الدكتور أشرف سنجر يكتب: إقليم على شفا الانفجار
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
الشرق الأوسط يمر بظروف غريبة، منها ما تقوم به دولة الاحتلال ورئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وعلى المستوى الدولى، هناك حرب أوكرانية ـ روسية، بجانب صعود صينى، كما أن الولايات المتحدة ولأول مرة تظهر أنها فى حالة ضعف، خاصة مع دولة الاحتلال التى عادة لا تخرج عن ترتيبات أو سياسات واضحة للولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما يحدث الآن من غزة لجنوب لبنان، بشكل تظهر فيه إسرائيل بأنها قادرة وحدها دون الاعتماد على أمريكا، وانتهى الموقف بأن واشنطن أصبحت تابعة لما يراه «نتنياهو» من إعطاء مال وسلاح، وهذه سياسة أضرت بسمعة الولايات المتحدة بشكل كبير جداً، فدورها المعروف بأنها تقود النظام الدولى سواء طوعاً أو جبراً تظل أمريكا أمام محنة حقيقية بسبب دولة الاحتلال.
فالحديث عن حقوق الإنسان التى تتحدث فيه أمريكا قد انتهى، فقد تم انتهاك حقوق الإنسان اللبنانى والفلسطينى ألف مرة، فبالتالى إعادة هذا الملف ليفتح سيكون أضحوكة بما تحمل هذه الكلمة من معنى.
أرى ضرورة وضع معايير ثابتة لإدارة النظام الدولى فيما يتعلق بانتشار السلاح النووى التى أصبح أضحوكة أيضاً؛ لأن إسرائيل طالما هددت بأنها قادرة على أن تغير شكل الشرق الأوسط بما تملكه من سلاح حديث أتى من الولايات المتحدة، بجانب ما تملكه أيضاً بدعم غير محدود من قيادة الولايات المتحدة الأمريكية فهناك دعم لوجيستى من حاملات طائرات ودعم استخباراتى، فبالتالى الحديث عن منع إيران من امتلاك السلاح النووى أو انتشار السلاح النووى فى الشرق الأوسط يصاب بفشل ذريع وسريع؛ لأن إسرائيل من تخالف القواعد التى تضعها أمريكا لأماكن مختلفة من العالم، فالدول الكبيرة لديها مسئوليات فى قيادة النظام الدولى والحفاظ على الاستقرار والسلام الإقليمى، إلا إذا كانت أمريكا راغبة فى معاقبة الشرق الأوسط بما يحدث فيه الآن.
ما يحدث فى السودان وما يحدث فى الصومال، وما يحدث فى ليبيا وما يحدث فى اليمن، وضرب التجارة العالمية وما يحدث فى العراق وما يحدث فى سوريا، وما يحدث الآن فى لبنان وغزة نقاط الانفجار والاشتعال، ما يحمل هذا الإقليم إلا فى شىء واضح تماماً انفجاراً فى كل مكان.
وجود الدولة المصرية هو صمام الأمان، والرؤية المصرية الحكيمة حول صراعات الشرق الأوسط، وربحت مصر رهانها السياسى فى التحذير المسبق من التصعيد فى إقليم مشتعل، وتظل مصر حائط الصد، فمصر لديها ارتباطها بجيشها بشعبها برئيسها بتسليحها الذى حدث فى وقت مناسب، فإقدام الرئيس عبدالفتاح السيسى على تسليح وتنويع مصادر التسليح للقوات المسلحة كان أمراً فى غاية الأهمية وكان يحمل رؤية استراتيجية مستقبلية للإقليم والمنطقة، فلولا تجهيز وتسليح الجيش المصرى لكنا فى هذا الوقت فى مكان آخر؛ فما قام به الرئيس السيسى هو رسالة واضحة ورادعة لأى تهديد مباشر للأمن القومى المصرى بل وللأمن القومى العربى.
فى رأيى أن حل أزمة الشرق الأوسط ما زال فى يد أمريكا، ويجب وقف التصعيد غير المبرر، والعنجهية الإسرائيلية وبلطجة «نتنياهو»، لأن التصعيد غير المبرر والقتل غير المبرر يفتح مئات الأقواس، الشرق الأوسط لديه تحديات كبيرة ولكن يظل الأمل منعقداً على جمهورية مصر العربية ودبلوماسيتها واتصالاتها، تستطيع هذه الدبلوماسية أن تجذب قوى دولية مثل فرنسا وهذا ما وضح بالفعل، فأصبح الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يتحدث عن حملة لمنع توريد السلاح إلى إسرائيل، وهذا موقف يحترم لفرنسا، فالأمل أن يكون هناك ضغط على البيت الأبيض المنقسم إلى بيتين، بيت للحمائم وبيت للصقور، لكن يبدو أن البيت الأبيض من الصقور يظهر تماماً جلياً فى هذا الجنوب، أقصد جنوب لبنان وفى غزة، حيث القتل بدم بارد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الشرق الأوسط الاحتلال إسرائيل غزة لبنان مصر إيران الولایات المتحدة الشرق الأوسط ما یحدث فى
إقرأ أيضاً:
ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!
لم يبقَ في عالمنا العربي إعلاميٌّ أو محلّلٌ سياسي، أو دخيلٌ على المهنتين، إلا وحاضر ودبّج مقالات على مرّ العقود الأخيرة عن «الشرق الأوسط الجديد». غير أنَّ الشرق الأوسط الذي نراه اليوم حالة مختلفة عما كنا نسمعه، مضموناً وظروفاً.
منطقتنا صارت، مثل حياتنا ومفاهيمنا السياسية - الاجتماعية، خارج الاعتبارات المألوفة. بل يجوز القول إنها باتت مفتوحة على كل الاحتمالات. وهنا لا أقصد البتة التقليل من شأن نُخبنا السياسية أو الوعي السياسي لشعوبنا، أو قدرة هذه الشعوب على التعلّم من أخطائها... والانطلاق - من ثم - نحو اختيار النهج الأفضل...
إطلاقاً!
اليوم، نحن وأرقى شعوب الأرض وأعلاها كعباً في الممارسة السياسية المؤسساتية في زورق واحد.
كلنا نواجه تعقيدات وتهديدات متشابهة. ولا ضمانات أن «تعابير» كالديمقراطية والحكم الرشيد في دول ذات تجارب ديمقراطية راسخة، كافية إذا ما أُفرغت من معانيها، لإنقاذ مجتمعات هذه الدول مما تعاني منه... وسنعاني منه نحن.
بالأمس، سمعت من أحد الخبراء أنَّ الاستخدام الواسع لتقنيات «الذكاء الاصطناعي» في مرافق أساسية يومية من حياة البشر ما عاد ينتظر سوى أشهر معدودة.
هذا على الصعيد التكنولوجي، ولكن على الصعيد السياسي، انضمت البرتغال قبل أيام إلى ركب العديد من جاراتها الأوروبيات في المراهنة عبر صناديق الاقتراع على اليمين العنصري المتطرف، مع احتلال حزب «شيغا» الشعبوي شبه الفاشي المرتبةَ الثانية في الانتخابات العامة الطارئة، خلف التحالف الديمقراطي (يمين الوسط)، وقبل الحزب الاشتراكي الحاكم سابقاً.
تقدُّم «شيغا» في البرتغال، يعزّز الآن حضور الشعبويين الفاشيين الذي تمثله في أوروبا الغربية قوى متطرفة ومعادية للمهاجرين مثل: «الجبهة الوطنية» في فرنسا، و«فوكس» في إسبانيا، و«إخوان إيطاليا» في إيطاليا، وحزب «الإصلاح» (الريفورم) في بريطانيا، وحزب «الحرية» في هولندا، وحزب «البديل» في ألمانيا.
ثم إنَّ هذه الظاهرة ليست محصورة بديمقراطيات أوروبا الغربية، بل موجودة في دول عدة في شرق أوروبا وشمالها، وعلى رأسها المجر. وبالطبع، ها هي ملء السمع والبصر في كبرى الديمقراطيات الغربية قاطبةً... الولايات المتحدة!
في الولايات المتحدة ثمّة تطوّر تاريخي قلّ نظيره، لا يهدد فقط الثنائية الحزبية التي استند إليها النظام السياسي الأميركي بشقه التمثيلي الانتخابي، بل يهدد أيضاً مبدأ الفصل بين السلطات.
هذا حاصل الآن بفعل استحواذ تيار سياسي شعبي وشعبوي واحد، في فترة زمنية واحدة، على سلطات الحكم الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، يضاف إليها «السلطة الرابعة» - غير الرسمية - أي الإعلام.
ولئن كان الإعلام ظل عملياً خارج الهيمنة السياسية، فإنه غدا اليوم سلاحاً أساسياً في ترسانة التيار الحاكم بسبب هيمنة «الإعلام الجديد»، والمواقع الإلكترونية، و«الذكاء الاصطناعي»، و«أوليغارشي» ملّاك الصحف والشبكات التلفزيونية، ناهيك من وقف التمويل الحكومي لإعلام القطاع العام. وما لا شك فيه أن مؤسسات هؤلاء، بدءاً من رووبرت مردوخ (فوكس نيوز) وانتهاء بإيلون ماسك (إكس) ومارك زوكربرغ (ميتا) وجيف بيزوس (الواشنطن بوست)... هي التي تصنع راهناً «الثقافة السياسية» الأميركية الجديدة وربما المستقبلية، بدليل أن نحو 30 من وجوه إدارة الرئيس دونالد ترمب جاؤوا من بيئة «فوكس نيوز» ونجومها الإعلاميين.
في هذه الأثناء، يرصد العالم التحولات الضخمة في المشهد الأميركي بارتباك وحيرة.
الحروب الاقتصادية ليست مسألة بسيطة، وكذلك، لا تجوز الاستهانة بإسقاط سيد «البيت الأبيض» كل المعايير التي تحدد مَن هو «الحليف» ومَن هو «العدو»... ومَن هو «الشريك» ومن هو «المنافس»!
ولكن، في ضوء التطوّرات المتلاحقة، يصعب على أي دولة التأثير مباشرة في أكبر اقتصادات العالم وأقوى قواه العسكرية والسياسية. ولذا نرى الجميع يتابع ويأمل ويتحسّب ويحاول - بصمت، طبعاً - إما إيجاد البدائل وإما التقليل من حجم الأضرار الممكنة.
أما عن الشرق الأوسط والعالم العربي، بالذات، فإننا قد نكون أمام مشاكل أكبر من مشاكل غيرنا في موضوع اختلال معايير واشنطن في تحديد «الحليف» و«العدو».
ذلك أن الولايات المتحدة قوة كبرى ذات اهتمامات ومصالح عالمية. وبناءً عليه، لا مجال للمشاعر العاطفية الخاصة، وأيضاً لا وجود للمصالح الدائمة في عالم متغيّر الحسابات والتحديات.
في منطقتنا، لواشنطن علاقة استراتيجية راسخة مع إسرائيل التي تُعد «مركز النفوذ» الأهم داخل كواليس السلطة الأميركية ودهاليزها، والتي تموّل «مجموعات ضغطها» معظم قيادات الكونغرس ومحركي النفوذ.
ثم هناك تركيا، العضو المهم في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والقوة ذات الامتدادات الدينية والعرقية والجغرافية العميقة والمؤثرة في رسم السياسات الكبرى.
وأخيراً لا آخراً، لإيران أيضاً مكانة كبيرة تاريخياً في مراكز الأبحاث الأميركية كونها - مثل تركيا - «حلقة» في سلسلة كيانات الشرق الأوسط، ولقد أثبتت الأيام في كل الظروف أن غاية واشنطن «كسب» إيران لا ضربها.
في هذا المشهد، ووسط الغموض وتسارع التغيير، هل ما زلنا كعرب قادرين يا ترى على التأثير في المناخ الإقليمي وأولويات اللاعبين الكبار؟
الشرق الأوسط