سلط مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، على فوز الملاكم الأمريكي الشهير محمد علي كلاي للمرة الثانية ببطولة العالم للوزن الثقيل قبل 50 عاما في ما يعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية بالقارة الأفريقية، مشيرا إلى أن كلاي كان يرقص على شكل حلقات حول الفصل العنصري، آنذاك.

وقال الكاتب دونالد ماكراي في المقال المشار إليه، إنه "قبل خمسين عامًا، في ركن من أركان جنوب إفريقيا البيضاء، بدا محمد علي بالفعل صانعًا للمعجزات.

في أعماق بلدنا المقسم الخاضع للتنظيم الصارم، رقص علي حلقات حول الفصل العنصري. سمعت لأول مرة عن الملاكم الملهم من رجل أسود، كاسيوس، الذي كان يبيع زجاجات البيرة من متجر غير قانوني كان يديره هو وأصدقاؤه عبر الطريق من منزلنا".

وأضاف "كان كاسيوس وطاقمه يحتفظون بمخزونهم غير المشروع مخفيًا في المجاري خارج المتجر الموجود على الزاوية والذي يملكه رجل يوناني سريع الانفعال. كلما ركلت كرة القدم الخاصة بي فوق جدار الحديقة، كان كاسيوس يطاردها. بعد عرض مبهر من عمل القدمين في حالة سُكر طفيف، كان يرد الكرة بضحكة. في أحد الأيام، بينما كان يستعرض مهاراته في الخداع، غنى أغنية غريبة: علي، علي، طِر كالفراشة، ولسع كالنحلة، علي، علي، محمد علي".



وأشار الكاتب إلى أن "كاسيوس، ألقى بضربات يسارية طويلة في ضوء شمس الشتاء بينما كانت قدماه الضخمتان ترقصان. كان يرتدي صندلاً بنيًا متهالكا انشق عند اللحامات. كانا يرفرفان فوق القطران بينما كانت نعلاهما ترفرف في حركة جيتربج خاصة بهما. تظاهر بالغضب عندما سألته عمن كان يغني عنه:"هل تقصد أن الباسي [الرئيس الصغير بالأفريقانية] لا يعرفون؟. وعندما هززت رأسي، أصبح جادا: علي هو بطل العالم للوزن الثقيل".

ومضى الكاتب قائلا "انتابني شعور بالإثارة. أخبرني كاسيوس كيف أطلقوا عليه لقب علي - الذي ولد باسم كاسيوس كلاي. كنت أجاهد لفهم كيف يمكن لرجل واحد أن يحمل اسمين. لقد شرح كاسيوس أن الملاكم الماهر كان أمريكياً أسود اللون يحلم بخطوط النحل والفراشة السعيدة".

وتابع "بعد سنوات، في عام 1974، عندما كنت قد بلغت للتو الثالثة عشرة من عمري، علمت أن علي قد جُرِّد من لقبه العالمي في عام 1967 عندما رفض القتال في حرب فيتنام. لكنه أصبح شخصية أسطورية بالنسبة لي لأن علي أذهل مدرسنا الأفريقي المخيف بنفس التعويذة التي ألقاها على كاسيوس".

و"عندما استجمعنا الشجاعة لنسأله لماذا يحب علي كثيراً، في حين كنا نشك في أنه عنصري متشدد، خفف المعلم من حدة غضبه. وتحدث عن جمال علي وتألقه في الحلبة. فبدلاً من أن يكون أحد السود لدينا، كان علي يشبه ملك العالم"، حسب الكاتب.

في الثلاثين من أكتوبر 1974، أتيحت لعلي أخيرا فرصة استعادة اللقب عندما واجه جورج فورمان. كنا في غاية الدهشة لأن القتال سوف يجري على مقربة منا، في زائير، وهي جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن، وفقا للمقال.




وقال الكاتب إنه "جرى الترويج لمباراة الملاكمة في الغابة من قبل دون كينج الذي أكد على براعته من خلال نقل المباراة إلى أفريقيا. وافق رئيس زائير الدكتاتوري موبوتو سيسي سيكو على دفع مبلغ غير مسبوق قدره 10 ملايين دولار لكل من الملاكمين".

وأضاف أنه "رغم أن بقية أفريقيا كانت تشعر بأنها بعيدة عن ضاحيتنا المتميزة بالقرب من جوهانسبرج كما كانت بعيدة عن هيرتفوردشاير أو نيو هامبشاير، فقد جلب كينج القارة إلى فصولنا الدراسية.
واعترف مدرسون آخرون في رياض الأطفال بحبهم لعلي وفضلوه على فورمان. كما أشاد علي عمال النظافة والبستانيون السود الذين خدموا المدرسة ومنازلنا. وما زال ركن الشبين ـ من صاحب المتجر اليوناني إلى أكبر شاربي الخمر ـ ملكًا له. ولم يكن بوسع أحد سوى علي أن يعقد مثل هذا التحالف".

ولفت الكاتب إلى أنه "لم يكن هناك ملاكم وزن ثقيل أضخم أو أكثر تهديدا من فورمان، الذي أصبح بطل العالم عندما هزم جو فريزر في جولتين. كان فريزر جيداً لدرجة أنه هزم علي في معركة القرن في عام 1971 - لكنه هزم أمام فورمان الذي كان سجله 40 فوزاً دون خسارة مع 38 إيقافا. أمطر جورج الكبير علي باللكمات القوية، مما جلب الحزن لكل مقاتل واجهه. لم يبق سوى علي البالغ من العمر 32 عاما".

وتابع: "فورمان بالضربة القاضية"، توقعت بحزن. ربما قمت بهذا التوقع المتشائم لأنني كنت خائفاً للغاية على علي. الضربة القاضية السريعة ستنقذه من ضرر دائم. لكن بيني دا سيلفا، والد صديقي والخبير الحقيقي الوحيد في الملاكمة الذي نعرفه، دعم علي. كان رجلاً برتغالياً ممتلئ الجسم جعلنا نضحك بينما أسقطنا أرضاً بمعرفته بالحلبة.

وقال الكاتب، إن "علي، وعد بأن يرقص طوال الليل حتى يصاب فورمان بالدوار لدرجة أنه لن يعرف ما الذي أصابه. كان علي يرقص على أنغام الموسيقى الصاخبة ويتوج بطلا للعالم مرة أخرى".

وأضاف المقال "كان التلفزيون الفضائي لا يزال محظوراً في جنوب أفريقيا لأن الحكومة اعتبرته أداة للدعاية الشيوعية. لذا لم يكن بوسعنا مشاهدة القتال في الساعات الأولى من صباح الربيع. لكننا كنا نستمع إلى مباريات كرة القدم الإنجليزية على قناة بي بي سي العالمية كل يوم سبت بعد الظهر، وهذا يعني أن ساحة مدرستنا كانت مليئة بالمتابعين المتحمسين لآرسنال وليفربول وليدز ومانشستر يونايتد".

وتابع الكاتب "لقد ساعدني والدي في الاستماع إلى إذاعة بي بي سي، وفي الفراش كنت أرتجف عندما دخل علي في معركة مع العملاق. لكنني شعرت بالذهول عندما لم يرقص علي على أنغام الموسيقى الصاخبة. لقد رفض ببساطة الرقص".



وأشار إلى أنه "لم يقف ساكنا فحسب، بل إنه في فعل من أفعال الجنون المزعوم، استند إلى الحبال وسمح لفورمان بضربه. وتحمل علي كل الضربات المدمرة وظل واقفاً، يلوح بيده لرجله ويؤدي حيلة الحبل المخدر التي كنا نحاول تقليدها في المدرسة".

ثم، وفقا للمقال، وكأنه كان في قمة البهجة مثل كاسيوس في الزاوية أو السيد دا سيلفا وهو يلكم في المطبخ، بدأ علي في اصطياد فورمان. ومن خلال التعليق الثابت والمثير بدا الأمر وكأن علي كان ينسج نوعا جديدا من السحر الأسود.

وقال الكاتب، "فجأة، قرب نهاية الجولة الثامنة، انتهى كل شيء. تردد صدى صرخة من مكبر الصوت الصغير، مثل أي صفارة إنذار في أي مصنع: "لقد سقط فورمان! لقد سقط فورمان!" لقد تعثرت في عدم التصديق، وتساءلت عما إذا كان هناك قدر كبير من النعيم في قلوب كاسيوس ومعلم اللغة الأفريكانية المخيف، أينما كانا في ذلك الفجر الذي لا يُنسى".

وشدد الكاتب على أن "علي كان حقا ملك العالم وشعرنا بالفخر لأن تتويجه حدث في أفريقيا، حيث عرفنا أخيرًا أننا ننتمي حقًا إلى هناك"، حسب تعبيره.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية محمد علي أفريقيا الولايات المتحدة أفريقيا محمد علي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقال الکاتب محمد علی إلى أن

إقرأ أيضاً:

رئيس فيتنام في منزل عبد الناصر

"إن أفكار عبد الناصر ستظل نبراسًا للأجيال القادمة، تعزز علاقات الصداقة والتفاهم المتبادل بين الدول.. .لقد تأثرتُ للغاية عندما رأيتُ صورة (هو تشي منه) موقعة منه ومقدمة إلى عبد الناصر، في شهادة عميقة على المودة بين الزعيمين، والتضامن بين شعبي فيتنام ومصر".. هكذا كتب الرئيس الفيتنامي " لونج كونج" في دفتر الزيارات الخاص بمتحف الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر (منزله) بمنشية البكري، حيث قام الرئيس الفيتنامي، وعقيلته والوفد الرسمي المرافق له بزيارة المتحف، وذلك خلال زيارته الرسمية لمصر في الأسبوع الماضي.

وتعكس كلمات "لونج" الصادقة المكانة التاريخية لناصر في مناصرة حركات التحرر بالعالم الثالث منذ أواسط القرن العشرين، حيث ما زالت دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تسمي شوارعها الرئيسية باسم "جمال عبد الناصر"، الزعيم الذي انتقل إلى جوار ربه منذ (55) عامًا، في دلالة على أنه ما زال يقض مضاجع أعدائه في الداخل والخارج حتى يومنا هذا!!.

ويحدثنا التاريخ أن "مصر- عبد الناصر" كانت من أبرز الداعمين لحرب التحرير الفيتنامية، حيث أقامت مصر عام 1963م، علاقات دبلوماسية كاملة مع فيتنام، لتكون من أوائل الدول التي تعترف بها وتفتح سفارة لها في العاصمة "هانوي".

وقد نشأت علاقة خاصة بين ناصر والزعيم الفيتنامي "هو تشي منه"، وهو ما تجسد عمليًا في رسالة الأخير لعبد الناصر في 14 فبراير 1966م- نُشرت آنذاك بصحيفة "الأهرام"- عبّر فيها عن اعتزازه بمواقف مصر، ومساندتها الصادقة لقضية بلاده، معتبرًا أن عبد الناصر ليس فقط زعيمًا قوميًا عربيًا، بل رمزًا أمميًا للنضال ضد الإمبريالية.

ولم يكن اهتمام ناصر بملف فيتنام نابعًا- فقط- من منطلق التضامن، بل لاعتقاده بأن النضال الفيتنامي يشبه في جوانب كثيرة تجربة مصر ضد الاستعمارين البريطاني والفرنسي.

وقد كان عبد الناصر يرى في المقاومة الفيتنامية نموذجًا ملهمًا، ودعا مرارًا لسحب القوات الأمريكية من فيتنام، بل واجه ضغوطًا أمريكية شديدة بسبب هذا الموقف، وحين تراجع الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" عن قراره بوقف القصف الجوي على فيتنام، هاجمه عبد الناصر بشدة معتبرًا أن استمرار العدوان الأمريكي يمثل عقبة أمام أي تسوية سلمية.

وهنا، كتب القائم بالأعمال الأمريكي في القاهرة- آنذاك- إلى وزارة خارجية بلاده يحذر من أن مصر خرجت من موقع "الحياد" إلى موقع "الانحياز الصريح للمقاومة الفيتنامية"، ويعكس هذا التوصيف الأمريكي كيف كانت مصر تمثل حجر عثرة حقيقيًا في وجه السياسات الأمريكية الإمبريالية.. من ناحية، ومن ناحية أخرى.. يفسر هذا الاحترام المستمر الذي تكنه فيتنام لمصر حتى اليوم.

مقالات مشابهة

  • الحاج أبو محمد… بائع الأمل الذي تحدى الحرب بابتسامة
  • تأمّلات في الخطاب الأدبي العربي المعاصر.. إصدارٌ يتناول الظاهرة الأدبية المعاصرة في الوطن العربي
  • بطولة صبا مبارك.. الكاتب وائل حمدي يكشف تفاصيل مسلسل ورد على فل وياسمين
  • بستراتيجية جديدة.. داعش يعيد تنظيم صفوفه في العراق وسوريا ولبنان
  • رئيس فيتنام في منزل عبد الناصر
  • وزيرة التنمية المحلية تنعى عامل النظافة الذي توفي أثناء تأدية عمله بالزقازيق
  • في ذكراه الأولى… محبو الكاتب حسن سامي يوسف يجتمعون لتكريمه في دمشق
  • 15 عامًا ستغيّر كل شيء.. تحذير صادم من مسؤول عربي سابق في غوغل
  • تكليف السيد عبد السلام مديراً عاماً للتأمين الصحي بكفر الشيخ
  • بعد 17 عاما من التفرغ لرعاية ابنها.. أردنية تقدم امتحانات التوجيهي معه وتتفوق