يتامى غزة.. سرق القصف أحبتهم وأحلامهم فذاقوا وجع الفراق وكبروا قبل الأوان
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
تركت الحرب آلاف الأطفال في القطاع بلا أب أو أم. فإما فراقٌ وبعْد المسافة بين الطفل وأهله لأسباب مختلفة أو أن القصف الأعمى آثر أن يحوّل هذا البعد إلى فراق أزلي فغيّب الموت من كان يوما كل شيئ لهؤلاء الصغار في هذا العالم.
ما من بشرٍ لم يجرّب وجع الفقد ولم يَعِشْه. فأنْ تفقد عزيزا عذابٌ لا يضاهيه عذاب وإن عزّيْت نفسك أو عزّاك غيْرُك بأن الحياة تمضي ولا تتوقف عند موت أحد.
لكن لألم الفراق طعمٌ آخر لدى لم تمهله الدنيا والبشر أن يشبع من الأب والأم فحُرم الحنان والعطف وقبلهما الإحساس بالأمان.
صغارٌ وقبلهم آباؤهم فتحوا أعينهم في قطاع محتل ومحاصر منذ عقود فكانت الحروب كلّ نصيبهم من هذه الدنيا. ولم يظفروا في هذا السجن الكبير إلا بماء بحر غزة الملوث وبحنان الأسرة التي كانت ملاذهم الوحيد في عالم بشع لا يرحم. كثيرون من من هؤلاء الأطفال فقدوا الحضن الدافئ فحُرموا من الأب أو الأم أو الاثنين معا في الحرب الدائرة منذ عام.
هذه الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 12 شهرا في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس تركت آلاف الأطفال في القطاع بلا أب أو أم. فإما فراقٌ وبعْد المسافة بين الطفل وأهله لأسباب مختلفة أو أن القصف الأعمى آثر أن يحوّل البعد إلى فراق أزلي فغيّب الموت من كان يوما كل شيئ لهؤلاء الصغار في هذا العالم.
في هذه الحرب، ذاق أطفال غزة مرارة اليتم وأضحوْا وحيدين إلا من جدّ أو جدة يحاولان بالكاد تعويض جزء يسير من حنان الوالدين وسد فراغ تركه الغياب وتحمل عبء تربيتهم في بقعة كانت أصلا تفتقر لأدنى مقوّمات الحياة قبل أن تأتي الحرب لتخرج قطاع غزة من التاريخ.
كبروا قبل الأوانأمير عاشور (12 سنة) وشقيقته فاطمة عاشور (10 سنوات) فقدا والديْهما وأختهما الصغرى ذات الخمس سنوات في قصف إسرائيلي طال منزل الأسرة في رفح في ديسمبر 2023.
رحل الثلاثة وكُتبت النجاة لأمير وفاطمة حين تمكن المسعفون من إخراجهما من تحت ركام البيت المدمّر على رؤوس ساكنيه. ليتولى العناية بهما جدهما لوالدتهما. مهمةٌ شاقة ومسؤولية كبرى اضطلع بها عطا عاشور الذي يعترف أنه لم يتمكن أبدا من تعويض ما فقده الصغيران ولا أن يحل محل والديهما.
يقول عطا وهو يحاول حبس دموع اغوررقت بها عيناه إنه كثيرا ما يرى الحزن في مقلتي أمير وفاطمة لأن الجرح غائر في نفسهما المنكسرة ويضيف: "حين أُفاجأ بأمير وهو يبكي، أدرك أنه يفكر في والده ووالدته ويشتاق لهما."
رغم الشموخ والصبر الذي يتجلّد به، فإن لأمير أيضا نصيبُه من دمعة تملأ عينه قبل أن تجد طريقها لوجنته فيقول إنه لم يتمكن من توديع والديه حين استشهدا وفق تعبيره لكن لن يستطيع أبدا أن ينساهما. نفس الشعور يستبد بفاطمة التي تقول إنها مشتاقة لأبيها وأمها وتستذكر كل لحظة ذاقت فيها حنان الوالدة وعطفها واهتمامها بأطفالها.
قصة موجعة أخرى بطلاها أنس (7 سنوات) ودعاء (8 سنوات). فقد الصغيران أباهما عبد العزيز العيش وأمّهما سماح وشقيقهما أمير الذي لم يتعدى عمره السنتين حين استهدف بيتَ الأسرة قصفٌ إسرائيلي على رفح في مارس الماضي.
ولم تجد الجدة نجاح العيش بدا من الاهتمام بأنس ودعاء وحفيدين آخرين لابنة أخرى فقدت زوجها في غارة إسرائيلية في أول يوم من عملية طوفان الأقصى. لكن القلق من المستقبل ماثل أمام هذه السيدة (52 عاما) خوفا من يباغتها الموت فلا تكمل المهمة وتترك الصغار في منتصف طريق دونه عقبات وتحديات.
وكأن اليتم لم يكف. فقد كبر أنس ودعاء قبل الأوان وأصبح عليهما أن يصارعا من أجل البقاء من خلال البحث اليومي عن لقمة وقطرة ماء.
19 ألف طفل في غزة ذاق مرارة اليتم والفراقهؤلاء الأطفال هم جزء يسير من وضع إنساني كارثي خلفته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. فقد هجر القصف نحو مليوني فلسطيني بما فيهم آلاف الأطفال وقتل قرابة 42 ألف آخرين إضافة إلى 100 ألف جريح بحسب وزارة الصحة في غزة.
وتقول اليونيسف إن 19 ألف طفل قد أصبحوا بمفردهم أو فقدوا والديهم أو هُجّروا ففرّقت الحرب بينهم وبين أسرهم. أما العدد الفعلي للأطفال اليتامى فلا مجال لمعرفته بسبب الظروف الحالية. .
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الحرب في يومها الـ 366: غارات إسرائيلية مكثفة على غزة ولبنان تسفر عن قتلى وجرحى تونس: الملايين ينتخبون رئيسا للبلاد وسط انتقادات المعارضة وقمع المنافسين وخشية العزوف عن التصويت أبصر النور يوم 7 أكتوبر.. ينام ويصحو على صوت "الزنانة" فكان عامه الأول شاهداً على الدمار والألم منظمة الأمم المتحدة إسرائيل طوفان الأقصى حركة حماس أطفالالمصدر: euronews
كلمات دلالية: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل حركة حماس لبنان حزب الله طوفان الأقصى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل حركة حماس لبنان حزب الله طوفان الأقصى منظمة الأمم المتحدة إسرائيل طوفان الأقصى حركة حماس أطفال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل لبنان حزب الله حركة حماس طوفان الأقصى غزة جنوب لبنان ضحايا فرنسا اعتداء إسرائيل المملكة المتحدة السياسة الأوروبية یعرض الآن Next
إقرأ أيضاً:
الحرب على غزة... بتر وإعاقات وجحيم لا يُطاق
غرفة صغيرة يملأها الوجع من داخل مستشفى في قرية الزوايدة ترقد نسرين ماضي "35"عاماً تصارع الزمن كي لا تُبتر قدمها وتئن من الألم في منتصف الغرفة وعلى يمينها ابنتها الصغرى سيلا"8" سنوات فاقدة لأقدامها الصغيرتان، فيما تلتفت يسارها لتتوسد الحسرة سرير ابنتها رهف"16سنة" وقد بُترت قدمها، وفقد الثلاثة أرواحهم البريئة وأحلامهم الصغيرة، واستبدلوها بالكثير من الحسرة والفقدان جراء غارة جوية على منزلهم أفقدتهم أطرافهم ليبقوا طول العمر يصرخون من جراحهم التي لن تندمل وألم ينهش ما تبقي منهم.
تمسك نسرين بيدها المبتورة الإصبع كف يد طفلتها الصغيرة سيلا التي لم تقترف ذنباً في هذا العالم سوى أنها فلسطينية المكان والمنشأ، فقد قطفت زهرتها قبل أن تنمو، ورهف لا تبرح النظر إلى سطح الغرفة بصمت عميق وعينان غارقتان في الدموع، فقد بُترت روحها قبل أن تبتر قدمها، وجع واحد يتوسد الغرفة.
"ما ذنب أطفالي أن يفقدوا أطرافهم، أتمنى بسرعة أن يطلعونا برة غزة لعمل أطراف لهم قبل فوات الأوان"، بهذه الكلمات وجهت والدة الطفلتين نسرين رسالتها للعالم لكي ينقذوا قدمها ويركبوا أطراف لطفلتيها الآخرتين، تقول نسرين ماضي: كنا نعيش حياة آمنة ولا ينقصنا شيء ولكن الآن انقلبت حياتنا إلى جحيم لا نعرف له نهاية كأنني أعيش في كابوس قاتل .
فيما وجه الدكتور عماد الدين حجازي، المشرف على حالات عائلة ماضي في مستشفى الزوايدة التابع لأطباء بلا حدود نداء إنسانياً عاجلاً، محذراً من تدهور الحالة الصحية للعائلة، فقد يتم بتر قدم الأم في أي وقت، قد يضطر الأطباء إلى تنفيذ بتر جديد فوق البتر السابق لكل من رهف وسيلا، الذي بدأ يمتد الي منطقة الحوض بشكل سريع، فالعائلة تحتاج إلي العلاج بالخارج بسرعة لإنقاذ أطرافهم من البتر الكامل قبل فوات الأوان في ظل غياب المعدات الصحية اللازمة والامكانيات الجراحية في غزة .
الحاج صلاح رجب "58" من سكان مدينة بيت لاهيا ، وهو معيل لأربع عائلات ،بٌترت يده ورجله اليمين، بعد إصابته هو وأربعة من أبناء عائلته بصاروخ من طائرة الاحتلال اف 16، ليستشهد ابن أخته مباشرة وتُبتر رجل ابن عمه إلى جانب بتر يده وقدمه على الفور.
يقول رجب: منذ بداية الحرب في أكتوبر"2023"، لم ننزح من مدينة بيت لاهيا حتى بدأت المجاعة الكبرى والتي استمرت "6" أشهر، إلي أن وصلنا لأكل علف الدواب من شدة الجوع، وبدأ الأطفال يفقدون صحتهم ويعانون من سوء التغذية، فخرجنا نبحث عن طعام لهم، ولكن بدلا من توفير الطعام عدت فاقد الوعي إلي مستشفى كمال عدوان على كارة يقودها حيوان مبتور القدم واليد.
"لو ضليت واستشهدت كان أفضل وارتحت من هالحياة " يُكمل رجب: " مش مهم رجلي، أيدي أهم شيء بحياتي كنت مزارع مشهور والأن أنا عالة على عائلتي"، فطوال الليل لا يري رجب النوم من الألم المُبرح الذي يشعر به نتيجة نقص الأدوات والمعدات الطبية التي قد تسكن آلامه .
ويضيف: لا أستطيع التأقلم أنى أصبحت ذوي إعاقة، دائما أبكي من الألم والقهر على حالتي ،يدي تحتاج الي عمليات كثيرة وعندما – تكمش ــ الأوتار يصبح الألم لا يطاق " نفسي أقطعها من الجذر" ،ولا يوجد أطباء متخصصين أو تحويلات للعلاج بالخارج لتركيب أطراف صناعية لي .
أطفال غزة مستقبل على المحك:
فيوماً بعد يوم تتزايد أعداد مبتوري الأطراف مخلفاً الآلاف منهم، وجُلّهم من الأطفال والنساء، في ظل حرب شرسة يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة
فقد الطفل محمد معمر"10سنوات" بصره وأصيب بشلل نصفي بعدما استقرت شظية في مركز النظر داخل دماغه جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لعائلته، وإصابتهم جميعا بجراح متفاوتة، كان هو أصعبها فهو يحتاج الي الكثير من العمليات الجراحية العاجلة والمعقدة لاستعادة بصره ومحاولة عودة للمشي مجدداً.
محمد لم يكن الوحيد الذي يُصاب كل يوم بجراح تفقدهم أحلامهم الصغيرة، فهناك آلاف الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة يتأرجحون بين الحياة والموت، وينتظرون فرصة للعلاج في الخارج.
وأشارت تقديرات منظمة اليونيسيف عبر موقعها الإلكتروني أنّ ألف طفل في قطاع غزة أصبحوا مبتوري الأطراف منذ بدء الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأنّ الحرب سجّلت أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ.
وتشير التقارير الصحية أن 22% من الأطفال هم مبتوري الأطراف و49% من النساء، نتيجة استخدام الأسلحة المتفجرة والاستهداف المباشر للمواطنين العُزل في منازلهم وخيامهم، ويشهد قطاع غزة موجة كبيرة في أعداد المصابين بحالات البتر نتيجة العدوان الإسرائيلي على القطاع ، فقد سُجلت 2627 حالة بتر ضمن قوائم برنامج "صحتي" الذي تنفذه وزارة الصحة الفلسطينية في إحصائيات حالات البتر وإصابات الدماغ والحبل الشوكي حتى 28يونيو 2025وتم تقييمها أنها على أنها حالة بتر من مجموع حالات البتر "4800" حالة، وتزايد الحالات وسط نقص حاد في الأطراف الصناعية وتوفير المعدات الطبية، بسبب إغلاق المعابر من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومنع دخول الأدوات المساعدة للمصابين.
فيما ويقول الأطباء العاملون في المستشفيات الفلسطينية أنهم ذُهلوا من الكم الهائل لعمليات البتر في غزة، والتي تُعرِّض المرضى لخطر الإصابة بالعدوى في مكانٍ يكون فيه الحصول على الرعاية الطبية وحتى المياه النظيفة محدوداً.
مستقبل مظلم ومعاناة مستمرة:
بعد انتهاء الحرب وعودة الجميع إلى حياته الطبيعة سيواجه مبتوري الأطراف الكثير من التحديات المستقبلية، وصعوبة في التأقلم على الحياة الجديدة ونظرة المجتمع إلى جانب صعوبة رعاية الأسر وخاصة النساء فيما يعاني الأطفال مبتوري الاطراف فاقدي عائلاتهم من وجود الرعاية الأسرية والمؤسساتية في ظل غياب عائلاتهم، إلى جانب الإعاقات الدائمة التي غيرت حياة مبتوري الأطراف جذرياً مما يفرض ظروف معيشية جديدة للتكيف مع فقدان أطرافهم ودعمهم لكي يندمجوا في المجتمع من جديد.
ملاحظة : هذا مخرج عملي لدورة " الصحفيات والقيادة الإعلامية" التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة في الفترة من 22 إلى 30 يونيو 2025
المصدر : وكالة سوا - حنان الريفي اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من تقارير خاصة غربة وطن... شعور سكن فينا خيام النازحين بغزة.. مأساة إنسانية تتفاقم في ظل صمت دولي فوضى الحرب.. حالة تُمزّق النسيج الاجتماعي في غزة الأكثر قراءة هذه هي تعديلاتنا - حماس: ننتظر موافقة إسرائيل على ردنا بشأن المقترح الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ويقتحم عدة بلدات بالمحافظة إسرائيل تقرر إرسال وفد التفاوض لقطر الأحد اعتراض صاروخين أطلقا من جنوب قطاع غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025