في مشهد يعكس تناقضات الحرب والسياسة في السودان، أثار احتضان الجيش السوداني لأحد قادة قوات الدعم السريع الميدانيين، المدعو كيكيل، ضجة واسعة بين الأوساط المدنية والعسكرية. بينما يُروج البعض لهذا القرار باعتباره خطوة نحو السلام، يرى آخرون أنه محاولات مفضوحة لتدليس الشعار النبيل "لا للحرب"، الذي يمثل رفضًا صريحًا للعنف والتشكيلات العسكرية.


من منظور القوى المدنية، يُعد احتضان المنشقين عن قوات الدعم السريع، التي لطالما ارتبطت بجرائم القتل والتشريد والنهب، محاولة غير مقبولة لتبرير العفو عن مجرمين ارتكبوا فظائع بحق المواطنين السودانيين. ورغم ما يروجه قادة الجيش عن مفهوم السلام واستيعاب المنشقين كخطوة إيجابية، تظل الأسئلة العالقة: متى سيُحاسب كيكيل؟ ومتى سيُحاكم على الجرائم التي ارتكبها؟
رفض العنف والمليشيات لا للحرب الشاملة
إن شعار "لا للحرب" الذي تتبناه القوى المدنية لا يتعلق فقط برفض المعارك العسكرية، بل هو نداء شامل لإنهاء العنف بجميع أشكاله، وحل كافة التشكيلات العسكرية، بما فيها قوات الدعم السريع. ودعوة لا للحرب ليست مجرد شعار سطحي، بل هي مطالبة صارمة بوقف إطلاق النار فوراً، وإدخال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، والجلوس على طاولة المفاوضات مع قوى الثورة من أجل الوصول إلى التحول الديمقراطي.
إن الدعوة إلى وقف الحرب فوراً ترتكز على مبدأ أن الحرب لا تُخلف إلا الدمار والمزيد من الانقسامات في نسيج الوطن. لذلك، يجب على جميع الأطراف، سواء كانوا داخل الحكومة أو الجيش، أن يتبنوا مسارًا شاملًا للسلام يبدأ من وقف العمليات العسكرية والجلوس مع قوى الثورة من أجل محاسبة مرتكبي الجرائم، وخصوصًا قادة المليشيات الذين شاركوا في القتل والتشريد والاغتصاب.
المساعدات الإنسانية سلاح بيد المليشيات
لم تتوقف قوى الثورة عند شعارات "لا للحرب" فقط، بل عملت على حماية أهل السودان وتقديم المساعدات الإنسانية في مناطق الصراع، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها. في ظل غياب تام للدولة في بعض المناطق، تمثل التكايا التي تقدم الطعام وتساعد الجرحى والأطفال بإمكانات بسيطة، الأمل الوحيد لكثيرين. ومع ذلك، تجد هذه الجهود الإنسانية نفسها في مواجهة مع القوى المسلحة، التي تستغل المساعدات كسلاح ضد المدنيين وتزيد من معاناة الشعب.
موقف قوى الثورةثبات حتى النهاية
في وجه كل هذه التحديات، تظل القوى المدنية راسخة في موقفها: نحن دعاة سلمية حتى اللحظة الأخيرة. لم نفارق الوطن، بل نعمل بكل ما أوتينا من قوة لحماية أهلنا، وتقديم المساعدات الإنسانية. هذا هو نضالنا، وهذا هو موقفنا الثابت. ومن المحزن أن يُتهم دُعاة السلمية بأنهم غير منتمين للوطن، في حين أن من يحمل السلاح ويقتل الأبرياء هو من يحاول تمزيق هذا الوطن.
المحاسبة لا بد منها
في خضم ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة، نكرر رسالتنا لن نتوقف عن المطالبة بالسلام والعدالة. يجب أن تتوقف الحرب فورًا، وأن يُحاسب كل من تلطخت أيديهم بدماء السودانيين، سواء كانوا قادة قوات الدعم السريع أو أي تشكيل عسكري آخر.
كما يجب أن يتم إلغاء كل المليشيات المسلحة، وأن يتم بناء جيش واحد موحد يحمي الوطن وشعبه، بدلاً من أن يكون أداة في أيدي من يريدون تقسيم البلاد.
لن نسمح للثورة أن تُخمد أو أن تُحتوى. فالسلام الذي ننادي به ليس مجرد اتفاقية سياسية، بل هو سلام حقيقي قائم على العدالة والمحاسبة. وعلينا أن نتحد جميعاً، كشعب سوداني، لنعبر نحو مستقبل أفضل يكون فيه السودان للجميع، بلا حرب وبلا قتلة.
في النزاعات التي تمر بها الدول، بما في ذلك السودان، غالباً ما تُرتكب انتهاكات من مختلف الأطراف المتصارعة. في حالة السودان، ورغم أن الجيش يعتبر المؤسسة الوطنية النظامية، إلا أن التقارير المختلفة، سواء من منظمات حقوق الإنسان أو وسائل الإعلام المحلية والدولية، تشير إلى أن هناك انتهاكات متورط فيها الجيش، المليشيات الإسلامية المتحالفة معه، وكذلك الحركات المسلحة الأخرى.
لماذا تذكر الانتهاكات لجميع الأطراف؟
لابد من التوثيق المتوازن في أي نزاع، من الضروري توثيق الانتهاكات من جميع الأطراف لإظهار الصورة الكاملة للصراع. هذا لا يعني بالضرورة أن جهة ما أسوأ من الأخرى، بل أن كل الجهات المتورطة يجب أن تخضع للمساءلة , وهذا نعمل عليه الان .
الدفع نحو العدالة المطالبة بالعدالة تتطلب محاسبة الجميع وليس التركيز على طرف واحد. إذا كانت هناك انتهاكات من الجيش أو المليشيات الإسلامية أو الحركات المسلحة الأخرى، فيجب توثيقها جميعها لضمان أن العدالة تشمل كل من ارتكب جرائم، بغض النظر عن انتمائه.
عدم تكرار الجرائم تاريخياً، إذا لم تتم محاسبة كل من تورط في النزاعات، فإن الفظائع تستمر أو تتكرر في الصراعات المستقبلية. لذلك، يجب أن يكون هناك وضوح حول مسؤولية كل طرف عن الجرائم والانتهاكات.
التجنب من التلاعب بالعدالة: النظام السياسي في السودان يمر بتحديات كبيرة، ومن بينها محاولات التلاعب بعملية العدالة. حين يتم تسليط الضوء فقط على طرف واحد وترك الآخرين، فإن هذا يؤدي إلى تصفية حسابات سياسية على حساب الحقيقة والمصالحة.
استناد إلى الوقائع تقارير حقوق الإنسان، مثل تلك التي أصدرتها منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، تؤكد أن الانتهاكات المرتكبة لم تقتصر فقط على مليشيات بعينها، بل تشمل أطرافاً متعددة. مثلاً، في دارفور، وردت تقارير عن تورط الجيش في عمليات القتل العشوائي والتشريد جنباً إلى جنب مع المليشيات.
المستقبل المحاسبة للجميع
من المهم الإشارة إلى أن الشعب السوداني يطالب بالعدالة والمحاسبة للجميع، وهذا ما تم ذكره في خطاب القوى المدنية بأن "العقاب قادم". وهذا لا يعني فقط محاسبة قوات الدعم السريع أو المليشيات الإسلامية المتحالفة، بل كل من تورط في القتل والسرقة والاغتصاب وتشريد الشعب السوداني.
لذلك، دعوة "العقاب قادم" يجب أن تكون موجهة لكل الأطراف المتورطة في الجرائم والانتهاكات، وذلك لضمان عدم الإفلات من العقاب والمضي قدماً في بناء دولة القانون والعدالة في السودان وهذا الخط الذي يجمع عليه كل أهل السودان .

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة قوات الدعم السریع القوى المدنیة لا للحرب یجب أن

إقرأ أيضاً:

"مؤسسة غزة الإنسانية" تحت المجهر الإسرائيلي.. من يُموّلها؟

يثير الغموض حول تمويل "مؤسسة غزة الإنسانية" تساؤلات في إسرائيل، وسط تكتم رسمي واتهامات من معارضين، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية بالقطاع وتفشل الخطط الجديدة في احتواء المجاعة. اعلان

تُثير "مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تأسست مؤخراً وتُشرف على توزيع مساعدات في قطاع غزة، موجة تساؤلات داخل إسرائيل بشأن الجهة التي تموّل عملياتها، في ظل غياب أي شفافية حول مصادر تمويلها أو آليات عملها.

ورغم الدعم المعلن للمؤسسة من قبل أطراف أميركية وإسرائيلية، إلا أن الغموض يلفّ هويتها وطريقة إدارتها، ما دفع صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى وصف الملف بأنه "لغز يحير شركات التسويق الكبرى في إسرائيل".

وتُقدَّر عمليات المؤسسة بعشرات ملايين الدولارات شهرياً، وتشير صور المساعدات المُوزعة حديثاً إلى أن محتوياتها مصدرها شركات إسرائيلية، ما يعزز الشكوك حول تمويل حكومي مباشر أو غير مباشر.

وبحسب الصحيفة، تُدار المبادرة من قبل "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، وهي شركة أميركية مسجلة في جنيف – سويسرا، وتنفذ العمليات اللوجستية عبر شركة "سيف ريتش سوليوشنز" (SRS) الأميركية. غير أن مصادر إسرائيلية أكدت عجزها عن التواصل مع الشركة الأميركية، فيما صرّح أحد التنفيذيين في شركة إسرائيلية كبرى بأن ممثلين عن GHF أعربوا عن نيتهم تكليف شركته بإدارة توزيع الغذاء إلى غزة، لكنهم لم يمتلكوا التمويل اللازم للبدء.

وقدّرت المؤسسة تكلفة الوجبة الواحدة بـ1.30 دولار، وتهدف لإطعام 1.2 مليون شخص، ما يرفع قيمة المشروع الشهرية إلى نحو 143 مليون دولار. وتشمل التكاليف المستلزمات الغذائية، ومواد النظافة، والإمدادات الطبية، إضافة إلى مصاريف التعبئة والنقل، ما يجعل القيمة الحقيقية أعلى بكثير، وفق الصحيفة.

Relatedما هي بنود وقف إطلاق النار المحتمل في غزة؟اليونيسف: أكثر من 50 ألف طفل قُتلوا أو جُرحوا في غزة منذ 7 أكتوبر... والأهوال تتجاوز الوصفتصعيد دامٍ في غزة: عشرات القتلى والجرحى وأوامر إخلاء جديدةصمت رسمي

في المقابل، رفضت وزارتا الدفاع والمالية الإسرائيليتان، إضافة إلى الخارجية الأميركية، الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بتمويل المشروع، أو تقديم ضمانات مالية لتغطية المساعدات، الأمر الذي عمّق الشكوك داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية.

زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الدفاع الأسبق، أفيغدور ليبرمان، ذهب أبعد من ذلك، قائلاً في منشور على منصة "إكس" إن "أموال المساعدات تأتي من الموساد ووزارة الدفاع الإسرائيلية"، متهماً الحكومة بتمويل المساعدات على حساب المواطنين.

وقال ليبرمان في تصريح لصحيفة هآرتس: "ليست لدي أدلة قاطعة، لكنني أعرف هذه الأنظمة جيداً. يبدو واضحاً أن إسرائيل، أو جهات تابعة لها، هي التي دفعت بهذا المشروع، مستخدمة كيانات مسجلة في الخارج لتغطية دورها المباشر".

واعتبر ليبرمان أن "إسرائيل أصبحت تموّل المساعدات التي كانت تغطيها جهات دولية سابقاً"، في ما وصفه بأنه "إجراء فوضوي وغير احترافي"، متسائلاً عن الهدف الحقيقي من استبعاد الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية من العملية.

فشل ميداني ومجاعة مستمرة

وعلى الأرض، تزايدت مؤشرات فشل النموذج الإسرائيلي الجديد لتوزيع المساعدات، مع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. فقد شهد أحد مراكز توزيع المساعدات في جنوب القطاع تدافعاً واسعاً من قبل سكان جائعين، ما أدى إلى إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على الحشود، وإصابة عدد منهم، بحسب ما أفاد به المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وتأسست "مؤسسة غزة الإنسانية" في فبراير/شباط 2025، معلنة أن هدفها هو "تخفيف الجوع في غزة" مع ضمان "عدم وقوع المساعدات في يد حركة حماس"، وبدأت أنشطتها الميدانية فعلياً في مايو/أيار.

ووفق تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز، فإن فكرة تسليم إدارة المساعدات إلى شركات مدنية غير خاضعة للرقابة جاءت من دوائر إسرائيلية، سعياً لتجاوز قنوات الأمم المتحدة، والاعتماد على مؤسسات لا تُلزمها الشفافية المالية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • عبد السلام فاروق يكتب: عودة متأخرة إلى خريف البراءة.. قراءة في أنساق السرد والذات
  • ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد
  • عبد العاطي يستعرض مع بان كي مون جهود مصر لدعم السلام والأزمة الإنسانية في غزة
  • الأوضاع الإنسانية في السودان.. حقيقة أم مزايدات سياسية؟
  • "مؤسسة غزة الإنسانية" تحت المجهر الإسرائيلي.. من يُموّلها؟
  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: الاحتلال يستغل المساعدات لترسيخ النزوح وإذلال الفلسطينيين
  • الشوا: الاحتلال يستغل المساعدات لترسيخ النزوح وإذلال الغزيين
  • جهود أممية للتصدي لتفشي الكوليرا السودان والاحتياجات الإنسانية تتزايد
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان
  • مؤسسة غزة الإنسانية: افتتاح الموقع الثالث لتوزيع المساعدات في غزة