لماذا تتوالى حوادث القطارات والطرق في مصر رغم إنفاق المليارات؟
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
تتوالى حوادث القطارات في مصر رغم إنفاق نحو 2 تريليون جنيه على تطوير منظومة السكك الحديدية وحدها، وفق تصريح أطلقه رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، السبت الماضي، خلال افتتاحه أحدث محطات القطارات في منطقة قرب القاهرة، حيث شهدت البلاد حوادث تصادم مميتة لـ4 قطارات خلال شهر واحد.
والأحد الماضي، وبعد يوم من افتتاح السيسي، أكبر محطة قطارات في الشرق الأوسط، شهدت مصر حادث اصطدام قطارين (جرار بمؤخرة قطار رقم 1087 النوم القادم من أسوان باتجاه القاهرة) بمحافظة المنيا بصعيد مصر، وسقوط عربتين بترعة الإبراهيمية أحد أفرع نهر النيل، ووفاة 3 وإصابة 19 مصريا.
وإثر الحادث، أعلن وزير الصناعة والنقل، العسكري السابق، كامل الوزير، "إيقاف من تسبب في الحادث عن العمل وتحويله للنيابة العامة"، مع عقوبة السجن والفصل والغرامة لأي موظف يثبث تعاطيه المخدرات، وذلك قبل أن يتوعد الجميع بالعقاب، (السائقين وملاحظي الأبراج ومهندسي التشغيل ورئيس المنطقة).
وفي صعيد مصر أيضا، لقي شخص مصرعه، وأصيب آخران، إثر اصطدام قطار بتوكتوك أثناء عبوره شريط السكة الحديد عند منطقة السماد بمدينة أسوان، مساء الاثنين.
ومنتصف الشهر الماضي وقع تصادم بين قطارين بمدينة الزقازيق شرق القاهرة أسفر عن وفاة 4 وإصابة 44، وحينها حبست النيابة 5 عمال من برج المراقبة والتحويلة، وأحالت جميع الموظفين للطب الشرعي لإجراء تحاليل المواد مخدرة.
وفي حوادث الطرق، شهدت مصر الاثنين، حادثا مروعا على أحدث الطرق التي جرى إنشاؤها بعهد السيسي -الجلالة العين السخنة، اتجاه الزعفرانة، السويس- مخلفا 12 متوفيا و33 مصابا إثر انقلاب حافلة تقل طلاب جامعة الجلالة بالسويس شرق القاهرة.
والثلاثاء، شهد طريق الإسماعيلية السويس الصحراوي تصادم أتوبيس تابع لأحد المصانع ببورسعيد وسيارة نقل ما أدى لوفاة عامل وإصابة 10 آخرين بإصابات مختلفة.
ويشهد الطريق الإقليمي الدائري أحد الطرق التي تم افتتاحها عام 2018، في عهد السيسي، حوادث يومية خاصة بعد غلق جزئي بين (بلبيس وبنها) لعمل إصلاحات بعد اكتشاف أخطاء فنية بالطريق بعد 6 سنوات.
ووفقا لبيانات جمعها موقع "زاوية ثالثة"، المحلي تزايدت حوادث القطارات بين عامي 2009 و2023، لتصل إلى أكثر من 16 ألف حادثة، رغم وعود حكومية بتحسين الأمان، بحسب التقرير.
وطبقا لإحصاء 2017 الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، هناك 12236 حادث قطار بـ10 سنوات من (2006 وحتى 2016)، منها (1044 حادثا عام 2014)، وفي 2015: (1235)، وفي 2016: (1249)، وفي 2017: (1793)، وفي 2018: (2044)، وفي 2019: (1442 حادثا).
والسبت الماضي، افتتح السيسي، محطة قطارات صعيد مصر بمنطقة "بشتيل" بالجيزة، وحينها اعترف بالإنفاق الكبير بقطاع النقل، مؤكدا أن "تطوير قطاع النقل جهد الدولة ونتكلم عن تكلفة 2 تريليون جنيه".
وبحسب بيانات وزارة النقل فقد تم "تطوير نظم الإشارات والتحكم، وتحويل خطوط الشبكة بالكامل من النظام الميكانيكي إلى الإلكتروني، لزيادة معدلات السلامة والأمان، وعدم الاعتماد على العنصر البشري في القطارات".
وكان السيسي، قد اعترف في 5 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بأن حجم الأموال التي حصل عليها وزير النقل كامل الوزير لمشروعات السكك الحديدية والطرق كبيرة جدا، بقوله أمام الكاميرات: "نحلت وبرنا بالفلوس اللي أخدتها".
وهو التوجه الذي خالف ما أعلنه السيسي، قبل 7 سنوات حينما أعلن في أيار/ مايو 2017، رفضه تطوير السكك الحديدية حرصا على الأموال حيث قال: "بدل ما أصرف 10 مليار عشان أطور السكة الحديد، نحطهم في البنك، ونأخذ مليار جنيه فوائد".
"السبب والحلول"
وفي تقديره يرى الأكاديمي المصري الدكتور محمد محي الدين، أن السبب الرئيس لاستمرار حوادث القطارات والطرق رغم ما تم إنفاقه عليها من مليارات الجنيهات، "هو التوجه نحو كل جديد، والدفع خلف ذلك بكل الإمكانيات المتاحة، وترك القديم أو الأصيل لمعدلات وموازنات الصيانة والتطوير السابقة وهي لا تكفي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "هناك أخطاء بشرية؛ نعم، لكن عندما تكون هناك إمكانية في 2024، لحدوث خطأ ينتج عنه دخول قطارين على ذات الخط فيصطدمان ليموت ويصاب مواطنون أبرياء، فهذا يعني التخلف عن مواكبة أفضل التكنولوجيا والحلول في هندسة الطرق والمواصلات والسكك الحديدية".
ويرى أن "تخصيص موازنات حقيقية لازدواج كل الخطوط الفردية ورقمنة التحكم في مسارات السكك الحديدية، سيقلل وبشدة احتمالية حدوث حوادث أو أن تكون كارثية".
"فقدان تناغم المنظومة"
وفي رؤيته لأسباب توالي حوادث القطارات والطرق في مصر رغم إنفاق مليارات الجنيهات، قال الكاتب والمحلل السياسي حسن بكر: "النقل والمواصلات منظومة تحتاج عقولا لإدارتها، لا لجبايتها"، مبينا أن "أغلب دول العالم تتعامل معها كمنظومة متكاملة، عناصرها: الطريق والمركبة، والعنصر البشري، وحزمة القوانين المنظمة، وما استجد من تكنولوجيا".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "في مصر لا يوجد تكامل ولا تناغم بين عناصر المنظومة؛ وابتداء من منح ترخيص القيادة والمركبة نجد الفساد، والنتيجة قائد مركبة غير مؤهل يجهل قواعد القيادة الآمنة، ومركبة تفتقر عوامل الآمان والسلامة والمتانة".
وفي حالة الطرق، قال: "نعتمد على عمالة غير مؤهلة هندسيا بأعمال الرصف، وشركات جشعة لا تراعي جودة ومواصفات مواد الرصف، ودفع الرشى لتسليم الطرق، مع تجاهل تخطيط الطرق، ووضع علامات ولوحات إرشادية بمواصفات عالمية، والنتيجة طرق مفتوحة تتوه فيها المركبات، وتفتقر للحارات المرورية"، ملمحا إلى أن "الاستعجال بأعمال الرصف، وغياب الرقابة الفنية والهندسية على الشركات يُنتج لنا طرقا غير آمنة وغير جيدة".
ويلفت بكر، إلى جانب ثاني، وهو "انتشار المخدرات بالمجتمع، وغياب الرقابة المرورية"، معتبرا أنها "أحد أهم أسباب الحوادث المرورية"، مبينا أن "بعض سائقي القطارات والنقل الثقيل وسيارات الأجرة والأتوبيسات يلجأؤون لتعاطى المخدرات لمقاومة الإجهاد البدني والسفر لساعات طويلة".
وأكد أن "القوانين العقابية المعمول بها بمخالفات المرور قوانين جباية مالية، لا قوانين ردع، تستبعد السائق الذى اعتاد المخالفة والقيادة برعونة، كما أن القواعد المرورية منتهكة وهناك تجاهل لتطبيقها، والنتيجة فوضى ورعونة وفهلوة مميتة على الطرق".
"السكة الحديد.. تطوير بدائي"
وأشار إلى "غياب التكنولوجيا الحديثة، ورغم التقدم التكنولوجي الكبير لتأمين حركة المرور بالجو والبر والبحر، إلا أن مصر تتجاهل تلك التكنولوجيا، وتراها رفاهية، والنتيجة عجز العنصر البشري عن إدارة وتوجيه وتأمين منظومة النقل والمواصلات كدول العالم".
وقال إن "الدولة تعلن إنفاق المليارات على تطوير السكة الحديد، لكن المواطن لا يشعر بالتطوير الذي تبالغ الدولة حين تتحدث عنه، فمازالت القطارات المتهالكة غير مزودة بوسائل الاتصال الحديث وتسير وفقا لهوى السائق، وتخضع وسائل التحكم بحركة القطارات لعامل بشرى غير مدرب ومجهد من ساعات العمل، ومغيب عن الوعي بسبب المخدرات".
وأضاف: "السكة الحديدية لا تأخذ بوسائل التحكم الأحدث التي تصحح الخطأ البشري لو وقع، وأعمال الصيانة لا تتم وفقا لجداول الصيانة المتعارف عليها دوليا، وإنما وفقا للمتاح، ونلاحظ حال عامل الصيانة بالورش يلبس (شبشب) ويفتقر لوسائل الأمان الشخصي وأبسط معدات الإصلاح والصيانة".
وتابع: "أيضا تركنا أساتذة ومهندسين وظيفتهم وصلب تخصصاتهم هندسة وإدارة وتخطيط الطرق، وتركنا الأمر لعسكري المرور الأمي، وضابط المرور المشغول بتحرير المخالفات، ويجهل ماهية هندسة الطريق وإدارتها".
ويعتقد بكر أن "الكارثة الحقيقية إعطاء الطرق والكباري، والسكك الحديدية للجيش لإدارتها، وتحصيل الإتاوات منها عبر محطات تحصيل الرسوم، ونسينا أنها أهم مرافق الدولة الاستراتيجية، التى تحتاج للعلم والعقول لإدارتها، لا لجبايتها؛ لذا يستمر مسلسل حوادث الطرق والقطارات".
"ردود فعل واتهامات للوزير"
وحمل الإعلامي عمرو أديب، عبر فضائية "إم بي سي مصر" تزايد حوادث القطارات رغم إنفاق المليارات على تطوير مرفق السكك الحديدية، المسؤولية بقوله : من الممكن أن تكون هناك مشاكل تتعلق بكفاءة العاملين وتدريبهم وغيرها من الإجراءات.
لكن النائب البرلماني عبدالمنعم إمام، كتب عبر "فيسبوك"، أن "سكك حديد مصر عنوان للفشل"، مشيرا لاقتراض هيئة السكك الحديدية، 457 مليار جنيه، وتسوية ديون بإجمالي 90 مليار جنيه أخرى، وتحقيق 10 مليارات جنيه خسائر، مؤكدا أنه "رغم إنفاق ما يتجاوز نصف تريليون جنيه، فالنتيجة حوادث متكررة، وتراجع مستوى الخدمات".
ووجه سؤاله للوزير، "عن كم الدعم السياسي والمالي الذي حصلت عليه وزارته من كل مؤسسات وقطاعات الدولة، والذي عاد بمردود على مستوى الخدمات أقل بكثير من المتوقع، وليس حتى المأمول من هذه الموارد؟"، خاتما بقوله: "ليس في استمرارك خير، ولا في رحيلك ندم".
من جانبه، اعتبر الكاتب والسياسي عمرو الشبكي، موت 3 أشخاص بحادث قطار المنيا، و12 طالب بأتوبيس الجلالة، "مفارقة حزينة"، في اليوم التالي لافتتاح أضخم وأفخم وأعرض محطة قطارات في بشتيل، مشيرا إلى أنهم "ضحايا الإهمال والفوضى وكراهية العلم وانعدام الكفاءة و غياب المحاسبة".
وقال الناشط السياسي هشام قاسم، إن كامل الوزير، "لا يصلح أن يكون نصف وزير، ولا رئيس سكة حديد، ولا سواق، ولا حتى عطشجي قطار، ضيع مليارات على عدة قطارات فاخرة وسايب (ترك) باقي المرفق للقدر".
وطالب مصريون بإقالة كامل الوزير، مؤكدين أن تكرار تلك الحوادث نتيجة حتمية لغياب المساءلة والانضباط، والاهتمام بالحجر وإهمال البشر، وإنفاق مليارات بدون منهج إداري وعلمي وسط الفوضى وكراهية العلم وانعدام الكفاءة، منتقدين محاسبة العناصر البشرية من سائقين والعامين على التحويلات، دون كبار المسؤولين.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2009، استقال وزير النقل محمد منصور، إثر تصادم قطاري العياط جنوب القاهرة، الذي أودى بحياة 30 مصريا في عهد حسني مبارك.
وفي شباط/ فبراير 2019، استقال وزير النقل هشام عرفات، إثر حادث حريق "محطة مصر" وسط القاهرة، والذي أودى بحياة 21 مصريا، ليتولى بعده كامل الوزير حقيبة النقل، ويحظى بدعم السيسي، السياسي والمالي، كونه عسكريا، وفق مراقبين.
"قروض وديون وإيرادات"
وتشير التصريحات الرسمية إلى أن السكك الحديدية ووزارة النقل تعتمدان في مشروعاتهما على الاقتراض الخارجي والداخلي، ما أرهق ميزانيتيهما بفوائد وأقساط تلتهم دخل الهيئة والوزارة، رغم ما تقوم الحكومة بإسقاطه من ديون.
ومساء السبت الماضي، أعلن رئيس هيئة السكك الحديدية محمد عامر، عبر فضائية "صدى البلد" المحلية، أن الدولة أسقطت 58 مليار جنيه من ديون الهيئة، شريطة أن تتحمل نفقات تشغيلها وإلغاء السحب على المكشوف.
وفي شباط/ فبراير الماضي، أكد مدير القوائم المالية بالهيئة أسامة عبدالرحمن، سداد حوالي 2.8 مليار جنيه أقساط عن العام (2022/2023).
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أسقط بنك الاستثمار القومي (حكومي)، 26 مليار جنيه مديونية متراكمة على الهيئة.
لكن الهيئة وفي الشهر ذاته أعلنت اقتراض 6 مليارات جنيه من تحالف بنوك محلية لاستكمال خط سكة حديد للوجستيات التجارة بين القاهرة والإسكندرية، وفقا لصحيفة "المال" الاقتصادية.
ويجرى تمويل تحديث خط سكة حديد "الروبيكي- العاشر من رمضان– بلبيس" بطول 69 كيلومترا، بقيمة إجمالية تصل لـ 285 مليون دولار، 220 مليون دولار منها من الوكالة الفرنسية للتنمية، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار.
وفي 3 حزيران/ يونيو الماضي، أقر مجلس النواب اتفاقية مع إسبانيا لتوريد عدد 7 قطارات نوم فاخرة من شركة "تالجو" بقيمة 200 مليون يورو.
وفي 28 حزيران/ يونيو الماضي، أقر البرلمان اتفاق مع البنك الأسيوي لتطوير خط سكة حديد أبوقير بالإسكندرية وتحويله لمترو كهربائي، بقرض بقيمة 250 مليون يورو.
وفي 20 تشرين الأول/ نوفمبر 2023، أقر مجلس النواب، اتفاقيتين لتوريد عربات سكة حديد وتنفيذ المرحلة الرابعة للمترو، مع شركة "تي إم إتش إنترناشيونال إل إل سي" لتوريد (1300) عربة سكة حديد.
ونتيجة لرفع أسعار تذاكر ركوب السكك الحديدية عدة مرات في عهد السيسي، وبقرار من كامل الوزير، -آخرها مطلع آب/ أغسطس الماضي- بجانب رفع قيم الغرامات، زادت إيرادات هيئة السكك الحديدية
بلغت في آيار/ مايو الماضي، نحو 536 مليون جنيه، ارتفاعا من 407 مليون جنيه عن ذات الشهر من 2023، بزيادة بلغت 129 مليون جنيه، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية حوادث مصر السيسي القاهرة مصر السيسي القاهرة حوادث الاسكندرية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السکک الحدیدیة حوادث القطارات السکة الحدید کامل الوزیر ملیار جنیه رغم إنفاق قطارات فی سکة حدید فی مصر
إقرأ أيضاً:
من الأعلى إلى الأدنى إنفاقًا: ترتيب الدول الأوروبية في الإعانات العائلية
تُعدّ الإعانات العائلية ركيزة في مكافحة فقر الأطفال ودعم الأسر بأوروبا، لكن مستويات الإنفاق تختلف بشكل واسع بين الدول، وفق بيانات "يوروستات". اعلان
تلعب الإعانات الاجتماعية الموجّهة للأسر دورًا أساسيًا في الحدّ من الفقر وتعزيز الإدماج الاجتماعي، خصوصًا في دعم الأسر والحؤول دون وقوع الأطفال في الفقر.
وتختلف أنظمة الضمان الاجتماعي والإعانات الأسرية في أوروبا من حيث الحجم والهيكل، ويمكن مقارنتها من خلال معيار الإنفاق السنوي للفرد.
وفقًا لبيانات "يوروستات"، بلغ متوسط إنفاق دول الاتحاد الأوروبي على الإعانات العائلية للشخص الواحد 830 يورو في عام 2022، مقارنة بـ 566 يورو في عام 2012، ما يعادل زيادة بنسبة 47%.
في عام 2022، تفاوتت المبالغ بين الدول الأعضاء، حيث سجلت بلغاريا أدنى مستوى بـ 211 يورو للفرد، بينما بلغت أعلى قيمة في لوكسمبورغ عند 3789 يورو.
وعند توسيع النطاق ليشمل الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ودول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (EFTA)، كانت ألبانيا الأقل إنفاقًا بـ 48 يورو للفرد، تلتها تركيا بـ 57 يورو، ثم البوسنة والهرسك بـ 59 يورو.
الفجوة بين الشمال الغربي والجنوب الشرقي في الاستحقاقات العائلية
تُعد الإعانات العائلية للفرد الواحد الأعلى في شمال وغرب أوروبا، في حين تُسجل المستويات الدنيا في جنوب وشرق القارة.
إلى جانب لوكسمبورغ، التي تصدرت القائمة بإنفاق قدره 3789 يورو للفرد في عام 2022، تأتي دول الشمال الأوروبي في مقدمة الدول من حيث الإنفاق، وتشمل النرويج (2277 يورو)، والدنمارك (1878 يورو)، وأيسلندا (1874 يورو)، والسويد (1449 يورو)، وفنلندا (1440 يورو).
وأشارت الدكتورة آن داجير من جامعة بريستول في حديثها لـ "Euronews Business" إلى أن "دول الشمال الأوروبي وفرنسا لا تزال من بين أعلى الدول إنفاقًا على الإعانات العائلية، رغم اعتمادها بشكل كبير على الخدمات العينية مثل رعاية الأطفال، والتي لا تُدرج بالكامل في مقاييس الإنفاق النقدي للفرد".
كما تتجاوز كل من ألمانيا (1616 يورو)، وسويسرا (1375 يورو)، والنمسا (1340 يورو)، وأيرلندا (1026 يورو) عتبة 1000 يورو للفرد. وفي المقابل، تُسجل بلجيكا (976 يورو) وفرنسا (867 يورو) مستويات أعلى من المتوسط الأوروبي (830 يورو)، دون أن تصل إلى 1000 يورو.
قدّمت هولندا 670 يورو للفرد الواحد من الإعانات العائلية في عام 2022، وهو أقل بـ 160 يورو عن متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 830 يورو. وسجلت إيطاليا 524 يورو للفرد، في حين بلغ المعدل في إسبانيا 427 يورو، لتكون كلتا الدولتين، العضوين في اقتصادات "الأربعة الكبار" بالاتحاد الأوروبي، دون المتوسط الأوروبي.
وتُعدّ المستويات الأدنى للإعانات العائلية متركزة في الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يأتي الجبل الأسود (131 يورو) وصربيا (117 يورو) في المراتب القريبة من القاع، بعد ألبانيا (48 يورو)، تركيا (57 يورو)، والبوسنة والهرسك (59 يورو)، التي سجّلت أدنى المعدلات.
وحذّرت البروفيسور غريغا سربان من جامعة ليوبليانا من تعقيدات المقارنة بين الدول، مشيرة إلى أن "السؤال المهم هو ما إذا كانت جميع الدول تصنّف الإعانات الأسرية بالطريقة نفسها".
ولفتت إلى أن هناك اعتبارات سياسية متعددة تُحدّد طبيعة هذه الإعانات، إذ تختلف من حيث التركيز—سواء على الوالدين أو على الأطفال والطلاب—وبالتالي تتنوع بين الشمولية والاستهداف، كما قد تكون مرتبطة بالإعاقة أو بالمساعدة الاجتماعية.
كيف تغيرت الإعانات العائلية على مدى السنوات العشر الماضية؟من أصل 32 دولة، شهدت دولتان فقط انخفاضًا في الإعانات العائلية للفرد الواحد باليورو على مدى العقد الماضي: النرويج، حيث تراجعت بنسبة 5% (بفارق -130 يورو)، وقبرص، التي سجلت تراجعًا بنسبة 18% (بفارق -62 يورو)، ويرجع جزء من هذا الانخفاض إلى تقلبات أسعار الصرف.
في المقابل، سجل الإنفاق على الإعانات العائلية ارتفاعًا في بقية الدول، مع تفاوت كبير في وتيرة النمو. وفي الاتحاد الأوروبي، ارتفع المتوسط من 566 يورو للفرد في عام 2012 إلى 830 يورو في عام 2022، بزيادة بلغت 264 يورو، أي ما نسبته 47%.
من حيث النسب المئوية، سجلت بولندا أعلى معدل نمو بنسبة 320%، تلتها لاتفيا (245%)، ورومانيا (227%)، وليتوانيا (198%). كما تضاعفت الإعانات بأكثر من الضعف في كل من إستونيا (125%)، وصربيا (115%)، وبلغاريا (112%)، وأيسلندا (110%)، وكرواتيا (101%).
في المقابل، كانت الزيادة محدودة في عدد من الدول ذات المستويات العالية مسبقًا، حيث ظلت دون 30% في لوكسمبورغ، والنمسا، وفنلندا، والمجر، وفرنسا، والسويد، والدنمارك، وأيرلندا، باستثناء المجر التي كانت تنطلق من مستوى أقل.
بالنسبة للزيادة المطلقة باليورو، سُجلت أكبر القفزات في أيسلندا (زائد 980 يورو)، ولوكسمبورغ (زائد 819 يورو)، وألمانيا (زائد 558 يورو).
دوافع التغير في الإعانات العائليةأفادت الدكتورة داجويري لـ "Euronews Business" أن "الإنفاق على الإعانات العائلية للفرد الواحد ارتفع بشكل ملحوظ في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012، لكن دوافع هذا النمو تختلف بشكل كبير بين الدول".
وأوضحت أن الزيادات الأكثر بروزًا سُجلت في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، لا سيما المجر وبولندا، مشيرة إلى أن "هذا النمو مدفوع بشكل رئيسي بسياسات انتقائية تهدف إلى تعزيز معدلات الخصوبة ودعم النماذج الأسرية التقليدية، ما يعكس تحولاً أوسع نحو أجندات رفاهية ذات طابع اجتماعي أكثر تحفظاً".
وأضافت أن إيطاليا، تحت قيادة رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، اتبعت منذ عام 2022 مساراً مشابهاً في هذا السياق.
وأشارت إلى أن طبيعة النمو في الإعانات تعكس أولويات متباينة بين الدول، موضحة أن "ليتوانيا شهدت زيادات كبيرة ناتجة عن إدخال إعانة طفل شاملة في عام 2018، صُممت أساساً للحد من فقر الأطفال وضمان وصول أوسع، خاصة للأسر ذات الدخل المنخفض التي كانت مستبعدة سابقاً من الأنظمة القائمة على الضرائب".
من جهة أخرى، لفتت الدكتورة آن داجير إلى أن بعض دول جنوب أوروبا، مثل اليونان وقبرص، تُظهر ركوداً أو زيادات متواضعة في إنفاق الإعانات العائلية، رغم استمرار انخفاض معدلات الخصوبة فيها.
ما هي الإعانات العائلية؟وفقًا للمفوضية الأوروبية، تُعرَّف الاستحقاقات العائلية بأنها "جميع الاستحقاقات العينية أو النقدية المخصصة لتغطية نفقات الأسرة بموجب تشريعات الضمان الاجتماعي للدولة العضو".
وتشمل هذه الاستحقاقات بدلات الوالدين وبدلات تربية الأطفال، التي تهدف إلى تغطية تكاليف تربية الطفل وتعويض الدخل المفقود في حال توقف أحد الوالدين عن العمل. كما تُصنَّف بدلات رعاية الطفل المقدمة للوالدين العاملين ضمن نطاق الإعانات العائلية.
يُظهر الرسم البياني أعلاه تأثير البدلات الضريبية العائلية، حيث يُلاحظ أن الأزواج الذين لديهم طفلان معالان يحصلون على دخل أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بإجمالي رواتبهم، بفضل الدعم المالي المقدم من خلال هذه البدلات.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة