لجريدة عمان:
2025-12-15@05:27:10 GMT

من قال إنهم بدائيون ؟

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

من قال إنهم بدائيون ؟

في حوارات طويلة قضيتها مع الحضارة، أجدني دخلت في معمعة من الأسئلة الجوهرية التي تتعلق بأصل وتاريخ الحضارات، وأخرى فرعية تتناول التفاصيل. على أثر هذه الأسئلة بشقيها الجوهري والتفصيلي، أدّعي بأنه تشكلت لدي سلسلة حضارية، لا أزعم أنها مكتملة؛ لأنني في أحيان كثيرة أجد السلسلة في ورطة الفجوات، هذه الفجوات تتطلب مني وقتا كثيرا حتى أملأها بالمواد العلمية أو بطرح الأسئلة داخلها.

من الأسئلة التي أفرزتها فجوات السلسلة كان السؤال: «من قال إنهم بدائيون؟» هذا السؤال قادني إلى إعادة التفكير في التصورات السائدة عن الإنسان القديم، فكيف لنا أن نعتبره مجرد كائن بدائي بينما تشير الأدلة إلى حضارات متكاملة تعكس فهما عميقا للحياة والعالم من حولهم. في هذا الطرح، أتناول الإجابة على هذا السؤال، معتمدا على تحليل الدلائل التي تشير إلى أن الإنسان القديم لم يكن بدائيا كما يعتقد الكثيرون، بل كان يمتلك قدرات معرفية وثقافية تفوق تصوراتنا النمطية عنه. إن هذا المقال دعوة لإعادة النظر في تصورنا عن الحضارة الإنسانية الأولى، والاعتراف بقدرتها على إرساء أسس الحضارة الحديثة.

إن الصورة السائدة عن مسار الحضارة لدى الإنسان بشكل عام هو ذلك الخط المستقيم المتخيل والمحصور بين قطري البداية والحاضر، حيث ينظر إلى ما هو قديم بأنه الأدنى في سلم التقدم، وإلى ما هو حديث بأنه الأعلى في هذا السلم التطوري الصاعد، بل إن البعض ذهب إلى ربط الأدنى في سلم التطور بالتدني، ليشمل الانحطاط من الناحيتين العقلية والخُلُقية. ولو سلمنا بهذا الحكم الاعتباطي، فإن كل من جاء قبلنا في الحياة يعد أقل منا كفاءة وقدرة في التفاعل مع الحياة وفهمها. وهكذا ينظر إلى إنسان النيادندرتال، والأمريكي الجنوبي القديم، والأسترالي الأصلي، على أنهم أقل من الناحيتين الثقافية والطبيعية مقارنة بالإنسان الشرقي أو الأوروبي الحديث الذي يعتلي شجرة التطور.

لقد ذهب الأمر أبعد من ذلك، حيث ظهرت مصطلحات ومفاهيم جديدة؛ فصار الحديث عن الدين البدائي والأخلاق البدائية، وهو بالطبع حكم غير دقيق عن الإنسان القديم، إذ إن مسألة البدائية لا يمكن تفسيرها بهذه السهولة. نعم؛ إن السكين الحجري بدائي مقارنة بالمنشار الآلي، لكن لا يعني ذلك أن الذي اخترعه إنسان بدائي، ذو قدرات ذهنية محدودة، بل قد يكون أكثر ذكاء ممن طوّره عبر الحقب المتوالية، بل لا يمكن القول إن النظام الاقتصادي القديم، القائم على حرية العمل في أي مجال يشاء الإنسان، أقل إحكاما من النظام الاقتصادي الحديث الذي يضعك في أغلال القوانين والشهادات المحلية والدولية. ولا المذاهب الدينية المتأخرة، التي يمتلئ سجلها بالاضطهاد وملاحقة المختلفين، هي أكثر تطورا من المذاهب الدينية القديمة التي تتسم بالتسامح مع المعتقدات.

يذكر فراس سواح في «موسوعة تاريخ الأديان»: «إن الشعوب البدائية قد تكون أقل تطورا في النواحي التكنولوجية وبعض النواحي الأخرى، ولكنها من بعض الوجوه أكثر تطورا من أكثر المجتمعات المتقدمة، فالبدوي في صحارى رماله، والأسكيمو في صحارى جليده، هو أكثر ودا وشجاعة وصدقا وإخلاصا وتعاونا من أكثر أعضاء المجتمعات المتمدنة، إن الجماعة التي ندعوها «بدائية» هي أكثر جماعة الأشكال الاجتماعية والسياسية إتاحة لحرية الفرد وتفتيحا لإمكاناته».

إن المراجعات الشاملة التي عمل عليها بعض الباحثين الغربيين للمفاهيم القديمة حول البدائية والتطورية قادت إلى ظهور أصوت جديدة في الوسط البحثي الحضاري تنادي بكون البدائية ليست مرحلة طفولية من مراحل تطور البشر، بل هي شكل من أشكال الحياة الإنسانية اليافعة والمكتفية بنفسها. ومن الآراء المنصفة لحياة الإنسان القديم ما عبَّر عنه آشلي مونتاغيو «إن الخطأ الأساسي الذي يرتكبه من يتحدث عن الفن البدائي، هو استخلاص التعميم من إحدى النواحي غير المتطورة نسبيا في الثقافة، وذلك مثل التكنولوجيا أو الاقتصاد، وافترض أن كل النواحي الأخرى لتلك الثقافة لا بد أن تكون غير متطورة بالمقدار نفسه. والواقع، فإننا عندما نقارن خصائص معينة في الثقافات غير الكتابية (= بدائية)، مثل: اللغة والدين والأساطير ونظام القربى والحكايا والأشعار وقص الأثر وغيرها، بمثيلاتها في المجتمعات المتمدنة، فإن أعضاء الثقافات اللاكتابية لن يقفوا على قدم المساواة مع أعضاء المجتمعات المتمدنة فحسب، بل سيتفوقون عليهم في أحيان كثيرة».

هذه المراجعات تفتح لنا آفاقا جديدة لإعادة معرفة الإنسان القديم، ليس بكونه كائنا يسعى للبقاء فحسب، بل بكونه مبدعا ومفكرا صنع عالما متكاملا من القيم والرموز والفنون. الحياة البدائية لم تكن مجرد محطة في رحلة التطور، بل كانت تعبيرا أصيلا عن فهم عميق للطبيعة، وعن علاقة روحية مع الكون. الإنسان البدائي كان يعيش في تناغم مع محيطه، يستلهم من الأرض والسماء أساطيره وأغانيه، ويرسم على الصخور قصصه وذاكرته. إن حياة الإنسان لا يمكن أن تقاس كميا ونوعيا بالآلات ولا بالأرقام، فمنحوتتا الزراف في منطقة دابوس في الصحراء الكبرى خير مثال على دقة وبراعة الإنسان القديم؛ فمن ينظر إلى الرسمة يتصور أنها نُحتت بالكمبيوتر أو بآلة متقدمة قبل بضع سنوات فقط، إلا أن الحقيقة هي أنها أعجوبة من عجائب الفن الصخري على مر التاريخ. إذ يقدرها الدكتور جان كلوتس بأن عمر النقش حوالي 10000 عام، وهو ضرب من الخيال، فكيف لمنحوتات بهذا العمر، ولم يكن هناك معدن للأدوات الحادة بعد؟

أما ما يتعلق بنظام القربى والقبيلة في جزيرة العرب، فهو نظام شديد التعقيد لا يمكن مقارنته بأي نظام في العصر الحديث. وقوة هذا النظام في تفرعاته الطويلة إذ يشعرك بالأخوة العرقية والقبلية إلى أبعد نقطة يمتلكها الإنسان من معرفة بالنسل. من الناحية الدينية، فإن تعقيد الحياة الدينية لدى الشعوب القديمة لا يقارن بالحياة الدينية في يومنا هذا، رغم ما تحمله من مزايدات ومغالطات داخله. يقول فرويليخ وهو باحث في شؤون الديانات الإفريقية: «إن الديانات الإفريقية التقليدية ليست أبدا ديانات بدائية، لأنها تجر وراءها آلاف السنين من التطور، شأنها في ذلك شأن غيرها. إنها ثمرة تفكير استمر قرونا مديدة، ونتاج تجارب أناس واجهوا قوى الطبيعة وجها لوجه، ويمكن للباحث أن يعثر في هذه الديانات على مؤثرات شرق أوسطية قديمة، منها في سبيل المثال الأسبوع ذو السبعة الأيام التي يحكم كل منها أحد الكواكب السيارة السبعة».

أدت الرؤية الجديدة للبدائية إلى إعادة النظر في المصطلح نفسه، وظهرت بدائل جديدة لتحل محل المصطلح القديم، كونه لم يعد يوحي بالتدني بناء على الكشوفات الأثرية الحديثة. وقد اقترح بعض العلماء مصطلحات جديدة مثل: الجماعات الإثنية أو الجماعات اللاكتابية أو الجماعات التقليدية. بينما حافظ البعض على المصطلح القديم مع استبعاد المعاني السلبية التي ارتبطت به، مثل فراس سواح.

عبدالرحيم بن خميس العدوي باحث في شؤون الآثار

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإنسان القدیم لا یمکن

إقرأ أيضاً:

زيادة الإيجار القديم في الإسكندرية بعد قرار المحافظ الجديد.. هتدفع كام؟

يبحث الكثيرون عن زيادة الإيجار القديم حيث أصدر الفريق أحمد خالد محافظ الإسكندرية القرار رقم 312 لسنة 2025 بشأن تقسيم المناطق التي تضم أماكن مؤجرة لغرض السكنى والخاضعة لأحكام القانون رقم 164 لسنة 2025، وذلك استنادًا لما انتهت إليه لجان الحصر التي تابعت بدقة أوضاع المناطق السكنية بالمحافظة وعملت على فرزها إلى ثلاث فئات رئيسية.

بعد انتهاء لجان الحصر من عملها .. ما مصير فروق زيادة الإيجارات القديمة؟زيادات الإيجار القديم.. و15% زيادة سنوية ثابتة حتى تحرير العلاقة بين المالك والمستأجرشريف الجعار: عدد كبير من سكان الإيجار القديم عجزوا عن التقديم للسكن البديلالبحيري: الغالبية العظمى من المستأجرين ملتزمون بقانون الإيجار القديم

و تشمل المناطق المتميزة والمتوسطة والاقتصادية بهدف ضبط العلاقة الإيجارية القديمة ووضع تعريفة عادلة تتناسب مع طبيعة كل منطقة.

تفاصيل التعريفة الجديدة للمناطق السكنية

وبموجب القانون الجديد للإيجار القديم رقم 164 لسنة 2025 جرى تحديد القيم الإيجارية وفق الفئات الثلاث، حيث جاءت المناطق المتميزة بتعريفة جديدة تعادل عشرين ضعف القيمة الحالية مع وضع حد أدنى للإيجار الشهري يبلغ ألف جنيه وزيادة سنوية بنسبة خمسة عشر بالمئة، فيما اعتمدت المناطق المتوسطة تعريفة تعادل عشرة أضعاف القيمة الحالية بحد أدنى يبلغ أربعمئة جنيه شهريًا وبزيادة سنوية مماثلة، بينما شملت المناطق الاقتصادية والشعبية تعريفة تعادل أيضًا عشرة أضعاف القيمة الحالية لكن بحد أدنى مئتين وخمسين جنيهًا شهريًا مع زيادة سنوية بنسبة خمسة عشر بالمئة.

نشر القرار رسميًا في الوقائع المصرية

وجاءت جريدة الوقائع المصرية بعددها رقم 278 تابع (ج) الصادر في العاشر من ديسمبر 2025 لتوثق القرار رقم 312 لسنة 2025 الصادر عن محافظة الإسكندرية، والذي تضمن تقسيم المناطق السكنية المؤجرة قديمًا إلى مناطق اقتصادية ومناطق متميزة ومناطق متوسطة، وذلك وفق نص المادة الأولى التي اعتمدت نتائج عمل لجان حصر المناطق السكنية التي قامت بمراجعة دقيقة لكامل الأحياء والمراكز والمدن داخل نطاق المحافظة.

خلفية قرارات الحصر والتقسيم

القرار رقم 201 لسنة 2025 بمحافظة الإسكندرية نص على تشكيل لجان متخصصة لحصر المناطق السكنية المؤجرة قديمًا طبقًا للقانون 164 لسنة 2025 وقرار رئيس الوزراء 2789 لسنة 2025، حيث تولت هذه اللجان تقييم كل منطقة وفق معايير التميز العمراني وطبيعة الخدمات ومستوى البنية التحتية، مع وضع تصور متكامل للقيمة الإيجارية الجديدة بناءً على التصنيف النهائي، وقد تم تمديد فترة عمل تلك اللجان عدة مرات لضمان دقة الحصر والوصول إلى نتائج عادلة تراعي حقوق المالك والمستأجر على حد سواء.

نتائج لجان الحصر وتحديد القيم الإيجارية

خلصت اللجان إلى تحديد القيمة الإيجارية للمناطق الاقتصادية عند 250 جنيهًا كحد أدنى شهريًا مع توفير بدائل سكنية للمستحقين المتأثرين بالقرارات الجديدة، كما انتهت إلى تقسيم كامل مناطق الإسكندرية إلى ثلاث فئات تشمل مناطق متميزة ومناطق متوسطة ومناطق اقتصادية، وذلك تمهيدًا لبدء التطبيق الرسمي لمشروع تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في الإيجار القديم داخل المحافظة بما يتوافق مع التشريعات الجديدة.

بدء الإجراءات الرسمية لتنظيم الإيجار القديم

ويأتي هذا التقسيم في إطار استعداد محافظة الإسكندرية لبدء الإجراءات التنفيذية المتعلقة بملف الإيجار القديم، حيث تضمن القرارات الجديدة إعادة تنظيم هيكل الإيجارات وفق القانون الحالي بما يحقق توازنًا في العلاقة القانونية والمالية بين الطرفين، ويمنح للمحافظة الأساس القانوني لإعادة تقدير القيمة العادلة للإيجار القديم بما ينسجم مع طبيعة كل منطقة ومعايير تطورها العمراني.

تأثير القرارات على المواطنين والمالكين

تشير التوقعات إلى أن القرارات ستحدث تغييرات واسعة في السوق العقارية بالمحافظة، حيث ستؤدي إعادة تقييم الإيجارات إلى ضبط العلاقة بين المالك والمستأجر وتقليل النزاعات المرتبطة بالقيمة الإيجارية القديمة، كما ستسهم في تحديث الخريطة السكنية للمناطق وتقريب قيم الإيجارات من الواقع الفعلي للخدمات المقدمة داخل كل منطقة.

خريطة واضحة للمناطق السكنية

من خلال القرارات المنشورة أصبحت الإسكندرية الآن تمتلك خريطة واضحة ومحددة للمناطق السكنية وفق التصنيفات الثلاثة، مما يسهل عملية تطبيق القانون الجديد ويوفر مرجعية رسمية يمكن للمالكين والمستأجرين الاعتماد عليها في تحديد القيم الإيجارية المستقبلية دون تضارب أو اختلاف تقديرات.

خطوة في إطار إعادة تنظيم العلاقة الإيجارية

تعتبر هذه الخطوة جزءًا من خطة شاملة تتبناها الدولة لإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في الإيجار القديم بما يضمن حقوق الطرفين ويعالج المشكلات التي تراكمت على مدى عقود، كما تسهم في خلق بيئة عقارية أكثر استقرارًا وعدالة خصوصًا في المحافظات الكبرى مثل الإسكندرية.

تطبيق فعلي قريب للقرارات الجديدة

ومع الانتهاء من إجراءات التقسيم وإعلان القيم الإيجارية الجديدة باتت محافظة الإسكندرية جاهزة لبدء التطبيق الفعلي للقرارات، حيث ستشهد المرحلة المقبلة متابعة دقيقة من الجهات المختصة لضمان التزام جميع الأطراف بالتعريفة الجديدة وبنود القانون 164 لسنة 2025 الذي يمثل الإطار التشريعي الأوسع لهذه التغييرات.

طباعة شارك الإيجار القديم تعريفة الإيجار القديم الإسكندرية تعريفة الإيجار القديم في الإسكندرية الإيجار القديم في الإسكندرية

مقالات مشابهة

  • المطران جان ماري شامي يشهد حفل عيد الميلاد المجيد للتربية الدينية بكنيسة العذراء الطاهرة بمصر الجديدة
  • باق أسبوعين ..تحذيرات لأصحاب عداد الكهرباء القديم
  • قانون الإيجار القديم يحسم قيمة الإيجارات .. الزيادات حسب نوع المنطقة
  • بتكليفٍ سامٍ.. وزير الأوقاف والشؤون الدينية يرعى حفل تسليم جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب
  • الوقاية الدينية والصحية.. حماية المجتمع تبدأ من الداخل
  • إنهم يقتلون عمّال النظافة!
  • زيادة الإيجار القديم في الإسكندرية بعد قرار المحافظ الجديد.. هتدفع كام؟
  • الإيجار القديم.. بالأرقام ننشر الأسعار الشهرية لكل منطقة
  • الزواج من 6 شهور| صديقة عروسي فيديو الصلاة تكشف لـ صدى البلد تفاصيل مثيرة.. والمصور: لن أحذفه
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها