حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية يبديان قلقهما.. وكندا وفلندا تحذران من تصعيد الصراع
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
عواصم " وكالات": يبدو أن الحرب الروسية المستمرة منذ عامين ونصف العام في أوكرانيا اتخذت منعطفا جديدا مهما، إذ عبر حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية عن قلقهما من احتمال انضمام قوات من كوريا الشمالية قريبا إلى جانب موسكو الى ذلك حذرت فلندا وكندا من تدخل كوريا الشمالية في الحرب كطرف جديد في النزاع بين موسكو وكييف.
من جهتها، ذكرت وكالة الاستخبارات العسكرية في كوريا الجنوبية اليوم الأربعاء أن فريقا متقدما من القوات الكورية الشمالية ربما تم نشره على الخطوط الأمامية في الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
وأبلغت الوكالة المشرعين بالمعلومات خلال مراجعة برلمانية منتظمة، حسبما قال النائب لي سونج كويون من حزب قوة الشعب الحاكم والنائب بارك سون وون من الحزب الديمقراطي وهو حزب المعارضة الرئيسي، طبقا لما ذكرته وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء اليوم الأربعاء.
وردا على سؤال حول تقارير إخبارية أجنبية تشير إلى نشر قوات كورية شمالية على الخطوط الأمامية في الحرب، قالت الوكالة: "لا توجد معلومات دقيقة حتى الآن تفيد بأن القوات الكورية الشمالية المنتشرة موجودة على الخطوط الأمامية". لكنها أضافت: "هناك احتمال أن تكون بعض الوحدات المتقدمة قد تم إرسالها إلى الخطوط الأمامية".
وأضافت الوكالة أن "حشد القوات باتجاه ساحات القتال، بما في ذلك منطقة كورسك الحدودية في غرب روسيا، يبدو وشيكا".
ومن جهة أخرى نقلت وكالة أسوشيتيد برس اليوم لأربعاء عن وكالة الاستخبارات العسكرية في كوريا الجنوبية قولها إن كوريا الشمالية أنهت الاستعدادات لإجراء تجربة نووية، في موقع الاختبار في بلدة بونجي ري، شمال شرق البلاد، ومن المرجح أن يتم التفجير في النفق رقم3، طبقا لما ذكره لي سيونج-كويون، أحد المشرعين الذين حضروا الجلسة. وكانت كوريا الشمالية قد أجرت تجربتها النووية السادسة والأخيرة في عام 2017.
وأضافت الوكالة أنها رصدت مؤشرات، بما في ذلك وضع مركبات إطلاق، تشير إلى أن كوريا الشمالية تستعد لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات للوصول إلى البر الرئيسي الأمريكي، طبقا لما ذكره لي سيونج-كويون وبارك سون-وون وهو مشرع آخر. وتعتقد الوكالة أن اختبار الصاروخ الباليستي العابر للقارات يمكن أن يحدث في وقت ما في نوفمبر.
وكان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول قد قال لوكالة أسوشيتد برس في وقت سابق من هذا الشهر إنه يتوقع أن تقوم كوريا الشمالية باستفزازات كبرى، مثل تجارب نووية وأخرى لصواريخ باليستية عابرة للقارات، قبل الانتخابات الأمريكية، لزيادة الضغوط على واشنطن وحلفائها.
كما تباهى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون أيضا ببرنامجه النووي العسكري، في الأشهر الأخيرة، حيث اختبر أنظمة صاروخية مختلفة وكشف عن منشأة سرية لإنتاج يورانيوم من النوع المستخدم في صناعة الأسلحة في سبتمبر.
يون وزيلينسكي يدينان بشدة التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا
في هذه الاثناء، أجرى الرئيس الكوري الجنوبي، يون سيوك-يول، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محادثة هاتفية اليوم، حيث أدانا بشدة إرسال كوريا الشمالية قواتها إلى روسيا، واتفقا على تبادل المعلومات حول ساحات القتال بشكل نشط لتنسيق التدابير المضادة.
وجاء ذلك في ظل إرسال كوريا الشمالية قواتها إلى منطقة كورسك الروسية القريبة من الحدود مع أوكرانيا، بهدف نشرها المحتمل على الخطوط الأمامية، مما يمثل تصعيدا كبيرا في حرب روسيا في أوكرانيا، حسبما ذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء.
وقال المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية، في بيان، "أدان الرئيسان بشدة التعاون العسكري غير القانوني بين كوريا الشمالية وروسيا، بما في ذلك نقل الأسلحة ونشر القوات، واتفقا على السعي لإجراء مشاورات استراتيجية من أجل استجابة مشتركة".
وقال الرئيس يون إن كوريا الجنوبية لن تتغاضى عن تعميق العلاقات العسكرية بين بيونج يانج وموسكو، متعهدا باتخاذ إجراءات تدريجية استجابة للتهديدات الأمنية المتزايدة.
وأضاف يون "تتخذ كوريا الشمالية خطوات غير مسبوقة وخطيرة من خلال نشر قوات خاصة في روسيا، متجاوزة مجرد تقديم الدعم العسكري"، مؤكدا على ضرورة التواصل الوثيق والاستجابة المنسقة بين كوريا الجنوبية وأوكرانيا.
وأعرب يون عن قلقه إزاء احتمال قيام موسكو بنقل تكنولوجيا عسكرية حساسة إلى بيونج يانج مقابل نشر القوات، وحصول القوات الكورية الشمالية على خبرة قتالية من الصراع في أوكرانيا، مما قد يشكل خطرا أمنيا كبيرا ضد كوريا الجنوبية.
وبدوره، قال زيلينسكي إنه اتفق مع يون على تعزيز التواصل على جميع المستويات لبناء استراتيجيات وتدابير مضادة للرد على التصعيد الناتج عن تورط كوريا الشمالية في الحرب في أوكرانيا.
وقال زيلينسكي، في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، إن الجانبين اتفقا على تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات، وتكثيف الاتصالات على جميع المستويات، وخاصة على أعلى المستويات، من أجل تطوير استراتيجية عمل وإجراءات مضادة لمعالجة هذا التصعيد، وإشراك الحلفاء المشتركين للبلدين في التعاون.
وأضاف زيلينسكي "كجزء من هذا الاتفاق، ستقوم أوكرانيا وكوريا الجنوبية قريبا بتبادل الوفود لتنسيق الإجراءات".
وذكر زيلينسكي أنه شارك بيانات حول نشر ثلاثة آلاف جندي كوري شمالي في منشآت تدريب روسية بالقرب من ساحة المعركة، مع توقعات بزيادة العدد إلى نحو 12 ألف جندي.
وأضاف زيلينسكي أنه تقدم بالشكر إلى يون على الدعم المستمر الذي تقدمه كوريا الجنوبية لبلاده، وعلى المساعدات المالية والإنسانية التي قدمتها وتعهدت بها.
أوكرانيا تبحث مع أمريكا المساعدات ومشاركة كوريا الشمالية في الحرب
من جهة اخرى، ناقش كبير مساعدي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدعم المقدم لأوكرانيا والتدخل الكوري الشمالي المزعوم في الحرب الروسية ضد كييف مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين.
وقال أندريه يرماك، رئيس مكتب زيلينسكي، على منصة إكس بعد اجتماعه مع سوليفان أمس "ناقشنا خطة النصر الأوكرانية، وتنفيذ صيغة السلام، والخطوط الأمامية، والأسلحة، والجنود الكوريين الشماليين الذين تعدهم روسيا للحرب".
وأضاف "المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والعقوبات ضد روسيا، وزيادة الضغوط على حلفاء موسكو أمور ضرورية".
وفي زيارة لواشنطن قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر، تحدث يرماك أيضا مع بلينكن عن المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية، وفقا لبيان على موقع وزارة الخارجية الأمريكية.
وأضاف البيان "الوزير أكد مجددا دعم الولايات المتحدة الدائم لسيادة أوكرانيا وسط كفاحها ضد حرب التي تشنها روسيا ودعمها للسلام العادل والدائم على أساس ميثاق الأمم المتحدة".
والولايات المتحدة حليف قوي لأوكرانيا في عهد الرئيس جو بايدن، وقدمت واشنطن أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ عام 2022 عندما شنت روسيا تدخلا واسع النطاق على أوكرانيا.
وعلى الارض، قال مسؤولون أوكرانيون اليوم الأربعاء إن تسعة أشخاص على الأقل أصيبوا بينهم فتاة تبلغ من العمر 11 عاما واشتعلت النيران في عدة شقق بعد هجوم روسي بطائرات مسيرة على العاصمة كييف.
وقال رئيس بلدية المدينة فيتالي كليتشكو على تطبيق تيليجرام للتراسل إن الحطام المتساقط من طائرة مسيرة مدمرة أشعل حريقا في مبنى سكني متعدد الطوابق في منطقة سولوميانسكي في غرب كييف.
وأضاف كليتشكو "حتى الآن أصيب تسعة أشخاص. وعولج جميعهم من قبل مسعفين على الفور".
ونشرت الإدارة العسكرية في كييف صورة لألسنة لهب تندلع من شقة في مبنى سكني.
وقالت أيضا إن حريقا آخر اندلع في مبنى إداري متعدد الطوابق في منطقة سولوميانسكي.
وقال شهود من رويترز إنهم سمعوا سلسلة من الانفجارات يبدو أنها صادرة عن وحدات دفاع جوي أثناء تصديها للهجوم.
فلندا و كندا تحذران من تصعيد الصراع في أوكرانيا
وفي السياق ايضا، قال مكتب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول اليوم الأربعاء إن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أبلغه في مكالمة هاتفية أن نشر قوات كورية شمالية في الصراع في أوكرانيا سيؤدي على الأرجح إلى تصعيد الحرب التي تشنها روسيا.
ونقل مكتب يون عن ترودو قوله إن الحرب سيكون لها تأثير أكبر على المناخ الأمني في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
من جهته، قال رئيس فنلندا ألكسندر ستوب إن إرسال كوريا الشمالية قوات إلى روسيا يعد تصعيدا في الحرب الروسية الأوكرانية، ويتعارض مع موقف المعلن للصين، وذلك بعد محادثات امس مع الرئيس الصيني شي جين بينج في بكين، تناولت النزاع والتجارة.
وأشار ستوب إلى أن النشاط الكوري الشمالي، سواء في مجال تصدير الأسلحة أو إرسال القوات إلى روسيا،يعد استفزازا.وذلك بعد إعلان أمريكا الاثنين أن كوريا الشمالية أرسلت 10 آلاف جندي إلى روسيا.
وأضاف ستوب أن نشر القوات يتعارض مع موقف الصين الذي يدعو إلى "عدم التصعيد، وعدم التوسع، وعدم الاستفزاز" في ساحة المعركة. وكانت الصين والبرازيل قد أعلنتا عن خطة سلام مشتركة في وقت سابق من هذا العام تدعو إلى عدم توسيع ساحة المعركة.
كما أعرب ستوب عن قلقه من إمكانية نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأسلحة النووية في سياق الحرب، وأكد على أهمية أن تستمر الصين في جهودها لدفع السلام في أوكرانيا.
وبدوره، أعرب شي عن استعداد الصين للعمل مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك فنلندا، لتعزيز الحل السلمي للأزمة، بحسب التلفزيون الرسمي الصيني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على الخطوط الأمامیة کوریا الشمالیة کوریا الجنوبیة الیوم الأربعاء الحرب الروسیة فی أوکرانیا بما فی ذلک إلى روسیا فی الحرب
إقرأ أيضاً:
تحالفات على المحك نحو صفقة جريئة مع كوريا الشمالية
أحدثت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تحولًا في النهج الأمريكي تجاه قضايا مثل التجارة، وأوكرانيا، والشرق الأوسط وغيرها. ومع ذلك، لم تُبدِ إدارة ترامب حتى الآن اهتمامًا يُذكر بكوريا الشمالية، رغم تصاعد قوة هذه الديكتاتورية واستفزازاتها المتزايدة. ففي هذا العام وحده، أجرى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون خمس تجارب صاروخية، وزاد من دعمه العسكري للحرب الروسية في أوكرانيا، كما كشف عن أقوى مدمرة صواريخ حديثة في جيشه، وهي سفينة حربية تزن 5000 طن ومزودة بأحدث الأسلحة.
وقد ملأ كيم خزائنه من بيع أسلحة بمليارات الدولارات لروسيا، وطوّر جيشه بالاستفادة من الدروس المستخلصة من حرب أوكرانيا، وعزّز قواته الجوية والبحرية والصاروخية والنووية من الدعم الفني ونقل المعدات من موسكو.
لكن تجاهل كوريا الشمالية لن يفضي إلى نهاية مطمئنة. خلال أول مائة يوم من رئاسة ترامب في ولايتيه الأولى والثانية، أقدمت بيونج يانج على عدد من الأعمال العدائية ضد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يفوق ما حدث في أي فترة مماثلة منذ إدارة نيكسون. وبالتالي، فإن التغاضي عن هذه المؤشرات المقلقة سيكون تصرفًا غير مسؤول على صعيد الأمن القومي.
تحتاج إدارة ترامب إلى إعادة فتح قنوات الحوار مع كوريا الشمالية لوقف هذا التصعيد. والسؤال هو: كيف يمكن تحقيق ذلك؟
سجّلت كوريا الشمالية خلال إدارة بايدن 162 استفزازًا غير مسبوق، شملت تجارب صاروخية، وتفجيرات، وتوغلات في الأراضي الكورية الجنوبية، وهو عدد يفوق ما حدث خلال الإدارات الثلاث السابقة مجتمعة. في المقابل، أشاد ترامب بـ«العلاقة الرائعة» التي جمعته بالزعيم الكوري الشمالي، وهي علاقة تطورت من خلال ثلاث قمم عقدت خلال ولايته الأولى: الأولى في سنغافورة عام 2018، ثم في هانوي، وأخيرًا في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين عام 2019. لكن منذ ذلك الحين، لم يحدث تواصل فعلي بين قادة البلدين، مما أتاح لكوريا الشمالية حرية التصرف بما يخدم مصالحها وعلى حساب الأمن القومي الأمريكي ومصالح حلفائه.
من غير المرجح أن يسمح ترامب، المعروف بمهاراته التفاوضية، باستمرار هذا الوضع طويلًا. ومع تغلّب أولوية «أمريكا أولًا» على جدول أعمال السياسة الخارجية، قد يكون ترامب مستعدًا لتقديم تنازلات كبيرة مقابل التوصل إلى اتفاق مع كيم. وهذا الهدف، رغم وجاهته، فإن تحقيقه يظل أمرًا بالغ التعقيد، إذ باتت كوريا الشمالية تمتلك اليوم نفوذًا أكبر بكثير مما كانت عليه في السابق.
تختلف كوريا الشمالية اليوم اختلافًا جذريًّا عمّا كانت عليه في عامي 2018 و2019، حين تواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأول مرة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون. فاليوم، يمدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كوريا الشمالية بكل ما كان كيم يحلم به، بل وأكثر: من الغذاء والوقود والعملات الصعبة إلى التكنولوجيا العسكرية، بالإضافة إلى معاهدة دفاعية وضمان أمني وُقّعا في يونيو 2024، يعيدان إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة. هذا الدعم بالغ الأهمية بالنسبة لكيم في ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تعانيه بلاده عقب إغلاقها الكامل لمدة ثلاث سنوات ونصف بسبب جائحة كوفيد-19.
عملت بيونج يانج خلال السنوات السبع الماضية على توسيع ترسانتها العسكرية بشكل كبير، لتصل إلى نحو 50 سلاحًا نوويًّا، من بينها رؤوس حربية نووية تكتيكية مصغرة، فضلًا عن امتلاكها كمية كافية من المواد الانشطارية لصناعة 40 سلاحًا إضافيًّا، وفقًا للتقديرات المتاحة. في هذا السياق، لم تعد العودة إلى الأساليب القديمة مجدية بالنسبة للولايات المتحدة. واليوم، تحظى كوريا الشمالية بدعم اقتصادي كبير من كل من روسيا والصين. فعلى الرغم من توقف موسكو وبيونج يانج عن نشر أرقام تجارتهما منذ اندلاع حرب أوكرانيا، تُظهر صور الأقمار الصناعية، التي نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مستويات غير مسبوقة من تدفق الحبوب والوقود من روسيا إلى كوريا الشمالية عبر السكك الحديدية. كما ارتفع إجمالي التجارة الثنائية بين بكين وبيونج يانج بنسبة 24% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2025، وهو أعلى مستوى منذ إعادة فتح كوريا الشمالية أبوابها عام 2023 بعد الجائحة.
من غير المرجّح أن يتنازل كيم طواعيةً عن كامل قدراته النووية مقابل وعود بالمنافع أو الأمن. ولا يبدو أن استراتيجية «الضغط القصوى» ستنجح في هذه المرحلة. حاولت إدارات أوباما وترامب وبايدن الضغط على الاقتصاد الكوري الشمالي، لكن هذه الجهود باتت غير مجدية في ظل تقاعس موسكو وبكين عن تنفيذ العقوبات الدولية. وحتى لو فُرضت عقوبات مالية أو شُددت القيود على العملات المشفّرة، فإن غياب التعاون الروسي والصيني يُفرغ هذه الأدوات من فعاليتها. كما أثبتت كوريا الشمالية قدرتها الكبيرة على الصمود، إذ نجت من عزلة خانقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات بسبب إغلاق الحدود مع الصين، شريكها التجاري الأكبر، ما يدل على قدرة النظام على تحمّل أقسى الظروف.
كان ترامب الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تبنّى دبلوماسية القمة مع كيم، لكنها لم تثمر. إذ لم تُفضِ المفاوضات إلى نتائج ملموسة، بسبب تركيز ترامب على منح الامتيازات للزعيم الكوري الشمالي، بدلًا من التركيز الجاد على تفاصيل نزع السلاح النووي. اعتقد أن التواصل المباشر، والصداقة، وبناء الثقة يمكن أن يُقنع كيم بالتعاون مع الولايات المتحدة. لكن كيم يتّخذ قراراته وفق حسابات براجماتية بحتة، لا بناءً على الثقة المتبادلة. ولا ينبغي لترامب أن يتوهم أن علاقته الشخصية بكيم قادرة على تعطيل علاقة الأخير المربحة مع موسكو، أو أن تقنعه بالتخلي عن النفوذ الهائل الذي يملكه اليوم.
لا يزال من غير الواضح كيف يمكن لواشنطن إقناع كيم جونج أون بالعودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق. فرفع العقوبات لم يعد حافزًا مغريًا كما كان في عام 2018، خاصةً بعد انهيار نظام العقوبات الأممي، كما أن مهارات ترامب في الإقناع وحدها لن تكون كافية لعقد صفقة. وعوضًا عن النهج التدريجي الذي تبنّته واشنطن في مفاوضاتها مع كوريا الشمالية عامي 1994 و2005، من المرجح أن تنظر إدارة ترامب إلى المحادثات النووية من منظور «أمريكا أولًا»، مع تركيز أقل على نزع السلاح النووي، وأكبر على الحد من التهديدات المباشرة للأراضي الأمريكية. وسيتمحور جوهر أي اتفاق محتمل حول حظر تجارب كوريا الشمالية النووية، وتطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وإنتاج المواد الانشطارية. كما يُحتمل أن تسعى واشنطن إلى التزام من بيونج يانج بعدم تصدير تكنولوجيا الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط، أو إلى جهات فاعلة غير حكومية.
وفي المقابل، قد تتخلى إدارة ترامب عن التفاوض بشأن أهداف نزع السلاح النووي التقليدية، رغم أهميتها للحلفاء الإقليميين، مثل إزالة مئات الصواريخ قصيرة المدى وآلاف قذائف المدفعية التي تُشكّل تهديدًا مباشرًا لليابان وكوريا الجنوبية، وإن لم تُهدد الولايات المتحدة. وقد يُثير هذا التحول مخاوف في طوكيو وسول من احتمال تخلي واشنطن عنهما، كما قد يقلق عواصم حليفة أخرى في المنطقة وحول العالم.
ما الذي يمكن أن تقدّمه الولايات المتحدة لكوريا الشمالية لتحقيق هذه الأهداف؟ قد يتنازل ترامب عن هدف نزع السلاح النووي لصالح اتفاق يركّز على الحد من التسلّح، وهو مطلب لطالما سعت إليه بيونج يانج. فالحلم الأكبر للنظام الكوري الشمالي هو نيل اعتراف فعلي من واشنطن بوضعه كدولة نووية. ورغم أن هذا الاعتراف لا يعود على كوريا الشمالية بمنافع مادية مباشرة، إلا أنه يحمل أهمية رمزية قصوى.
وسواء أكان ذلك مقصودًا أم لا، توحي تصريحات ترامب بأنه بات أقرب إلى هذا التصور. فرغم تمسك وزارة الخارجية الأمريكية برسالة نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة كسياسة رسمية، فإن استخدام ترامب المتكرر لتعبير «قوة نووية» عند الحديث عن كوريا الشمالية، فضلًا عن تصريحات وزير خارجيته ومستشار أمنه القومي المؤقت ماركو روبيو التي وصف فيها كوريا الشمالية بأنها «مسلحة نوويًّا»، كلها تُمثّل انحرافًا فعليًّا عن سياسة أمريكية عمرها ثلاثة عقود، ما قد يُشجع كيم على إعادة فتح قنوات الحوار مع واشنطن.
لكن هذه اللغة وحدها لا تكفي لعقد اتفاق. فإذا أرادت إدارة ترامب تحقيق أهدافها -من وقف التجارب النووية وتطوير الصواريخ، إلى الحد من إنتاج المواد الانشطارية وانتشار التكنولوجيا، إلى كبح دعم روسيا عسكريًّا- فقد تضطر إلى التعامل مع مطلب كوريا الشمالية المزمن بسحب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة.
ورغم حساسية هذا المطلب بالنظر إلى التحالف العميق مع سول، فإن ترامب لطالما عبّر عن تحفظه تجاه وجود هذه القوات. ففي عام 2011، أي قبل دخوله السياسة بسنوات، تساءل قائلًا: «لماذا نوفر الأمن وننفق الأموال لحماية دول غنية مثل كوريا الجنوبية وغيرها، دون مقابل؟ لماذا نكون حراسًا لهم؟» ولذا، ليس من المستبعد أن تتضمن سياسة ترامب المقبلة بشأن كوريا خطة لإنهاء 75 عامًا من الوجود الأمريكي في شبه الجزيرة، وسحب القوات، وربما إعلان السلام رسميًّا. كما قد تنسجم هذه الرغبة مع خطط مزعومة في البنتاجون لإعادة توجيه القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا نحو مهمة ردع الصين في تايوان.
على الرغم من أن إبرام صفقة كهذه قد يبدو ممكنًا، فإنها ستثير مخاوف شديدة في كوريا الجنوبية من التخلي عنها. غير أن ترامب، الذي لم يُعرف يومًا بولائه لتقاليد التحالفات، قد يسعى إلى تهدئة بعض هذه المخاوف عبر كسر محرمات راسخة في سياسات التحالف. فعلى سبيل المثال، قد يُفضي انسحاب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية إلى تصاعد الدعوات الداخلية لامتلاك البلاد أسلحة نووية خاصة بها. وقد يدعم ترامب هذه الخطوة من خلال إعادة التفاوض على الاتفاقيات النووية المدنية القائمة، بما يتيح لسول تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي، ما يمنحها إمكانية الوصول إلى المواد الانشطارية اللازمة دون الاضطرار إلى خرق معاهدة حظر الانتشار النووي.
سيُعزز امتلاك «القدرة النووية الكامنة» من قدرة كوريا الجنوبية على ردع التهديدات في شبه الجزيرة، ويمنح الولايات المتحدة هامشًا أوسع للتركيز على التحديات الاستراتيجية الأكبر، مثل الصين. كخطوة إضافية لبناء الثقة في التحالف، قد يدفع ترامب نحو تقليص الفجوة مع الصين في قدرات بناء السفن من خلال تشجيع أحواض بناء السفن في كوريا الجنوبية واليابان على تلبية الطلب الأمريكي على أسطول تجاري استراتيجي، مما يتيح توكيل الحلفاء بتحديث وصيانة السفن الأمريكية. وستُقابل مثل هذه الخطوة بترحيب واسع في ضوء القيود المحلية والتأخيرات المستمرة في الصناعة الأمريكية.
رغم إمكانية إبرام صفقة جديدة مع كوريا الشمالية، فإنها ستثير مخاوف كبرى في كوريا الجنوبية من التخلي عنها. ومع ذلك، قد يسعى ترامب، المعروف بكسره تقاليد التحالفات، إلى تهدئة هذه المخاوف بخطوات غير تقليدية، مثل سحب القوات الأمريكية، مما قد يدفع سول لتطوير برنامج نووي محلي. وقد يدعم ترامب هذا التوجه من خلال إعادة التفاوض على الاتفاقيات النووية، ما يمنح كوريا الجنوبية قدرة ردع مستقلة تتيح لواشنطن التفرغ لمواجهة الصين.
كما قد يشجع ترامب بناء السفن في كوريا الجنوبية واليابان لسد فجوة الأسطول الأمريكي، ويعيد صياغة اتفاق تقاسم الأعباء ليشمل توريد أسلحة وذخائر أمريكية الصنع، ما يُعزّز المخزونات الدفاعية. وقد يطرح أيضًا «صفقة قرن» جديدة تتضمن تحديث خط سكة الحديد بين روسيا وكوريا الشمالية لربطه بكوريا الجنوبية، وتحويله من ممر عسكري إلى تجاري، بما يُحقق مصالح اقتصادية وجيوسياسية للطرفين.
لم تعد الولايات المتحدة قادرة على اتباع سياسات سابقة تجاه بيونج يانج، التي أصبحت أقوى بفضل دعم صيني وروسي متزايد. واستفادت من تباطؤ واشنطن في تعزيز ترسانتها مقابل دعمها لموسكو. في هذا السياق، قد يتجه ترامب نحو خطوات جذرية، كسابقة الاعتراف بكوريا الشمالية كقوة نووية، في محاولة لإنجاح قمة رابعة بعد إخفاق القمم الثلاث السابقة.
ورغم أن مثل هذه الصفقة قد تُثير غضب الحلفاء، فإن رغبة ترامب في تسجيل إنجاز تاريخي -يُنهي الحرب في أوكرانيا، ويرضي كيم وبوتين، ويمنحه جائزة نوبل- قد تدفعه لتقديم تنازلات غير مسبوقة، تحت شعار «أمريكا أولًا».