محمد علي حسن يكتب: طوفان هروب الشباب الإسرائيلي
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
على عكس ما يصدره الاحتلال الإسرائيلى منذ عام كامل خلال الحرب التى شنّها على قطاع غزة، أنه «دولة متماسكة»، فإن الإحصائيات الإسرائيلية تكشف هذا التزييف والآلة الدعائية الإسرائيلية.
اطلعت فى سبتمبر الماضى على تقرير أعدّته دانا ناور، رئيسة برنامج التوظيف، الذى استندت فيه إلى بيانات معهد بروكديل للأبحاث، وجاء فيه أن الحرب على غزة أثرت سلباً على الشباب فى دولة الاحتلال، لاسيما من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، حيث فقد كثير منهم وظائفهم ومنازلهم ويعانون الجوع والاكتئاب، فى وقت ترتفع فيه نسبة الجريمة بينهم.
الأرقام كاشفة للأزمة التى يعيشها شباب المستوطنين، فعلى سبيل المثال نجد 53% من القتلى والمصابين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، كما أن 25% من الشباب الذين أدلوا بآرائهم لمعهد بروكديل أن «حرب نتنياهو على غزة» أثّرت عليهم شخصياً، وتضمن ذلك إصابات وأضراراً فى الممتلكات، والأهم من كل ما سبق ذكره سالفاً استدعاؤهم للخدمة العسكرية بجيش الاحتلال.
اضطر 28% من شباب المستوطنين الذين يتجاوز عددهم مليونى شخص فى المجتمع الإسرائيلى -حسب إحصائيات رسمية إسرائيلية- إلى ترك وظائفهم إثر الحرب التى يشنها الاحتلال على القطاع الفلسطينى، وتخلى ما يقرب من 23% عن دراستهم، ويواجه أكثر من 53% صعوبات فى تلبية التزاماتهم المالية، فى حين قال 50% من الشباب الإسرائيلى إن حالتهم النفسية فى تدهور.
قضية اجتماعية أخرى متعلقة بالشباب داخل إسرائيل تسبّبت الحرب على غزة فى تفجيرها ثانية، تتمثل فى تجنيد الحريديم للخدمة فى جيش الاحتلال الإسرائيلى، رغم أن مرجعيتها دينية بحتة، إلا أن حاجة الاحتلال إلى تجنيد أكثر من 350 ألف جندى احتياط للانضمام إلى الحرب التى تتّسع يومياً وتتعدّد جبهاتها بين غزة جنوباً ولبنان شمالاً لفترة تخطت ستة أشهر متتالية، ومن ثم تسريح البعض مع بقاء أعداد كبيرة من الاحتياط ما زالت تشارك فى القتال، لاسيما مع زيادة وتيرة الاستنزاف فى جبهات المساندة، إضافة إلى تحول جبهة الضفة الغربية المحتلة إلى جبهة حرب وما يتطلبه ذلك من توفير موارد بشرية لتغطية كل تلك المتطلبات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلى الذى أصبح يعلن صراحة عن أزمة حقيقية فى توفير العنصر البشرى له، ومع ازدياد حالة الاستنزاف لجنود الاحتياط طوال فترة الحرب على جميع الأصعدة، مما جعل فئة الشباب الإسرائيلى تنادى بشعار المساواة فى تحمل العبء فى الانخراط بالجيش، وتطالب بتجنيد الحريديم فى جيش الاحتلال، الذين يمثلون ما يقرب من 20% من المجتمع الإسرائيلى، وهذا ما يرفضه الحريديم من منطلق دينى صارم، مما يعنى أنه كلما طال أمد الحرب على قطاع غزة وجنوب لبنان وازدادت متطلباتها العسكرية والاقتصادية ازدادت تلك الأزمة العميقة التى ستزيد الشرخ الدينى بين الحريديم والعلمانيين داخل المجتمع الإسرائيلى.
الانقسامات بين الشباب فى إسرائيل لم تعد تحكمها الجغرافيا على أساس الخدمات والاقتصاد فقط، بل ارتبطت بشكل كبير للغاية على مدار العام الماضى على أساس الأمن، لتصير مطالب سكان شمال دولة الاحتلال وتحديداً فى المستوطنات القريبة من جنوب لبنان بالمساواة مع سكان تل أبيب، وهنا ليست المساواة اقتصادية وتنموية فقط، وإنما بالقيمة والأهمية الأمنية وتوزيع الموارد الأمنية، وهذا ما أحرج الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، وتحديداً منذ التصعيد ضد حزب الله.
وأخيراً الشباب فى دولة الاحتلال أصبحوا منقسمين بين مجندين ورافضين للتجنيد وعاطلين عن العمل، أو يتظاهرون بالقرب من منزل نتنياهو من أجل الأسرى، وهناك من يسعون للهجرة خارج إسرائيل، وجميعهم يسألون سؤالاً واحداً.. لماذا نحن هنا؟
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: إسرائيل نتنياهو الاحتلال غزة لبنان الشرق الأوسط الولايات المتحدة فلسطين بيروت الحرب على
إقرأ أيضاً:
د.محمد عسكر يكتب: عصر الحكومة الذكية في مصر !
تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة حراكاً واسعاً نحو التحول الرقمي وبناء ما يُعرف بـ «الحكومة الذكية». هذا التحول يأتي في إطار رؤية الدولة الطموحة لبناء «مصر الرقمية»، وتحقيق نقلة نوعية في أداء المؤسسات الحكومية وخدماتها للمواطنين.
لكن، ورغم الجهود الكبيرة المبذولة، لا يزال الطريق نحو التحول الذكي الحقيقي مليئاً بالتحديات التي تستحق الوقوف عندها والنقاش الجاد.
من الإنصاف القول إن الدولة المصرية قطعت شوطاً كبيراً في تطوير بنيتها الرقمية، بدءاً من إطلاق منصّة مصر الرقمية التي تجمع عشرات الخدمات الحكومية، وصولاً إلى مشروع إنتقال الحكومة للعاصمة الإدارية الجديدة كرمز للتحول إلى الإدارة الإلكترونية الحديثة.
كما أن وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات نجحت في بناء شبكة قوية من مراكز البيانات وربط قواعد المعلومات بين الوزارات، وهي خطوة كانت غائبة لعقود طويلة.
كل ذلك يمثل تقدّماً حقيقياً على مستوى البنية التقنية، لكنه لا يعني بالضرورة أننا وصلنا إلى مرحلة “الذكاء الحكومي” بمعناه الكامل.
فالتحول الذكي لا يقتصر على رقمنة الخدمات أو إنشاء مواقع إلكترونية، بل يتطلب تغييراً جذرياً في الفكر الإداري، وفي طريقة التعامل مع المواطن داخل المؤسسة الحكومية.
وفي هذا الجانب، يبدو أن التحول في مصر ما زال يميل إلى الطابع الشكلي أكثر من التحول الجوهري. فالكثير من الخدمات الرقمية ما زالت مرتبطة بإجراءات ورقية أو تتطلب الحضور الشخصي، ما يحدّ من الفاعلية التي يُفترض أن تحققها الحكومة الذكية.
وهنا تبرز المعضلة الأساسية: فبينما تتطور الأدوات التقنية بسرعة، يظل التحول في الثقافة الإدارية أبطأ بكثير.لا تزال بعض المؤسسات الحكومية تنظر إلى الرقمنة كعبء إضافي لا كفرصة للتطوير، ويُمارس العمل فيها بالطرق التقليدية رغم وجود أنظمة رقمية حديثة. والنتيجة أن المواطن لا يشعر دائماً بأن تجربته أصبحت أكثر سهولة أو شفافية.
كما أن العنصر البشري ما زال يمثل نقطة ضعف واضحة.
فالموظف الذي لم يتلقّ تدريباً كافياً على أدوات التحول الذكي قد يتحول إلى “عنصر مقاوم للتغيير” بدلاً من أن يكون جزءاً منه. كما أن بعض المواطنين أنفسهم يواجهون صعوبات في إستخدام الخدمات الإلكترونية إما بسبب ضعف الثقافة الرقمية الكافية لإستخدام المنصات الحكومية بفاعلية، أو نتيجة مشكلات فنية في بعض المنصات التي تفتقر إلى المرونة وسهولة الإستخدام. وبالتالي، تظل الهوة قائمة بين ما هو ممكن تقنياً وما هو متحقق واقعياً.
وبالطبع لا يمكن تجاهل الفجوة الجغرافية بين المحافظات.
فبينما تشهد العاصمة والمدن الكبرى تسارعاً في رقمنة الخدمات، ما تزال مناطق كثيرة في الريف والصعيد تعاني من ضعف الإنترنت أو غياب الخدمات الرقمية تماماً، مما يجعل التحول الذكي تحولاً غير عادل في توزيعه بين المواطنين.
أما على مستوى التشريعات والحوكمة الرقمية، فما زالت الحاجة قائمة إلى قوانين أكثر وضوحاً لحماية البيانات الشخصية، وتنظيم إستخدام الذكاء الإصطناعي في العمل الحكومي.
فمن دون ضمانات قانونية كافية، سيظل المواطن متردداً في التعامل مع الحكومة الإلكترونية، خصوصاً في ما يتعلق بالبيانات الحساسة والمعاملات المالية.
فالتحول الذكي لا يُقاس بعدد المنصات أو حجم الإستثمارات، بل بمدى رضا المواطن وثقته في الخدمات الحكومية الجديدة.
ورغم هذه الملاحظات النقدية، لا يمكن إنكار أن التجربة المصرية تمثل خطوة ضرورية في الإتجاه الصحيح.
فما يجري اليوم هو تأسيس لبنية رقمية ستشكل قاعدة للحكومة الذكية المستقبلية، شرط أن ترافقها إصلاحات إدارية وثقافية جادة تجعل التكنولوجيا وسيلة للتغيير لا غاية بحد ذاتها.
إن التحول الذكي في المؤسسات الحكومية المصرية يظل مشروعاً واعداً، لكنه في حاجة إلى مزيد من الواقعية، والتقييم المستمر، وإستثمار أكبر في الإنسان قبل التقنية.
فمن دون موظف واعٍ ومواطن رقمي مثقّف وتشريعات ضامنة، ستظل “مصر الرقمية” فكرة طموحة تنتظر أن تتحقق على أرض الواقع.