أسعار النفط بين سياسات ترامب والتقلبات الاقتصادية
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
رامي بن سالم البوسعيدي
بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية طرأ على ذهني سؤال حول مستقبل أسعار النفط العالمية، خاصة وأنَّ أكبر أزمة نتعرض لها في سلطنة عُمان بسبب انخفاض أسعار النفط جاءت في خلال فترة رئاسة ترامب (2017-2021)، والتي شهدت أسعار النفط فيها انخفاضات ملحوظة نتيجة عدة عوامل، أولها أن إدارته اتبعت سياسة تعزيز إنتاج النفط المحلي وخففت القيود التنظيمية على صناعة النفط وزادت منح التصاريح للشركات لتطوير الإنتاج، وأدى تزايد الإنتاج الأمريكي إلى تقليل الاعتماد على الواردات ورفع مستوى العرض العالمي، وهو ما سبب تراجع الأسعار، خاصة عندما تزامن هذا التوسع مع انخفاض الطلب العالمي نتيجة لجائحة كوفيد-19 في عام 2020، حيث تسببت الجائحة في تراجع كبير للاستهلاك العالمي للطاقة.
ما يهمنا هو أسعار النفط العُماني الذي قد يتأثر بعدة عوامل عالمية وإقليمية مترابطة قد تنعكس على استقرار السوق النفطي العُماني وإيراداته. ومن خلال قراءة المشهد السابق هناك عدة احتمالات ستوثر على مسار أسعار النفط، تدخل السياسية فيها بالمقام الأول، فمثلا لو عاد ترامب إلى تطبيق عقوبات صارمة على إيران، فإنَّ انخفاض صادرات النفط الإيراني قد يخلق فجوة في الإمدادات؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، والنفط العُماني قد يستفيد بشكل غير مباشر من هذا التراجع في العرض؛ حيث قد يُساهم بملء جزء من هذه الفجوة في الأسواق الآسيوية، خاصةً في الصين التي تعتبر أكبر مستورد للنفط العُماني. ومع ذلك فإنَّ ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير قد يدفع بعض المستوردين للبحث عن بدائل أقل تكلفة أو تعزيز مصادر الطاقة البديلة، مما قد يؤثر على الطلب العالمي طويل الأجل.
من جانب آخر قد يدعم ترامب زيادة الإنتاج النفطي المحلي، مما قد يؤدي إلى وفرة في السوق العالمية على المدى المتوسط، وهذه الزيادة في المعروض قد تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، مما قد يشكل تحديًا للدول المنتجة مثل سلطنة عُمان، حيث تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط في ميزانيتها، وفي هذه الحالة سيكون علينا العمل على تحسين الكفاءة التشغيلية وتطوير سياسات مالية تتسم بالمرونة لمواجهة تراجع محتمل في العائدات النفطية.
ولا ننسى أن الصين والهند هما أكبر المستوردين للنفط العُماني، وأي تغيير في سياسات ترامب تجاه الصين أو الهند، سواء من حيث الرسوم الجمركية أو الضغوط السياسية، قد يؤثر على النمو الاقتصادي في تلك الدول، وفي حال تباطؤ نمو الصين أو الهند، قد يتراجع الطلب على النفط العُماني؛ مما يؤثر على عائدات عُمان النفطية، وفي ظل الاضطرابات السياسية والتوترات التجارية المحتملة، من المتوقع أن تكون أسعار النفط متقلبة، وهذا التقلب قد يؤثِّر على القدرة على جذب استثمارات جديدة في قطاع الطاقة، حيث يفضل المستثمرون بيئة مستقرة نسبيًا، وقد يتطلب هذا منَّا تقديم حوافز إضافية وتطوير البنية التحتية لتعزيز مكانتنا كوجهة آمنة ومستقرة للاستثمار في الطاقة.
لذا قد نضطر إلى تعديل استراتيجيات الإنتاج بناءً على تغيرات السوق، ونتجه إلى ضبط الإنتاج لزيادة المرونة والاستفادة من فترات ارتفاع الأسعار الحالية أو لتقليل التأثير في حالات الانخفاض، ومن جهة أخرى يجب أن نسعى لتعزيز كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف التشغيلية لمواجهة تحديات انخفاض الأسعار.
لكن ماذا لو انخفضت أسعار النفط من جديد؟
على المدى القصير يمكن للسلطنة اتخاذ مجموعة من الإجراءات للتخفيف من تأثير تذبذب أسعار النفط على اقتصادها- في حال انخفاض الأسعار- أولها تحفيز الإيرادات غير النفطية بشكل فوري، بداية عبر تسريع تحصيل الضرائب، ويمكن تسريع تحصيل الإيرادات من ضريبة الدخل التي تعمل عليها الحكومة في هذه الفترة، مما يوفر تدفقات نقدية ثابتة في الأوقات الحرجة، كما يجب مراجعة الرسوم الجمركية والضريبية، ويمكن تطبيق زيادات بسيطة ومؤقتة في بعض الرسوم على السلع غير الأساسية؛ مما يسهم في تعزيز الإيرادات قصيرة الأجل دون التأثير الكبير على القوة الشرائية للمواطنين.
من جانب آخر، يمكن أن تعمل السلطنة على زيادة تقليل الإنفاق الحكومي غير الضروري، عبر تأجيل المشاريع غير الحيوية ويمكن تقليل الإنفاق عبر تأجيل أو تعليق بعض المشاريع غير الحيوية، وتوجيه الموارد نحو الأولويات الملحة، كما يجب العمل على تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية لتقليل المصروفات التشغيلية، كترشيد استهلاك الطاقة وتقليل النفقات الإدارية، كما يجب على الحكومة استخدام الاحتياطيات المالية بذكاء، عبر استخدام جزء من الاحتياطيات المالية لدعم الميزانية وتغطية أي عجز مالي قد يحدث، وسيكون أمامنا عمل كبير في إعادة هيكلة الدين العام لتخفيف الضغط المالي في الأجل القريب، مما يوفر السيولة اللازمة للمشاريع الحيوية.
ولا يمكن أن نهمل دور القطاع الخاص من خلال التواصل الدائم معه وتقديم الدعم المالي عبر دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بقروض ميسرة لتجنب الأزمات المالية الداخلية وتعزيز استقرار الاقتصاد المحلي. ويمكن للشركات الحكومية إقامة شراكات سريعة مع القطاع الخاص وإطلاق مبادرات استثمارية سريعة بالتعاون معه في قطاعات إنتاجية؛ مما يساهم في خلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي بشكل سريع، ويمكن تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات فورية لجذب استثمارات أجنبية جديدة خاصةً في القطاعات ذات النمو السريع مثل السياحة والتكنولوجيا، مما يساعد في تحسين السيولة قصيرة الأجل.
واستقرار العملة والسياسات النقدية سيمثل كذلك أحد التحديات التي يجب العمل عليها لدعم استقرار العملة المحلية، ويمكن اتخاذ إجراءات عبر البنك المركزي لضمان استقرار الريال العُماني، مما يعزز الثقة الاقتصادية ويقلل من التضخم الذي قد ينجم عن تذبذب أسعار النفط والذي يمكن السيطرة عليه باستخدام أدوات السياسة النقدية مثل تعديل أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد وتحقيق استقرار قصير الأجل في الأسعار.
هذه الإجراءات يمكن أن تساعد في حماية الاقتصاد العُماني على المدى القصير حتى استقرار أسعار النفط أو وصول السلطنة إلى حلول استراتيجية طويلة الأمد، ولا ننسى أننا في هذه المرحلة وصلنا إلى رقم جيد في تصدير الغاز، ويمكننا تسريع المشاريع وزيادة إنتاج الغاز وتوجيهه نحو الأسواق العالمية كبديل مؤقت لتعويض تراجع إيرادات النفط، خاصة وأن الطلب على الغاز قد يكون أكثر استقرارًا من النفط في الأجل القصير.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الجامعات العالمية تتسابق لاستقطاب الطلبة المتضررين من سياسات ترامب
تشهد الجامعات البريطانية ارتفاعًا في طلبات الانتقال من طلاب أميركيين، وفق منظمة Universities UK، التي نبهت إلى أن الوقت لا يزال مبكرًا لمعرفة ما إذا كان هذا التحول سينعكس فعليًا في نسب التسجيل. اعلان
تسعى جامعات من مختلف أنحاء العالم لتوفير ملاذ أكاديمي للطلبة المتأثرين بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي استهدفت المؤسسات التعليمية العليا، في خطوة تهدف إلى اجتذاب العقول المتميزة ونيل حصة من مليارات الدولارات التي تدرّها الجامعات الأميركية.
يأتي ذلك تزامنًا مع كشف صحيفة بوليتيكو، بأن القنصليات الأميركية في العالم تلقت أمرًا بفحص مواقع التواصل الخاصة بالطلاب الراغبين بالالتحاق بجامعة هارفارد.
ففي اليابان، أعلنت جامعة أوساكا، المصنفة بين الأفضل في البلاد، عن تقديم إعفاءات من الرسوم الدراسية، ومنح بحثية، ودعم لوجستي للطلبة والباحثين الراغبين في الانتقال من الولايات المتحدة.
جامعتا كيوتو وطوكيو تدرسان بدورهما إطلاق برامج مماثلة، بينما وجّهت هونغ كونغ جامعاتها لاستقطاب النخب الأكاديمية الأميركية. أما جامعة "شيآن جياوتونغ" الصينية، فوجهت نداءً لطلبة جامعة هارفارد تحديدًا، التي استُهدفت مباشرة بقرارات ترامب، واعدة بقبول مبسط ودعم شامل.
"خسارة للبشرية"وتأتي هذه التحركات على خلفية إجراءات اتخذتها إدارة ترامب شملت تقليصًا واسعًا في تمويل البحث العلمي، وتقييدًا صارمًا لمنح التأشيرات، خاصة للطلبة الصينيين، إلى جانب خطط لفرض ضرائب جديدة على الجامعات النخبوية. الرئيس الأميركي برّر هذه السياسات باتهام الجامعات الأميركية الكبرى بأنها "حاضنات لحركات معادية لأميركا".
وفي تصعيد لافت، ألغت الإدارة الأسبوع الماضي قدرة جامعة هارفارد على تسجيل الطلاب الأجانب، قبل أن يتم تعليق القرار قضائيًا.
عميد كلية الطب في جامعة أوساكا، ماسارو إيشي، وصف الأثر الذي تتعرض له الجامعات الأميركية بأنه "خسارة للبشرية جمعاء". وتطمح اليابان إلى رفع عدد طلابها الأجانب إلى 400 ألف خلال العقد المقبل، ارتفاعًا من نحو 337 ألفًا حاليًا.
وقالت جيسيكا تورنر، المديرة التنفيذية لشركة Quacquarelli Symonds البريطانية المتخصصة في تصنيف الجامعات عالميًا، إن مؤسسات تعليمية رائدة حول العالم تسعى لجذب الطلبة الذين أصبحوا مترددين في التوجه إلى الولايات المتحدة. وأشارت إلى أن دولًا أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وإيرلندا باتت أكثر جاذبية، فيما يبرز في آسيا كل من نيوزيلندا وسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية واليابان والصين.
كان الطلبة الصينيون من أبرز المستهدفين في هذه الحملة، حيث تعهد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بـ"تشديد" القيود على تأشيراتهم. وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 275 ألف طالب صيني مسجلون في جامعات أميركية، ما يمثل مصدر دخل رئيسي لتلك المؤسسات، وشريانًا حيويًا لشركات التكنولوجيا الأميركية.
وبحسب وزارة التجارة الأميركية، ساهم الطلاب الدوليون — 54% منهم من الصين والهند — بأكثر من 50 مليار دولار للاقتصاد الأميركي عام 2023. إلا أن حملة ترامب تأتي في توقيت حرج، حيث يستعد آلاف الطلاب للسفر إلى الولايات المتحدة استعدادًا للعام الدراسي الجديد.
تقول داي، طالبة صينية تبلغ من العمر 25 عامًا من مدينة تشنغدو، إنها كانت تخطط لاستكمال دراستها العليا في أميركا، لكنها الآن تدرس الانتقال إلى بريطانيا. وتضيف عبر "رويترز": "سياسات الحكومة الأميركية كانت بمثابة صفعة على وجهي. أفكر في صحتي النفسية، ومن المحتمل أن أغير الجامعة".
وتشهد الجامعات البريطانية ارتفاعًا في طلبات الانتقال من طلاب أميركيين، وفق منظمة Universities UK، التي نبهت إلى أن الوقت لا يزال مبكرًا لمعرفة ما إذا كان هذا التحول سينعكس فعليًا في نسب التسجيل.
تأثير السمعة والقلق من المستقبلمن جانبها، أعربت إيلا ريكيتس، طالبة كندية في السنة الأولى بجامعة هارفارد، عن قلقها من إمكانية خسارة منحتها الدراسية في حال اضطرت لمغادرة الجامعة. وقالت لرويترز: "في فترة التقديم، كانت جامعة أكسفورد هي الوحيدة التي فكرت بها خارج أميركا، لكنني أدركت أنني لن أستطيع تحمّل كلفة الدراسة هناك بسبب ضعف المساعدات المالية".
في حال حُرمت هارفارد من تسجيل الطلاب الأجانب، تفكر إيلا في التقديم إلى جامعة تورونتو في كندا كخيار بديل.
ووفق شركة QS، فإن الاهتمام بدليلها الإلكتروني "الدراسة في أميركا" تراجع بنسبة 17.6% خلال العام الماضي، مع انخفاض بنسبة تتجاوز 50% في عدد الزوار من الهند وحدها. وقالت تورنر إن "الآثار القابلة للقياس على معدلات التسجيل عادة ما تظهر خلال ستة إلى 18 شهرًا، إلا أن تأثير السمعة يمكن أن يمتد لسنوات، خاصة مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن التأشيرات وحقوق العمل".
وحذرت من أن فقدان السمعة الجيدة وخسارة العقول المتميزة قد يكون أكثر فتكًا للمؤسسات الأميركية من الخسائر الاقتصادية المباشرة. وأضاف الطالب الأميركي كاليب تومبسون، البالغ من العمر 20 عامًا والمقيم مع ثمانية طلاب دوليين في هارفارد: "إذا طردت أميركا هؤلاء الطلاب الموهوبين، فسيجدون أماكن أخرى للدراسة والعمل".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة