الرقة- لم تكتمل فرحة محمود خليل عبد الله، من سكان الرقة، بولادة توأمه مطلع هذا العام. فكما حدث مع طفلته الأولى قبل 3 سنوات، وجد نفسه عاجزا عن تسجيلهم في السجل المدني، وسط غياب تام للمؤسسات الحكومية في شمال شرقي سوريا.

يقول محمود (31 عاما) للجزيرة نت "ابنتي البكر استغرق تسجيلها عاما كاملا، لأنني كنت مطلوبا أمنيا، واضطررت حينها لدفع 300 دولار كرشوة للحصول على دفتر عائلة.

أما اليوم، فالتوأمان بلا أوراق، ولا أعلم شيئا عن دوائر السجل المدني، ولا أستطيع الذهاب إلى مناطق الحكومة بسبب التكاليف".

وتابع "نطالب الحكومة السورية والإدارة الذاتية بوقف استخدامنا كورقة ضغط. السجل المدني ليس ملفا سياسيا، بل خدمة أساسية يجب أن تعود فورا".

قرابة 28% من النازحين السوريين لا يمتلكون أوراقا ثبوتية لأطفالهم (الأناضول) هوية معلّقة

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، دخلت البلاد في حالة من التمزق الجغرافي والمؤسساتي، مع تقاسم النفوذ بين النظام السوري، وفصائل المعارضة، وتنظيم الدولة الإسلامية، ثم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فانهارت مؤسسات الدولة في مناطق واسعة وعلى رأسها السجل المدني.

وتشير تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن قرابة 28% من النازحين السوريين لا يمتلكون أوراقا ثبوتية لأطفالهم، في حين قدّر تقرير لمفوضية اللاجئين في 2022 أن ما لا يقل عن 45 ألف طفل سوري في شمال شرقي البلاد لا يملكون أي وثيقة ميلاد رسمية.

ورغم وجود "هيئات مدنية" تابعة للإدارة الذاتية، وهي كيان إداري يسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا ويُعد الذراع المدني لقوات قسد، فإن وثائقها غير معترف بها داخل سوريا أو خارجها.

إعلان

من جهته، يقول الخبير القانوني عيسى الأحمد -للجزيرة نت- إن الاعتراف القانوني في سوريا مركزي للغاية، وإن الوثائق التي لا تصدر عن مؤسسات الدولة في دمشق تُعد باطلة أو غير نافذة. ويضيف أن غياب المؤسسات الرسمية يُقوض سيادة الدولة ويهدد ركائز النظام القضائي السوري.

من جهته، يصف الناشط المدني والإعلامي جانو شاكر ما يحدث بأنه أزمة، ويقول للجزيرة نت إن الإدارة الذاتية لم تتمكن من سد هذا الفراغ، ولم تقدم بدائل عن هذه المؤسسات.

ويذكّر بأن محافظة الحسكة كانت تعاني أصلا من ظاهرة "مكتومي القيد" بين الأكراد قبل الثورة، وهو مصطلح قانوني يطلق على الأشخاص الذين ولدوا داخل سوريا، لكنهم غير مسجلين في السجل المدني، وبالتالي لا يمتلكون أي وثيقة رسمية تثبت وجودهم القانوني كأفراد.

ووفق شاكر، فإن الأزمة تضاعفت بعد الحرب، خصوصا مع ولادات غير مسجلة لأمهات سوريات من زيجات غير مسجلة، أو نتيجة فقدان الأب بفعل المعارك أو الاعتقال أو النزوح. ويرى أن مثل هذه القضايا من الممكن أن تشكل تهديدا لمفهوم المواطنة إذا ما طال أمد غياب المؤسسات الحكومية واستفحلت الأزمة بين دمشق والإدارة الذاتية ولم يكن هناك أفق للحل.

وتقع المسؤولية الأولى -باعتقاده- على عاتق "الحكومة السورية المؤقتة بتفعيل هذه المؤسسات، خاصة وأن هناك اتفاقا بين قيادة قسد والرئاسة السورية".

أزمة شاملة

ويقضي الاتفاق، الذي وُقّع في 10 مارس/آذار الماضي، بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بوقف إطلاق النار واندماج هذه القوات ضمن مؤسسات الدولة وعودة المؤسسات الحكومية لشمال شرقي البلاد. وشُكلت على إثره لجان تنسيق بين الطرفين لتطبيق بنوده بما لا يتجاوز نهاية العام الجاري.

وحتى الآن، لم تُقدم الحكومة السورية ولا "قسد" على أي خطوات عملية ملموسة بشأن اتخاذ خطوات للتعامل مع السجلات المدنية. واللجان المكلفة بتنفيذ الاتفاق لا تزال تعمل دون أن تعلن عن أي تطورات رسمية.

إعلان

ورغم أن الأنظار تتجه إلى شرق الفرات، فإن أزمة السجل المدني تتجاوز الجغرافيا. ففي 23 أبريل/نيسان الماضي، قالت وكالة الأنباء السورية "سانا" -نقلا عن مديرية السجل المدني في دمشق- إن مراكز خدمة المواطنين استأنفت عملها عقب توقف مؤقت فرضته أعمال الصيانة الفنية وإجراءات تحديث للبنية التقنية، وشملت الخدمات المتاحة استخراج الوثائق الأساسية مثل القيد الفردي، والبيان العائلي، وبيانات الزواج، والولادة، والطلاق، والوفاة.

وفي حلب، أعلنت مديرية الشؤون المدنية عودة العمل يوم 16 فبراير/شباط الماضي، بعد توقف استمر عدة أسابيع خُصص لإعادة تأهيل الأجهزة التقنية، وتحديث قواعد البيانات، وإصلاح الأعطال. وأوضحت أن الخدمات حاليا تقتصر على استخراج البيانات الشخصية فقط، في حين لا تزال خدمات تسجيل الولادات والوفيات أو إصدار البطاقات الشخصية متوقفة حتى اكتمال التجهيزات اللوجستية.

في هذا السياق، قال مدير مديرية الشؤون المدنية بدمشق عبد الله عبد الله، للجزيرة نت، إن الأسباب التقنية هي العائق الأساسي حاليا أمام إعادة تفعيل نظام السجل المدني تفعيلا كاملا. وأضاف "تسلمنا شبكة متهالكة، ولدينا عدة شبكات تعمل بشكل منفصل في حلب وريفها وإدلب وأمانة دمشق. ونعمل الآن على دمجها في شبكة واحدة".

وأوضح "بعض المواطنين تنقلوا من مكان إلى آخر، فربما تجد شخصا أعزب في سجل دمشق وقد تزوج لاحقا في إدلب، وهذا يستوجب دمج البيانات بدقة". وأكد أن العملية تأخذ وقتا، لكنها في مراحلها الأخيرة، وسينتهي قريبا تأهيل الشبكة، وعندها لن يكون هناك عائق أمام تسجيل الولادات أو إصدار الثبوتيات.

مصادر كشفت عن توقف كامل في تسجيل الولادات في معظم أنحاء سوريا (الفرنسية) توقف كامل

لكن معلومات حصلت عليها الجزيرة نت من مصدر قانوني في حلب -طلب عدم الكشف عن اسمه- كشفت عن توقف كامل في تسجيل الولادات والمعاملات العقارية في معظم أنحاء سوريا.

إعلان

وذكر المصدر أنه باستثناء الولادات التي تتم خارج البلاد، لا تُسجّل إلا في دمشق، مرجعا ذلك إلى "التدقيق في ممتلكات المقاتلين الإيرانيين الذين وجدوا في سوريا خلال السنوات الماضية، إلى جانب الولادات الناتجة عن زيجات بين سوريات وأجانب، خصوصا من الجنسية الإيرانية".

وتحدث المصدر ذاته عن "وجود محاولات داخلية لفرض نموذج سجل مدني مأخوذ عن التركي، مما أثار مخاوف من تدخلات أمنية خارجية، خصوصا في حلب".

غير أن مدير الشؤون المدنية في دمشق ردّ على ذلك قائلا "نستفيد من التجارب لا نقلدها. لدينا تجربة ناجحة في إدلب طورنا فيها الأداء الإداري بشكل لافت، لكننا نسعى لبناء نموذج وطني خاص يناسب خصوصية الحالة السورية. نعم، خبرات دول الجوار مفيدة، لكننا لا نستورد تجارب جاهزة، بل نصوغ حلا بأيدٍ سورية".

ويرى المحامي إسماعيل يوسف أن غياب مؤسسات الدولة ودوائر السجل يمثل فراغا قانونيا، محذرا من أن الأطفال غير المسجلين قد يُحرمون من الجنسية والحقوق الأساسية، كالتعليم والسفر وإثبات الهوية، ويعيشون في حالة قانونية هشة.

وأضاف يوسف -للجزيرة نت- أن عدم توثيق العقارات يجعل الملكية عرضة للنزاعات أو الإبطال لاحقا. وأن القانون السوري يتيح التسجيل المتأخر، لكنه يتطلب مسارا معقدا من الإثباتات، وإجراءات "بيروقراطية طويلة".

وأكد أن "الوقت يداهمنا. يجب اعتماد آليات انتقالية مؤقتة معترف بها دوليا تسمح بتسجيل الولادات وتثبيت الحقوق، على أن تُدمج لاحقا في الدولة عند الوصول إلى تسوية سياسية شاملة. لا يمكن ترك الأمور هكذا".

ومع استمرار غياب مؤسسات السجل المدني، يبقى ملايين السوريين، خاصة في المناطق "الخارجة عن سيطرة الحكومة"، عالقين في حالة "لا وجود قانوني"، حيث يتحول غياب الورق إلى غياب للهوية، وتُهدَّد أجيال بأكملها بالعيش كمواطنين بلا وطن.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تسجیل الولادات مؤسسات الدولة السجل المدنی للجزیرة نت فی دمشق فی حلب

إقرأ أيضاً:

الرئيس اللبناني يندّد بغارات اسرائيلية ليلية استهدفت "منشآت مدنية"

بيروت- ندّد الرئيس اللبناني جوزاف عون بغارات إسرائيلية استهدف فجر السبت "منشآت مدنية" وأسفرت بحسب وزارة الصحة اللبنانية عن مقتل شخص، في حين قال جيش الاحتلال الاسرائيلي إنه قصف بنى تحتية تابعة لحزب الله.

ورغم سريان وقف لإطلاق النار منذ أشهر، تواصل اسرائيل شنّ غارات تقول إنها تستهدف عناصر من الحزب وبنى عسكرية تابعة له، خصوصا في جنوب البلاد.

وقال عون في بيان "مرة أخرى يقع جنوب لبنان تحت نار العدوان الإسرائيلي السافر ضد منشآت مدنية. بلا حجة ولا حتى ذريعة".

 واعتبر عون أن "خطورة العدوان الأخير أنه يأتي بعد اتفاق وقف الحرب في غزة" حيث دخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس حيز التنفيذ ظهر الجمعة، وسط خشية في لبنان من تكثيف الضربات الاسرائيلية ضدّ حزب الله الذي لا يزال يرفض تسليم سلاحه إلى الدولة.

وأضاف عون في بيانه أن هذا التوقيت "هو ما يطرح علينا كلبنانيين وعلى المجتمع الدولي تحديات أساسية، منها السؤال عما إذا كان هناك من يفكر بالتعويض عن غزة في لبنان، لضمان حاجته لاستدامة الاسترزاق السياسي بالنار والقتل".

وغداة اندلاع الحرب في غزة مع هجوم حماس على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلن حزب الله فتح "جبهة إسناد" للقطاع وحليفته حماس. وبعد تبادل القصف عبر الحدود لنحو عام، تحوّلت المواجهة مع إسرائيل اعتبارا من أيلول/سبتمبر 2024، حربا مفتوحة تلقّى خلالها الحزب ضربات قاسية في الترسانة والبنى العسكرية، وخسر عددا من قيادييه يتقدمهم أمينه العام السابق حسن نصرالله وخلفه هاشم صفي الدين.

-دمار-

واستهدفت الغارات السبت التي بلغ عددها عشرة بحسب الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية "6 معارض للجرافات والحفارات على طريق المصيلح ما ادى الى تدمير واحتراق عدد كبير من الاليات"، بينما قالت وزارة الصحة اللبنانية إن الغارات أدت الى مقتل شخص من الجنسية السورية "وإصابة سبعة أشخاص بجروح، أحدهم من الجنسية السورية وستة لبنانيون من بينهم سيدتان".

وقالت الوكالة الوطنية إن الغارات أدت إلى تدمير 300 جرافة وآلية.

وشاهد مصور فرانس برس في المكان دمارا هائلا لحق بالمعارض المخصصة للجرافات وآليات ضخمة تستخدم في أعمال البناء، وقد احترقت العشرات منها، وقام رجال الإطفاء بإخمادها.

وتسبّبت الغارات بحالة رعب بين السكان الذين يقطنون البلدة، منهم من تعرضت منازلهم لأضرار جراء عصفها.

وقالت امرأة كبيرة في السنّ مفضلة عدم الكشف عن اسمها من شرفة منزلها المجاور لموقع القصف، لفرانس برس "استيقظنا مرعوبين على صوت ضرب"، مضيفة "لقد شاهدنا الموت بأعيننا".

وتقع المصيلح التي تضمّ مقر سكن رئيس مجلس النواب نبيه بري في جنوب لبنان، قرب مدينة صيدا الساحلية، كبرى مدن جنوب لبنان، وتبعد أكثر من 40 كيلومترا عن الحدود مع اسرائيل.

من جهته  قال جيش الاحتلال الاسرائيلي  في بيان إنه هاجم "بنى تحتية تابعة لحزب الله استخدمت لتخزين آليات هندسية مخصصة لإعادة إعمار بنى تحتية إرهابية في جنوب لبنان".

وأضاف أن "حزب الله يواصل محاولاته ترميم بنى تحتية إرهابية في أنحاء لبنان معرضا مواطني لبنان للخطر ومستخدما إياهم دروعا بشرية".

ويسري منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر اتفاق لوقف إطلاق النار تمّ التوصل إليه برعاية أميركية وفرنسية، ينصّ على تراجع حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالى 30 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل) وتفكيك بنيته العسكرية فيها، وحصر حمل السلاح في لبنان بالأجهزة الرسمية.

وإضافة الى الغارات، أبقت إسرائيل على قواتها في خمس تلال في جنوب لبنان، بعكس ما نصّ عليه الاتفاق.

وتطالب بيروت المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها.

وعلى وقع ضغوط أميركية، قررت الحكومة اللبنانية في آب/أغسطس تجريد حزب الله من سلاحه. ووضع الجيش خطة من خمس مراحل لسحب السلاح، في خطوة سارع الحزب المدعوم من طهران الى رفضها واصفا القرار بأنه "خطيئة".

مقالات مشابهة

  • لـ 16 ديسمبر.. تأجيل محاكمة المتهمين في «خلية المرج الإرهابية»
  • حجز محاكمة 3 متهمين بخلية المرج لجلسة 16 ديسمبر المقبل للحكم
  • 42 قتيلًا على الأقل في حادث سقوط حافلة في جنوب إفريقيا
  • مظلوم عبدي: اتفاق مبدئي على دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن وزارة الدفاع
  • مجلس القيادة الرئاسي يعيد تفعيل الفريق القانوني لتعزيز النهج المؤسسي ومواجهة الانقلاب الحوثي
  • رئيس الدولة يصدر مرسوماً بإنشاء الهيئة الاتحادية للإسعاف والدفاع المدني وتعيين أحمد الصايغ رئيساً لها
  • لـ 26 نوفمبر.. تأجيل محاكمة 57 متهمًا بقضية اللجان النوعية للإخوان
  • الرئيس اللبناني يندّد بغارات إسرائيلية استهدفت "منشآت مدنية"
  • الرئيس اللبناني يندّد بغارات اسرائيلية ليلية استهدفت "منشآت مدنية"
  • مواطنون يوزعون الشربات في شرم الشيخ فرحا باتفاق غزة وزيارة ترامب