الفرص الاستثمارية في العراق (( رؤية اقتصادية شاملة ))
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
آخر تحديث: 28 أكتوبر 2024 - 10:17 صبقلم: د.مصطفى الصبيحي
شهد العراق تحولات اقتصادية جذرية في السنوات الأخيرة، وهو يسعى إلى جذب استثمارات ضخمة تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي واستقراره . ومن أبرز هذه التطورات هي دعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى توسيع التعاون الاقتصادي بين العراق ومصر، حيث أشار إلى أن الفرص الاستثمارية المعروضة تجاوزت 100 مليار دولار، مما يعكس إمكانيات واسعة للاستثمار والنمو في مختلف القطاعات وامكانية العراق لاستغلال هذه الفرص لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.
* العراق يمتلك واحدًا من أكبر احتياطيات النفط في العالم، لكن رغم ذلك، لم يتمكن من تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة على مدى عقود من الزمن بسبب الحروب والصراعات السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد. * تعتمد البلاد بشكل كبير على إيرادات النفط لتمويل ميزانيتها، وهو ما جعل الاقتصاد عرضة للتقلبات العالمية في أسعار النفط. لذلك، فإن الحكومة العراقية تعي تمامًا أهمية تنويع مصادر الدخل من خلال استثمارات خارج قطاع النفط.هنا يأتي دور القطاع الخاص، سواء المحلي أو الأجنبي، ليكون شريكًا في عملية التنمية الاقتصادية. دعوة السوداني للشركات المصرية تُعد جزءًا من استراتيجية شاملة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية في القطاعات غير النفطية، بهدف خلق فرص عمل جديدة وتحسين البنية التحتية وتعزيز الاستقرار المالي. القطاعات الرئيسية المستهدفة للاستثمار قطاع الطاقة:على الرغم من أن النفط والغاز يشكلان العصب الأساسي للاقتصاد العراقي، إلا أن هناك فرصًا ضخمة للاستثمار في الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. العراق يمتلك إمكانيات طبيعية هائلة للاستفادة من الطاقة المتجددة، وهذا القطاع يتيح فرصًا للاستثمار في البنية التحتية لتوليد الطاقة النظيفة. قطاع الصناعة:يعمل العراق على تطوير بنيته التحتية الصناعية، وهو قطاع واعد للاستثمار. تشمل الفرص الصناعية تطوير الصناعات البتروكيماوية، والأغذية، وصناعة السيارات والمعدات الثقيلة. تعاون العراق مع شركات مصرية مثل “مجموعة السويدي” يُعد خطوة مهمة في هذا الاتجاه، خاصة أن مصر تمتلك خبرات واسعة في هذه المجالات. البنية التحتية:تطوير البنية التحتية هو أحد الأهداف الرئيسية للعراق. من بناء الطرق والجسور إلى تحديث شبكات المياه والكهرباء، فإن العراق يحتاج إلى استثمارات ضخمة لتحسين بنيته التحتية. هذه الاستثمارات لن تحسن فقط من نوعية الحياة في البلاد، بل ستساهم أيضًا في خلق بيئة أكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية. الزراعة:على الرغم من الاعتماد الكبير على النفط، إلا أن العراق كان يُعتبر في الماضي “سلة غذاء” المنطقة. استعادة القطاع الزراعي وتحسينه يتيح فرصًا كبيرة للاستثمار، من خلال تطوير أنظمة الري وتحسين جودة المحاصيل وزيادة الإنتاجية. التعاون مع القطاع الخاص في هذا المجال يمكن أن يُحدث تحولًا حقيقيًا في الاقتصاد العراقي. قطاع العقارات:مع تزايد عدد السكان والتوسع العمراني، يُعتبر قطاع العقارات واحدًا من أهم القطاعات التي تحتاج إلى استثمارات. تتوفر فرص ضخمة لبناء المدن الجديدة وتطوير المجمعات السكنية والمباني التجارية. الخدمات المالية والتكنولوجيا:مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في العالم الحديث، يُعتبر قطاع التكنولوجيا والخدمات المالية من القطاعات الواعدة في العراق. تقديم حلول مصرفية وتكنولوجية متطورة يمكن أن يعزز من فاعلية الاقتصاد ويساهم في دفع عجلة التنمية. التحديات التي تواجه الاستثمار في العراق بالرغم من الفرص الكبيرة التي يوفرها الاقتصاد العراقي، إلا أن هناك تحديات تواجه المستثمرين: الاستقرار السياسي والأمني:ما زالت العراق تواجه تحديات مرتبطة بالاستقرار السياسي والأمني، وهو ما يشكل عقبة أمام بعض المستثمرين. تحسن الوضع الأمني والسياسي سيكون عاملًا أساسيًا في تعزيز الثقة وجذب المزيد من الاستثمارات. الفساد والبيروقراطية:يعتبر الفساد أحد أكبر التحديات التي تواجه الاستثمار في العراق. تأخير في الإجراءات الحكومية ووجود عقبات بيروقراطية يعقدان عملية الاستثمار. تحتاج الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات عميقة لتحسين مناخ الأعمال. البنية التحتية المتأخرة:على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين البنية التحتية، إلا أن العديد من المناطق في العراق تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والطرق. تحسين هذه الخدمات سيسهم في خلق بيئة أكثر جذبًا للمستثمرين. التحديات القانونية:تفتقر العراق إلى قوانين استثمار حديثة تضمن حقوق المستثمرين وتحميهم من المخاطر. تعديل القوانين وتشجيع المزيد من الشفافية سيكون له تأثير إيجابي على جذب الاستثمارات الأجنبية. دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي القطاع الخاص هو الشريك الأساسي في عملية التنمية الاقتصادية. يحتاج العراق إلى تعزيز دوره من خلال تقديم حوافز استثمارية، مثل الإعفاءات الضريبية وتسهيل الإجراءات الحكومية، لدعم الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء. هذا سيساهم في خلق بيئة استثمارية تنافسية ويعزز من النمو الاقتصادي.التعاون بين القطاعين العام والخاص (PPP) هو أيضًا أداة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة. من خلال هذا النموذج، يمكن للعراق تنفيذ مشاريع كبرى في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم والطاقة، مما سيخفف من العبء المالي على الحكومة ويوفر فرصًا استثمارية واسعة. الفرص المستقبلية والتوصيات تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة:يجب على العراق استغلال موقعه الجغرافي الاستراتيجي لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة. التعاون مع دول مثل مصر، تركيا، إيران، ودول الخليج يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والتجارة. تطوير التشريعات الاستثمارية:من الضروري أن تعمل الحكومة العراقية على تحديث قوانين الاستثمار وتبسيط الإجراءات لتسهيل دخول المستثمرين الأجانب. هذا سيشجع الشركات العالمية على الدخول إلى السوق العراقي والاستفادة من الفرص المتاحة. التركيز على التعليم والتدريب:تطوير الكفاءات المحلية من خلال تحسين التعليم والتدريب المهني سيكون له تأثير مباشر على تعزيز النمو الاقتصادي. توفير قوى عاملة مدربة سيساهم في جذب المزيد من الشركات التي تبحث عن كفاءات متخصصة. تحسين الاستقرار السياسي والأمني:تحتاج الحكومة إلى مواصلة جهودها في تحسين الوضع الأمني والسياسي في البلاد، وهو أمر حيوي لجذب الاستثمارات. استقرار الأوضاع سيسهم في خلق بيئة استثمارية آمنة ومستدامة.و يمتلك العراق إمكانيات اقتصادية ضخمة ويتيح فرصًا استثمارية كبيرة تتجاوز 100 مليار دولار. هذه الفرص تشمل قطاعات مختلفة مثل الطاقة، الصناعة، الزراعة، والبنية التحتية. لكن لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرص، تحتاج الحكومة العراقية إلى مواجهة التحديات المتعلقة بالفساد، الاستقرار السياسي، وتحسين البيئة الاستثمارية.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الاستقرار السیاسی النمو الاقتصادی البنیة التحتیة القطاع الخاص فی خلق بیئة فی العراق من خلال إلا أن
إقرأ أيضاً:
مستثمر عراقي:العراق بيئة طاردة للاستثمار وانعدام الثقة بالدولة
آخر تحديث: 31 يوليوز 2025 - 12:04 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- لم يكن قرار المستثمر العراقي بإنشاء مصنع حديث لإنتاج المياه الصحية في الأردن بدلاً من العراق قرارًا اقتصاديًا بحتًا، بل تجسيدًا ملموسًا لفكرة “الهروب من بلد الفرص المعطلة إلى بلد القواعد الواضحة”.فالمصنع، الذي من المقرر أن يبدأ إنتاجه في آذار 2026، بمنتجات زجاجية تشمل البروبايوتك، المياه الغازية، والمياه المدعّمة بالفيتامينات، سيوجَّه معظمه إلى أسواق الخليج وأوروبا، فيما بقي العراق – بلد المنشأ – مجرد احتمال غير قابل للتنفيذ، في نظر صاحب المشروع.الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، الذي نقل هذه التجربة في تدوينة ، لم يقدّم مجرد قصة، بل أشار إلى خلل بنيوي أعمق، قائلاً: “بدأ أحد رجال الأعمال العراقيين بإنشاء مصنع حديث لإنتاج المياه الصحية والمعدنية في الأردن، بمختلف أنواعها، باستخدام علب زجاجية، تشمل البروبايوتك، والمولتي فايتمنز، والمياه الغازية والعادية ومياه بنكهات الفواكه، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في آذار 2026، ومعظم الإنتاج محجوز للتصدير إلى الخليج وأوروبا”. وبحسب ما نقله المرسومي عن المستثمر، فإن قرار عدم تنفيذ المشروع في العراق يعود إلى ما وصفه بـ”البيئة الطاردة للاستثمار”، موضحًا: “قراري بعدم إقامة المشروع في العراق يعود إلى معوقات الصناعة والرُخص والتعقيدات البيروقراطية، إضافة إلى ضعف ثقة الأسواق الخارجية بالمنتج العراقي، وهو ما اعتبره عاملاً حاسماً في اتخاذ القرار”.وأضاف المستثمر: “حاولت سابقًا إضافة خط إنتاجي لأحد معامل المياه في العراق، وصارلي سنتين بالضبط بالمعاملات، خلوني أكفر باليوم الي فكرت بي أستثمر بالعراق”. تُظهِر قراءات اقتصادية مستقلة أن العراق يُعد من أكثر بلدان المنطقة ثراءً بالفرص الاستثمارية غير المستغلة: سوق استهلاكية واسعة، موقع جغرافي محوري، موارد طبيعية هائلة، وقطاع خاص طامح للنمو. ومع ذلك، فإن هذه المؤهلات لا تتحوّل إلى مشاريع قائمة إلا نادرًا، بسبب ما يُعرف بفجوة الثقة، أي الفجوة بين المستثمر والمنظومة المفترضة لحمايته وتمكينه. في بيئة تتداخل فيها صلاحيات المركز والمحافظات، وتتقاطع فيها سلطات الهيئات الرسمية، وتتكاثر فيها الجهات الرقابية بلا سند قانوني واضح، يتحوّل أي مشروع إنتاجي إلى معركة يومية، لا علاقة لها بالمنتج أو جدواه، بل بإرهاق الإجراءات.وتشير بيانات صادرة عن وزارة التخطيط العراقية إلى أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت من 32.4٪ عام 2020 إلى نحو 39.5٪ عام 2024. لكن هذه النسبة، وإن بدت مشجعة على الورق، لا تعكس تحوّلًا حقيقيًا في فلسفة الدولة تجاه الاستثمار، بقدر ما تُظهر ضغوطًا على الدولة نفسها في ظل الأزمات المالية المتكررة وتقلص قدرة القطاع العام على استيعاب المزيد من التوظيف. في المقابل، تواصل دول الجوار – مثل الأردن وتركيا والإمارات – جذب المشاريع العراقية، ليس بامتيازات مالية استثنائية، بل بوضوح الإجراءات وثبات السياسات، وثقة الأسواق العالمية بأنظمتها القانونية والرقابية، وهو ما لا يزال العراق يفتقر إليه حتى اليوم.تجربة هذا المستثمر، كما نقلها المرسومي، لا تُعد استثناءً، بل تُجسّد نمطًا متكررًا، وفقًا لمتابعين للشأن الاستثماري العراقي، يمتد من قطاع الزراعة إلى الصناعة، ومن التكنولوجيا إلى الخدمات. المعاملات المرهقة، انعدام الشفافية، غياب التحكيم التجاري، وتضارب الصلاحيات؛ كلها تشكّل ما يمكن تسميته بـ”البيئة الطاردة الناعمة”، بيئة لا تطرد المستثمر بأمر إداري، بل تُنهكه حتى ينسحب طوعًا، مثقلاً بخيبة وتردد.ويذهب بعض الباحثين إلى أن السؤال لا يكمن في “لماذا فضّل الأردن؟”، بل في “لماذا لم يجد في بلده حافزًا للبقاء؟”.وحين تصبح الدول المجاورة أكثر جاذبية للمشاريع العراقية من العراق نفسه، فإن الخلل لا يكون في رأس المال، بل في البنية التي يُفترض أن تحتويه. وعندما يُبنى مصنع مياه بتمويل عراقي في عمّان، فإن المفارقة لا تكون في الموقع، بل في ما تكشفه من فجوة عميقة في الثقة بالدولة، لا بالمشروع.