سودانايل:
2025-06-10@11:48:34 GMT

كيف يحرك الأمريكان عجلة إقتصادهم

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

محمود عثمان رزق

18 نوفمر 2024

الإنسان الأمريكي إنسان محب للحياة بشدة، وهو متصالح ومتفاعل معها وغير زاهد فيها ويحلم بالإزدياد منها. وهذا الحب عندهم لا يتعارض مع حبهم للدين الذي يدينون به، وفي الحقيقة كثير منهم على خلق ودين، ويتعاملون مع الحياة كنعمة إلهية يجب التمتع بها. وهذه المحبة الشديدة للحياة والتصالح معها هي الدافع الأساسي للإنتاج عندهم، وهي أيضاً السبب وراء إبداعهم في إيجاد طرق جديدة ومبتكرة لتحريك إقتصادهم داخلياً وخارجياً.


فالمجتمع الأمريكي يحرك إقتصاده بالخرافات والإختراعات والخدمات وكل ما هو ممكن أن يباع ويشترى. فهو يمكنه أن يجني من فكرة أسطورية سخيفة مليارات الدولارات في خلال أسابيع قليلة. فخذ مثلاً فكرة الإحتفال الذي يسمى بالهلاويين Halween ، وهو فكرة سخيفة تدور حول فكرة أن الأرواح الشريرة تنبعث في شكل (بعاتي) في هذا اليوم، وقد تقابلك هذه الأرواح الشريرة في الشارع المظلم في هيئة مخيفة، أو تأتي لك في ظلام الليل في عقر دارك في هيئة مخيفة أيضاً تطلب منك إكرامها بالحلوى فإن لم تفعل فسوف تتسبب لك بالأذي.
هذه الفكرة السخيفة تستعد لها مصانع السُكّر ومصانع الحلوى ومصانع الملبوسات المخيفة قبل شهور طويلة جداً لتوفير الإنتاج اللازم لهذا اليوم السخيف الذي ينتظر قدومه الأطفال بفارغ الصبر. وعندما ننظر لهذا اليوم وحده وهذه الفكرة وحدها من ناحية إقتصادية نجدها ضخت في السوق الأمريكي في عام 2024 حوالي 12 بليون من الدولارات. ومقابل الأفكار السخيفة وهي كثيرة جداً، نجد أيضاً الأفكار الجادة والمخترعات الجديدة والزراعة والسياحة والعلاج والتعليم وغيره وكل تلك الأشياء هي تروس في عجلة الإقتصاد الأمريكي الذي تزداد تروسه يوما بعد يوم.
وعندما نقارن موقف الإنسان السوداني من الحياة بموقف الأمريكي من الحياة، نجد الإنسان السوداني يقف على النقيض من الأمريكي. نجده كاره للحياة وزاهد فيها وكأنها رجس من عمل الشيطان، ولذلك هو ليس طامحاً ولا طامعاً فيها، وبالتالي تجده سريع الإحباط فيها وكثير التحبيط لغيره منها. هذه النظرة للحياة لم ولن تبني دولة، ولا حضارة، ولن تعمر أرضاً، ولن ترفع شعباً لقُللِ المجد.
هذه النظرة ليست من الدين في شيء، ولا من تعاليم الدين في شيء، ولا من العقل في شيء. إن الدين الذي وعد الإنسان بجنة عرضها السموات والأرض فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لا يمكن أن يمنعه من التمتع والحلم والزيادة في كوكب صغيرٍ جداً لا يزن ذرة من خردل في وسط مليارات المجرات والكواكب الفلكية. إنَّ هذا الزهد القاتل الهدام جاءنا للأسف من مدرسة من مدارس التصوف، وقد أنقسم أهل التصوف في مسألة الزهد لمدرستين فقالت إحداهما: إن الغني الشاكر خير من الفقير الصابر، وقالت الأخرى بل الفقير الصابر خير من الغني الشاكر. وهذا الرأي الأخير هو الذي شاع وساد في السودان للأسف.
وعليه، أصبح الإنسان السوداني زاهداً في كل شيء، فتمسكن حتى تداعت عليه الأمم وكادت تمحه من الوجود، وسخر بعضها منه ومن تكوين شخصيته وشكله ولهجهته. ومن خلال فكرة الفقير الصابر خير من الغني الشاكر،أصبح السوداني يرى التدين الصادق في الخمول والنفور والمرقع والتسكع والجلوس كل اليوم للتسبيح باللالوب (وهذا النوع من التدين أشاد به ياسر عرمان في مقال قبل أيام)، ولا يرى في الجمال والأناقة والإنتاج والصناعة والدفاع والعلم والسياسة والتنمية الإقتصادية وغيرها من ضرورات الحياة الراقية المتحضرة تديناً، بل يعادي ويشكك في تدين من ينحو هذا النحو الثاني!!.
وليست مقولات التصوف وحدها هي المسؤولة عن تشكيل العقلية السودانية الخاملة، بل نجد للمدرسة السلفية المتنطعة التي ترى كل جديد بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار دزر في تخدير وتنويم الإنسان السوداني. في نظر هذه المدرسة السلفية أن كل ما لم يفعله السلف هو ردٌّ إن كان في وسائل التدين أو وسائل الدنيا. وهؤلاء أن قلت لهم إن الإحتفال بالمولد النبوي الشريف فرصة لجذب الناس نحو الدين من جانب، وفرصة لتحريك الإقتصاد شيئاً ما من جانب آخر، قالوا لك إنَّ الإحتفال بالمولد بدعة وما بني على باطل فهو باطال فلا يجوز الإحتفال أصلاً وبالتالي لا يجوز صناعة الحلوى للإحتفال. وهكذا هو موقفهم من أي ظاهرة إجتماعية جديدة يمكن أن تستقل لتحريك الإقتصاد. السياحة لمناطق الآثار القديمة هي زيارة وطواف حول الأصنام ومخلفات المشركين. وإذا سئلوا ما رأيكم في إحتفال الشخص بيوم ميلاده من غير تقديس؟ قالوا هو ضلالة لأن لنا عيدان! والحقيقة إن الإحتفال الخاص ليس عيداً لأن العيد للأمة كلها وهذا إحتفال يخص شخصاً واحدا من الأمة وبالتالي ليس هو عيد للأمة ليصبح عيداً ثالثاً. وخلاصة الأمر قد شاركت المدرسة السلفية في هذا الخمول والزهد القاتل بطريقتها الخاصة التي تستند على النصوص وليس المقاصد الكلية فحالت دون تحريك الإقتصاد السوداني.
وكذلك نجد الآيدلوجية الشيوعية الإشتراكية ايضاً ساهمت في خمول العقل السوداني بموقفها الآيديلوجي ضد مبدأ الملكية الخاصة، وضد الرأسمالية الوطنية المخلصة المتعاونة المعتدلة. هذه المدرسة الشيوعية أشاعت في الناس كراهية رأس المال ونفرتهم من الغِنى والأغنياء لأنهم رجس من عمل الشيطان، وعملت بوسائل السياسة الخشن منها والناعم لتسوية الناس في الدخل باحتكار الحكومة لوسائل الإنتاج والمشي في طريق التأميم ودعم السلع والتضييق على رأس المال الخاص. هذه المدرسة الشيوعية الإشتراكية وعدت الناس بالأماني العراض، بل وعدتهم بجنة عدن في السودان، فكان حلمها ووعدها كسراب بقيعة يحسبه الظمئآن ماء فلم يتحقق في أي مكان على الارض، ولكن ظلت آثاره السلبية على عقول ونفسيات كثير ممن خدعوا بالشيوعية في السودان وهم من غنوا لها "جيتي وفيك ملامحنا"
خلاصة القول إذا أردنا لهذا البلد أن ينطلق فلابد من تغيير عقلية أهله أولاً، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من تفكير مخل، وعقائد فاسدة، وتفاسير خاطئة، وزهد قاتل مدمر، ورهبانية ما انزل الله بها من سلطان. إن الله خلق لنا الأرض وأمرنا بتعميرها كما جاء في التنزيل الحكيم. وكيف نعمرها ونحن كارهون لها وزاهدون فيهأ؟ نعمرها لمن إذن؟ فيجب أن نُعلِّم الأجيال أنَّ الغنى باب لدخول الجنة إذا أحسنَّا التصرف فيه، وباب من أبواب السيادة في الأرض لأنَّ اليد العليا خيرٌ وأقدر من اليد السفلى.
وغنى الأفراد والجماعات يعني غنى الدولة، وغنى الدولة يعني قوتها وعزتها وسيادتها، وأنها قادرة على حماية أرضها وعرضها ودينها وإنسانها وثقافتها. علموا الأجيال أنَّ الغني الشاكر العابد المنفق على نفسه وأهله ومدينته ووطنه وأمته خير من أي فقير صابر لا خيار له إلا الصبر (وفي كل خير). علموهم أن يملكوا كل الدنيا التي خلقها الله لهم ووعدهم فيها وفي الآخرة بالمزيد، علموهم أن يجعلوها في أيديهم ينفقوا منها ولا يجعلوها تدخل جبتهم "قلبهم" إذ ما في الجبة (القلب) إلا الله.
خبراء الأمريكان يقولون لو اردت تغيير مؤسسة أو مجتمع فيجب عليك تغيير الثقافة المهيمنة فيه، وقد سبقهم ديننا لذلك فقال لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وعليه، لن يتغير حال السودان إقتصادياً حتى نحب نعم الدنيا التي خلقها الله لنا ولا نزهد فيها ولا نترهبن ومع ذلك نحافظ على عقيدتنا لانشرك بالله أحدا ولا نبتدع في أصول الدين ومحكمه ما ليس منه، ونحمد الله على نعمة ونشكره ولا نكفره.


mahmoudrizig3@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإنسان السودانی خیر من

إقرأ أيضاً:

مختصون لـ"الرؤية": تطوير القوانين ضروري لدفع عجلة التنمية.. و"السيادة الرقمية" تتطلب استحداث تشريعات جديدة  

 

الفهدي: تحديث التشريعات ضرورة لمواكبة المتغيرات وتحسين الأداء الحكومي

باقوير: مشاريع قوانين قيد الدراسة ستمنح العمل الوطني دفعة قوية لتحقيق رؤية "عمان 2040"

◄ باحجاج: النهج التشريعي الاستباقي ضروري للتعامل مع التحديات الناجمة عن الثورة الرقمية

 

الرؤية- مدرين المكتومية

يُؤكد عدد من المختصين والمسؤولين أنَّه في ظل النهضة المُتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- تتواصل الجهود الوطنية في مسار تحديث القوانين والتشريعات بما يتماشى مع رؤية "عمان 2040" ومتطلبات التنمية الشاملة في البلاد، إذ إن تحديث القوانين يسهم في دفع عجلة التنمية والاقتصاد وتحسين منظومة العمل وترسيخ دولة المؤسسات.

ويشير المكرم الدكتور صالح الفهدي إلى أن مسيرة تحديث التشريعات والقوانين العُمانية متواصلة، فخلال السنوات الخمس الماضية ومنذ تولِّي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد، بدأت مسيرة التحديث في التشريعات والقوانين بخُطى حثيثة خاصَّة في الجوانب الاقتصادية والمالية، لأنها الركن الأساسي في للبناء والتقدم، مضيفا: "شهدت هذه الفترة الزمنية تحديث عدد كبير من التشريعات والقوانين، ولا شكَّ بأن التحديث في المنظومة التشريعية أمر أساسي وكما يُقال (الثابت الوحيد هو التغيير)، نظراً لأن المتغيرات على الصُّعد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها كثيرة، ولا يمكن إبقاء أيَّة تشريعات وقوانين على حالها وهي تُشكِّل عوائق أمام عمل الحكومة وأجهزتها التي تسعى من أجل التغيير في منظومة العمل، وتحسين الأداء بصورة عامة، كما أن عملية تحديث التشريعات والقوانين لن تتوقف لأن جلالته -حفظه الله ورعاه- يُريدُ إحداث تغييرات ذات أثر ملموس في مختلف الجوانب التي يأتي الاقتصاد في طليعتها من أجل تحسين معيشة المواطن، وتنويع مصادر الدخل، وتحسين الموارد المالية، وتوجيه المال العام إلى الوجهات الصحيحة، واستثمار كل ما يمكن استثماره لزيادة الفاعلية الاقتصادية".



 

ويوضح الفهدي أن مراجعة القوانين والتشريعات أمرٌ أساسي في مسيرة أيّ دولة تسعى إلى تحسين عملها، وتحقيق ما تأمله في خططها بعيدة المدى، وسلطنة عُمان ليست استثناءً؛ إذ إنها وهي تضع مستهدفات رؤية "عمان 2040" أمامها فهي تضع في اعتبارها كل ما يمكن تطويره من أجل الوصول إلى الغايات المرسومة في الرؤية، ولا شك بأنَّ التغيير لن يتم إلا بعد مراجعة القوانين والتشريعات وتطويرها والإضافة عليها، ومن المعلوم أن قِدَم بعض القوانين والتشريعات ومضي فترة من الزمن عليها مع تسارع المستجدات على الصعيد الإقليمي والدولي سيبطئ العمل الحكومي، ويعيق الإجراءات المتعلقة بالإجراءات، ويسبب ذلك في تراجع الأداء، وضعف منظومة العمل، أضف إلى ذلك أن سلطنة عمان ترتبط بالعالم في جوانبها المختلفة، علاوة على ارتباطها بالاتفاقيات الدولية وهذه جميعها تدفع نحو مراجعة القوانين والتشريعات للانسجام مع أساليب العمل مع الأطراف الخارجية الأخرى، وتطبيق الاتفاقيات والمواثيق التي صدقت عليها.

من جهته، يذكر المكرم عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة، أن تحديث القوانين والتشريعات يُعد من القضايا الوطنية الحيوية لأنَّ هناك الكثير من المتغيرات، إلى جانب تحقيق الانسجام مع الخطط والرؤى التي تشهدها سلطنة عُمان، وتأتي في مُقدمتها رؤية "عمان ٢٠٤٠"، مبينا: "الفترة الحالية لمجلس عمان شهدت إنجاز عشرات القوانين والتشريعات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والقانوني وفي مجال الاتصالات والاستثمار، وهناك مشاريع قوانين سوف تنجز خلال دور الانعقاد الحالي والقادم لمجلس عمان".


 

ويقول: "يشهد العالم الكثير من التطورات الاقتصادية والاجتماعية، وهذه التغيرات تتطلب إيجاد مناخ تشريعي يتماشى مع هذه المتغيرات، وكذلك شهدت سلطنة عمان خلال السنوات الخمس الأخيرة من عمر نهضة سلطنة عمان المتجددة تحديث عشرات القوانين والتشريعات، ويأتي قانون الإعلام كمثال على هذه القوانين المهمة والتي تنظم المشهد الإعلامي في سلطنة عمان خاصة الإعلام الرقمي، علاوة على جملة من القوانين التي تخدم المشهد الاقتصادي، والذي يعد أحد ركائز الخطط الخمسية في سلطنة عمان، كما إن مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى يعكف حالياً على دراسة جملة من مشاريع القوانين والتي تصب في تجديد وتحديث عدد من القوانين الحالية، وسوف يكون لتلك المشاريع أهمية كبيرة من خلال تحديث تلك التشريعات".

ويلفت باقوير إلى أنَّ مشروع قانون مؤسسات المجتمع المدني من أهم المشاريع التي يتم مناقشتها في مجلس الدولة بعد أن انتهى مجلس الشورى من دراسته، مضيفا: "هذا القانون مهم جدا لتطوير العمل المجتمعي لمؤسسات المجتمع المدني، ويحتاج إلى تطوير ومنهجية جديدة تتماشى مع العمل المدني والتطوعي في سلطنة عمان، كما إن هناك جملة من المشاريع والقوانين قيد الدراسة، وسوف تأخذ دورتها التشريعية خلال ما تبقى من دور الانعقاد الحالي ودور الانعقاد الثالث والرابع، وسوف تشكل تلك القوانين والتشريعات دفعة هامة وحيوية على صعيد الدفع بالعمل الوطني إلى الأمام وبما ينسجم مع رؤية عمان ٢٠٤٠ ".

وفي السياق، يرى الدكتور عبد الله باحجاج أستاذ القانون الدستوري، أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع عمان لتحديث وتطوير القوانين والتشريعات، وذلك من خلال ثلاثة مستويات وهي: تحديث وتعديل واستحداث تشريعات وقوانين جديدة، موضحا: "علينا أن نضيف مستوى رابع غير تقليدي، وهو النهج الاستباقي في التعامل مع كل التحديات القانونية والسياسية والاجتماعية والأمنية الناجمة عن تطور الثورة الرقمية أو السيبرانية لضمان مستقبل آمن للدولة والمجتمع من خلال تشريعات وقوانين مرنة، وتزامنا مع ذلك، فلابد أولا من تحديد حدود البلاد السيبرانية لتحديد نطاق تطبيق تشريعاتها وقوانينها المتجددة، فالثورة الرقمية قد استحدثت ما يسمى بالسيادة الرقمية أو السيبرانية، وغيرت مفهوم السيادة التقليدي، والقضية هنا لها ثلاثة أوجه متكاملة، ولا يمكن فصلها، إذ لا الفصل بين تطوير وتحديث واستصدار تشريعات جديدة عن تحديد حدودنا السيبرانية التي ينبغي أن تسري عليها هذه التشريعات والقوانين، وسنتناول هذه القضية سريعا، مع التركيز على قضية التشريعات والقوانين، وقبل ذلك، نُشير إلى أنَّ محيط بلادنا الجيوسياسي يشهد سباقاً محتدماً في الاستثمار لتطوير التقنية وتوطينها بطموحات عالمية، وعمان بمواقفها السياسية المستقلة وقوتها الجيوسياسية وقوتها الناعمة، من المؤكد أنها ستكون مستهدفة في ذاتها سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا".


 

ويتابع قائلاً: "من الآن يمكننا استشراف التحديات، فتطورات التقنية المذهلة تلح على بلادنا الإجابة على التساؤل التالي وهو: كيف لها أن تحافظ على استقلاليتها في إدارة مواردها الرقمية إذا لم تساير هذه التوجهات سريعاً، ومن 3 نواح أساسية، الأولى: الدخول في معترك الاستثمار في تطوير التقنية، وبالذات تقنيات الأمن السيبراني كما فعل جهاز الاستثمار العماني عندما استثمر في تطوير تقنيات الطائرات المسيرة، أو الحرص على اقتناء كل جديد منها، إذ يعد الأمن السيبراني خط الدفاع الأول ضد الهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، ووفقا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2023، تكلف الهجمات الإلكترونية الاقتصاد العالمي أكثر من 10.5 تريليون دولار سنويا، مما يدفع بالحكومات لتعزيز استراتيجياتها الدفاعية، ولقد طورت بعض الدول أنظمة أمن سيبراني تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف التهديدات مبكراً".

ويضيف باحجاج: "الناحية الثانية: تحديث التشريعات والقوانين لدواعي الردع لضمانة عدم اختراق أنظمتها وخدماتها الإلكترونية وحماية البيانات الوطنية وحماية حقوق المواطنين ومنع إساءة استخدام التكنولوجيا.. إلخ، أما الناحية الثالثة فتكمن في التوعية والتعاون الدولي: إذ تُشير دراسة لجامعة ستانفورد عام 2022 إلى أنَّ 45% من الهجمات الناجحة تحدث بسبب ثغرات بشرية  مثل التصيد الاحتيالي، وهذا يُدلل على ضرورة توعية المستخدمين حول كيفية استخدام التكنولوجيا، ومثل ما تتعاون الدول للحفاظ على أمنها واستقلالها وأراضيها من الأطماع الجيوسياسية والجماعات المسلحة، فبالأحرى هنا التعاون مع الدول التي لنا معها علاقات وشراكات عميقة التعاون في الحفاظ على سيادتنا الرقمية أو السيبرانية، ومن خلال ما تقدم يظهر لنا أهمية إيلاء تلكم الثلاثية الاهتمام الأكبر والمتعاظم، وخاصة في مجال التشريعات والقوانين في ظل تطور التقنية، فمتطلبات الحياة، والتقدم التقني والتكنولوجي يسابق عجلة السرعة الزمنية، والسباق الإقليمي والعالمي على تطور التقنية بات مخيفا، وتنفق من أجله الدول المليارات من أجل الاستفراد بسبق التطور، لذلك، لابد من سرعة المواكبة وبصورة مرنة، خاصة في ظل توجه البلاد كغيرها من الدول إلى الاعتماد على التقنية والتكنولوجيا، ولعل اتجاهنا مؤخرا نحو توظيف الذكاء الاصطناعي في القضاء، وكذلك في ظل انفتاح بلادنا على جذب الاستثمارات الأجنبية وإقامة شراكات متعددة الجنسيات، ينبغي من خلالها أن تسعى إلى توطين التقنية والتكنولوجيا، ودخول الذكاء الاصطناعي في القضاء أكبر الاستدلالات بأهمية تطوير المنظومة القانونية للمحامين والقضاة والانتقال من الجانب الورقي إلى الإلكتروني في ملفات التقاضي لحفظ حقوق الموكلين والمحامين والحفاظ على أيضا على سرية المعلومات".

ويقول أستاذ القانون الدستوري: "الكثير من الخبراء يدعون الآن إلى إيجاد تشريعات جديدة للاستثمار والوكالات التجارية والعقود والذكاء الاصطناعي وحماية الملكية الفكرية في الشركات وفي التقنية والتحكيم وأسلوب حل المنازعات، إلى جانب قانون جديد للعمل في ظل ظهور أنواع أعمال جديدة تتطلب تشريعات وإجراءات قانونية منظمة لها، وهذه التوجهات، وخاصة التشريعية والقانونية تتماشى مع أهداف رؤية عمان 2040 التي تسعى إلى تطوير منظومة عدلية متقدمة ترسخ سيادة القانون، وتضمن عدالة ناجزة، وبذلك تستوعب الرؤية كل التطورات المتسارعة في مجال التقنية والتكنولوجيا التي قد تحدث خلال نهضة البلاد المتجددة التي يقودها حضرة الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله-  كما ينبغي أن يتزامن ذلك مع تأهيل الكوادر الوطنية وتوفير التدريب اللازم للتكيف مع التطورات التقنية والتكنولوجية في خط مواز لتطوير وحماية بنيتنا الأساسية الرقمية التي هي الأساس الذي تعتمد عليه الدول لتخزين وتداول بياناتها، ولذلك حمايتها من الهجمات السيبرانية ضرورة عاجلة لمنع اختراق البيانات واستخدامها لأغراض غير مشروعة".

مقالات مشابهة

  • مروان عطية: مواجهة صن داونز الأخيرة أكثر مباراة شعرت فيها بالحزن.. ولكن الله عوّضنا بالدوري
  • 20 عامًا على رحيل عبد الله محمود.. الفنان الذي اختصر عمره في أدوار لا تُنسى (تقرير)
  • مختصون لـ"الرؤية": تطوير القوانين ضروري لدفع عجلة التنمية.. و"السيادة الرقمية" تتطلب استحداث تشريعات جديدة  
  • شاهد بالصورة والفيديو.. بصوت جميل وطروب.. عريس سوداني يغني لعروسته ويتغزل فيها: (البنات مهما اتجملوا زي جمالك ما بلحقو الله منك يا زينبو)
  • شيخة الجابري تكتب: في متغيرات الإنسان والزمان
  • بحرية الصين تؤكد تعلمها من الدروس التي تجرعها الأمريكان على يد اليمن في البحر الأحمر
  • ابن سليم: «دولي السيارات» واليابان يدفعان عجلة التقدم العالمي
  • النبي الذي فداه الله بكبش عظيم.. إسحاق أم إسماعيل؟ على جمعة يحسم الجدل
  • عودة: الشرّ في الأرض هو في حركة تزايد متصاعد
  • غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي