندوات، وتقوم بتنظيم الزيارات المتبادلة مع البلدان الأخرى، ثم أنشأت "اللجنة الوطنية لمقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي" في الإمارات العربية المتحدة.
كان لغزو العراق للكويت في عام 1990 أثر بعيد المدى على منطقة الخليج بأسرها، بما في ذلك حركة الإصلاح. حينذاك، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة حكومة وشعباً موقفاً مناصراً للشعب الكويتي. وقامت جميعة الإصلاح بتنسيق جهود مختلف الكيانات الحكومية الرسمية وغير الحكومية، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين الكويتيين المنفيين، وضمان حصولهم على الاحتياجات الضرورية، ونظمت رحلات جوية لنقل الكويتيين الذين كانوا في مصر وتركيا وإعادتهم إلى الإمارات العربية المتحدة، وشكلت "لجنة إسكان الكويتيين" لتوفير السكن للمواطنين الكويتيين في فنادق أبو ظبي، وقامت فيما بعد باستئجار مبان وفلل كاملة وأتاحتها لهم ليقيموا فيها. في الشارقة وحدها، استأجرت اللجنة ما يزيد عن 52 من المباني والأبراج الجديدة لإسكان ما يقرب من 41 ألف كويتي وصلوا إلى البلاد.
ولكن رأت السلطات في الإمارات العربية المتحدة في نشاطات حركة الإصلاح تحدياً لأجندتها السياسية والاجتماعية الآخذة في التشكل. فصدر في عام 1994 أمر رسمي بحل مجلس إدارة جمعية الإصلاح زعماً بأن مجلة الإصلاح تسببت في إحراج الحكومة الإماراتية في علاقاتها مع البلدان العربية الأخرى. والحقيقة هي أن حل مجلس إدارة الجمعية كان جزءاً من سياسة أشمل تبنتها السلطات في الإمارات بهدف تقليص نفوذ الحركات الإسلامية. ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتشكل انعطافة كبيرة أخرى نظراً لأن اثنين من المشاركين في الهجمات كانوا إماراتيين. ثم تحت غطاء التوجه العالمي الجديد لمكافحة الإرهاب، استغلت السلطات الإماراتية الفرصة كمبرر لفرض مزيد من السيطرة على النشاطات الإسلامية، التي باتت منذ ذلك الحين تعتبر نشاطات مريبة.
على الرغم من أن تحقيقات الحكومة في نشاطات جمعية الإصلاح لم تعثر على أي دليل يثبت ارتكاب تجاوزات قانونية أو مالية، إلا أن الحركة وجدت نفسها مضطرة لتأسيس كيانات قانونية بديلة تتمكن من خلالها من الاستمرار في ممارسة نشاطاتها الثقافية والاجتماعية والترفيهية، مثل "نادي أجيال" في رأس الخيمة ومنظمة جديدة تسمى "تواصل". تكثفت إجراءات القمع في أنحاء الإمارات، فصار الإسلاميون يستبعدون من مواقعهم في منظمات العمل الخيري، وفي المؤسسات الثقافية، وفي الوزارات الحكومية، وبشكل خاص في وزارات التعليم والعدل والأوقاف والشؤون الإسلامية. وحتى يتسنى لها ضبط الخطاب الديني والحد من الأصوات المستقلة، اتخذت السلطات إجراءات تضمن توحيد خطب الجمعة في جميع الإمارات بالإضافة إلى ضرورة حصول الوعاظ على رخص تجيز لهم ممارسة الوعظ. كما حُظر على العشرات من الصحفيين المنتسبين إلى الإصلاح المشاركة في وسائل الإعلام المملوكة للدولة. وبذلك انطلقت حملة منظمة للقهر والتنكيل. فانتزعت الجنسية الإماراتية من بعض منتسبي الإصلاح، بينما غُيب آخرون في السجون حيث يتعرضون للإكراه والضغط والتعذيب.
واحدة من أكبر القضايا الخلافية بين السلطات الإماراتية وحركة الإصلاح كانت باستمرار تتعلق بمدى التغريب الذي يتعرض له المجتمع الإماراتي. ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كثفت السلطات في الإمارات العربية المتحدة جهودها لجلب المستشارين والمدرسين الأجانب، وخاصة من أوروبا وأمريكا، وفرضت مناهج تعليم أجنبية متجاهلة الخصائص التي تتميز بها العائلات الإماراتية. تضمن ذلك تعديل عطل المدارس حتى تكون منسجمة مع الاحتفالات الغربية بأعياد الميلاد، وتقليص حصص اللغة العربية والدراسات الإسلامية. في هذه الأثناء فُرض على مدراء المدارس، سواء كانوا إماراتيين أم وافدين، الخضوع لرقابة مدراء أجانب مهمتهم إملاء السياسات الحكومية المتعلقة بالمدارس.
اعتبرت حركة الإصلاح هذه السياسات جهداً متعمداً يهدف إلى تقويض الهوية الثقافية الإماراتية واستبدال القيم الإماراتية والعربية الإسلامية بعادات أجنبية. ورأى القائمون على الحركة أن مشاعر وأولويات الإماراتيين يتم تجاهلها، وأن هويتهم الوطنية والدينية باتت في خطر. نتيجة لذلك تعرضت حركة الإصلاح لممارسات قمعية وحشية مازالت مستمرة حتى الآن. وفي عام 2013 صدرت أحكام قضائية على العشرات من أعضاء حركة الإصلاح فيما بات معروفاً الآن باسم محاكمة "الإمارات 94"، حول ما زُعم أنه مخطط للإطاحة بالحكومة، في قضية باتت تعتبر الآن رمزاً لما يمارسه نظام الحكم في الإمارات من قمع بحق المعارضين ولإخفاقه في احترام معايير حقوق الإنسان الدولية. وفي العام الماضي، أصدرت محكمة إماراتية على 43 ناشطاً آخر، جلهم من الإصلاح، أحكاماً بالسجن المؤبد، بتهمة ارتكاب جرائم ذات صلة "بالإرهاب". كما صدرت أحكام على عشرة آخرين بالسجن مدداً تتراوح بين عشر وخمس عشرة سنة بتهم "التعاون مع الإصلاح" وغسيل الأموال.
وبذلك يكون تيار الإسلام السياسي، الذي يرى فيه نظام الحكم في الإمارات أكبر الأخطار المحدقة به، قد أجبر على النزول تحت الأرض، الأمر الذي سهل على الحكومة المضي قدماً في التطبيع مع إسرائيل وفي إجراءات التغريب.