ضمن تقرير نشره موقع "الحرة" في التاسع عشر من أكتوبر استعرض خبير الصواريخ في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، فابيان هينز، عدة احتمالات قد تسلكها إسرائيل لتنفيذ ضربتها المرتقبة ضد إيران، وكان الأكثر ترجيحا منها أن تلجأ للقصف عن بُعد عبر طائرات حربية وباستخدام صواريخ متطورة بعيدة المدى.

وبدا الاحتمال الذي رجحه الخبير متوافقا إلى حد قريب مع مضمون الوثائق الاستخباراتية المصنفة "سرية للغاية" والتي تسلطت الأضواء عليها خلال اليومين الماضيين، ودفعت الولايات المتحدة الأميركية لبدء عمليات تحقق وإجراء اتصالات مع المسؤولين الإسرائيليين بهذا الشأن.

الوثائق وعددها اثنتان تحتويان على تقييم أميركي مزعوم للخطط الإسرائيلية لمهاجمة إيران، وظهرتا على تطبيق الرسائل "تلغرام" يوم الجمعة.

ويعتمد التقييم على تفسير صور أقمار اصطناعية وغيرها من المعلومات الاستخباراتية، وبدوره قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الاثنين، إن الرئيس جو بايدن "قلق للغاية" بشأن التسريب.

كما أضاف كيربي أن المسؤولين لم يحددوا بعد ما إذا كانت الوثائق قد تم نشرها نتيجة اختراق أو تسريب.

وتحمل الوثيقتان علامات "سرية للغاية" وعلامات تشير إلى أنها مخصصة فقط للولايات المتحدة وأعضاء آخرين من دول "العيون الخمس"، أستراليا وكندا ونيوزيلندا وبريطانيا، وفقا لشبكة "سي أن أن" الأميركية.

وبالنظر إليهما فإنهما تشكلان تقييما سريا لاستعدادات إسرائيل لضرب أهداف في إيران، استنادا إلى معلومات استخباراتية تم تحليلها يومي 15 و16 أكتوبر من قبل وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية الأميركية.

وكان أبرز ما ميّزهما هو الإشارة إلى نظامين للصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو: "غولدن هورايزون" و"روكس"، والتي يحتمل أن تستخدمها إسرائيل في ضربتها المرتقبة.

ما "روكس" و"غولدن هورايزون"؟

بناء على ما أشار إليه الخبير هينز والوثائق "المسربة" التي يجري التحقق منها تثار التساؤلات عن المخزون الذي تملكه إسرائيل من الصواريخ بعيدة المدى، والتي تطلق من الطائرات الحربية على نحو محدد.

بداية من نظام "روكس" الصاروخي بعيد المدى الذي ورد ذكره في الوثائق فهو من إنتاج شركة "رافائيل" الإسرائيلية، ومصمم لضرب مجموعة متنوعة من الأهداف فوق الأرض وتحتها.

في المقابل يُعتقد أن "غولدن هورايزون" يشير إلى نظام صواريخ "بلو سبارو" الذي يبلغ مداه نحو 2000 كيلومتر (1240 ميلا). ولا توجد معلومات أخرى ودقيقة عنه على المواقع المتخصصة بالأمن والدفاع، سواء الإسرائيلية أو الأجنبية.

وتقول شركة "رافائيل" عبر موقعها الرسمي إن "روكس" تم الكشف عنه في عام 2019، وإنه مخصص لضرب أهداف محصنة بشدة وبدقة متناهية في الساحات التي لا تتوفر فيها أنظمة تحديد المواقع العالمية.

ويمكن تجهيز الصاروخ إما برأس حربي اختراقي أو انفجاري، وتتاح عملية تشغيله وإطلاقه ليلا ونهارا وفي جميع الأحوال الجوية.

كما توضح الشركة أنه "باستخدام خوارزمية فريدة لمطابقة المشهد وتكنولوجيا مكافحة الموجات فإن (روكس) يتغلب على أي سيناريو تشويش، بالإضافة إلى أخطاء الملاحة وموقع الهدف".

وسبق وأن لاحظ محللو دفاع أن جسم صاروخ "روكس" يبدو أنه مشتق من صاروخ Black Sparrow، الذي أنتجته "رافائيل" أيضا، بحسب تقرير لمجلة "فوربس"، نشر في يونيو 2024.

ومع ذلك تختلف ملاحظات المحللين مع التأكيدات التي نشرتها الشركة بعد عام 2019، مشيرة إلى أن الصاروخ قائم على دمج "التقنيات المتقدمة من أسلحة جو-أرض القديمة من طراز Popeye وSPICE".

"أنظمة معروفة وغامضة"

ويوضح هينز الخبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة فكرية دفاعية مقرها لندن أن إسرائيل لديها برنامج تطوير وإنتاج كبير وواسع للأسلحة المحمولة جوا.

وفي حين أنها تشتري أسلحة جوية من الولايات المتحدة، لكنها أيضا تطور أنظمتها الخاصة.

ويطور (الإسرائيليون) جميع أنواع الأسلحة المحمولة جوا، من القنابل الصغيرة والخفيفة للطائرات بدون طيار، إلى القنابل الموجهة الثقيلة للطائرات، ووصولا إلى صواريخ كروز والصواريخ الباليستية المحمولة جوا.

والشيء المهم هو أنهم استخدموا العديد من هذه الأسلحة في ضربات مختلفة في حملتهم في غزة ولبنان، وخاصة في سوريا في السنوات القليلة الماضية، وفق هينز.

ورغم أننا رأينا العديد من تلك الاستخدامات مؤخرا إلا أن الخبير يعتقد أن إسرائيل تمتلك أنواعا معينة من الأسلحة و"لا تظهرها للجمهور".

ويقول: "الإسرائيليون عندما تكون الأنظمة غير متطورة للغاية أو مجرد أنظمة عادية، سيعرضونها وربما يصدرونها، ولكن بالنسبة للأنظمة الأكثر قدرة، فهم أحيانا لا يعرضونها للعالم".

كما أن أحد الأمور المثيرة للاهتمام هو أنه في شهر أبريل الماضي وبعد ضربة إيرانية بدا أن إسرائيل استخدمت صواريخ باليستية محمولة جوا. وهذه الصواريخ تطلق من الطائرة لا الجو، مما يمنحها بعدا إضافية.

وكانت إسرائيل امتلكت القدرة على شن هجمات بعيدة المدى من الطائرات منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، وعندما وصلت طائرات الفانتوم إليها، بحسب تقرير نشرته صحيفة "جيروزليم بوست"، في أبريل 2024.

ووفقا لوثائق وافقت أرشيفات جيش الدفاع الإسرائيلي على نشرها فقد بنى جيش الدفاع الإسرائيلي قدرات هجومية في ليبيا واليمن من خلال التزود بالوقود مرتين بين طائرات الفانتوم، بحسب الصحيفة ذاتها.

وتستطيع الطائرات المقاتلة التي بحوزة إسرائيل (إف-15 وإف-16 وإف-35) أن تصل إلى مدى يتراوح بين 1500 و2000 كيلومتر ذهابا وإيابا دون الحاجة إلى التزود بالوقود.

وتمتلك إسرائيل طائرات تزود بالوقود من طراز "بوينغ 707"، مما يجعل من الممكن توسيع مدى هجوم الطائرات وتغطية كامل مساحة إيران، كما اشترت إسرائيل طائرات تزود بالوقود جديدة من طراز بوينغ " KC-46"، ومن المقرر أن تدخل الخدمة في عام 2025.

ومن خلال استبدال طائرات "بوينغ 707" القديمة، ستعمل هذه الطائرات على ترقية قدرات القصف بعيد المدى لإسرائيل بشكل كبير، بحسب "جيروزليم بوست".

"صعبة الاعتراض"

وتقسم الصواريخ البالستية المحمولة جوا إلى ثلاثة أنواع: قصيرة المدى، متوسطة المدى، بعيدة المدى.

ورغم أن إسرائيل تمتلك كل هذه الفئات منذ سنوات، دائما ما تتسلط الأضواء على الصواريخ بعيدة المدى، من منطلق أن المدى الطويل الخاص بها مخصص لضرب المسافات البعيدة، وإيران مثال على ذلك.

يشرح الخبير هينز أن الصواريخ بعيدة المدى صعبة الاعتراض للغاية، وربما تكون قادرة على المناورة أيضا، ويقول إنها توفر عددا من المزايا، تتعلق الأولى منها بالمدى.

ويوضح الخبير أن الصواريخ بعيدة المدى تمتلك مدى كبيرا جدا، مما يعني أن الطائرة الإسرائيلية قد لا تحتاج أبدا إلى دخول المجال الجوي الإيراني، بل يمكنها إطلاق الصواريخ من العراق، كما حدث على ما يبدو في أبريل، وبالتالي، تنخفض فرص إيران في اعتراض الطائرة.

ومن ناحية ثانية قد لا تحتاج إسرائيل أيضا إلى استخدام طائرة شبح، حيث يمكنها استخدام مقاتلة عادية والبقاء بعيدا جدا.

فيما يتعلق بصاروخ "روكس" الذي ورد في الوثيقتين المسربتين يشير هينز إلى أنه نظام معروف وقد عُرض للتصدير مؤخرا.

أما "غولدن هورايزون" (الأفق الذهبي) فلم يسمع عنه من قبل أبدا، ويبدو أنه أحد الأنظمة السرية التي لم تظهرها إسرائيل، ومن المرجح أن تستخدمها في ضربتها المرتقبة ضد إيران.

وعلاوة على ذلك قد تكون صواريخ كروز المحمولة جوا خيارا محتملا آخر.

هذا الخيار سبق وأن استخدمته إسرائيل في سوريا بعدما ضربت موقعا بصاروخ "دليلة"، ومع ذلك يتابع هينز أنهم الآن "ربما سيستخدمون شيئا بعيد المدى".

ماذا عن بقية الأنظمة؟

وبحسب الوثائق المسربة أجرت القوات الجوية الإسرائيلية مؤخرا تدريبات مهمة شملت أنشطة تتعلق بالصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو، بما في ذلك ما لا يقل عن 16 صاروخا من طراز "غولدن هورايزون" و40 صاروخا من طراز "روكس".

وبالعودة إلى الوراء لا يعتبر هذان النظامان الوحيدان اللذان تمتلكهما إسرائيل، بل يضاف إليهما مخزون كبير من الصواريخ بعيدة وقصيرة المدى.

في أوائل يونيو 2024 عرضت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية نسخة جديدة من صاروخها شبه الباليستي الذي يطلق من الجو، والذي أطلق عليه اسم "Air LORA".

وقال مسؤول في الشركة لصحيفة "جينز"، حينها، إن الصاروخ الذي يتم إطلاقه جوا قد أكمل تجاربه مع طائرة "F-16"، وسيكون متوافقا أيضا مع طائرة "Boeing P-8 Poseidon" البحرية متعددة المهام.

ويمكن لـ "Air LORA" أن يحمل رؤوسا حربية متفجرة أو ذات اختراق عميق، مما يجعله مناسبا لإلحاق أضرار حاسمة بالأهداف الاستراتيجية المحصنة، بحسب تقرير لمجلة "فوربس".

وقد طور مصنعو الأسلحة الإسرائيليون مجموعة متنوعة أخرى من الصواريخ المماثلة في السنوات الأخيرة.

وفي عام 2018، كشفت الصناعات العسكرية الإسرائيلية عن صاروخ "رامبيج"، الذي صمم أيضا لتدمير أهداف عالية القيمة من الجو وعلى مسافات بعيدة تصل إلى 186 ميلا.

وكان أول استخدام إسرائيلي معلن لصواريخ رامبيج ضد مصنع للصواريخ ومستودعات أسلحة أخرى في مصياف في سوريا، في 13 أبريل 2019.

وبحسب ما ورد في تلك الفترة اختارت إسرائيل الصاروخ لتنفيذ تلك الضربة، نظرا لوجود نظام أس-300 الروسي المتقدم بعيد المدى في المنطقة، وفق "فوربس".

تم تطوير صاروخ رامبيج بالتعاون بين صناعات الفضاء الإسرائيلية وشركة إلبيت سيستمز، وهو مبني على صاروخ إكسترا من إنتاج الأخيرة.

وقد صمم في البداية للإطلاق من الأرض ثم تم تعديله للإطلاق الجوي، حيث اكتسب مدى وسرعة أكبر عند إطلاقه من الطائرات النفاثة، ويتميز بأنظمة ملاحة متعددة، مما يوفر التكرار للاستهداف الدقيق، بحسب "جيروزليم بوست".

وتشير مصادر عبرية إلى أن إسرائيل تمتلك منظومة صواريخ أرض-أرض أيضا، مزودة برؤوس حربية تقليدية ونووية، ومعروفة باسم صواريخ أريحا.

وهناك سلاح إسرائيلي هو صاروخ كروز "بوب آي توربو"، الذي طورته شركة رافائيل ويبلغ مداه 1500 كيلومتر.

والصاروخ مصمم للإطلاق من غواصات البحرية الإسرائيلية، وهو قادر على حمل رؤوس حربية تقليدية ونووية، وتقول "جيروزليم بوست" إن هذا المدى يسمح للغواصات الإسرائيلية بضرب إيران من البحر الأحمر أو بحر العرب دون دخول الخليج العربي.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الصواریخ بعیدة المدى المحمولة جوا من الصواریخ بعید المدى أن إسرائیل تطلق من من طراز من الجو إلى أن

إقرأ أيضاً:

ماذا نعرف عن مشروع التهويد الأخضر الذي تنفذه إسرائيل؟

طالما ارتبط مشروع تهويد القدس بمحاولات إحكام الاحتلال فرض السيطرة على الأرض، وإقصاء الهوية الأصيلة، ومن بين وسائل التهويد التي لا يتم تسليط الضوء عليها "التشجير الاستيطاني"، وقد عاد الحديث عنها تزامنًا مع الحرائق الضخمة التي اندلعت في القدس المحتلة في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي، وكيف أسهمت هذه النباتات الدخيلة في مفاقمة الحرائق واتساع رقعتها، لتطال أكثر من 100 موقع في جبال القدس المحتلة، وهو ما أجبر الاحتلال على طلب المساعدة وإخلاء المستوطنين من مناطق الحرائق وغيرها من الإجراءات.

ونسلّط الضوء في هذا المقال على جانبٍ منسيّ من تهويد شطري القدس المحتلة مرتبطٍ بالحدائق والتشجير، ونقدّم من خلاله إطلالة على تاريخ هذا النمط الخفيّ من التهويد، وكيف وظف المشروع الصهيوني الغابات لتحقيق أهدافه في السيطرة على الأرض الفلسطينية، وإخفاء القرى العربية، واستمرار هذا الأسلوب حتى يومنا هذا، من خلال "الحدائق التوراتية" التي تحاصر الشطر الشرقي من القدس المحتلة.

من البدايات إلى ملايين الأشجار الدخيلة

بدأ الاستيطان في القدس بشكلٍ مبكر، فتوازيًا مع توسع الأحياء الفلسطينية خارج البلدة القديمة، استطاع بعض الأثرياء إنشاء أحياء يهودية خارج حدود البلدة القديمة، أُقيم حي "يمين موشيه" في منطقة جورة العناب في عام 1850، وهو أول الأحياء اليهودية التي أُقيمت في القدس، وقد اشتراه السير موشيه مونتيفيوري في عام 1854، تلاه حي "مئاه شعاريم" في منطقة المصرارة، و"ماقور حابيم" في المسكوبية في عام 1858، واستطاع مونتيفيوري بناء سبعة أحياء استيطانية أخرى حتى عام 1892.

إعلان

وعلى الرغم من القيود العثمانية فإن الاستيطان استمرّ بالتوسع، فحتى عام 1917 وصل عدد المستوطنات إلى نحو 16 مستوطنة، وقد تركزت في الشطر الغربي من القدس، ولعب أثرياء الصهاينة دورًا بارزًا في تمويل هذه المستوطنات، بدعمٍ من القنصليات الأجنبية.

وبالتوازي مع بدايات الاستيطان، أطلقت المنظمات الصهيونية نوعًا آخر من الاستيطان، وهو الاستيطان بالتشجير، من خلال الصندوق القومي اليهودي (Jewish National Fund)، والذي تأسس في عام 1901، وبحسب معطيات الصندوق فقد استطاع منذ تأسيسه زراعة أكثر من 260 مليون شجرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتغطي هذه الغابات أكثر من 250 ألف فدان (نحو 1.1 مليون دونم)، وبحسب معطيات الصندوق تتنوع الأشجار المنتشرة في هذه المساحات ما بين البلوط، الصنوبر، اللوز، السرو، الأرز وبعض الأنواع الأخرى.

ولا تقدّم معطيات "الصندوق" بياناتٍ واضحة حول حجم التشجير الاستعماري في شطري القدس المحتلة، إلا أن أجزاء كبيرة من شطرها الغربيّ تمّ تشجيرها، ومن أبرزها الجبال الغربية في هذا الشطر، والطريق التاريخي الواصل ما بين القدس ويافا، وغيرها من المناطق التي تحيط بالبلدة القديمة.

التشجير وإحياء نبوءات توراتية

لم تقف أهداف أذرع الاحتلال عند السيطرة على الأرض فقط، وهو ما سنبينه لاحقًا، إلا أنه ارتبط بالأساطير الدينية التوراتية، من خلال ربط المشروع الاستعماري في الأراضي المحتلة بالأشجار، فقد استند التفسير الصهيوني إلى نصوصٍ تتحدث عن "الأرض الموعودة" الغنية، والتي تضم أنواعًا من الأشجار، وهي: "الصنوبر، الصندل، الفستق، البلوط، الأرز، الطرفاء، السرو، الصفصاف، العرعر، الحور، الطلح".

إلى جانب مركزية الزراعة في الفكر اليهودي، وتخصيص أعياد خاصة بالشجرة تعود إلى الحقبة المبكرة من الاستيطان في عام 1887، ودفع مختلف الشرائح الاجتماعية على المشاركة في التشجير خلال يوم محدد من العام، وتُشير المعطيات إلى ربط اليهودية مفهوم الشجرة بالإنسان، ومن العادات لدى المستوطنين زراعة شجرة سرو أو صنوبر للمولودة الأنثى، وشجرة أرز للمولود الذكر، في سياق ارتباط الأشجار والإنسان في الفكر اليهودي، وغيرها.

إعلان

وعلى الرغم من هذه المركزية الدينيّة، فإن الدفع نحو استنساخ البيئة الأوروبية وسرعة الوصول إلى النتائج، كانت هي التي تدفع الصندوق القومي اليهودي لاختيار أنواع الأشجار، فقد زُرعت أشجار الكينا بشكلٍ كبيرٍ جدًا في المراحل الأولى من "الاستيطان الأخضر"، وتشكل اليوم شجرة الصنوبر نحو ثلث عدد الأشجار في الغابات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، على الرغم من ذكر هذه الشجرة لمرة واحدة فقط في النصوص اليهودية.

توظيف الزراعة في المشروع الصهيوني

"كانت فلسطين في نظر المهاجرين الصهاينة الجدد كصفحة بيضاء سيصمّمون عليها وطنهم المُتَخَيَّل، ويحقّقون عليه النبوءة بخلق شيء من لا شيء"، بهذه العبارة المهمة التي أوردتها إليسا روزنبرغ في بحثها بعنوان "خلق شيء من لا شيء". وروزنبرغ أكاديمية إسرائيلية ومهندسة للمناظر الطبيعيّة.

وتُشير روزنبرغ إلى توسيع التحريج (زراعة الغابات) بشكل كبير إبان الاحتلال البريطاني، بالتوازي مع عمل الصندوق القومي اليهودي، وكان هدف البريطانيين منع تعرية التربة، وتثبيت الكثبان الرملية، وتوفير الأخشاب والوقود، وقد سهّل وجود جهات معنية بالغابات في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية استيراد البذور والشتلات من المستعمرات البريطانية البعيدة، بما في ذلك الهند، وأستراليا، ومصر، وقبرص.

واستجلب الاحتلال البريطاني نحو 250 نوعًا من النباتات من 20 دولة مختلفة خلال مدة احتلاله. وأسهم الاحتلال البريطاني بإطلاق التشجير الاستيطاني بقوة، فقد زرعت سلطات "الانتداب" نحو 20 مليون شجرة، ووفّرت نحو 15 مليون شجرة أخرى للمستوطنات اليهودية ولجهاتٍ أخرى، وفي الفترة نفسها لم يكن نشاط الصندوق القومي اليهودي بهذه القوة، فقد أسهم بزراعة أعداد أقل بكثير من الأشجار خلال المدة نفسها.

من أبرز تجليات حملات التشجير الممنهجة، محاولة استنساخ التصور الأوروبي- الصهيوني لهذه الأرض، وتُشير المصادر إلى أن العمال وجلّ مهندسي الغابات في الصندوق القومي قدِموا من أوروبا الشرقية، وهو ما أدى إلى تنفيذ تصوراتهم عن الغابات وشكلها واستعمالاتها في الأراضي المحتلة التي يتم تشجيرها، وهو ما أدى لأن تصبح غابات الصنوبر التي أقامها الصندوق أشبه بغابات شمال أوروبا، إضافةً إلى محاولة المستوطنين الدخلاء التكيف مع الأراضي المحتلة، في محاولة للعثور على مكان "يشبه" هؤلاء الدخلاء في بلادٍ غريبة عنهم.

إعلان

ولم يكن الارتباط بالأرض التي قدِم منها المستوطنون هو الماثل في هذه الغابات فقط، بل عملت هذه الأذرع التهويدية على ربط هذه الحدائق مع رواية الاحتلال، على الصعد الروحية والدينية، وعبر تخليد الشخصيات المؤسِسة للكيان، وتلك الداعمة له في تأسيسه، فقد أطلق الصندوق على هذه الغابات الاستيطانية أسماء المستوطنين الأوائل، والمقاتلين، وغيرهم من رموز الكيان، إلى جانب شخصيات أسهمت في دعم الاستيطان، وعلى سبيل المثال تُشكّل الغابات المزروعة في القدس المحتلة لغرض الذكرى والتخليد، ما يعادل ثُلث هذه الغابات، ومن أبرز هذه الغابات "غابة القديسين" أو "الشهداء".

الحدائق التوراتية وابتلاع أراضي القدس

بدأت فكرة الحدائق التوراتية على أثر احتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتصاعدت بشكل كبير في العقدين الماضيين، مع إقرار سلطات الاحتلال عددًا من المخططات الهيكلية، والتي وصلت إلى سبع حدائق ضخمة.

والحدائق "التوراتية" مصطلح مضلل يهدف منه الاحتلال إلى إسباغ روايته الدينية على الأراضي الفلسطينية في المدينة المحتلة بهدف السيطرة عليها، وما يتبع هذه السيطرة من منع أي وجود فلسطينيّ في محيط الأقصى، وبطبيعة الحال ارتباط هذه المصطلحات بـ"المعبد" المزعوم والعدوان المتصاعد على الأقصى، إذ تتركز هذه الحدائق في محيط المسجد الأقصى، وتلاصق سور القدس التاريخيّ، وفي عددٍ من المواضع تتوسع لتطوق البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها، وخاصة في الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية.

وتُشير المعطيات إلى تصاعد الاهتمام الحكومي الإسرائيلي بهذه الحدائق منذ عام 2005، فقد أقرت أذرع الاحتلال ميزانياتٍ ضخمة لتطوير هذه الحدائق، وتُشير المعطيات إلى أن هذه الحدائق شملتها ميزانيات متعلقة بتعزيز موقع القدس "وجهة سياحية"، ودعم بلدية الاحتلال في القدس ومشاريع تهويدية أخرى، ولا يقوم على هذه الحدائق جهة بعينها، إذ ينشط على تطويرها عددٌ من أذرع الاحتلال من بينها جمعية إلعاد الاستيطانية، وسلطة الطبيعة والحدائق العامة الإسرائيلية، وبطبيعة الحال تُشارك كلٌ من بلدية الاحتلال في القدس، وشركة تطوير القدس، ما سمح بتعزيز حجم هذه الحدائق، فقد تجاوزت مساحتها 2700 دونم، وتتوزع هذه الحدائق على الشكل الآتي:

إعلان الحديقة التوراتية المحيطة بالبلدة القديمة، ومساحتها 1100 دونم، وهي أكبر هذه الحدائق، تمت المصادقة عليها في عام 1974، وتُعدّ أخطرها، فهي ملاصقة لسور القدس والأقصى، وتستهدف أجزاء من مقبرة الرحمة، إلى جانب ضمها عددًا من الحفريات والمواقع الأثرية، والمخاطر المترتبة على هذه الحديقة بالذات، أن الاحتلال يتعامل معها على أنها امتدادٌ للمساحات غير المسقوفة في الأقصى، وأن البناء الإسلامي لا يتجاوزها، في سياق مخططاته الرامية إلى تهويد المسجد وتقسيمه. الحديقة التوراتية في وادي الصوانة ومساحتها 170 دونمًا. الحديقة التوراتية في السفوح الشمالية الشرقية لجبل المشارف على أراضي بلدة العيسوية/الطور، ومساحتها 730 دونمًا. "حديقة الملك" التوراتية، المقامة على أراضي حي البستان في بلدة سلوان، ومساحتها 50 دونمًا. حديقة جبل الزيتون ومساحتها 470 دونمًا. حديقة "شمعون هتصديق" على أراضي حي الشيخ جراح، ومساحتها 120 دونمًا. حديقة "باب الساهرة" ومساحتها 40 دونمًا.

وإلى جانب "الحدائق التوراتية"، تفتتح بلدية الاحتلال عددًا كبيرًا من الحدائق الاستيطانية، وتصاعد افتتاحها في ظل استمرار العدوان على غزة، ففي 16/2/2024 كشفت مصادر فلسطينية عن توقيع بلدية الاحتلال في وقتٍ سابق اتفاقية مع الصندوق القومي اليهودي، لتحويل أراضٍ من بلدة بيت حنينا وحزما إلى غابة استيطانية بمساحة ألف دونم.

وخلال شهر يوليو/ تموز 2024 افتتحت بلدية الاحتلال 3 حدائق جديدة للمستوطنين، على أراضي المقدسيين، أحدثها في قرية المالحة. ومن قبلها حديقتان على أراضي جبل المكبر وبيت حنينا في مستوطنتي "أرمون هنتسيف" و"راموت". وفي 28/8/2024 افتتحت بلدية الاحتلال حديقة عامة في مستوطنة التلة الفرنسية، على مساحة 63 دونمًا.

ويستمرّ افتتاح الحدائق، وكان آخرها في 14/5/2025، وكانت الحديقة التاسعة التي افتتحتها بلدية الاحتلال منذ 7/10/2023.

إعلان "تزهير الصحراء" والاستيلاء على الأرض وغيرها

في خطاب افتتاحي "للكنيست" عام 1951، طلب رئيس وزراء الاحتلال ديفيد بن غوريون من المستوطنين الاتحاد من أجل "تزهير الصحراء"، وأعلن عن حملة لزراعة آلاف الأشجار "على مساحة 5 ملايين دونم"، وهو ما يعادل حينها نحو ربع مساحة دولة الاحتلال، وأشار بن غوريون إلى واحدٍ من أهداف المشروع يتمثل بأنه "الطريقة الوحيدة لمساعدة اليهود على تنمية علاقة وجدانية قوية مع الأرض".

ورغم من هذا الهدف الحالم، فإن التشجير الكثيف أسهم في تحقيق سيطرة الاحتلال على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن أمثلة هذا الطمس ما قامت به "غابات القدس"، والتي غطت عددًا كبيرًا من القرى الفلسطينية على غرار قرى "القبو، علّار، صوبا، عين كارم" وغيرها.

وتُظهر الكثير من الصور التي يلتقطها المشاؤون أطلال منازل الفلسطينيّين بين أشجار الصنوبر، كما في قرية عجّور قضاء القدس المُقام على أراضيها حديقة بريطانيا، وقرية لوبيا قضاء طبريا المُقام على أراضيها حديقة جنوب أفريقيا، إضافةً إلى الكثير من المواضع الأخرى، التي ظهرت على أثر اندلاع حرائق في جبال القدس، من بينها المدرجات الزراعية، التي تمثل جزءًا من هوية هذه البلاد وإرثًا تاريخيًا زراعيًا قيّمًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • حماس: المقترح الأمريكي الذي وافقت عليه إسرائيل حول الهدنة في غزة لا يستجيب لمطالبنا
  • ميرتس يؤكد دعم ألمانيا لتطوير صواريخ أوكرانية بعيدة المدى... والكرملين يحذّر
  • ماذا نعرف عن مشروع التهويد الأخضر الذي تنفذه إسرائيل؟
  • الدفاع الألمانية: كييف ستسلم أولى أنظمة الصواريخ البعيدة المدى خلال أسابيع قليلة
  • بعد رفع القيود.. أوكرانيا قد تبدأ باستخدام أسلحة بعيدة المدى ضد أهداف روسية
  • ألمانيا تعلن تمويل "صواريخ أوكرانية بعيدة المدى" بلا قيود
  • روسيا ترفض مقترحا من زيلينسكي وألمانيا تسلح أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى
  • ألمانيا وأوكرانيا توقعان اتفاقية لتمويل إنتاج أسلحة بعيدة المدى ودعم أوكرانيا
  • ألمانيا تعلن تمويل "صواريخ أوكرانية بعيدة المدى" بلا قيود
  • نشرة أخبار العالم | تسونامي يضرب إسرائيل.. وزيلينسكي يصنع المسيرات والصواريخ بعيدة المدى.. وكشف العلاقة بين رفع العقوبات عن سوريا وداعش.. وقرار أيرلندي ضد إسرائيل