#صفقة_الرد! د. #منذر_الحوارات
عاش العالم ليلة السبت 26 من أكتوبر حالة من الانتظار والترقب لمجريات الغزوة الإسرائيلية على إيران، لقد انتظرها الجميع على أمل أن تتلألأ السماء وتلتهب بالانفجارات ولكلٍ غايته، فالجميع أمام الشاشات بانتظار هذا المشهد وما يمكن أن يؤول إليه الوضع، لكن المفاجأة أن شيئاً من ذلك لم يحدث لا انفجارات ولا ما يحزنون، بل كان الغموض سيد الموقف، وهذا أعطى الفرصة لكلا الطرفين أن يسرد روايته بدون شهود، بالنسبة لإيران كان عملاً باهتاً تم التصدي له بكل براعة، أما بالنسبة لإسرائيل فقد حققت الضربة أهدافها كما خُطط لها، يبدو أن هذا الوضع كان مقصوداً كي يعطي كل طرف مساحته لسرد روايته لاعتبارات لاحقة.
لم يستوعب المتابعون ما حدث وما يقال فالجميع توقع رداً مفاجئاً وفتاكاً وغير متوقع كما قال يوآف غالانت، لكن الواقع يثبت عكس ذلك فقد كان الرد متوقعاً بل ومعلوم الإحداثيات، إذاً من رتب كل ذلك؟ الدلائل تشير إلى أن المنطقة لم تخل من مسؤول أميركي خلال الفترة السابقة، ويبدو أن هؤلاء كانوا يضبطون إيقاعات الرد بما لا يؤدي إلى إحراج الإدارة الأميركية والتأثير في الحرب الدائرة أميركياً على الانتخابات والتي باتت لا تقبل القسمة على اثنين بالنسبة للحزب الديمقراطي، وبالتالي فإن أي تفجر للحرب سيؤدي إلى تراجع حظوظ الحزب الديمقراطي وبالتالي كانت رسائلهم واضحة لنتنياهو (الحرب الشاملة ممنوعة، وهذا يساوي أن ضرب المفاعلات النووية ومحطات الطاقة والشخصيات الإيرانية الرئيسة والحرس الثوري أي كل ما يمكن أن يؤدي إلى رد فعل إيراني قاس يشعل الحرب وأسواق النفط في آن معاً ممنوع)، ولأن نتنياهو البارع في استيعاب اللحظة والذي لو كانت قناعته أكيدة بفوز ترامب لما أصغى لكل ذلك، لكنه غير متأكد من وصول ترامب، بالتالي كان مضطراً للرضوخ لبايدن خشية أن يدفع الثمن في حال فوز الديمقراطيين.
أما بالنسبة لإيران فإنها لاحظت الإصرار الأميركي على منع إسرائيل من توجيه ضربات قاسمة لها قد تؤدي إلى إحراج النظام وبالتالي إشعال موجة من الاحتجاجات الشعبية ضده كان بمثابة نقطة إيجابية، وهم الذين أخذوا التسريبات الأميركية عن الوثائق المتعلقة بالضربة والأماكن التي ستطالها بأنها رسالة حُسن نية ولذلك كانوا أكثر انفتاحاً على الرسائل الأميركية بالوساطة لهم والتي تحثهم على استيعاب الضربة وعدم الرد، على اعتبار أنهم هم من أقنع الإسرائيليين بعدم ضرب المناطق الحيوية الإيرانية وبالتالي يتحتم على الإيرانيين التوقف هنا والدخول في لعبة الطاولة، وبهذا تعتبر هذه الضربات الإسرائيلية وطريقة إدارة فصولها حدثاً استثنائياً في تاريخ الحروب، لقد تمكن كل طرف من إدارة اللعبة وفق أجنداته، فالولايات المتحدة دعمت اسرائيل بكل ما تحتاجه وفي المقابل سربوا للإيرانيين ملامح الضربة، أما الإسرائيليون فقد أقنع نتنياهو مواطنيه أنه قادر على الوصول بطائراته إلى أبعد مدى وتدمير جزء من مقدرات عدوه الرئيسي، أما إيران فقد مكنتها هذه الضربة الغامضة من ممارسة تُقيّا الخسائر فهي الآن تستطيع الادعاء بأنها أحبطت المحاولة الإسرائيلية وأن الرد بالمثل ليس ضرورياً على الأقل في حال تلقيهم عرضاً بصفقة مناسبة، حتى روسيا التي سمحت لإسرائيل بالمرور عبر الكوريدور المخصص للطيران في سورية فعلت ذلك ولكنها أخبرت إيران بأن إسرائيل تستعد لضربها.
مقالات ذات صلة الموهبة والموهوبون. 2024/10/28الكل قام بدوره الذي يخدم مصالحه ببراعة وساهم في إنتاج ضربة تكتيكية لا تؤثر إستراتيجياً على نتائج اللعبة، غايتها ليس إنهاء الحرب بل إنهاء هذه المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران والتي ثبت للجميع أن نتائجها قد تكون مكلفة جداً وكارثية على الجميع، طبعاً مع العودة إلى قواعد الاشتباك أو قواعد اللعبة التقليدية والتي تستخدم الوكلاء بدل المواجهة المباشرة، ولكن هذه المرة بشكل مكشوف لذلك ستحاول إسرائيل استخدام كل ما تملك من القوة لتدمير هذه الأدوات وجعلها أضعف، وهنا لا بد من المرور على مكاسب كل طرف، فبالنسبة لإسرائيل فقد أثبتت لإيران أنها تمتلك القدرة اللوجستية على جعل إيران عارية من الدفاعات الجوية والأرضية وكذلك تدمير صناعة الطائرات المسيرة والصواريخ، أما الولايات المتحدة فقد تمكنت من العبور الآمن إلى يوم الانتخابات بدون حرب شاملة أو اضطراب في أسعار النفط مما قد يقلب مزاج الناخب نحو ترامب، أما إيران فلا شك أنها تمني نفسها برفع 6500 عقوبة مفروضة عليها، وتطمع في إعادة تأهيل النظام والاعتراف به أميركياً، أما روسيا فقد تمكنت من إرضاء الطرفين دون خسائر تذكر.
لقد قام جميع الفاعلين بإدارة عملية تكتيكية لغاية إستراتيجية هدفها إعادة نصاب المواجهة إلى صورتها التقليدية الحرب بواسطة الآخرين وعلى أرضهم وبدمائهم فهي الوسيلة المثالية التي لا تدفع كل هؤلاء إلى مزيد من الخسائر أو إلى حرب شاملة، ومع ذلك ستستمر إيران بالتلويح بالرد لأن هذه واحدة من أهم وسائلها للحصول على مزيد من المكاسب وهي التي برعت في ذلك وهذا ما يؤكده التاريخ.
الغد
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: صفقة الرد
إقرأ أيضاً:
ميدفيديف لترامب: لسنا إسرائيل ولا إيران والإنذارات خطوة نحو حرب بيننا
وجه الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف انتقادا لاذعا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعدما هدد الأخير بتعجيل الموعد النهائي الذي منحه لروسيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا.
وقال ميدفيديف الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي إن "كل إنذار نهائي جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب. ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل مع أمريكا".
وأضاف في منشور على منصة "إكس"، أن "روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران"، في إشارة إلى الحرب القصيرة التي اندلعت بين البلدين الشهر الماضي، التي شنت خلالها الولايات المتحدة ضربات على إيران لدعم إسرائيل.
Trump's playing the ultimatum game with Russia: 50 days or 10… He should remember 2 things:
1. Russia isn't Israel or even Iran.
2. Each new ultimatum is a threat and a step towards war. Not between Russia and Ukraine, but with his own country. Don't go down the Sleepy Joe road! — Dmitry Medvedev (@MedvedevRussiaE) July 28, 2025
وجاءت تصريحاته ردا على تصعيد ترامب لهجته ضد روسيا في ظل عدم إحراز تقدم لوقف الحرب في أوكرانيا.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية قاسية على شركاء روسيا التجاريين إذا لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار خلال 50 يوما، وأعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مهلة نهائية حتى الثاني من أيلول/ سبتمبر المقبل.
ولكن خلال اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أمس الاثنين، قال ترامب إنه "سيقلل الـ50 يوما التي حددها إلى عدد أقل من الأيام"، قائلا إن هذا يمكن أن يكون "10 أيام أو 12 يوما".
وأشار ترامب إلى أنه يشعر "بخيبة أمل كبيرة" من بوتين بسبب مواصلة ضرب روسيا أهدافا مدنية في أوكرانيا، ولفت إلى أنه ليس مهتما بالحديث مع بوتين.
وأضاف "شعرتُ حقا أن الأمر سينتهي. لكن في كل مرة أظن فيها أنه سينتهي، يقتل مزيدا من الناس.. لم أعد مهتما بالتحدث معه".
وفي سياق ذي صلة أعلنت الرئاسة الروسية "الكرملين" أنه لا يستبعد عقد لقاء محتمل بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الصين في أيلول/ سبتمبر المقبل.
ومن المقرر أن يزور بوتين الصين مطلع أيلول/ سبتمبر للمشاركة في احتفالات الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية.
وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: "إذا قرر الرئيس الأمريكي زيارة الصين خلال تلك الأيام، فبالطبع لا يمكن نظريا استبعاد انعقاد اجتماع من هذا النوع".