حين تُطرح فكرة التدقيق في الشهادات العلمية لموظفي الدولة، فهذا أمر جيد، وهو من معاني الشفافية ومقاومة الفساد، فالتدليس والانتحال جرائم يعاقب عليها القانون سواء ارتكبها فرد أو جماعة، ومن ليس له شبهة فلا يعترض ولا يندد بالفكرة، ولا يمكن أن يبرر عاقل أي عملية انتحال لصفة أو اعتماد شهادات مزيفة للحصول على وظيفة في مؤسسات الدولة.



أما أن تكون الدعوة تلك ضمن أجواء استهدافٍ لطرف سياسي، وفي طقس ملوث بالإشاعات، فهنا علينا إعادة الأمور إلى نصابها وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حتى لا تنطلي المغالطات على عموم أبناء شعبنا وحتى لا يُظلم أبرياء، أيضا وأساسا حتى لا يقع تشويه صورة بلادنا في أعين العالم الخارجي؛ فتصبح شهادات أبنائنا وبناتنا مشكوكا فيها لدى الجهات الخارجية التي تكون وجهة شبابنا التونسي طلبا للشغل.

نحن بالتأكيد ضد تدليس الشهادات، وقبل ذلك نحن ضد تلبيس الحق بالباطل، فقد سبق هذه الدعوة كلام كثير عن تعيينات بعشرات الآلاف زمن حكم النهضة وشركائها بعد انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2011، حيث زعم خصوم حركة النهضة التونسية بكونها أسندت وظائف في مؤسسات الدولة لعدد من منتسبيها ممن لا شهادات علمية لهم ولا مؤهلات ولا خبرات، وتلك التعيينات غير المشروعة -حسب زعمهم- أثقلت ميزانية الدولة وحرمت أصحاب الحق من شغل مستحق عن جدارة وكفاءة.

أن تكون الدعوة تلك ضمن أجواء استهدافٍ لطرف سياسي، وفي طقس ملوث بالإشاعات، فهنا علينا إعادة الأمور إلى نصابها وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حتى لا تنطلي المغالطات على عموم أبناء شعبنا وحتى لا يُظلم أبرياء، أيضا وأساسا حتى لا يقع تشويه صورة بلادنا في أعين العالم الخارجي؛ فتصبح شهادات أبنائنا وبناتنا مشكوكا فيها لدى الجهات الخارجية
بالعودة إلى تصريح السيد عبيد البريكي، وزير الوظيفة العمومية سابقا، عند مشاركته في برنامج حواري تلفزي، عن مسألة الانتدابات وعن جماعة "العفو التشريعي العام"، حيث ذكر الأرقام بالتدقيق قائلا: "خذوها عني، حيث كانت الانتدابات على النحو التالي:

أ- عمال المناولة: انتداب 70 ألفا.

ب- جماعة الآلية 16: انتداب 16 ألفا.

ج- عمال الحظائر: انتداب 10 آلاف.

 د- العفو التشريعي العام وجرحى الثورة وأولاد الشهداء: 9 آلاف.

هذه الأرقام وهي صادرة عن مسؤول في الدولة مصنف "خصما" أيديولوجيا للتيار الإسلامي المستهدف بالحملة الدعائية؛ إنما هي ردّ على "لغو" من يلبسون الحق بالباطل ومن يتلاعبون بالأرقام بغية تأليب أبناء شعبنا على طرف سياسي للتنكيل به واستباحة حريته وأمنه وأمانه بعد استهداف عرضه وكرامته.

إن استعمال مفردة "التسلل" إلى الإدارة وإلى مؤسسات الدولة، إنما هو أسلوب عنصري، وأصحابه يوهمون السامع بكونهم يتحدثون عن عدو خارجي اخترق مؤسسات الدولة بهدف التآمر عليها والإطاحة بها.

أليس هؤلاء أبناء الشعب التونسي؟ أليسوا خريجي المدرسة التونسية؟ أليسوا مشمولين بعفو تشريعي عام أقرته دولتهم لضحايا تجاوزات ومظالم مارستها عليهم أنظمة سياسية متعاقبة منذ نشأة دولة الاستقلال؟

استعمال مفردة "التسلل" إلى الإدارة وإلى مؤسسات الدولة، إنما هو أسلوب عنصري، وأصحابه يوهمون السامع بكونهم يتحدثون عن عدو خارجي اخترق مؤسسات الدولة بهدف التآمر عليها والإطاحة بها
ثم هل إن هؤلاء المشمولين بالعفو التشريعي العام هم "سجناء حق عام"؟ أليسوا سجناء سياسيين؟ وهل هم من ركام بشري غيرِ ذي صفة أو كفاءة؟ أليس فيهم موظفون معزولون؟ أليس منهم مهندسون ومربون وإداريون وأطباء؟ أليس فيهم طلبة حُرموا من مواصلة دراستهم بسبب الملاحقات والمحاكمات؟

كيف يمكن تحقيق مصالحة بين الدولة وأبنائها حين لا تحصل مراجعات من قِبل الخاطئين، وحين لا تصدر اعتذارات ولا يكون ترميم خسائر من قِبل الدولة؟

إن كثيرا من المتكلمين في موضوع العفو التشريعي العام، هم ضحايا تضليل وتلبيس وتدليس، ولكن كثيرين أيضا يعرفون الحقيقة ويعرفون أنهم يمارسون التزييف والتشويه والتضليل، وهؤلاء هم مجرمون حقيقيون، لا لأنهم يكذبون ويؤذون الضحايا في أعراضهم وكرامتهم فقط، وإنما لأنهم يتسببون في تخريب النسيج المجتمعي ويوقعون العداوة بين أبناء شعبنا.. إنهم لا يكفون عن تلويث "المائدة" الروحية والأخلاقية لشعبنا، إنهم "الفيروسات" التي تتسبب في حالة من "السّعال" الإعلامي الحاد يكاد يقطع أنفاسنا.

twitter.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشهادات التونسي تعيينات النهضة تونس النهضة تعيينات موظفين شهادات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مؤسسات الدولة أبناء شعبنا حتى لا

إقرأ أيضاً:

الدكتورة سميرة إسلام.. سيرة حياة حافلة بالعطاء والريادة العلمية

في يوم تكريمه لها بتاريخ 13 ربيع الثاني 1428 هجرية، قال عنها صاحب الاثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجه -رحمه الله تعالى- : « لقد كان لها قصب السبق في الحصول على الدكتوراه والأستاذية في علم الأدوية وعندما أقول قصب السبق فأعني تفوقها قبل ربع قرن من الزمان على نون النسوة وواو الجماعة في آن، سعادة الباحثة الأكاديمية المستشارة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية الأستاذة الدكتورة سميرة إبراهيم إسلام، فسميرة أول امرأة سعودية تحصل على الدكتوراه في العلوم، وتستحق أن تسمى الرائدة في مجال تخصصها، إذ هي الأولى بين نساء ورجال السعودية في الحصول على لقب (أستاذ) في علم الصيدلة، وهي أول امرأة عربية ومسلمة تمنح جائزة (لوريال- اليونسكو) العالمية المخصصة لنساء العام، وذلك في عام 2000، فقد أسست أول الكليات الأهلية في المملكة (كلية عفت الأهلية للبنات)، وأنشأت (وحدة مراقبة الأدوية) في مركز الملك فهد للبحوث الطبية في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، “وحين تحدثت هي عن نفسها في تلك المناسبة قالت إنها تنقلت في أنحاء المملكة بحكم ظروف عمل والدها الشيخ إبراهيم مصطفى إسلام في وزارة المالية في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأنها ما زالت تتذكر طفولتها في الهفوف ومكة وأبها والرياض والدمام.
وقالت إنها تلقت تعليمها الأول لدى الفقيهة في جرول بمكة، والمدرسة الإندونيسية في الشامية، فتعلمت منذ الصغر القراءة والكتابة ، ولم يكتف والدها الذي تنبه منذ وقت مبكر لأهمية التعليم وضرورة العلم، فبدأ يستعين بمدرسين من مدرسة تحضير البعثات “القلعة”، فكانوا يأتون لتدريسها هي وإخوانها في المساء مستخدمين كتباً كان يستقدمها والدها من مصر. واستغلت والدتها فرصة وجود أسرة صديقة تريد الرحيل إلى القاهرة لتعليم أبناءهم، وأقنعهم الوالد أنه سوف يتكفل بإقامة بيت في الإسكندرية على أن يقيموا معهم ومع مربيتهم للإشراف والاهتمام بهم. وأقاموا بالإسكندرية وأدخلوا في كلية البنات الإنجليزية في الشاطئ في مدارس الداخلي، واخوانها في مدرسة فيكتوريا، وفي الإسكندرية واصلت دراستها الثانوية ثم التحقت بكلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية، وبعد حصولها على البكالوريوس في الصيدلة والكيمياء الصيدلية، تابعت دراستها للماجستير في الصيدلة – تخصص «التحليل الكيميائي الحيوي والتحليل والمعايرات الإحيانية للأدوية»، ثم سافرت إلى بريطانيا والتحقت بكلية طب سانت ماري في جامعة لندن لتحصل منها عام 1970 على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم الصيدلية – فارماكولوجي (علم الأدوية). فكانت أول سيدة سعودية تحصل على درجة البكالوريوس والدكتوراه والأستاذية، بل أول السعوديين رجالاً ونساءً حصولاً على درجة الأستاذية في علم الأدوية.
وحين عادت الى المملكة، تولت سميرة إسلام خلال مسيرتها المهنية مناصب عدة، منها عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ومستشار إقليمي في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لبرنامج الأدوية الأساسية، كما شغلت منصب رئيسة وحدة قياس ومراقبة الأدوية في مركز الملك فهد للبحوث الطبية بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وكانت أول عميدة مؤسسة لـكلية عفت الأهلية للبنات، وهي أول كلية أهلية جامعية للفتيات.
وتعد الدكتوره سميرة إسلام أول سعودية تحصل على درجة الأستاذيّة في علم الأدوية، وأسهمت من خلال عملها الأكاديمي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، في تطوير البحث العلمي والتعليم في حقل الصيدلة. كما نشرت نحو 75 بحثًا علميًا، وكرمتها اليونسكو ضمن 32 عالمة استحققن جائزة المرأة والعلوم بمجال العلوم وذلك عن عام 2000م؛ حيث تم اختيارهن من بين 400 عالمة رُشحن من قارات العالم، ورغم توالي التكريمات؛ من جائزة مكة للتميّز إلى لقب «شخصية المنتدى العربي للبحث العلمي»، كانت الدكتورة سميرة اسلام تتهجى الإنجاز بنبرة مختلفة: «لا أريد المجد لنفسي، بل أريد من يكمل هذا الدرب، لا أطلب الكثير، فقط كرسيّاً علمياً يحمل المشعل من بعدي».
بتواضعها الكبير، وعمقها النادر، كانت تقول أكثر مما تكتب، تقول عنها الدكتورة ثريا أحمد عبيد أنها عندما كانت تدرس بمصر -مع بداية الستينيات الميلادية-، إن الرعيل الأول من الطالبات السعوديات معها كن سميرة إسلام، وثريا التركي، وفاتن أمين شاكر، ويوم اختارتها هيئة اليونسكو ضمن أفضل 32 عالمة متميزة لجائزة المرأة والعلوم في مجال العلوم لعام 2000م، عبر معالي الدكتور محمد عبده يماني عن اعتزازه بهذا التكريم وقال في كلمة له:
«لقد عملت هذه السيدة معي لسنوات بجدّ ووعي ومسؤولية وإخلاص عندما كنت مديرا لجامعة الملك عبد العزيز، وكانت تسهم في مسيرة كلية الطب والعلوم الطبية والعلوم عامة. وقد كنت ألاحظ فيها ولعاً وعشقاً للمسيرة التعليمية، ولكنها كانت لا تنقطع عن البحث، وتحرص على تشجيع الطالبات على البحث العلمي، ثم شاءت إرادة الله، أن نكلفها بأعمال في مجال العلوم الطبية في جامعة الملك عبدالعزيز، فكانت نعم المعين، وأشهد أنها من خيرة الذين أدوا الرسالة على خير وجه. وهي سيدة مثقفة واعية وعلى قدر كبير من المسؤولية، وكنت أشعر دائما أن من حق هذه السيدة وأمثالها على المجتمع السعودي، أن يكرّمها، ففي تاريخنا التعليمي الكثير من السيدات الفاضلات العاملات والرائدات اللاتي هن جديرات بالتكّريم، وأن يقدمن كرموز لبنات هذا الوطن ونساء هذا الوطن. »، ثم أضاف الدكتور يماني قائلا: «تحية من الأعماق للرجل الصالح والمواطن المخلص المرحوم بإذن الله الشيخ إبراهيم إسلام، الذي تنبّه منذ وقت مبكِّر، لأهمية التعليم، وضرورة العلم، وإعطائها الفرصة حتى وصلت بفضل الله وتوفيقه إلى ما هي عليه الآن».

مقالات مشابهة

  • الدبيبة يشيد بتحركات النائب العام ويؤكد دعم جهود فرض النظام وسيادة القانون
  • ..تصويب عمل مؤسسات الدولة من الزيغ والانحراف.
  • تربويات الجمعة!
  • العابد: سنعمل على استجلاب الكفاءات العلمية من الخارج  
  • السرقة العلمية تفجر قضية جديدة بجامعة ابن زهر والقضاء يدخل على الخط
  • ابراهيم السجيني: جهاز حماية المستهلك حقق خطوات ملموسة لتحقيق الثقة فى مؤسسات الدولة
  • بيدرسون: الأمم المتحدة ستواصل دعم مؤسسات الدولة في سوريا لتحقيق انتقال سياسي ناجح
  • مواطنون بلا أوراق.. غياب مؤسسات مدنية يهدد أجيالا شرقي سوريا
  • «فيتش سوليوشنز» تتوقع نمو الاقتصاد المصري 4.7% العام المالي 2026
  • الدكتورة سميرة إسلام.. سيرة حياة حافلة بالعطاء والريادة العلمية