سواليف:
2025-10-16@04:59:39 GMT

حزيران: ذكريات الأحزان

تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT

#حزيران: #ذكريات_الأحزان
د. #حفظي_اشتية


في بدايات حزيران سنة 1967م، كنت فتى يافعا لم أكمل الثالثة عشرة من عمري بعد، على مقاعد الدراسة في الصف الثاني الإعدادي في قرية “سالم” شرقي نابلس. كانت العطلة الصيفية قد بدأت، فالتحقتُ بأهلي الذين كانوا يحصدون القمح في أراضٍ جبلية تقع على مرتفعات مطلّة على وادي الفارعة وطمون وطوباس والأغوار وشرق الأردن.

ولبُعد المسافة عن القرية كنا ننام على بيدر القمح في موقع الحصيد، ونحتفظ بمستلزمات حياتنا الضرورية في كهف كبير في الأرض نفسها.
كان “راديو الترانزستور” لا يفارقنا نهارا أو ليلا، في عملنا أو في منامنا، نتابع فيه كل ما تبثّه الإذاعة الأردنية وصوت العرب وإذاعة لندن بالعربية من أخبار وتعليقات حول الحرب الوشيكة التي نترقّبها ونتوق إليها وننتظرها دون صبر. معنوياتنا تحلّق في الفضاء، وثقتنا بالنصر ثابتة لا تتزعزع، فإذا خطب الزعيم جمال عبد الناصر امتدّت رقابنا وآمالنا إلى عنان السماء، كان أحمد سعيد ينفث في نفوسنا فننتفخ بالهمة والمعنوية، وأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش يشنّفون آذاننا بالأغاني الوطنية الحماسية، فلا نكاد نشعر بشدة الحَرّ ونحن تحت أشعة الشمس اللاهبة، نجدّ في العمل، ولا نحس بالتعب، فزهور الأمل تداعب الوجدان، وموعد الثأر قد حان، ونحن مع فلسطين على موعد: جيش العروبة يا بطل الله معك…. أصبح عند الآن بندقية…. والله زمن يا سلاحي…….
ثم كانت الحرب في الخامس من حزيران، وتواردت الأخبار عن البطولات في الإذاعات العربية، واحتلال جبل المكبّر، وتوالت بيانات إسقاط عشرات تلي عشرات من الطائرات المعادية.
كانت فرحتنا عارمة، ونشوتنا بلا حدود، فإذا نقلنا مؤشر المذياع إلى إذاعة لندن، سمعنا كلاما مغايرا يصف تراجع الجيوش العربية، وتدمير الطائرات المصرية، وتقدُّم قوات الأعداء في الضفة والجولان وسيناء، كنا نضحك باستخفاف، ونقول: هؤلاء ماكرون أنجاس يريدون أن يؤثروا في روحنا المعنوية ويقتلوا أفراحنا بالنصر الحتمي القادم.
“وانتبهنا بعدما زال الرحيق….. وأفقنا ليتنا لا نفيق”!!!
أفقنا غلى إذاعة الأعداء تصرع رؤوسنا وهي تقول: صوت إسرائيل من أورشليم القدس!!!
رحماك يا رب! ما الذي يجري؟! سقط المِنجل من يد أبي وهوى بجسده المنهك متهالكا على غمر القمح المحصود. وعاد إلينا الوعي، فأعدنا نظرنا فيما حولنا لفهم ما جرى لنا.
كانت الطائرات المعادية تلاحق الدبابات المنسحبة في طريق نابلس ــ الفارعة ــ الأغوار بقنابل النابالم دون رحمة، وعندما تلقي حمولتها تلوي أجنحتها جذلة وتعود إلى مواقعها. في إحدى الهجمات صعدت طائرتان من غور الوادي السحيق واتجهتا نحو أعالي الجبل حيث نحن، كنا ننظر إليهما من علٍ وهما تتجهان نحونا تكادان تلامسان الأرض، حاولنا الهرب إلى الكهف القريب، لكنّ الموت الزؤام الهاجم كان أسرع. صرخ أخي الصغير من شدة الهلع، فألقتْه أختي على الأرض، وغطّته بجسمها كي تحميه. وخلال ثوانٍ كانت الطائرتان قد غادرتا بعيدا، لكنّ صوتهما اللاحق بهما كان يفتك بالعقل، ويصمّ الآذان.
بتنا تلك الليلة محزونين مصدومين نصارع الخوف والقلق وخيبة الأمل. وبين تباريح الجوى وأفاويق الكرى كنا نسمع أصوات الرجال المقهورين المنسحبين مشيا على الأقدام يغالبون الهمّ والتعب يريدون أن يعبروا النهر إلى الشرق ليلا. سمعت أحدهم يصرخ: “ولْكُم يا رجال ذبحتونا خلّونا نتريّح شويّ” فردّ أحدهم مقهورا:” لازم نوصل قبل الضوّ”.
وفي ليلة تالية مرّ بنا أحد الجنود مستنزَفا من تعب المشي وشدة الجوع والعطش وهول القهر، كان يحمل على كتفيه بندقيتين ثقيلتين مع عتادهما وكل لوازمهما. استضفناه وقمنا بواجبه، واستمعنا إليه، وبكينا معه، وسألناه: لماذا يحمل لوازم جنديين اثنين؟! فقال بصوت مخنوق والدموع تغلبه: إنه رفيقي، استشهد، فحملت سلاحه ومتاعه. عرض عليه أبي أن يترك عندنا بندقية رفيقه وعتادها، فرفض بحزم وقال: هيهات، إنها أمانة ثقيلة مرعية يفرض عليّ شرفي العسكري أن أسلمها إلى وحدتي. عانقناه وودعناه بالدموع والدعوات.
ونسلّ أنفسنا غصبا من أحزان هذه الذكريات لنقول:
توالت علينا بعد حزيران ذاك المشؤوم حزيرانات وحزيرانات، لم تمحُ ألم الذكريات، ولم تطفئ في صدورنا نارا تتوقّد للثأر.
فلسطين أرض العروبة ومهوى أفئدة المسلمين، لا بدّ من الإعداد العربي الإسلامي الجادّ العلمي السياسي العسكري الصناعي لاستعادتها، ولا بدّ من استعادة الوعي بأن أعداءنا لا أمان لهم، ولا سلام يدوم معهم، ولا ثقة بمعظم النظام الغربي الذي يدعمهم، وصراعنا وجوديّ أبديّ: نكون أو لا نكون، ولا بدّ أن نكون. فهل نحن فاعلون؟؟!!

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: حفظي اشتية

إقرأ أيضاً:

صنعاء تعيد رسم موازين القوة العالمية

وأفاد موقع "آرمي ريكوغشن" المتخصص بالشؤون العسكرية أن فرنسا تدرس إسناد دور جديد لمقاتلة "ميراج 2000D RMV" لمواجهة الطائرات المسيّرة وتخفيف الضغط عن مقاتلات "رافال" الحديثة، وذلك بعد سلسلة العمليات التي نفذتها اليمن في البحر الأحمر والمناطق المحيطة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى "تخفيف العبء عن أسراب رافال وإطالة عمر أسطول ميراج حتى منتصف العقد القادم".

ويُعتبر التحول نحو الاعتماد على الطائرات المسيّرة "تغييرًا استراتيجيًا في قواعد الاشتباك"، إذ "تقلص زمن الإنذار وتزيد من تعقيد منظومات الدفاع الجوي للدول الكبرى"، وهو ما فرضته تجربة اليمن على الدول الغربية، التي اضطرت لمراجعة خططها التشغيلية والتكتيكية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي منيت بهزائم نكراء أمام القوات المسلحة اليمنية.

فبعد سلسلة من العمليات المباغتة على حاملات الطائرات الأمريكية وقطعها الحربية والسفن العسكرية في البحرين الأحمر والعربي، اتجهت واشنطن إلى الانسحاب وبدأت في تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وتطوير تكتيكات الدفاع الجوي لمواجهة تهديدات الطائرات المسيّرة اليمنية، ما يعكس مدى قدرة اليمن على إعادة صياغة التوازنات العسكرية والإقليمية من خلال أدوات مبتكرة وفعّالة.

وتؤكد المعطيات والمستجدات أن "القدرات اليمنية لم تعد مجرد تهديد تكتيكي، بل أداة استراتيجية تجبر القوى الكبرى على إعادة بناء قوتها وتكييف أساليبها الدفاعية بما يتوافق مع واقع ميدان المعركة الحديث وقواعده التي تغيرت بفعل الإصرار اليمني، الذي كشف نقاط ضعف استراتيجية في أساطيل الجيوش الكبرى".

كما تثبت الشواهد اليوم أن اليمن أصبحت معيارًا لتطوير الاستراتيجيات العسكرية الحديثة، حيث تؤكد معاركها وصمودها أن أي حسابات عسكرية دون مراعاة معادلاتها لن تؤدي إلا إلى الفشل، وأن قدرة الشعب اليمني ومقاومته على فرض قواعد الاشتباك الجديدة تجعل أي تدخل خارجي محفوفًا بالمخاطر، ويعيد دول العالم الكبرى إلى طاولة إعادة الحسابات والتفكير بجدية في أدوات القوة والتوازنات المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • مشوار الأخضر في 2026 يعيد ذكريات مونديال “أمريكا 94”
  • لليوم الثاني على التوالي .. طائرات مسيرة تستهدف العاصمة السودانية الخرطوم
  • صنعاء تعيد رسم موازين القوة العالمية
  • بكين تدعم موسكو سراً في صناعة الطائرات المسيرة
  • تندلتي تحت مرمى نيران الطائرات المسيرة
  • مشروع أميركي لمواجهة خطر المسيّرات في كأس العالم
  • كريم فهمي وياسمين عبد العزيز.. عودة ذكريات الحب والدراما في رمضان 2026
  • ترامب يعلق على مرافقة المقاتلات المصرية لطائرته.. فيديو
  • الرئيس اللبناني: لا يمكننا أن نكون خارج مسار التسويات..وترامب يحث لبنان على السلام مع جيرانه
  • صورة نادية الجندي وفاروق الفيشاوي تشعل السوشيال ميديا وتعيد ذكريات الزمن الجميل